جور نار
بعض القول في الباكالوريا التونسية
“الباكالوريا هي أولى عناوين التميّز وأولى المكافآت وأولى الميداليات” (فيكتور هوغو)
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriتنبع الأهمية القصوى التي يوليها أغلب التونسيين للباكالوريا حسب اعتقادي من كونهم أصبحوا مُدركين تماما أن مفاتيح التغيير لم تعد بأيديهم وأن جميع ثرواتهم التي أطعمتهم من جوع على امتداد عقود، باتت مجرد “بلّوط” بالكاد تكفي لتأمين أجور وجرايات نهاية الشهر.
كما أدركوا أن حُكّامهم اليوم “على مراد الله” لم يتفوّقوا على سلفهم الطالح إلا بالإمعان في مزيد استبلاههم وإلهائهم وإيهامهم بأن الشعار أهم من محتواه ومجرد إعلانه أكثر إقناعا من العمل على إنفاذه. وعلى هذا الإدراك العفوي بنوْا منوالا جديدا لأنفسهم أهم ما يميزه تطليق الشأن العام والتوغّل في الاعتناء بالشأن الخاص من أجل ضمان البقاء على قيد الحياة بعدما كانوا ينشدون مزيدا من العيش الكريم وقدرا أكبر من الرفاه الاجتماعي… ويميّزه كذلك وضع كل الآمال والطموحات والمُدّخرات في دراسة الأبناء والحرص على تأمين أفضل مستقبل أمامهم. لذلك أصبحنا في تونس نعيش ما يشبه الحمّى والغليان الشعبي بمناسبة العودة المدرسية والجامعية واجتياز امتحان الباكالوريا ومحاولة التسجيل في أفضل المؤسسات وتخيّر أفضل المدرّسين وتلقّي بطاقات الأعداد واختيار أفضل المقاولات في مجال الدروس الخصوصية …
لذلك كانت الباكالوريا عنوانا مركزيا كبيرا في حياة العائلات التونسية ومنعرجا حاسما تُصرف في سبيله الأموال الطائلة وتشدّ فيه الأعصاب ويختزل فيه التطلّع إلى غد يتغلب على منغّصات الراهن وسياطه اللاذعة.
تحدوني الأمل من خلال هذه الورقة في تقديم بعض العناصر التقييمية الأوليّة للباكالوريا التونسية ـ خاصة أننا نعيش خلال هذه الأيام ملخّص مآلاتها المتصلة بما تُتيحه هذه العتبة المدرسية المحورية من آفاق دراسية في التعليم العالي- قصد الوقوف المتأمّل على هِناتها ومراكز قوّتها، باتجاه تعديل قد يأتي يوما…متمنّين أن لا يأتي على نحو لا ينتظره أحد ممّن ستقوم عليهم هذه التعديلات أو المراجعات المنتظرة، أي ما يسمّى في قاموس بالمحلّلين بالفاعلين التربويين كبُناة للإصلاح ومساهمين فيه وليس كمستهلكين له ومُتفرّجين عليه.
ما لاحظته شخصيا في علاقة بالظواهر الساطعة التي لا يمكن أن تكون محل تنازع يجدر تلخيصه في العناصر التالية :
أوّلا : الباكالوريا أو الاستفاقة المتأخّرة
من غير المقبول والمعقول أن يظل التلميذ التونسي يدرس إلى سنّ 19 سنة دون أن تعترضه أية محطة تقييمية رسمية وإجبارية في كامل المسار الدراسي إبتدائيا وإعداديا وثانويا، بما لا يُتيح أية فرصة أمام التلميذ وعائلته أولا حتى تُراجع طرق العمل ويتمّ التنبّه إلى الاختلالات البارزة في التكوين الأساسي أو عناصر القوّة التي يتعيّن تدعيمها ومزيد شحذها وتطويرها… وأمام المنظومة برُمّتها ثانيا حتى تُعدَّل المسارات في ضوء النتائج المحقّقة وعدم إكراه حشود بأكملها على متابعة دراسات طويلة، تتطلب صلابة في نواة التكوين الأولى وطول نفس ومشروع دراسي متبصّر يستبق مستقبل الدراسة بعد الباكالوريا.
ثانيا : لا مستقبل لباكالوريا تقوم على خارطة مُعوجّة ومتهالكة للمسالك والشُعَب في التعليم الثانوي
لم يتأكد من ذي قبل كما يتأكد اليوم ضرورة مراجعة الخارطة الحالية للشُعب والمسالك التي أضحت بالية ومتقادمة بل ومُدمّرة لأحلام أجيال بكاملها. وهو مشهد مختلّ تتورّم فيه شعب وتنتفخ فيه أخرى مقابل شعب تضمر وتنكمش وأخرى تمارس إبهارا كاذبا (مثل شعبة الإعلامية والعلوم التجريبية) لأنها تدّعي آفاقا لا توفّرها وتروم معانقة مستقبل لا تُتيح سبل الوصول إليه.
ثالثا : رُبع الناجحين في الباكالوريا هذه السنة (حوالي 15000) تقدموا هذه السنة بمطالب إعادة توجيه
أقدّر شخصيا بعشرات الآلاف عدد الذين تحصلوا على شعب دراسية في التعليم العالي لن يلتحقوا بها ولن يدرسوا فيها، إما لأن باكالوريتهم لا تمتّ بأية صلة للشعبة التي نالوها وقد نصص عليها مُكرها في استمارة التوجيه، أو فُرضت عليه بشكل جزافي لعدم توفر الشغور خارجها.
أو نظرا إلى بعد المسافات بين الموطن الأصلي والجهات التي تحتضن مؤسسات جامعية تظل تتوفر بها بعض الشغورات … أو لتأكد معاناة خريجي شعب معينة من خلال ما يتداوله الطلبة القدامى (مثل مهن التراث والعلوم الانسانية وبعض اختصاصات الاقتصاد والتصرف… )
ولو أحصينا في هذا المجال عدد الملتحقين بالتعليم العالي الخاص ومسالك مؤهل التقني السامي في التكوين المهني والمتصلين بمكاتب الوساطة للدراسة بالخارج والمشاركين في دورة إعادة التوجيه (أوت 2023 ومارس 2024 مستقبلا)، لحصلت لدينا فكرة دقيقة حول حجم الهدر الحاصل نتيجة باكالوريا رثّة في جزء كبير منها.
رابعا : منظومة وطنية للتربية والتكوين مفكّكة الأضلاع لن تقدر على الإقلاع
إن غياب المقاربة المنظومية التي تجعل من الالتحاق باختصاصات مؤهل تقني سام في التكوين المهني بعد الباكالوريا أفقا حقيقيا وواعدا أمام حاملي الباكالوريا، خاصة في مسالك التعليم الثانوي المتضمنة لبعض الأبعاد التطبيقية (وهنا أغلب المواطنين من الذين تحدثت إليهم لا يمكن إقناعهم مهما فعلت بأن هذه الشهادة تُعادل شهادة الإجازة الوطنية في التعليم العالي لا فقط من حيث فاعلية التكوين بل كذلك من حيث القيمة التنظيرية على المستوى القانوني) أضرّ كثيرا بمردودية نظامنا التعليمي وأعاق تطوّره في اتجاه نظام تتوازن فيه الأبعاد التكوينية ويسمح بالعبور لأوسع فئة ممكنة من اليافعين، مهما كانت أصولهم الاجتماعية ومستوى مكتسباتهم الأساسية نحو مجالات مهنية تحفظ كرامة روّادها.
خامسا : أزمة الباكالوريا مُضاعفة في الجهات الداخلية
لقد أصبحت لامبالاة الدولة وتقصيرها أمرا فادحا وفاضحا في حق الجهات الداخلية (والأحياء والمعتمديات الداخلية في الجهات الكبرى) التي تتدنّى فيها نتائج الباكالوريا بشكل مرعب وتتراجع فيها أعداد الملتحقين بمسالك دراسية واعدة نسبيا على نحو يبعث على الانشغال الحقيقي. وهنا يُدهشني جدا أن لا أرى وزارة أو مندوبيات أو مسؤولين يقيّمون عمق الشروخ التي أفرزتها الباكالوريا ويحاولون تفكيك ما حدث وإجراء قراءات جريئة في هذه النتائج من أجل استباق انطلاق السنة الدراسية الجديدة واجتراح بعض الحلول لمعالجة بعض التصدعات (وليس كلها) وإنقاد بعض ما يمكن إنقاذه… صادف أن تحدّثتُ إلى بعضهم : هم غير منزعجين ولا منشغلين لأنهم يعلّقون ببراعة كل الإخلالات على شمّاعة “تهميش مناطقهم المتوارث” و “ضرورة انتظار الإصلاح التربوي الوشيك” و “الطابع المركّب للأزمة”، الخ…
سادسا : أبعثوا شعبًا ذات تشغيلية عالية في الجهات الداخلية وستتغيّر المعادلة
لقد حان وقت إصلاح الوهن الذي أصاب الخارطة الجامعية التونسية والذي توارثناه منذ عقود عن توازنات سياسوية وقَبَليّة متخلفة والذي أعطى مؤسسات مرتجلة باختصاصات باهتة وبيئة جامعية ضحلة في معظم الجهات الداخلية، بما أثّر بشكل سلبي على جاذبية “الأقطاب الجامعية الجديدة” ومستوى الإقبال عليها.
لا أرى شخصيا ما الذي يمنع من بناء شراكات مُثمرة بين هذه المؤسسات الجامعية الناشئة وكبرى الجامعات العالمية، خاصة في علوم الكمبيوتر والسلامة المعلوماتية والديمومة البيئية والروبوتيك والتحوّل الرقمي والمهن الصحيّة الخ… كأحد الحلول التي من الممكن اعتمادها في سبيل إعادة الاعتبار لهذه المؤسسات المنسيّة وتجاوز واقع العزلة الجامعية والأكاديمية الذي فُرض عليها.
سابعا : منظومة التوجيه الجامعي تعمّق أزمة الباكالوريا بدلا من تذليلها
إن عدم الاطلاع على خصوصيات التكوين في التعليم الثانوي في مختلف الاختصاصات (نتيجة عدم وجود أي نوع من أنواع التنسيق بين متفقدي المواد ورؤساء اللجان القطاعية في التعليم العالي) وعدم توزيع الناجحين في الباكالوريا على عروض التكوين الجامعي بشكل أكثر نجاعة وموضوعية ومحدودية طاقة الاستيعاب في الشعب الجامعية الواعدة، والمبالغة في اعتماد المقاييس الكميّة على حساب شروط الدافعيّة والاهتمام والطموح لدى الطلبة الجدد… هي أهم سمات القصور في منظومة التوجيه القائمة حاليا حسب اعتقادي..
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 16 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 19 دقيقة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 5 ساعات
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 8 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 9 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 9 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 9 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 9 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 9 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية