جور نار
ورقات يتيم … الورقة 44
نشرت
قبل 11 شهرفي

عبد الكريم قطاطة:
يوم 24 اكتوبر 74 امتطيت الطائرة لأوّل مرة في حياتي ..الطائرة حملت على متنها الزعيم الحبيب بورقيبة في مقصورته الشرفية وحملتنا معه نحن الفريق التلفزي الذي سيغطّي القمّة العربية بالرباط والمنعقدة رسميا من 26 الى 29 من نفس الشهر...

كنت صحبة الزميل سعيد الاصرم المصوّر التلفزي والمرحومين محمد قاسم المسدّي ومحمود صابر من قسم شريط الانباء … كنت سعيدا جدا كطفل يذهب الى الماناج ايام عيد الفطر او عيد الاضحى ليركب الطائرة التي ما ركبتها يوما وانا طفل خوفا منها ..كنت ابحلق برعب في ركابها وبالمقابل كنت امارس ركوب تلك السيارات الصغيرة التي نجد لذة كبرى ومتعة اكبر لنركبها نحن الاطفال ونتعمّد نطح بعضها خاصة تلك المركوبة من ايّاهن … وقيّد على الماناج و صاحبه عمّك صالح الجربي رحمه الله …وكنّا ايضا مشدودين الى ذلك السحّار العجيب الملقّب بالفلو (لا اعرف لهذا الاسم الفنّي ايّ معنى)… والذي لم ينفك دوما عن اخراج كويرات صغيرة من فمه ومن تحت اذنه ومن انفه …
ماناجي يوم الرحلة الى المغرب كان مختلفا تماما … اوّلا كنت مزهوّا بنفسي ..كيف لا وانا امتطي طائرة رئاسية .؟؟؟ .كيف لا وانا اتحصّل لأول مرة في حياتي على اوّل مبلغ مالي كبير وبالعملة الصعبة من خزينة مؤسسة الاذاعة والتليفيزيون … كمصاريف لمهمّة رسمية هامّة جدا ..؟؟ ثمّ كيف لا والمرحوم علاّلة العويتي يتنقّل بين صفوفنا كرئيس للكتابة الخاصة للزعيم بورقيبة ليسأل عن فريق التليفيزيون فردا فردا ويستطلع اخبارنا وحاجياتنا …؟؟؟ وبتكليف من الزعيم …هذا في بداية السبعينات والتلفزة التونسية لم تصل حتى الى عشريتها الاولى … نعم انه الزعيم بورقيبة الذي ادرك قبل عصور مدى خطورة الاعلام واهمّيته …تلك الحركة من رئيس كتابته الخاصة لم تمرّ عندي في الخفاء وانا الذي كنت ازعم نفسي من معارضيه ..هي كانت بمثابة قرنفلة يُهديها لك خصمك رغم كل اخطائه وعداؤك له، فاذا بها تحدث فيك لمسة لا تدرك آثارها الاّ بعد رحيله ..
واستعدّت الطائرة للاقلاع ..وجاء ازيز المحركات ..وجاء الديماراج المجنون و (اوببا !) الاقلاع الفجئي السحري لعباس ابن فرناس ..كانت لحظة الانفصال عن الارض لحظة رهيبة ..داريت فيها خوفي وتلوت بعض الآيات القرأنية بحثا عن تماسكي ..وربّما كانت المرة الاولى التي اعود فيها لتلاوة القرآن بعد التعليم الابتدائي ..(الكبسة تعمل) ..ثم جاءت اللوحات البديعة ..العاصمة في مشهد فوقي بانورامي ممتع .. ثم التزاوج مع السحاب ..ما امتع التزاوج مع السحاب …ما امتع معانقة القطن الابيض .. ما امتع ان يصعد الواحد الى عالم كان خرافيا بالنسبة لنا ونحن اطفال ..كنا نرقب تلك السحب وخاصة البيضاء منها بدهشة وانجذاب ..كنّا نتساءل اما آن لتلك السحب ان تنزل من عليائها ونستحم معا ..؟؟ نجري معا .. نتسابق معا..؟؟ وكنّا ايضا نتساءل هلي ياتي يوم نعانقها في السماء …؟؟ كيف سنجدها ونحن نمشّط شعرها الجميل والمترامي هنا وهناك ..وها انت اليوم يا عبدالكريم ..على بعد سنتمترات منها .. انت واياها جيران ..تحتسي معها ما يُقدّم اليك من قهوة وشاي على متن الطائرة ..فيما بدأ البعض من زملائك في احتساء المشروبات الصفراء التي لا تنزل الاحزان ساحتها … لو مسّها حجر مسّته سرّاء ..انهم احفادك يا ابا نواس …
لم استفق طوال تلك الرحلة وانا المزبهلّ الى درجة السكرة الا وانا على سماء مدينة الرباط ..وفجأة انخلع قلبي من حادثة لم انسها لحد هذا اليوم .. كنت اضع راسي على حافة نافذة مقعدي …ورايتني اهتز من المقعد اهتزازا عنيفا ..هي عقرب تمر حذو الطّائرة وبسرعة جنونية ..نعم عقرب ..وتصوّروا فقط ذلك المشهد الرهيب ..انها هيليكوبتر تمرّ حذو طائرتنا ..لست ادري ان كانت ترعى الوفد التونسي لقمة الرباط ..لست ادري ايّة مهمّة كانت لها في تلك اللحظة بالذات ..ولكن علمت بعد سنوات ان قمة الرباط كانت من اخطر القمم العربية على الاطلاق احداثا و امنا كاد يُزعزع فيها .. قبلها بسنة انعقدت القمة بالجزائر وكان ذلك في نوفمبر 73 … وفي تلك القمة وقع الاتفاق ولاول مرة في التاريخ على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ..الا ان ملك الاردن (حسين) عارض وبشدة بل ونصّب نفسه الممثل الشرعي لفلسطيني الاردن (قرابة المليون)… وهو ما حتّم على الرؤساء العرب تأجيل الحسم في الموضوع إلى قمّة الرباط …
في تلك السنة الفاصلة بين القمتين تحركت عناصر من منظمة ايلول الاسود الفلسطينية لتصفية لا فقط الملك حسين ملك الاردن بل شملت القائمة كل من ملك المغرب الحسن الثاني، ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز، لرئيس المصري انور السادات والرئيس السوداني جعفر النميري … وخططت ايلول الاسود للتنفيذ عند وجودهم بالرباط في قمة 74 ..وبقدر ما البلدان العربية فاشلة في معظم مخططاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، فانها تنافس الاف بي اي والانتربول وحتى الموساد في عالم الاستخبارات …وهذا “القليّم” بقدر ما كان طوال عصورنا قمّة في التألق واستباق المؤامرات فانه بعد 14 جانفي شهد في نفس الوقت نكسة وانتعاشة… نكسة لاستباق الاحداث في جلّها كما عوّدنا سابقا .. وانتعاشة للاختراق عند البعض الاخر ..
مخطط جماعة ايلول الاسود وقع اكتشافه اياما قليلة قبل انعقاد القمة… لذلك كانت الاستعدادات الامنية في الرباط لضمان انعقادها في افضل الظروف الامنية، ممتازة الى حد الرهبة ..وكانت عقرب الهيليكوبتر التي روّعتني جزءا منها ….لم اكن ومجموعة التلفزة التونسية انذاك نحفل كثيرا بما يحدث في القمة وكواليسها …كنّا فرحين نعم ..بانتصار كبير حققته القضية الفلسطينية والتي اصبحت منذ 29 اكتوبر 74 وبالاجماع (وفجعان الذيب ولا قتلانو)، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والذي خوّل بعد سنة لياسر عرفات الصعود ولأول مرة ايضا على منبر الامم المتحدة لتمثيل بلده (بصفة ملاحظ طبعا لاغير)… صدقا وبالنسبة لنا (الفريق التلفزي) كلّ واحد منّا يبحث بعد القيام بواجبه المهني وارسال نشاط القمة وخاصة نشاط الزعيم بورقيبة لبثّه يوميا في شريط الانباء … كلّ واحد منا كان يبحث عن ليلاه ..بعضنا كندماء لابي نواس.. بعضنا عن الزطلة وهي المنتشرة انذاك في المغرب بشكل عادي جدا ..وبعضنا الاخر وانا منهم يبحث عن ثقافة تبادل دواليب المُقررات ..
وكانت الامور ساااااااااااااااااااااااهلة … حيث اكتشفت من خلال الخمسة ايام التي قضيتها هناك انه من الصعب احيانا ان تجد رغيف خبز ولكن من السهل كتونسي ان تجد مقررا بكل المواصفات …قلت التونسي لأن تجربتي في الرباط والتي تدعّمت بعد سنتين خلال دراستي بباريس، اكدت ان هناك ميلا سحريا من المغربيات للتونسيين والعكس صحيح ايضا ..نحن والمغاربة في جلّنا لنا سلوكيات متشابهة جدا ..حب الحياة بشهية كبيرة وننافق احيانا بشهية اكبر .. وحتى في كرتنا نُحسن الخبث الكروي اكثر من اجادتنا للعب الكروي ولعلّ التعادلات التي سُجلت في تاريخنا المشترك كرويا اكبر دليل على ذلك …وحتّى لا اُفوّت هذه الفرصة وانا اتحدث عنّا نحن سكّان المغرب العربي، لابدّ من التاكيد على حقيقة عشتها في باريس واسمحولي ان اصدح بها عاليا ..لا يوجد في مغربنا العربي اطلاقا “ارجل” من الجزائرين …هم بعبارتنا التونسية (شانابات وعليهم الكلام وقدّها وقدود)….
وانتهت القمة وحان موعد العودة الى تونس يوم 30 اكتوبر وكلّ واحد منّا فرح مسرور بما حققه من انجازات وبكل الالوان …الا انه وعند امتطائنا الطائرة من الدار البيضاء وقع اعلامنا بأن الطائرة الرئاسية ستتوجه رأسا الى الجزائر ..الرئيس بورقيبة سيشارك الشعب الجزائري الشقيق احتفاله بعيد الثورة غرة نوفمبر ..(واضرب عندك يا كريّم) … المشاركة لم تدم اكثر من يوم وليلة ولكن ذاك كان ثاني بلد اسافر اليه في حياتي ..لم اطّلع على عالمه كما فعلت في الرباط حيث اصبحت مغربيا اكثر من المغارية واعرف تلك العاصمة زنقة زنقة ..ولكن سجّل لي جواز سفري اسم البلد الشقيق والجار والعزيز الجزائر …
اتممنا مهمّة الرباط والجزائر وعدت الى عملي بالمؤسسة في قسم المونتاج … فتحت يوما مجلّة الاذاعة لاجد بها خبرا ادهشني وازعجني ..بينما كنت بالرباط وقع تأسيس اوّل شعبة مهنية في المؤسسة …وانا مالي ..؟؟ يأسسوا على ارواحهم … الا اني عند قراءتي لتركيبتها وجدت اسمي من ضمنها كعميد شباب …؟؟؟ ثم انا معنديش تلفون ..؟؟ كيف لي ان اكون فيها وانا الذي لم احضر اجتماعاتها بتاتا ولا علم لي بها اصلا وفصلا ..عبدالكريم في شعبة للحزب الاشتراكي الدستوري (الحاكم) وعميد شبابها …؟؟؟ يا خرابك يا طفل … اش يقولو عليك جماعة اليسار من “بوكته” الى كل تشكيلاته الاخرى ..؟؟ يا مصيبتك يا واد …؟؟
لم انتظر طويلا ..صعدت الى الطابق العلوي حيث المصالح العليا جدا (المدير العام وضواحيه) وطلبت من السكرتيرة مقابلة رئيس الديوان ..استقبلني سي الديماسي بكل حفاوة وترحاب وشكرني على انجاز مهمّتي بالرباط والجزائر وسألني ما المطلوب ..اعلنت له عن انشغالي بتسميتي في هيئة الشعبة المهنية وانا الذي رفضت وارفض العمل داخل اية منظومة حزبية …فتح فاه بدهشة واستغراب شديدين وقال: سي صلاح (البي دي جي) هو من اختارك .وهذا شرف لك ..والبعض “يدفع عليها فلوس وانت جايني تقللي ما نعملش سياسة”..؟؟تماسكت وقلت: “سي عبدالسلام ارجوك هذا موقف مبدئي وارجو ان يتفهمني سي صلاح …صدقا لا استطيع” ..نظر اليّ بكلّ حزم وجدّ وقال: “سابلّغه الامر” …لست ادري ماذا حدث بالضبط لكن كل ما وقع انهم لم يعودوا معي اطلاقا للحديث في هذا الموضوع …
في تلك السنة ايضا 74 مارست اولى محاولاتي في الصحافة المكتوبة… كان ذلك عندما قرر الاديب محمد مصمولي صاحب العين الخضراء ..؟؟؟ نعم هو له عينان كسائر الناس ولكن ما لم اشاهده في حياتي ان صديقي المصمولي له عين كستنائية اللون والثانية خضراء ! … قرر المصمولي تاسيس جريدة جديدة سماها الهدف ..ولانه يعرفني من خلال بعص الحصص الثقافية التي كنت اقوم بتركيبها وبانجاز بعض ريبورتاجاتها بالصوت والصورة (الحياة الثفاقية لخليفة شاطر، وهمزة وصل لخالد التلاتلي رحمه الله )…عرض عليّ فكرة المشاركة بقلمي في جريدته وقبلت بسعادة وزهو ايضا… وتلك كانت الخطوة الاولى لقلمي في الصحافة المكتوبة ولي عودة لها في قادم الورقات ..
وجاءت سنة 75 …هي ايضا مفصلية في حياتي …كنت نفسانيا وامام نجاحاتي المهنية التي اصبحت حديث الصحف، وامام ما عشته من تجارب لا تحصى في عالم المقررات… كنت نفسانيا مستعدا للتغيير نحو الايجابي ..اذ اني وبعد فشل تجربتي مع حبي في المراهقة ادركت بعد فورة المشاعر وبعد تتبعي لاخبار من احببت ان ربّ ضارة نافعة وانها حب مراهقة لا غير… وكانت عيادة رحمها الله وهي تتابع جولاتي وصولاتي تنظر الى طفلها وتقول في همس (اه يا وليدي وقتاش يهديك ربي ونفرح بيك …؟؟)… وحدث ان كنت ذات يوم في صفاقس وبالتحديد عند خالتي الاصغر والتي احبّها جدا … تباعدت وتدانت ..كاصبعين بكفّي …ثمّ كان قرارها النهائي وطفقت تقرأ موضوعها الذي حررته بتنميق ..
شوف يا وليد اختي انا ماشي نحدثك في موضوع وما نحبّكش تتغشّش منّي” ..قبلتها في يدها وقلت: “انا” نتغشّش منّك ؟؟؟ وتعطيني طريحة وما نتغشّش…راك خلتي نفيسة وما ادراك”… اخذت يدي واعادت لي مصروفي (قبلة الحنية والحب لابن اختها) وقالت: “ايّا وقتاش نفرحو بيك ..؟؟؟”… نظرت اليها وعرفت انها المؤامرة الجميلة لعيادة وقلت لها: “اشنوّة …؟؟ هذي عيادة ورا الحكاية ..؟؟”… ربتت على كتفي وقالت: “انا والا هي موش كيف كيف ؟؟” _” تبسمتُ واردفت: “ايه اشنوة المطلوب منّي ؟؟”… قفزت على بداية الغيث وقالت: “نحبّوك تستحصن على روحك وتشوف بنيّة حلال” …مازحتها بقولي: “حتى اللي نعرفهم بنيّات حلال زادة” …
ضربتني باطراف اناملها على ركبتي وقالت: “يزّيك عاد ماك درتها شليلة ومليلة … ما شبعتش ؟؟؟”… وضعت يدي على كتفها وقلت: “لوّجلي بنيّة حلال وربّي يعمل نايب” … نظرت إلي بحب كبير وبعطف اكبر وروح انتصارية على من نصبت له الفخّ وقالت: “عندي بنيّة الحلال ..وما تلقاش خير منها” …ودون اهتمام كبير وبشيء من السخرية سالت: “واشكوني هذي بنت الحسب والنسب ؟؟؟”… ودون انتظار انقضّت على فريستها وهي تنظر مليّا في عينيّ: “منية بنت خالك” … تبسمت وقلت: “منية بنت الـ 15 سنة ؟؟؟”… ولم تترك لي اية فرصة ..كانت تحاصرني بكل ما فيها من قلب وعقل ووجدان: “اي عاد اشبيه صغيرة انا ما قلتلكش عرّس بيها توّة ..اما اتكلّم عليها باش ما يخطفوهاش منّك …راك ما تلقاش كيفها” …اجبتها بنظرة لا شيء فيها وبصوت لا لون له: زعمة ؟؟؟ … قالت دون ان اسمعها: “والله لا تندم …واتفكّرني” ..
عندما قلت لها (زعمة) كنت اعيش لوحة فلاش باك من ذات يوم …كان ذلك اليوم غرة سبتمبر 1960 …يومها انجب خالي الذي احبه جدا وتحبه امي جدا جدا بنيّته …كان يعمل خارج صفاقس بنّاء… علم بالخبر واجاب عندما طُلب منه ايّ اسم يختار لها: ما نعرفش ..وكانت تمرّ بجانبه فتاتان نادت احداهما صاحبتها (يا منية)… التقطه خالي وقال لهم سمّيوها منية … لكن الاغرب وها هي الاقدار مرة اخرى تفرض سلطانها ..عندما سمعت امّي بولادة طفلة لاخيها كان اوّل ما قالت: اش خصّ لو كان يسميوها منية والا نجوى وناحذها لولدي !! … الستم معي في انّ هنالك في الحياة اقدار لا قدرة لنا عليها ؟؟؟ الستم معي في ان حياتنا تعيش منعرجات وزلازل وبراكين لا نقدر على فهمها لانها لا تخضع لاي منطق …
هل تفهمون مثلا ان الالعاب الاولمبية سنة 2020 بطوكيو قد تطلع علينا بشيخ مثلي ينافس الجامايكي يوسين بولت الاسرع في العالم وينتصر عليه ..؟؟ هل تتصورون مثلا ان العلاقة الودية جدا بين اوردوغان وحلفائه قد تتدهور وهم يكتشفون صورته اثناء حفل في جنوبى افريقيا لتوقيع شراكة تلفزية مع البلد حتى يمرّر على شاشاته مسلسلات مهند وما شابهها …؟؟؟ لقائل ان يقول انه الاستثمار الجديد ..نعم وبورك فيك يا هذا وفي عتاوتك واستنتاجاتك ودفاعاتك القطيعية …. اما ان يطلع رائد الاسلاميين الجديد وهو يمسك بيده “برادسي برادسو” ممثلة تركية فاتنة (وهنا اعني بفاتنة من الفتنة والتي هي اشد من القتل)… والفتنة هنا انها كانت بحق بلا هدوم تقريبا ما عدا بعض السنتميترات التي تغطّي البعض البعض البعض من جسدها . يبدو ان مشكلة القماش في تركيا عسيرة جدا الا بالنسبة لعلم تونس …هي ككل النجمات العالميات اهلا وسهلا ..اما ان يكون مصاحبها او صاحبها او لست ادري ماهي مواصفاته بالضبط “الشيخ اوردوغان” ؟؟؟ فعن اي شيخ يتحدثون …؟؟؟ حريم السلطان مثلا ..؟؟…
زعمة شيّطت في “هل تتصورون” ..؟؟؟ عذرا ..تقبّلوني كما انا بتشنّجي وهدوئي بفرحي وغضبي بالطفل فيّ وبجنوني …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها

بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي

لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!

الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم

لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل يومين
غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها
- صن نارقبل يومين
بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
- صن نارقبل يومين
لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!
- ثقافياقبل 3 أيام
الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم
- صن نارقبل 3 أيام
لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
- صن نارقبل 3 أيام
جدل في الكونغرس الأمريكي… حول صفقة أسلحة بـ 3 مليار دولار مع قطر والإمارات
- صن نارقبل 3 أيام
بغداد… قمة عربية تحت رماح أمريكية، إيرانية وإسرائيلية
- اجتماعياقبل 5 أيام
300 فرصة عمل جديدة في تونس خلال العام الحالي و800 وظيفة أخرى خلال العام القادم