جور نار
ورقات يتيم … الورقة 33
نشرت
قبل سنة واحدةفي

عبد الكريم قطاطة:
في اليوم الاول من عودتي للدراسة بمعهد الحي، احسست بأنني لست ذلك التلميذ الذي هجر مدرسته بعد نكسة الجزء الاول من الباكالوريا ..احسست بأني تلميذ ليس كسائر التلاميذ …محفظتي تغيّرت ..ملابسي تغيّرت ..هيأتي تغيّرت …

كانت شخصيّة المربّي بادية على سلوكي .. زملائي في الدراسة الجدد كانوا يتساءلون .._اشكونو هذا اللي ضاربو في روحو؟؟ … و عندما تجاذبت الحديث مع احدهم (رفيق مغيّث) وهو تلميذ مشاكس جدا وكان الاكثر جرأة وهو يستشف اخبار هذا القادم الجديد (اللي عامل فيها برانس وانيق وهازز خشمو على الجميع)… وقتها عرف اني كنت معلّما في السنة المنقضية واني عدت الى معهدي لمواصلة الدراسة، ايمانا منّي بأن دربي وطموحاتي ما اردتها ان تقف عند ذلك السقف ..رفيق هذا وهو الذي يعيش حاليا في اوروبا .._بعد ان فعلت المستحيل لمعرفة اخباره وعلمت انه في بحبوحة العيش، ردّ على طراطيش معلوماتي الاولى التي افدته بها بالقول: جوّ السنا ..نتصوّر انّك من الرعيل الاول في الحي وماشي تفيدنا بخبرتك …
كان يقولها بشيء من السخرية اللطيفة ..فكان منّي وقتها ان ابتسمت ابتسامة لا تقل سخرية عن سخريته وقلت: “يعمل الله”… فعاد رفيق ليستدرك: ما تتغشش منّي والله ارتحتلك وحبّيت انفدلك معاك… فاجبت: ولا يهمّك انت ما تعرفنيش ._ وكعادته ردّ بابتسامته: انا نحسّ بيك وحيّد …_ رفيق هذا “ما يبلش الفولة في فمّو”… وانتشر خبر الوافد الجديد عبدالكريم المعلّم في وسطي الدراسي ..ووصل صيته حتى لدئ اساتذتي الذين والحق يقال عاملوني بشيء من اللطف وهم مدركون اني مررت بتجربة التدريس ..اساتذتي عموما في سنة الباكالوريا وباستثناء سي محسن الحبيب استاذ العربية ومستر فيرس استاذ الانكليزية (استاذ في قمة الجمال والاناقة والكفاءة بلجيكي متعاون)… الباقون كانوا جددا ..
والغريب انه ورغم ابتعادي عن معهدي لسنة واحدة فقط وجدتُني مع مجموعة هامة من الاسماء الجديدة… من المدرسين: مادموازال “بوسناك” وصدقوني اسمها ولقبها يجسدان تماما جمالها ..خاصة وهي ترتدي بشكل دائم “الميني جيب” الذي هو اقرب للميكرو جيب … وكأنها تستنهض همم التلاميذ نحو علم آخر وفنون اخرى (واحنا صغيّرين وما نعرفش الحاجات دي) … وكنا نحسد ونحسد ونحسد مسيو بلان استاذ الفرنسية الذي كان (مشلّق على روحو برشة) في التعاطي معها .كزميلة وكمربّية “حنيّنة آوي آوي آوي” ..
من ضمن الاساتذة الجدد كذلك الاستاذ توفيق بن عياد في مادة العلوم الطبيعية (رحمه الله)… كان “مهفّ” نظرته ردود افعاله .. في حصّة من حصص العلوم حول الهضم الاصطناعي حيث يختلط ما ناكله باللعاب فتبدا عملية تفاعل المادتين … علّق عليه احد التلاميذ (المعلول) والذي لم يكن معلولا في ضماره على عكس البعض الذي يولد معلولا وينتهي معلولا …. علّق سي المعلول على تفاعل اللعاب مع الاكل بقوله ..سي التوفيق اذا كان الآكل امرأة ما نجموش نقولو لعاب ..سي التوفيق المهفّ فهم مقصده ولكنّه استعبط و ردّ عليه: .اش نقولولو يا معلول ..؟؟ فاجاب ابن الآداب الذي لم يكمل دراسته في الاداب بل اصبح اطارا عاليا في الداخلية وللمعلولين فيما يختارون مذاهب (واحد في الداخلية والاخر في الاهلي وآخرون لم يعرفوا يوما ولن يعرفوا مذاهب في حياتهم) ..اجاب معلول السادسة آداب: نسمّيه رضابا سي التوفيق… انفجر القسم ضحكا وضجيجا ..وابتسم سي التوفيق وقال: صحيتك يا بليد عاملّي فيها ضامر .؟؟ وواصل زميلنا المعلول بلادته السمحة وردّ: علاش سي التوفيق ما عجبتكش ..؟؟؟ ضحك سي التوفيق وردّ: .كيف وجهك ..ولم يكتف معلولنا بمشاكسته واضاف: “سافا” …معناها سمحة ، وبابتسامة رضاء على ضمارو ..ختم سي التوفيق الاستراحة بـ”نرجعو نقراو” ..وعدنا الى درس الهضم الاصطناعي ..
هذه التفاصيل التي سردتها هي بالنسبة لي مدخل لعلاقة تلاميذ الباكالوريا انذاك مع اساتذتهم ..كنّا فعلا اصدقاء وجدّا و لكن كنّا منضبطين وجدّا ايضا … فمع الاستاذ محمد صالح الهرماسي وهو اكثر الاساتذة المؤثرين ايديولوجيا على تلك المشتلة من التلاميذ .. هو مشرقي التكوين كفء وبدرجة مبهرة …لم يستعمل يوما مذكّرات ليعود اليها …يساري المنحى .. كنا في حصص التاريخ والجغرافيا كتلاميذ الكتّاب ..تركيز كلّي ..صمت مطبق ..ومتعة ونحن نستمتع بكل ما يقدّمه لنا ..هذا داخل القسم …خارجه كان صديقا للعديد وبكل تفاصيل الصداقة ..هو يحتسي مع البعض منّا ما لذ وطاب وانعش من بنات واخوات وامهات العنبة ..وهو لا يجد احراجا في طلب “سجيرة” كما ينطقها هو عندما لا يجد في جرابه سيجارة واحدة، خاصة في اخر الشهر … وهو مغرم لحد النخاع الشوكي والبصلة الشوكية والمخيّخ بالسيدة ام كلثوم ..وكنت انا مدير اعماله والاصح خادم اعماله في دنيا الست ….كان يطلب منّي ان اقدّم له كلمات الست في اغنيتها الجديدة وهي تقدّم حفلتها الشهرية .. وانا الذي لم افلت ايّة حفلة كلثومية ..وذلك المصري المغرم الولهان ينبعث صوته الشهي من حشاشة اوردته الدموية بعد كل مقطع °(عظمة على عظمة على عظمة )…
اتذكّر جيدا ان آخر اغنية دوّنت كلماتها لاستاذي الهرماسي كانت اقبل الليل … لاحمد رامي كلمة ورياض السنباطي لحنا .. اقبل الليل وناداني حنيني يا حبيبي … عندما قرأها استاذي الهرماسي .. ووصل الى “يا بعيد الدار عن عيني ومن قلبي قريبا ..كم اناديك باشواقي ولا القى مجيبا” ..نظر اليّ وقال: اشنوة تحبّني نسكر على الصباح ..؟؟ وواصل التهام رائعة الست حتى قرأ خاتمتها “يا هدى الحيران في ليل الضنى ..قد غدوت الان ادري من انا ..كنت وحدي بين اوهامي واطياف المنى .. والتقينا فبدا لي يا حبيبي من انا اين انا” …اغمض استاذي عينيه وقال: اطلع بسجيرة عاد .. توة هاذا فن واللي يخرج من حنفية الزبلة فن ..؟؟ …يلعن بو التاسيلة متاع جد بوهم الكلب … وهو يقصد اشباه الفناين التونسين متاع صرّافة على صرّافة ..والاكيد ان الله احبّه لانه ومنذ بداية السبعينات غادر تونس باعتبار انتمائه لحزب البعث واستقر بسوريا كواحد من اكبر المستشارين السياسين للنظام السوري منذ حافظ حتى يشار الاسد ..تصوروا فقط انه يشنف اذنه في هذا الزمن الرديء ب”طق اشترق طق” او “انا موش مريڨل وانت موش مريڨلة” .. ويجعلهم لا يتريڨلو …مستويات ..على طريقة لاباس …
الحي في تلك السنة شهد حدثا مشهودا ..ويا له من حدث ..لأول مرة في تاريخه يشهد معهد الحي اختلاطه بالفتيات (واحنا صغيّرين وما نعرفش الحاجات دي يا بيه) والافدح انهن من فصيلة صنف الاداب ..والافدح الافدح انهن في فصل اداب لا انتمي اليه ..شفتو الظلم ..؟؟ كانت ساعة الرياضة يوم يكنّ فيها تلميذات الاداب واللواتي هن هسكات .. قالب ..ممتلئات جمالا واغراء … باستثناء واحدة كانت تُلقّب بحاملة مفاتيح “بورت كليه” نظرا إلى قصرها .. اما الافدح الافدح الافدح ..فانهن كنّ يمارسن رياضتهن بشورت …افضل واحد فيه لا ينزل عن نصف الفخذين …لم اقل نصف الساقين ..يا بشر يا عالم يا هو ..نصف الفخذين ..في حقبة كانت العلاقات المعلنة بين الفتى والفتاة تعني فضيحة ..في زمن كان الشبان والشابات في صفاقس يلتقون في المائة متر الرابطة بين باب الديوان والبلدية الكبرى …يتمشون ذهابا وايابا كل عشية احد عشرات الكيلومترات ..بعيدا عن الكوْبَلة (من كوبل) نعم يستحيل ان تجد شابا مع صديقته او زميلته او حبيبته ..ممنوع …. تصوّروا فقط عشيّة كاملة ولا شيء الا نظرات متبادلة ..اي وبايجاز “تشلهيڨ في تشهليڨ” …
سنة الباكالوريا انذاك عُرفت بدسامة وامتاع البرامج الدراسية فيها ..بدءا بالفلسفة والتي لم تكن تروق لي بتاتا نظرا إلى ان استاذها كان في اسلوبه “مدّب” … وللتدخّل او الاستفسار يُحتّم على كل تلميذ منّا ان يرفع يده ويقول للاستاذ (علي المقدّميني سامحه الله): سيدي ..والا لن يتمكّن من قول ما يريد ..تصوروا استاذ فلسفة في سنة الباكالوريا يكون بيداغوجيا بهذا الشكل ..كان بالنسبة لي يمكن ان يكون كل ّ شيء الا استاذ فلسفة ..ولهذا السبب لم اسمح لنفسي اطلاقا طيلة تلك السنة بطرح اي سؤال او اي استفسار رفضا منّي لكلمة “سيدي” كما يحبّها هو ويفرضها علينا ..رغم ان قناعتي الداخلية ودون اي جدال ما زلت اؤمن بأن المربّي منذ الروضة وحتى التعليم العالي يستحق افضل من كلمة سيدي ….
ولاعود لتلك السنة يكفي ان اذكر ان برنامج العربية كان ممتعا جدا ففيه المتنبي وما ادراك وفيه الشعر الحديث وادباء المهجر وفيه ايضا الشعر المعاصر … اما عن التاريخ فهو يشمل الحربين العالمية الاولى والثانية والثورة الفرنسية قبلهما والثورة البلشفية… وطبعا تاريخ الحركة التوسية للتخلص من الاستعمار وانذاك كنا نمر عليها مرور الكرام ولا نعيرها كثيرا من الاهمية (زعمة زعمة مڨوّشين) ..في الجغرافيا كانت المحاور على المستوى المعرفي هامة جدا… تصوروا فقط اننا كنا ندرس القوى الكبرى في العالم اقتصاديا من المارد الالماني العجيب الى انكلترا وفرنسا واليابان الى القارة اللقيطة امريكا كما يسميها سي الهرماسي… دون نسيان الاتحاد السوفياتي والسوفخوزات والكولخوزات وهو النظام التعاضدي انذاك في ثاني اكبر قطب عالمي مع الولايات المتحدة الامريكية …وحتى المواد الاخرى من علوم طبيعية وفيزياء وكيمياء وانكليزية كانت هامة جدا ..لن اعلّق على الرياضيّات واللغة الفرنسية (صاحبكم حويلة فيهم .. كعبة لا)…
في حياتي خارج معهد الحي ,,اصبحت الاكثر دلالا واحتراما وتبجيلا بين اصدقائي ربما لان صورتي كمعلّم لم تمّح في اذهانهم ..اما عن علاقتي بحبيبتي فكانت كعادتها منحصرة في الرسائل التي تُطل احيانا حسب ظروفها… والتي عبّرت في بدايتها عن سعادتها وعبد الكريم يعود الى مصاف العلم والمعرفة وينال شهادته التي ستؤهّله حتما الى غد افضل .. حتى كان جوان ونحن نستعد لخوض امتحان الباكالوريا و صهر صديق عمري رضا يخصص لنا منزله لنستعمره ليلا نهارا ونحن رباعي يراجع ويذاكر استعدادا للامتحان ..صهر صديق العمر (عبدالحفيظ قطاطة رحمه الله) لا علاقة قرابة لي به الا انه كان يحبّني بشكل كبير ..هو كان مختلفا عن الاخرين… هو مربّ فاضل يعشق عبدالناصر وفريد الاطرش وسكك الحديد الصفاقسي . ويعشق فيّ عنصر التحدّي والصراحة والجرأة ولكن ما يغيظه في شخصيتي اني “دمي بارد” _…ي لا اغضب بسرعة ولا ارد الفعل بسرعة .. على عكسه هو تماما ..وكان يقول لي دوما: من ايّ طينة انت اتخلقت .؟؟ ولأن علاقته بصديق عمري وبي متميّزة، اقصى زوجته واطفاله من منزله ليسكنوا في دار صهره ومكننا من ماٌقامة عنده على امتداد نصف شهر للمذاكرة ..كنا اربعة انا ورضا واخوه عبدالحميد ورابعنا صديق نلقّبه الناموسة ..لانه في لعبه كرويا كان يلدغ كالناموسة… الم يُلقّب شكري الطرابلسي بالوشواشة ..؟؟… واذ انسى فلن انسى يوما عندما هبّ الذباب بهجمة صيفيّة مريعة على مجموعتنا فما كان من عبدالحميد الا ان حمل قارورة الفلي توكس (البخاخة) ورشها على بدنه ..ولولا الطاف الله والعجلة بأخذ حمام، لـ “مشى فيها”…
اثناء المراجعة وصلتني رسالة من حبيبتي في خبر عاجل: (اجري لي يا عبدالكريم ..جا اشكون يخطب فيّ ..يلزمك تلقى حل ..انا ليك انتي اوكي اما اش ماشي نقول لدارنا ؟؟) … واتضرب سي عبدالكريم وما جاش يدور …جاء واقف على ساقيه والاصح قام يجري ساقو اعلى من راسو ..والجماعة مفجوعين .نظر ثلاثي المراجعة الى وجهي ولست ادري انذاك كان مصفرا او محمرا او بالألوان ..ونزلت اسئلتهم من كل حدب وصوب على “قنباعة” راسي: اشبيك .؟؟ اش ثمة ؟؟ لاباس؟؟ … همست في اذن صديق عمري: توة يلزمني نمشي نصف ساعة وانجيك وتوة بعد نحكيلك …وسرت وحدي شريدا ..محطّم الخطوات ..تهزّني انفاسي .. تخيفني لفتاتي .. كهارب ليس يدري من اين او اين يمضي ..شك ضباب حطام .. يعضي يمزّق بعضي يمزّق بعضي ….
على عكس حليّم كنت ادري تماما واعرف تماما وادرك تماما الى اين امضي …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها

بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي

لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!

الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم

لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل يومين
غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها
- صن نارقبل يومين
بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
- صن نارقبل يومين
لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!
- ثقافياقبل 3 أيام
الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم
- صن نارقبل 3 أيام
لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
- صن نارقبل 3 أيام
جدل في الكونغرس الأمريكي… حول صفقة أسلحة بـ 3 مليار دولار مع قطر والإمارات
- صن نارقبل 3 أيام
بغداد… قمة عربية تحت رماح أمريكية، إيرانية وإسرائيلية
- اجتماعياقبل 5 أيام
300 فرصة عمل جديدة في تونس خلال العام الحالي و800 وظيفة أخرى خلال العام القادم