جور نار
ورقات يتيم … الورقة 25
نشرت
قبل 12 شهرفي

عبد الكريم قطاطة:
الساقية مسقط رأسي في تلك الحقبة ومن خلال حانوت الحلاّق شكّلت في حياتي نواة لشلّة من الاصدقاء متنوّعة سنّيا، مهنيّا، تعليميّا … وفكريّا … وهذه ميزة كبرى في تجربتي مع الحياة ..

فاختلاط الفرد بهذه الشرائح على اختلافها هو الكفيل اولا برؤية انسانية بعيدة عن التمييز والتّنخْوب (محاولة اشتقاق من نخبة) ..وثانيا نتعلّم فيها ومنها اشياء لن نجدها في تعليمنا مهما تعلّمنا .. استحالة ….في تلك الشلّة كان هنالك التلميذ والمرمّاجي والحذّاء والبطّال والمهني ..وكانت لقاءاتنا يوميّة وفي كل المناسبات ..يوم الاحد مثلا كان للعب البولاط ومباراة او اثنتين في كرة القدم . في رمضان ننهي مشوار الافطار مع عائلاتنا في دقائق معدودة ونهرع الى حانوت الحلاق لسهرات حتى قرب موعد السحور… طبعا دون نسيان قلق عيّادة من خروجي المبكّر ودخولي المتاخر … وهل تصير تاكزة من غير فحمة ؟؟ ..
في فصل الصّيف نبحث كل ليلة عن حفلات الاعراس لـ “نهُدّ” على اصحابها ونقتحمها طوعا او كرها … وبعدها كنّا كثيرا ما نواصل السهرة حتى شروق الشمس على ضفاف شاطئ بحر سيدي منصور … في محطة قهوة حمزة حيث تلك البرّاكة الجميلة وسط البحر … نتوسّد “الضريع” أي حشائش البحر ..الارض بساطنا والسماء لحافنا وموسيقى خرير المياه تعزف ابهى التقاسيم ….امّا في عيدي الفطر والاضحى فتلك اطباق اخرى …. كنا نستعد لسهرة العيد استعدادا مادّيا فليلتها تعني ليلة القبض على السينما … قاعات السينما في مثل تلك المناسبات وفي اغلبها تبرمج 4 افلام لزوارها بمعدّل فيلمين في بداية السهرة وفيلمين في نهايتها . ازمنة .// deux grands films//..وكانت كل قاعة مختصّة بنوعية معينة من الافلام فقاعة الماجستيك كان اختصاصها الافلام الهندية… وقاعات الهلال والكوكب وبغداد والكوليزيه كانت تختص بالافلام المصرية فيما تبقى الافلام الغربية بانواعها الكاوبوي والبوليسية من مشمولات قاعات النور.. والراكس ..والاطلس ..
شلّتنا ونظرا إلى المستوايات التعليمية المتفاوتة كانت تنتمي الى القاعات الشرقية فاما افلام الثنائي فريد شوقي ومحمود الملّيجي او الافلام الغنائية وخاصة عبدالحليم وشادية او الافلام التاريخية من نوع صلاح الدين الايوبي ورابعة العدوية _وهذا الفلم ابكاني في ذلك الزمن لاوّل مرة في علاقتي بالافلام …وبالذات في فقرته الاخيرة عندما يحضر فريد شوقي في موت رابعة ويقول لها باعين دامعة (سامحيني يا رابعة) وتبدا رابعة او روحها كما صوّرها المخرج بغناء واحدة من اروع الاغاني الدينية لحدّ يوم الناس هذا (الرضاء والنور ) … ومن الافلام ايضا التي شدّتنا في تلك الحقبة وبدرجة مذهلة فلم عنتر وعبلة ..واصبحنا نردّد في كل فوز في البولاط او كرة القدم (عنتر حيّ)…
الحديث عن سينما ليلة العيد تسبقه اشياء … ليلة العيد بصفاقس تعني ثلاثة عناصر لتأثيثها .. السينما كما ذكرت ..كسكروت السهرة على بساطته واحيانا ببطاطا _مخنونة _.وخاصّة .. العنصر الاهم ..نهج الباي ..نهج الباي المنجي سليم حاليا هو اشهر نهج في المدينة العتيقة بصفاقس اولا لانه يربط بين المدينة العتيقة والمدينة العصرية اي من باب الجبلي الى باب الديوان، وثانيا لانه نهج يتكدّس فيه كل ما يحتاجه المواطن ليلة العيد من شراءات …احذية عطور وخاصّة ملابس … ومن العادات التي كانت تسود سكان اهالي صفاقس انهم يستعدّون فقط ليلة العيد لشراء ملابس والعاب الاطفال ..ليلة العيد دون غيرها ..ذلك يعني ان الازدحام ليلتها على اشدّه . … وتلك هي بغية جميع الشُلل ..كان بامكان اي واحد من ايّة شلّة تفادي الزحام عبر المرور بانهج اخرى . للوصول الى باب البحر (المدينة العصرية) _…لكن الم اقل لكم ان الزحام هدفنا ..عفوكم لم نكن يوما من شلّة اللصوص التي تغتنم ولحدّ الان مثل هذه الفرص … باش ادّوّر صوابعها … معاذ الله ..بل كنّا لصوصا من نوع آخر ..
كنا نطمع في تلك الزحمة بالالتصاق بعيدا عن العفوية باي جسد انثوي تضعه الاقدار امامنا … وكل واحد واش تهزّ مغرفتو في تلك الليلة …وكثيرا ما كنّا نُرجم بنظرات مرعبة من امرأة تنتبه الى افعالنا “الخايبة” وهي تحس بشيء ما يوقظ جسدها .من الخلف ….فكنّا نلتفت الى من وراءنا ونصيح فيهم (يزّيو من الدزّان) ثم نعود الى تلك المرأة المرعبة بنظراتها النارية لنقول لها في شبه حياء وكثير من الخبث (خاطيني راهم يدزّو فيّا) ..ولأن تلك المرأة قادرة على فك شفرة مقصدنا فانها تواصل زمجرتها وتصيح: “لا حتى انت حليّس مليّس ..يلعن بو هالفيّة” … وسعيد منّا من يجد امامه واحدة اما انها (عزوزة ما يهمّها قرص) او هي ايضا من عشّاق الزحام لانّها فرصتها الوحيدة (مرّتان في السنة) كي تعيش الزحام .ولذّات الزحام .. وينتهي مشوار نهج الباي وتنتهي فرصة الالتصاق القسري بين بعض “كلاب السوق” امثالنا وبين نساء مزمجرات مرعدات وبين اخريات راغبات متمتعات ..في اتنظار عيد آخر ..والتصاق آخر …
العلاقة مع الشلة لم تكن لتفصلني عن مكونات الساقية من اناس آخرين وسلوكياتهم خاصّة ..كانت العين الرقيبة فيّ حاضرة وبامتياز ..كنت استغرب جدا من احد بائعي المواد الغذائية بانواعها وهو وسخ الهندام ولحيته لا تعرف الحلاق الا مناسباتيا من صنف زوروني كل سنة مرّة .. مبالغة برشة ؟؟؟ طيب خليوها مرّتين ..وما انجمش نطيّح راني مسبّق راس مالي ..وما تلحّوش عليّا برشة …. لذلك كنّا عندما نذكر اسمه نردد فقط: “هاكة اللي يكيّل في الحليب حافي” … احد روّاد الساقية كان يشتغل بمخبزة اختصاصها رحي القمح والشعير وطهي حلويات رمضان في فرنه ..كان في كلمة “تكارّي” وهذه مشتقّة من تكروري ..كانت سيجارته الارتي لا تفارق مبسمه وكان نحيفا وكان ايضا رمادي الملامح من شدّة علاقته غير الودّية بالنظافة . هو.تماما كرماد فرنه ..مما يحكى عنه انه دخل ذات يوم على حين غفلة الى منزله فوجد احدهم باركا على زوجته … خرج مهرولا لاخيه الاكبر والقدوة والقاضي في العائلة اي في القبيلة وهو يشتكي له ما راى فما كان من اخيه الا ان اجابه: اش ماشي نقلّك النساء يعملو . زعمة حتى هو طايح من السلّوم ؟؟؟. ويضيف ..صبّر روحك وخي يخّي ربّي ما قالش كيدهنّ عظيم … فيجييه هذا رايك ؟؟ طأطأ اخوه راسه وقال استرها واستر روحك اما خير والا تعمل فضيحة في ام صغارك ..وبصوت مهموم اجاب صاحب الكوشة ..رايك والبركة ..اللي تقول انت اكهو ..وما ان خرج هذا المركوب على زوجته حتى نظر اليه اخوه واتبعه بتمتمة: “حتى انت اش من دغفة فقت بيها كان تو” …زعمة ثمة منها حكاية حرام المحارم ؟؟..
نفس صاحب الكوشة هذا شاهدته يوما في رمضان وهو يستقبل حرفاءه بصينيات الدرع والڨاطو والمقروض الاسمر لتاخذ مكانها في الفرن حتى تحلّي البيوت في عيد الفطر ..شاهدته وهو يستقبل فتاة بالكاد في ربيعها السادس عشر ولكنّها جسديّا “هسكة” وهي ترمق عينيه اللتين جحظتا في ما تحت وما فوق الميني جيب الذي ترتديه … وبخبث انثوي صبّحت عليه وقالت: “امّي مسلّمة عليك وقالتلك ارميهولي تو” …ما اخيب نيّنكم … راهي تقصد المقروض… الا ان صاحبنا كانت نيّته تماما كنيّتكم ..لم يشأ ان يرد عليها في صبيحة رمضانية و حشيشة الدخان ضاربتلو الطّاسة متاع مخّو … فادار وجهه مستعيذا من الشيطان (الذي بداخله) لان الشياطين في رمضان توصد الابواب في وجهها وتدخل في عطلتها السنوية … الا ان هسكتنا الجميلة جدا والمثيرة جدا والخبيثة جدا تصرّ على اعادة كليبها الصباحي بعد ان عرفت انه فعل فعلته في “رواشك” صاحب الكوشة …وكاد يسيل لعابه من فمه ومن هنالك .. ورددت الاسطوانة (قالتلك امّي ارميهولي تو) نظر اليها صاحبنا وانفجر بتمتمة: “يا بنتي امش على روحك خير ما الواحد يفطر عليك في سيدي رمضان الفضيل” …وحاولوا فقط معي ان تجدوا تفسيرا للعلاقة بين “نفطر عليك” و “سيدي رمضان الفضيل” …
من شقاواتنا كشلّة في تلك الحقبة وفي الساقية، اننا وبعد كل سهرة كنا نقف امام متجر صغير لنكمل السهرة هنالك ..ونختمها بالتبوّل في فتحة مدخل المفتاح (المجليق) ونذهب اليه في الغد ليشكو لنا همومه من كلاب السوق الذين كثيرا ما يعطرون متجره بعطورهم .. رحمه الله وغفر الله لنا تعطيرنا لحانوته ..واحد اخر كان ثريّا جدا (ما يعرفش طرف مالو وين) ولكنّه وكسائر الاثرياء كان واحدا من بخلاء الجاحظ.. وكنّا في فصل اللوز نستمتع جدا بالذهاب الى جنانه الكبير والبعيد عنه وعنّا 3 كلم لنسرق لوزه الفريك ودليلنا في السرقة ابن اخيه… ثم وفي ساعة متاخرة من الليل نذهب الى فيلّته الفاخرة بالساقية ونتربع على فيراندته لنفترس بشهيّة ما سرقناه ونترك له القشور مشتتة على الفيراندا … وقد يداهمنا احيانا اذان صلاة الفجر فنسرع في مغادرتنا المكان باعتباره من المواظبين على صلاتهم بالمسجد …وما ان يصل المؤذّن الى مقولة (الصلاة خير من النوم) حتى يردّ الواحد منّا (حتى النّوم فصيّل ما عندك ما تقول فيه) … وفي الغد ينتشر خبر سرقة جنان ذلك الثّري وخاصّة حرقته وهو يقول لكبار الساقية (لا ومازاهمش سرقوني جاو للفرندا متاعي وكملوا سهريتهم وخلّلاولي القشور.. الله لا تربّحهم اولاد الحرام …وكان كل ذلك يحفّزنا للروبولات او وكما يقول عبالعال (كماااااااااااااااااان) …
في الساقية ايضا عرفت انماطا اخرى من اناس طيبين للغاية… فعلاوة على سي المبروك حمّاصنا الطّيب رحمه الله هنالك الحاج البقلوطي، حائك السراويل التقليدية والبلوزات الرجالية ..هو.دائم الابتسامة وديع الملامح ولم نستطع يوما تحديد عمره… كان كلما سالناه عن عمره يبتسم ويقول 38 سنة ..ولم ندر لحد الان كم يبلغ من العمر ..كان هنالك صاحب كرّيطة، اي “كرارطي” بالمعنى الحقيقي للكلمة لا المجازي (والتي تعني زير نساء)… كان اسمه “الشنّة” ولقبه بربّة … وهما اسما ولقبا غريبان جدا ..لكن ميزته انه كان دائم الغناء وبصوت عال وطربي، لم اره يوما مهموما …ربما هو من القلائل الذين فهموا انه وعلى حد قول اندريه مالرو (الحياة لا تساوي شيئا ولكن لا شيء يساوي الحياة) …او وعلى حد تعبير شابّينا ابي القاسم (خذ الحياة كما جاءتك مبتسما … في كفّها الغار او في كفّها العدم) …
شخصيّة اخرى اشتهرت في الساقية ببّفائيتها ..هو “دلاّل” خاصّة في قطاع الغنم …تقدّم به العمر واصبح بالكاد ينافس السلحفاة في سرعتها …كان كلّما قام بالدلال على نعجة مثلا بدءا بـ”يا باب الله” وتدريجيا يرتفع الثمن من مشتر الى آخر … يحدث ان تمر بجانبه امرأة بسفساريها وتضع يدها على ظهر النعجة فتجده يابسا لا لحرمانها من كبشها بل لسنّها المتقدّم وربّما للاثنين معا فتشير الى صاحبنا الدلاّل بقولها: “تي هذي حطبة” …ويلتقطها من فمها وتصبح دلالته من نوع (راهي حطبة)… وقد ياتي اخر وينعتها بـ “هذي وافية ماشية تموت” … فيردد: “راهي وافية ماشية تموت” _…لماذا يفعل ذلك دون غضب لا من صاحب النعجة الذي امّنه على بيعها، ولا من شرذمة العابثين امثالنا ونحن نتصيّد الفرصة لابداء تعاليق تعدد عيوب بضاعته حتى يرددها بحذافيرها ..؟؟؟
هذه النماذج من متساكني ساقيتي رسّخت في شخصيّتي وفي فكري وفي اعمالي بعد سنوات متقدمة اشياء هامّة جدا… لعلّ ابرزها ان كل فرد ومهما كان سلوكه مهما كانت طبقته الاجتماعية مهما كان مستواه التعليمي هو مهم جدّا وعلينا ان لا نلغيه في كل ما نعمل …
في اواخر السنة الرابعة آدابا حدثان هامان اثّرا جدا على كُريّم ..نعم جدّا … اوّلهما نكسة جوان 67 …انا خرّيج معهد الحي الذي اغلب اساتذته قوميون ..نصحو يوما على الخبر الفاجعة ..هزيمة العرب وبالتحديد عبد الناصر في حرب جوان مع اسرائيل …كانت صدمة لا توصف… كانت مشاعرنا ممتزجة بألم انتصار اسرئيل على العرب ولكن خاصّة بخسارة عبدالنّاصر الريّس الذي كان بالنسبة لنا الزعيم الاسطوري ..خاصّة والاعلام الحربي المصري انذاك يبشّر برمي اسرئيل في البحر …. عبدالناصر ذلك القومي العروبي الى اخمص قدميه لم يتفطن إلى أن رئيس أركانه كان اثناء الهجوم الاسرائيلي في ملاهيه مع برلنتي مزطولا ..؟؟ ولم يتفطن إلى خيانة روسيا له وهي تجهزه بعتاد حربي فاسد .؟؟؟.. ياااااااااااااه كم هو مؤلم وكم كانت الصدمة قوية …
لم نستطع وقتها تحديد موقفنا ..هل ننتفض غضبا على من احببنا ام نشفق عليه ؟؟؟.. وهل باستطاعتنا ان نغضب و نلعن من نحب مهما فعل ..مهما فعل …مهما فعل ؟؟؟ … او هل نثمّن ما قاله بورقيبة في خطاب اريحا …ام نبقى دوما اعداء لبورقيبة حتى ولو كان على حق ؟؟ وبدأت المظاهرات في تونس ..الدستوريون ينددون بالريّس الطاووسي وغير الواقعي سياسيا مفتخرين بالآراء الحصيفة لبورقيبة ..والقوميون منددين باسرائيل وامريكا … دون المس من زعامة عبدالناصر ..اذكر يومها اني كنت من ضمن التلاميذ الذين خرجوا من معهد الحي (ضمن القوميين)واتجهنا الى الليسيه (معهد الهادي شاكر) لنخرج تلاميذه معنا الذين لا حس سياسي لهم انذاك مقارنة بنا نحن ابطال الحي الزيتوني … ولنتوجّه الى المدينة العصرية نجوب شوارعها ونهتف بسقوط اسرائيل وامريكا … وكان جلّ الرجال الكبار ينظرون الينا في صياحنا وهو يسخرون قائلين متهكمين: اش ثمّة ؟؟ اشبيهم هالفروخ يعيّطوا …؟؟؟ … اي انهم كانوا خارج سياق ما يقع في العالم ..وهذه طبيعة اغلب متساكني تونس عموما في تلك الازمنة …اهتمامهم بالسياسة “نيانتي” …مفقود تماما … واحيانا المفقود افضل من الموجود واعني به ذلك الموجود ، المزعج ..الغبي …الانفلاتي .. والمدمّر …
وعندما يخبرهم البعض عن اسباب تظاهرنا ..يواصلون: “وهذوما اش يفهمو فيها تي خ…….هم مازال في ص….. هم” … (صدقا كتبتها كاملة دون نقصان الاحرف ولكن وكقارئ وجدتها “ناتنة ذوقيّا” فاصلحت وحذفت بعض الاحرف ..المهم وصلت الفكرة) … لذلك انا واحد من الذين يتفهمون جيدا خروج تلاميذ المعاهد للتظاهر …في كل الازمنة … انه تدرّب لتكوين الذات ..لنحتها .. للقادم ..شريطة ان تخلو تلك المظاهرات من اي شكل من اشكال العنف، وذلك بتأطير من قادتها … وربّما ما خفّف علينا صدمة نكسة العرب خروج ملايين المصريّين للشارع عندما اعترف عبد الناصر بمسؤوليته الكاملة وبتخلّيه عن الحكم ..يومها خرجت مصر لتقول له انت الريّس وستبقى الريّس … وعاد الريّس ليهيّئ كما ينبغي لحرب العبور …والتي اخذ وسامها السادات …وبقطع النظر عن كل التحوّلات الجذرية التي حدثت لي في ما بعد ايديولوجيّا فاني اعتبر كلاّ من عبد الناصر وبورقيبة وبكل سلبياتهما واخطائهما من افضل الزعماء العرب ماضيا وحاضرا …
الحدث الثاني في اواخر سنتي الرابعة آدابا كان ….هو في الحقيقة لم يكن كان فقط بل هو كمّ هائل من الافعال الناقصة كان صار.. ليس … بات … وكما تعلمون من ميزات هذه الافعال انها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ..فما بالكم اذا كانت تجرّ المبتدا ويصبح الخبر في خبر اصبح … يتبع ؟؟ يتبع ونصف وثلاثة ارباع وخرّوبة …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ

جور نار
حرب عالمية… تجارية، دون ذخيرة حيّة… على الأبواب!
نشرت
قبل 3 أيامفي
8 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
يتساءل الجميع اليوم عن حجم ردود الفعل العالمية المنتظرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هيكل تعريفي جديد للولايات المتحدة في “يوم التحرير الثاني”… وهي التسمية التي أطلقها ترامب على يوم الثاني من أفريل من هذه السنة، ترامب يعتبر ذلك اليوم ثاني أهمّ يوم في تاريخ الماما بعد اعلان استقلالها يوم 4 جويلية من سنة 1776 …

يرى ساكن البيت الأبيض أن الإجراءات التي أعلن عنها يومها ستعيد الحياة للعصر الذهبي لأمريكا، وستجدد من استقلالها حسب رأيه… ولسان حاله يقول انه لم يجد حلاّ لمشاكل الماما الاقتصادية غير فرض ضرائب على دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند والصين واليابان وكندا والمكسيك والعديد من الدول الأخرى، رغم أنه يدرك جيّدا ان أغلب هذه الدول ستعامله بالمثل وقد لا تخرج الماما من الازمة الاقتصادية بالسهولة التي يتصورها… فدول الاتحاد الأوروبي تسعى لتكوين جبهة موحدة في الأيام المقبلة لتقف في وجه ما قرره ترامب… ومن المحتمل أن يتم الاتفاق حول مجموعة أولى من الإجراءات المضادة تستهدف واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار…
هذا التحرك المنتظر يعني بالتأكيد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الصين وكندا في فرض تعريفات ردعية انتقامية على الولايات المتحدة في تصعيد مبكّر لما يخشى البعض أن يتحول إلى حرب تجارية اقتصادية عالمية… والخوف كل الخوف أن ترتفع تكلفة الآلاف من السلع لأغلب سكان المعمورة مما قد يدفع أغلب الاقتصادات حول العالم إلى الركود.
وتهدف الجبهة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لتكوينها إلى الخروج برسالة موحدة تعبر عن النيّة والرغبة في التفاوض جدّيا مع ساكن واشنطن لإزالة التعريفات… مع التلويح بالاستعداد الدائم للمعاملة بالمثل والرد بإجراءات جمركية ثأرية مضادة، إن فشلت هذه المفاوضات في إزالة التعريفات الجديدة التي يريد ترامب فرضها على الجميع أو في التخفيض منها… ومن بين المنتجات التي حظيت باهتمام الجبهة الأوروبية الموحدة وأثارت قلق الرئيس ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على “البوربون” الأمريكي (الويسكي) بنسبة قد تصل إلى 50%… وهو الأمر الذي جعل ترامب يهدّد برسوم نسبتها 200% على النبيذ والشمبانيا وغيرهما من المنتجات الكحولية من فرنسا وإيطاليا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي.
تغطي التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي حوالي 70% من صادراته نحو الولايات المتحدة… وقد بلغت قيمتها الإجمالية 532 مليار يورو (585 مليار دولار) العام الماضي، مع احتمال فرض رسوم أخرى على العديد من الصادرات الاخرى في المستقبل إن تعنتت الجبهة الأوروبية وردّت بالمثل… وتفيد بعض المصادر ان المفوضية التي تنسق السياسات التجارية للاتحاد الأوروبي قد تكون اقترحت على أعضائها قائمة بالمنتجات الأمريكية التي يجب ان تخضع لرسوم جمركية إضافية، ردّا على ما فرضه ترامب من تعريفات جديدة على الصلب والألومنيوم بدلاً من الرسوم المتبادلة… ومن المتوقع أن تشمل هذه المنتجات اللحوم الأمريكية، والحبوب، وغيرها من المنتجات التي قد تثير قلق ترامب…
وبالعودة إلى تاريخ الصراعات التجارية التي شهدها العالم، يذكر جميعنا انهيار سوق الأسهم سنة 1929 والإجراءات الحمائية التي تبعته وما وقع في السنوات التي تلته… فقد تمّ القضاء على ثلثي التجارة العالمية إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت عن تخفيض الولايات المتحدة لجميع التعريفات الجمركية على أي شريك تجاري سيقوم بالمثل… لذلك لا يمكن تجاهل حدوث انخفاض حاد في التجارة العالمية لو تعنّتت جميع الأطراف وواصلت سياسات الردّ بالمثل وعدم العودة إلى رسومات جمركية يقبل بها الجميع …
لكن في هذه الحرب التجارية الطاحنة، لكن هل فكّر ترامب وخصومه في “كيف سيكون حال الدول الفقيرة وشعوبها؟؟” فأغلب الشعوب التي قد تتضرر مما اقدم عليه الرئيس ترامب عانت من أزمة 2008 ولم تخرج من اسقاطاتها وتبعاتها إلى يومنا هذا… وبعضها انهارت اقتصاديا بعد سنوات الكوفيد ولم تخرج إلى يومنا هذا من وجعها ومعاناتها… لذلك علينا ان لا ننسى أن أكبر الخاسرين هم أغلب دول إفريقيا وجنوب شرقي آسيا وبعض دول الشرق الأوسط التي لا تعيش على ما يجود لهم به باطن الأرض… فما يفعله اليوم ترامب وخصومه بالشعوب الفقيرة يعتبر جريمة وطوفانا مدمرا لاقتصاداتها فأغلب هذه الدول تعيش على التسوّل وقروض صندوق النقد الدولي ومساعدات البنك الدولي…
ترامب لم يفكّر في مصير شعوب الدول الفقيرة بل فكّر فقط في إصلاح اختلال ميزان الماما التجاري… ونسي اختلال الميزان التجاري لدول لا يفوق اقتصادها اقتصاد مدينة من مدن أفقر ولاية من ولايات الماما… فهل يزحف الركود التجاري والاقتصادي إلى اغلب دول العالم بما اتاه ترامب بشطحاته الغريبة؟؟ وهل يعود الجميع إلى العقل، أم أن حلقة تصعيد إضافية ستفتح؟؟… ويصل بنا الأمر إلى حرب عالمية تجارية قد تكون …تبعاتها أخطر من كل الحروب التي عرفها العالم؟؟


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الكريم قطاطة:
من طباعي منذ كنت شابا انّ الله وهبني نعمة الصبر على كل شيء… وكان العديد من اصدقائي يغبطونني على (دمي البارد)… وعندما هرعت الى الله تعمّقت في داخلي القدرة على تحمّل كلّ المشاكل ومخلّفاتها… قد اكون واحدا من سلالة ايّوب، ولكن… واذا فاض كأس الصبر كما غنّى شكري بوزيان… واذا علا صوت ام كلثوم بـ (ما تصبرنيش ما خلاص انا فاض بيّ وملّيت)… وتختمها بـ(للصبر حدود يا حبيبي)… اردّ كأيّ بشر الفعل، لكنني كنت آخذ قراراتي ودائما باعصاب هادئة في ردّ الفعل…

عندما اسرّت لي زميلتاي باذاعة الشباب بالحوار الذي دار بينهما وبين مديري سي عبدالقادر الله يرحمو… وفهمت انّ حدسي كان في محلّه بالشكّ في نواياه بعد الجلسة الصلحية مع زميلي الصادق بوعبان… تكسّر كأس الصبر… والكأس اذا تكسّر يستحيل لمّ شتاته…. ايقنت ان لا فائدة تُرجى من ايّ صلح بل وقررت ان تكون الحرب معه… اكاهو… وعليّ ان استعدّ لاوزارها… وليضحك كثيرا من يضحك اخيرا… انتهت السهرة الخاصة بتكريمي مع زميلتيّ وكانتا سعيدتين بها شكلا ومضمونا وعدت الى بيتي لاخطّط لحرب فعلية مع مديري…
وفي الصباح الباكر ذهبت لمكتبه… سلّمت عليه وسألته هل استمع الى حصّة التكريم البارحة… اجابني بالايجاب بل وشكرني على كلّ ما قلته في تلك السهرة… سالته باستعباط هل صدر منّي كلام او تعليق في غير محلّه لايّ كان؟.. اجابني: (ابدا ابدا، يخخي انت جديد عليّ نعرفك معلّم) … كنت جالسا فنهضت واقفا امامه واضعا كفّي يديّ على طاولة مكتبه وكأنّي تحوّلت من لاعب وسط ميدان الى مهاجم صريح وقلت له: (انا طول عمري كنت راجل معاك رغم كل الاختلافات والخلافات… ولم اقل في ظهرك كلمة سوء لكن وللاسف الذي حدث امس بينك وبين زميلتيّ في اذاعة الشباب ونُصحك اياهما بتغييري كضيف لهما اكّد بالدليل القاطع انّو بقدر ما انا كنت راجل معاك انت ما كنتش…..)
نعم هي كلمة وقحة ولكنّي قلتها لانّو فاض كاس الصبر… اندهش مديري منّي وانا اتلفّظ لاوّل مرّة بكلمة لا تليق به وقال لي: انت غلطت في حقّي راك.. قلت له: اعرف ذلك وانا جئت اليوم لاثبت لك اني ساعلن الحرب عليك ..ودون هوادة .. وصحّة ليك كان ربحتها وخرجتني قبل التقاعد مثلما قلت ذلك مرات عديدة، اما صحّة ليّ انا زادة كان خرجتك قبل التقاعد… وباش تعرف رجوليتي معاك ثمشي واحد يعلن الحرب على الاخر ويجي ويعلمو بيها ..؟؟ اذن اعتبرني من اليوم عدوّا لك ولكن ثق انّ الحرب بقدر ما ستكون شرسة بقدر ما ستكون من جانبي شريفة بمعنى ـ وربّي شاهد عليّ ـ لن الفّق لك ايّة تهمة لكن سافضح كلّ اعمالك)…
ولم انتظر اجابة منه… غادرت مكتبه وعزمت على التنفيذ… اتّصلت بالعديد من الزملاء الذين تضرروا من تصرفات مديري وسالتهم هل هم مستعدون للادلاء بشهادتهم كتابيا؟؟.. ولبّى العديد منهم طلبي… دون نسياني كتابة تقرير ل بكلّ ما حدث منذ قدومه على رأس اذاعة صفاقس… وللشفافية، كان هنالك ايضا تقرير على غاية من الاهمية وفي ثلاث ورقات كتبته احدى سكريتيراته وبتفاصيل مرعبة بعد ان ذاقت منه الويل… واعتقد انّ ذلك التقرير لعب دورا هاما في قرار اصحاب القرار…
اذن اصبح عندي ملفّ جاهز يحتوي على 30 ورقة ولم افكّر بتاتا في ارساله لا الى رئيس المؤسسة ولا الى ايّ كان… كان هدفي ان ارسله رأسا الى رئيس الدولة دون المرور عبر الرجل النافذ في الاعلام انذاك السيّد عبدالوهاب عبدالله الذي اعلم انه يكنّ لمديري ودّا خاصّا… وهذا يعني اذا يطيح بيه يبعثو لمؤانسة اهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)… وكم هو عدد الكلاب في حاشية الحكّام… لكن كيف يمكن لي ارسال الملفّ على الفاكس الشخصي للرئيس بن علي؟ ووجدت الحلّ (عليّ وعلى هاكة الناقوبة)… الناقوبة هي كنية لزميل يعمل في الصحافة المكتوبة وماشاء الله عليه في اجندا العلاقات… نعم مع الولاة مع الوزراء مع عدد لا يُحصى… تذكّرت وانا ابحث عمن يوصلني الى الفاكس الشخصي لرئيس الدولة…
تذكرت ذلك الناقوبة وتذكرت خاصة يوم زفافه… كنت يومها ممن حضروا حفل زفافه، خاصة انّ علاقتي به كانت من نوع علاقة الاستاذ بتلميذه… اذ هو ومنذ كان طالبا كان من مستمعيّ وعندما بدأ يخربش اولى محاولاته في الكتابة الصحفية مددت له يدي وشجعته … ولكن في اجندا العلاقات تفوّق الناقوبة التلميذ على استاذه… وللامانة حمدت الله على انّ اجندة العلاقات في حياتي سواء العامة او المهنية خلت من مثل اولئك الكبارات، هكذا يسمّونهم… ولكن وحسب ما عشته، قليل منهم من يستحق لقب الكبير…
يوم زفاف ذلك الناقوبة اشار اليّ من بعيد وهو بجانب عروسه كي اتوجّه اليه… توجهت لمنصة العروسين واقتربت منه فهمس في اذني (ماشي نوريك ورقة اقراها ورجعهالي) .. ومدّ اليّ تلغراف تهنئة لزفافه وبامضاء من؟… بامضاء زين العابدين بن علي… رئيس الجمهورية… الم اقل لكم انه باش ناقوبة ..؟؟ اذن عليّ به ليصل الملفّ الى الفاكس الشخصي للرئيس بن علي… بسطت له الفكرة وبكلّ برودة دم ووثوق اجابني: هات الملفّ وغدوة يوصل للرئيس وفي فاكسه الشخصي…
كان ذلك وسط شهر جوان ..ولم يمض يومان حتى هاتفني المرحوم كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية ليقول لي: (يا سي عبدالكريم الملفّ الذي ارسلته للرئيس بن علي احاله لي شخصيا وكلفني بالقيام بابحاث مدققة مع جميع الاطراف وانت واحد منهم… ما يعزش بيك هذا امر رئاسي وعليّ تنفيذه)… اجبت على الفور: (وعلاش يعزّ بيّ؟.. ونزيد نقلك اكثر ما نسامحكش قدام ربّي اذا تقول فيّ كلمة سمحة ما نستاهلهاش)… وانتهت المكالمة وقام السيد كمال عمران رحمه الله بدوره كما ينبغي مع الجميع وللامانة ليست لي ايّة فكرة عن تقرير السيّد كمال عمران الذي ارسله للرئيس بن علي…
وما ان حلّ الاسبوع الاوّل من شهر جويلية حتى صدر القرار…ق رار رئيس الدولة باقالة السيّد عبدالقادر عقير من مهامه على راس اذاعة صفاقس وتعيين السيد رمضان العليمي خلفا له… يوم صدور القرار ذهبت الى مكتب سي عبدالقادر واقسم بالله دون شعور واحد بالمائة من خبث الشماتة… استقبلتني سكرتيرته زميلتي فاطمة العلوي ورجوتها ان تعلن للسيد عبدالقادر عن قدومي لمقابلته… خرج اليّ مديري الى مكتب السكرتيرة… سلّم عليّ ولم اتركه للضياع وقلت له : (انا ما اتيتك شامتا ولكن اتيتك لاقول لك انّ قرار اقالتك انا عملت عليه وانا الذي ارسلت الى الرئيس ملفا كاملا حول تصرفاتك ويشهد الله اني لم افترِ عليك بتاتا… الآن جئت لاودّعك ولأتمنى لك الصحة ولاقول لك انا مسامحك دنيا وآخرة…
عانقني سي عبدالقادر والدموع في عينيه وقال لي: (انت هو الراجل وانا هو اللي ما كنتش راجل معاك وربي يهلك اصحاب الشرّ)… غادرت المكان وتلك كانت الحلقة الاخيرة مع السيد عبدالقادر عقير رحمه الله وغفر له… سامح الله ايضا الشلّة التي عبثت بالمدير وبمصلحة اذاعة صفاقس وبالعديد من الزملاء… وهذه الفئة ذكرها الله في القرآن بقوله عنها (الملأ) ووُجدت في كل الانظمة عبر التاريخ وستوجد حتى يوم البعث… انها شلّة الهمّازين واللمازين والحاقدين والاشرار وخاصة ذوي القدرات المحدودة فيعوّضون عن ضعفهم وسذاجة تفكيرهم بنصب الفخاخ للاخرين وبكلّ انواع الفخاخ…
انهم احفاد قابيل…
ـ يتبع ـ


قطاع الصحة… تحركات احتجاجية ضدّ أحكام “قضية الرضّع”

ورقات يتيم… الورقة 114

إلى الشهداء

خطة جيش الاحتلال في رفح… هدم كل المباني، حتى لا يجد السكان منازل يعودون إليها

السعودية… أول بلد عربي يتضرر من إجراءات ترامب
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل 17 ساعة
قطاع الصحة… تحركات احتجاجية ضدّ أحكام “قضية الرضّع”
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 114
- شعريارقبل يوم واحد
إلى الشهداء
- صن نارقبل يوم واحد
خطة جيش الاحتلال في رفح… هدم كل المباني، حتى لا يجد السكان منازل يعودون إليها
- اقتصادياقبل يوم واحد
السعودية… أول بلد عربي يتضرر من إجراءات ترامب
- صن نارقبل يوم واحد
جنود صينيون في أوكرانيا… حقيقة، أم مناورة من كييف لتغيير موقف ترامب؟
- صن نارقبل يوم واحد
إيران والولايات المتحدة: في الظاهر قطيعة وتهديدات وشتائم… وفي الباطن تعاون ومفاوضات
- رياضياقبل يومين
رابطة القيروان: مسيوتة في الصدارة… والمتبسطة في الملاحقة