جور نار
سبعة أصناف من ذوينا تزعجها الحرب على غزّة
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriهذه الحرب ضد أهلنا في فلسطين تُزعج بعض الأصناف من الناس أكثر من الفلسطينيين أنفسهم الذين تصالحوا مع البشاعة وتآلفوا مع العراء وتماهوْا مع الشحّ البالغ في كل المواد الأساسية من ماء وغذاء ودواء… وأصبحت تربطهم بالموت علاقة تحدّ ومواجهة وعزّة وكرامة…
فالفلسطيني خبِر عدوّه جيدا وأدرك حقده التاريخي على لغته وألوانه ورموزه التي من دونها لا يمكن أن يستمر في الوجود. وها هو حقده وكرهه التاريخيان يبلغان البارحة حدّ التهديد باستعمال القنبلة النووية.
لا أذهب إلى حدّ وصم هؤلاء الممتعضين والمُتبرّمين بالتواطؤ أو بالانحياز إلى صفّ القتلة، وإنما هي رغبة أرشيفية بسيطة في تسجيل “من عليّ من الذئاب ومن معي” كما يقول شاعر غزة ابن حي الشجاعية المرحوم معين بسيسو.
ومن هذه الأصناف المغتاظة والمُمتعضة:
___ الكتّاب والأدباء والمثقّفون الواقفون على خط الحياد، السّاعون إلى نيل الجوائز الإقليمية والعالمية التي يؤخذ في إسنادها بعين الاعتبار عامل “الاستقامة السياسية” والقدرة على صياغة المواقف الصابونية اللزجة المُحدِثة لرغوة كبيرة لكن لا تُمسك في صلبها إلا على ما يشبه البخار والإسفنج… هؤلاء يُبدعون في تصميم مواقف تُمسّح بلطف في اتجاه الشَّعر، من قبيل “التاريخ ليس سوى جرد للأهوال والأعمال الانتقامية التي لم تتحقق، والخسائر الفادحة لعدم قدرتنا على استحقاق العيش في سلام وفرح” (ياسمينة خضرا) أو “لا أستطيع أن أجد الكلمات لأعبّر عن مدى رعبي مما فعله مسلّحو حماس باليهود. عندما تهاجم الوحشية النساء والأطفال تصبح همجية وليس لها أي مبرر أو عذر. أشعر بالرعب لأن الصور التي رأيتها هزّت أعماق إنسانيتي” (الطاهر بن جلّون) أو كذلك “أنا أكره مشاهد القتل والدّمار” (ألفة يوسف) … مع الملاحظ أنني أكنّ تقديرا خاصا لجميع هؤلاء في ما يتّصل بكتاباتهم الأدبية ولست مستعدّا لأن أجرّح في أيّ منهم مهما أتوا من مواقف، لأن الأصل في التعبير هو الحرية ومطلق الصدق دون حساب…تماما مثل الرياضيين الذين نتذوّق جودة لعبهم في مجالهم ولا نُقاسمهم بالضرورة مواقفهم الخاصة إزاء القضايا العامة.
___ المثقّفون (جامعيون وإعلاميون ومدوّنون …) الذين حرمهم لهيب الوضع المهيمن اليوم في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل وفي المقاهي وفي الشارع وفي الكليات وفي كل المواقع، من مواصلة الاستثمار في مدارات اهتمامهم المفضّلة والتي غالبا ما تحدّدها أولويّا مراكز تأثير نائمة أو مخابر بحث أكاديمية ووكالات عابرة للقارات ومؤسسات تمويل عالمية تتغطى أحيانا بالتعاون وترويج البحث وتطويره أحيانا أخرى… وعادة ما تكون عناوين الاهتمام الأكاديمي أو البحثي المطروحة للتداول، هُلامية وحياديّة من قبيل السلم في فلسطين بين الأسطورة والواقع أو الصداقة على ضفاف المتوسط : أي فرص للتحقق ؟ أو كذلك أي دور لمجموعات الضغط في المجتمع الإسرائيلي من أجل إحلال السلام الخ…
___ المُبشِّرون بالسعادة الواهمة من رُوّاد التنمية البشرية الذين يمطروننا صباحا مساءً ببداهات ساذجة وسمِجة تقول فيما تقول إن السعادة تكمن في تحميل جُرعات الأدرينالين وكيف تجعل الناس تحبّك في 90 ثانية والمشاركة في يوم تدريبي عن مهارات تطوير الذات بــ 400 دولار والدجاج إذا وثق بنفسه يتمكّن من الطيران متفوّقا على النسور… أتحدّاهم أن يُجرّبوا “مبادئ” التنمية البشرية ضد دبابة الميركافا التي تحرق الأخضر واليابس في طريقها نحو الحدود مع غزّة.
___ العارضات أزياءهنّ والنّافخات وجوههنّ نفخًا والشّاحطات قدودهنّ شحطًا مبرّحًا والشّافطات شحومهنّ شفطا من أجل استدرار الإعجابات والآهات … هذه الكائنات السيليكونية يُسيئُها جدا أن تتجه كل الأنظار نحو ما يصنعه مغول وتتار العصر الحديث بأطفالنا في فلسطين، فتتقلص مساحات حضورها ويخجل متابعوها من التعبير عن انبهارهم إزاء أجساد مكتنزة وسط مشهد الأشلاء وهُزال ما تبقى من الأحياء.
___ السياسيون الطارئون (على القضايا الكبرى) الذين لم يتجاوز مَعين تكوينهم السياسي بعض الشعارات القائلة بتحقيق التنمية الشاملة وإصلاح القضاء ومقاومة الفساد وتحقيق توازن المالية العمومية والنهوض بالفئات الاجتماعية الهشّة … فراحوا يلتحفون بالكوفيّة الفلسطينية ويهتفون صامدون وصامدون وصامدون (درويش) وهم لا يعرفون أن الملاحم التي يخطّها فلسطينيو اليوم إنّما تستمدّ عنفوانها وديمومتها من تاريخ نضالي طويل منحوت بأحرف من دم في ساحات عمّان واللدّ وبيروت وصيدا ودير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقرى الجنوب اللبناني…وكذلك من أبطال أشاوس دفعوا حياتهم ثمنا لحماية جمرة المقاومة واستمراريتها مثل أحمد موسى سلامة وسعد صايل وأبو إياد وأبو جهاد وأبو عمار وغسان كنفاني وأحمد ياسين وعزالدين القسام وأبو علي مصطفى وسناء المحيدلي ودلال المغربي وكمال عدوان…
___ الإذاعيون والتلفزيونيون الذين اعتادوا على الاستقاتة من المرح الركيك والابتذال السّميك وبيع الماعون وآلات غسل الصابون وتوظيف مصائب الناس وأحزانهم في استمالة جمهور “المُطلّين من الشرفات والفرجويّين” الذين “ينصبون النّصبة وما لازمها” مساءً أمام شاشات تسرد حكايات لا يخلو منها مجتمع لكنها تشدّ انتباه المشاهدين ويُؤثّثون بها غدهم في المقاهي الشعبية واللقاءات النسوية أمام المدارس الابتدائية. هؤلاء فاجأهم الطوفان فظلوا يراوحون مكانهم ويحاولون ركوب موجة الغضب والتعاطف العالية (ولو برداعي) من خلال استهلال مداخلاتهم بجمل مخاتلة من قبيل “رغم المرارة… ورغم ما نشعر به جميعا من أسى وحزن عميقين… سنقف دقيقة صمت ترحّما على أرواح شهدائنا في غزة ثم نعود إلى منوّعتنا …”.
___ وأخيرا هناك فئة سابعة أسمّيها فئة الناس العاديين الذين لا يدّعون في النضال باعا أو ذراعا ولا يُفرّقون كثيرا بين التحريم والتجريم والتطبيع والتطويع، ولكنّ لديهم إحساسا صادقا جدّا بأن ما يجري هناك كأنما يجري لديهم في ديارهم وأن لا أحد في العالم بقادر على إقناعهم بأن أي ردّ فلسطيني لا يمكن إلا أن يدخل في خانة الإرهاب واستهداف المدنيين وعليهم إدانته. هؤلاء متذمّرون هم الآخرون لإحساسهم بالعجز عن مناصرة إخوتهم وإسنادهم ميدانيا أولا ولشعورهم بالمرارة إزاء كافة أوجه حياتهم العادية منذ انطلاق العمليات.
يصارحونك وهم فزِعون أمام مشاهد الدمار الشامل والقتل البارد أن “كل شي مْرار” : العمل والدراسة والرياضة والضحك والأكل والتطويل في الحديث عن القضايا المحلية والتذمّر إزاء فقدان الزيت والسكّر، ولكن في نفس الوقت “مَعْلِشْ” … لأن الفلسطينيين ورغم حجم المأساة التي أغرقتهم في أوحالها متعددة الأوجه حقّقوا نصرا استراتيجيا لم يتحقّق من قبل بهذا الوهج وهذا الوضوح الدّامغ، والمتمثل في إرجاع قضيتهم المركزية إلى جدول أعمال الانسانية رغما عنها وبالشروط التي قد تتجاوز هذه المرة سقف الاتفاقيات التي أنجزت في السابق.
بالنسبة إليّ شخصيا، تقديري أنني أنتمي إلى هذا الصنف الأخير لأنني توقّفت مذّاك عن الكتابة في مواضيع التربية وما جاورها، لإحساس داخلي لديّ بأن ذلك أدنى ما يمكن أن نساهم به كتونسيين في أم المعارك وفي مواجهة التصريحات الوقحة والبشعة لأحفاد بن غوريون وغولدا مائير والتي تقول إن “إسقاط قنبلة نووية على غزّة هو حلّ ممكن كذلك” !!!
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 23 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 23 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟