جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 17
نشرت
قبل 8 أشهرفي
فرص الخروج الى حانوت صالحة لقضاء بعض اللوازم الخفيفة للعائلة علمتني الكذب والسرقة … كنت اسرق قليلا من الوقت لاشاهد اصدقائي في الحومة “يكوّرون” وعندما اعود اختلق اية كذبة لابرّر تأخّري …
وكنت احسّ بعيّـــــــــادة وهي لا تصدّق ولدها (الزفلات) و كــــــــانت كل مرة تعلّق بـ “اية تو نشوفك المرّة الجاية اشنية الكذبة الجديدة الّي باش تطلعلي بيها !!”… في تلك الحقبة كانت تكتفي بإشعاري بانها “مشلّقة” ولكن كانت تؤمن بأن الحر من غمزة و”البهيم” من همزة ..وسترون كم خاب ظنها فيّ لاني لم استطع مع عفرتتي وشقاوتي ان اصل حتى لدرجة البهائم (همزا) فكيف اصل الى درجة الاحرار (غمزا)؟؟؟… مرت العطلة الصيفية وعدت الى الدراسة (الى الحيّ) بعد عثرة السنة الاولى وجاءت السنوات الثلاثة من المرحلة الاولى من التعليم الثانوي خالية من الخيبات الدراسية …لم اكن لا وقتها ولا طيلة دراستي “محراث خدمة ” ولكن واصلت العمل بنفس النسق وبنفس الاسلوب …حضور كلّي في الدروس ..تركيز كبير ..ومراجعة طفيفة ايام الامتحانات …ونتائج قريبة من الحسن وتألق متواصل في اللغة العربية .. هذه اللغة التي عشقتها منذ طفولتي والتي كم اشقتني في مراحل مفصلية في عمري ..لا تتعجلوا ستاتيكم اخبارها في ورقات قادمة ….
في ختام السنة الاولى المعادة تحصلت على الجائزة الاولى في مادة العربية، حيث كانت الجوائز انذاك تسند لصاحب المرتبة الاولى في المعدل العام وجوائز خاصة بالتميّز في المواد الهامة (عربية، فرنسية، رياضيات وعلوم)… ولن انسى يوم اختتام السنة الدراسية عندما وقعت المناداة على اسمي وسلّمني السيد احمد الزغل اطال الله عمره جائزتي …يومها كان يبحث عنّي لسببين اولهما انّي لم اكن في الصفوف الاولى للتلامذة المتفوقين والذين يجلسون قبالة منصة الاساتذة والمدير …كنت مع فرقة المعهد الموسيقية والمكونة من تلاميذ المعهد عزفا وانشادا …سي علي الحشيشة استاذ الموسيقى انذاك اطال الله عمره … وهذا الاستاذ مازلت الاقيه لحد يوم الناس هذا …وهو لم يتغير شكلا ولا ابتسامة عن اول يوم شاهدته بالمعهد، سبحان الله لم يتغير بتاتا …
سي علي قام في بداية تلك السنة باختبار مجموعة صوتية لتصاحب بقية العازفين في اداء الموشح الوحيد (شوشانة) وكم كانت دهشتي عندما اختارني من ضمن تلك المجموعة …فانا وان كنت اجيد اداء الاغاني بانواعها ..فاني وكما تعلمون مصاب بـ”الرأرأة” اي عدم اجادة نطق حرف الراء … فكيف لمنشد مثلي ان يقع الاختيار عليه رغم اعاقته في النطق ؟؟ يوم اختتام السنة الدراسية بحث عنّي سي احمد الزغل بين الصفوف الاولى فلم يجدني وهو السبب الثاني لبحثه..اسمي يذكره بحادثة ما …وما لبث ان رآني اخرج من بين تخت الفرقة (استناني من قدام …جيتو على جنب) … نظر اليّ وكانه يقول: “انت موش متاع المبارزة بالسيف عمناول ؟؟؟” فاجبته بنظرة لا تقل رمزا عن نظرته قائلا له فيها ..”ينعم يا سي احمد انا هو بعينو” …
سلمني الجائزة دون اي تعليق دون اية نظرة .. برود لحد الصقيع … كدت اندم على الذهاب اليه لولا تلك العين الرائعة التي رمقتني من هناك: عين سي يوسف خماخم استاذي في مادة العربية رحمه الله والتي كانت كلّها تلخّص: “تستاهلها ولدي ربي يوفّقك” … كم هي النظرة موجعة احيانا …و كم هي تحلّق بنا احيانا اخرى في اعالي اعالي السحاب هل عشتم يوما التحليق في اعالي اعالي السحاب ..؟؟ …في تلك السنوات وككل تلميذ هنالك ثلاثة انواع من الاساتذة نعاشرهم ..بعضهم يتميّز بكاريزما هائلة …”الذبانة” تسمعها اثناء دروسهم … بعضهم عاديون للغاية فهم لا يحفرون اثرا في ذاكرتنا ..وبعضهم اما اصدقاء جدا لنا … سي النوري دمّق استاذ الرسم رحمه الله، سي علي الحشيشة استاذ الموسيقى، سي عياد السويسي استاذ المسرح رحمه الله … او هم مرتع لعبثنا الطفولي بانواعه (ويا ويلو اللي يحصل منهم بن ايدينا)…
اتذكر جيدا استاذ الرسم الفنان التونسي الكبير ابراهيم الضحاك، رحمه الله … كان طوال السنوات التي قضاها في المعهد “نصف صاح” … هو ناقص نوما اكيد …ولكن دائما °سيس دوز ° (وهذه عبارة تصف شارب الخمر الذي يبالغ في الشرب والتي لم افهم يوما لا ماتاها ولا معناها 6 : 12) … وكنا ننتظر بكل شوق حصة الدرس عنده لا لاننا كنا بارعين في الرسم فانا مثلا من افقر الناس فعلا وحسا بالرسوم وخاصة التجريدية ليوم الناس هذا … تصوروا اني نلت مرة واحدة عددا فوق العشرة عندما رسمت “شلاكة” …ويبدو اني عندما رسمت نفسي كشلاكة في التصوير نلت ما استحق ..سي ابراهيم هذا يمكن ان ننتظر منه اية هبلة جميلة من هبلاته ..ذات يوم اعجبه رسمان لتلميذين اعطاهما 20 على 20 .. لكل واحد منهما ..
نظر اليه احدهما وقال: “يا استاذ ظلمتني ..ما تشوفش اللي رسمي احسن شوية من رسم زميلي ؟؟؟” … نظر سي ابراهيم متأمّلا الى رسمه ونظر مليّا الى الرسم الاخر فما كان منه الا ان اضاف للمشتكي واحدا فاصبح عدده 21 على عشرين …؟؟ تفطنت الادارة إلى ذلك فرغبت منه مراجعة العدد لكنه رفض قطعا ذلك وقال لهم ساحذف له نقطة في الامتحان المقبل …وفعلا كان ذلك ..سي ابراهيم الضحاك ودائما هو ..جاءه احد التلاميذ وقال له حرفيا: “يا سي ابراهيم، باباي يسلم عليك وقلّك ولدي ناقصتو اربعة باش يجيب المعدل متاعو زيدهملو انت برّي ويبارك فيك وفي باباك” ..وكعادته نظر سي ابراهيم مليّا الى التلميذ وقال له وهو نصف صاح دائما: “سلّم على باباك وقلّو سي ابراهيم ما يبيعش في البصل وقلّو قلّك سي ابراهيم يلعن باباك وبو باباك!” ..ومرّ وكأن لم يحدث شيئا …
من غرائب الاحداث في تلك السنوات ايضا ..اننا كنا نحن التلاميذ نقوم بانشطة متعددة في الشبيبة المدرسية …موسيقى تمثيل غناء _… ووجدت نفسي منجذبا الى التمثيل بعد سنة في المجموعة الصوتية …الاستاذ انذاك كان المرحوم عياد السويسي ..عندما حضرت عنده اول مرة سالني عن علاقتي بالتمثيل فاجبته بانها علاقة استماع لبعض البرامج التمثيلية في اذاعة صفاقس وقبلها في الاذاعة الوطنية… سالني عن بعض الممثلين الذين اعجب بهم ذكرت له عديد الاسماء فما كان منه الا ان اعطاني قصيدة عنوانها الزوج القاتل لتيمور لاراجعها والقيها الاسبوع المقبل ..وكان ذلك ..ومرة اخرى لم تكن لثغتي حاجزا دون اعجاب استاذي في المسرح سي عياد فقط، بل فزت عن القائها بالجائزة الاولى في الالقاء جهويا، ورئيس لجنة الامتحان والتحكيم انذاك المسرحي التونيسي الكبير حسن الزمرلي رحمه الله… واستعددت للمشاركة في الامتحان الوطني للالقاء وركبت الحافلة للذهاب الى قابس حيث تقام المناظرة كممثل عن ولاية صفاقس..وانتظرنا اكثر من ساعة بعد موعد اقلاع طائرتنا (ما يمشيش في بالكم ) بل حافلة من شركة النقل …ثم انزلونا لان احد اودية جهة قابس قطع الطريق علينا بفعل فيضانه ..احيانا تاتيك الفرصة لتكون من منافسي عزت العلايلي او نور الشريف ..ولكن، ” يعطي للذبان عمى قداشني متواضع”! …
السنة الثالثة من المرحلة الاولى من تعليمي الثانوي كانت سنة حدث ….الحدث كان حدثا جللا ….في اوسطه وعند مقدم الربيع افقت على حقيقة …عبدالكريم صار كبيرا …”فهمتوها والا حتى نقولو هوني بير ؟؟؟” نعم بلغت سن الرشد الجسدي …ولست ادري هل كل من عاش مثل هذا الحدث احسّ بما احسست …التحوّل في شخصيتي كان غريبا وسريعا وبهذلني جدا …اصبحت وانا في الرابعة عشرة من عمري احس بأني بين عشية وضحاها أصبحت رجلا (وسيد الرجال) … نظرتي تغيرت ..مشيتي تغيرت .. سعة بالي لم تعد كعادتها … صياحي لم يعد لطيفا ..حتى الحجارة في الطريق لا تسلم منّي فاركلها هنا وهنالك… مما حوّل احذيتي الى خرئط بالحبر الصيني حيث الاسود من خلفها والرمادي اين موقع الركل في “بونتتها”…
هكذا كان يخيّل لي كيف يجب ان يكون الرجل ..صلفا شديدا واثق الخطوات لا يضحك كثيرا… حتى اختي الصغرى فكرية حفظها الله لم اعد اقتسم معها لعبي (قدّي قدّها ؟؟؟) … كنت حتى مع زملائي في المدرسة احاول تجنّب الاطفال منهم (مازالوا فروخ اش يفهموا فيها) واعاشر من يكبرونني سنا (عمران ..البرادعي ..الزواري ..ادريس) … والبعض منهم يزيد عني بثلاث سنوات او اكثر (يعني العضروط وخوه سنا وجسدا) … هم كانوا يتفادون احاديث “القباحة” امامي ..كأنهم لم يتفطنوا بعد الى اني “نڨّزتها” ودخلت ركابهم .. ولكني كنت اتلصّص وبطريقتي على احاديثهم …
سمعتهم يتحدثون عن “الكارطي” (دار البغاء العلني) وفهمت وقتها ما يعني الباب الشرقي ..سمعتهم يتحدثون عن استاذة الانكليزية “لاكوست” الفرنسية، تلك الوحيدة كأنثى في المعهد والتي تشرئب اعناقنا جميعا لها عند ظهورها، لان رائحة الانثى في ذلك الزمن كرائحة مطر لا ينهمر الا بعد دهور… يتحدثون عن لاكوست وكيف ان احد التلاميذ كان يحظى عندها بمكانة متميزة الى درجة انها تمكنه من دروس خصوصية بمنزلها، فيضمن هو التفوّق في الانكليزية وتتفوّق هي في استضافة وتذوّق موائد عربية اصيلة ..وكان زملائي العضارط يعضّون على اصابعهم قهرا ويردّدون: “عجب اش عجبها فيه هاكا الڨعبوط؟؟؟… ولم يفهموا ولن يفهموا ان رؤية البعض للجمال او للجسد تختلف عن رؤية الاخر …
علاقتي في ربيع تلك السنة توتّرت جدا مع كل محيطي… في حومتي، اصبحتُ علويّأ عموديّا في رؤيتهم (ما يلعّبونيش) … وحتى مع الحوش الذي اقطن به ..اصبحت اتساءل: هل هذا موقعي ؟؟ هل ولدت كي اكون في هذه الحالة الرثة والمزرية ..انا الذي لم اذق يوما طعم سرير انام عليه .. لم اذق طعم “كعبة ميلفي” من بائعها في المعهد وكنت اكتفي بالنظر الى بعض زملائي في الدراسة “يضربوا بالاربعة” في راحة العاشرة صباحا … واشنية هالعيشة وهالمقت ؟؟؟ كلما عدت الى المنزل بعد يوم من الدراسة وبعض “الطوشيع” في الكرة، انهالت عليّ عيادة بوابل اسئلتها: “اشبيك التو … اشبيه سروالك؟؟؟”… (جِدوا لي جملة خارج الدارجة تكون ابلغ واعمق واكثر شفافية عن الطفل والخ …. وسرواله) ..ثم تضيف: “اسمع يولّيشي صنانك تحت ضبوطك راني ديما امك وما تكبرش في عيني!!” ويحدث يومها زلزال مدمر في علاقتي مع عيادة …
ياااااااااااااااااااااااااااه كان مدمّرا انذاك نعم ..ولكن حتى الزلازل لها جمالها ..تأكدوا …لها جمالها ….
ـ يتبع؟ طبعا يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 14 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 14 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟