جور نار
إنه الشتاء يا حبيبتي
نشرت
قبل يوم واحدفي
محمد الزمزاري:
يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:
اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…
لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..
عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…
تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.
تصفح أيضا
ملاحظة مبدئية … هذه الورقة ساخصصها لفترة هامة جدا في مسيرة اذاعة صفاقس… فترة تولّى فيها المرحوم عبدالقادر عقير ادارة اذاعة صفاقس، وامتدت من سنة 1996 حتى 2004 …
واحتراما لروحه سامرّ على بعض الاحداث دون ذكر تفاصيلها السيئة… نعم احتراما لروحه دعوني في البداية اقسّم فترة ادارته لاذاعة صفاقس على ثلاث مراحل… الاولى من 96 الى 98 والثانية من 98 الى 2002 والثالثة من 2002 الى 2004… هذا التقسيم مأتاه ما عايشته في المراحل الثلاث من احداث مختلفة جدا… كما اسلفت سابقا ومنذ قدوم الرجل سنة 96 وبطلب منه نشأت بيننا علاقة متينة للغاية… كنت بالنسبة له مستشاره الاول في كلّ ما ينوي القيام به وكان كثير النشاط متعدّد الرؤى لتطوير العمل الاذاعي… وحتّى في علاقاته مع زملائي في الاذاعة كان يستشيرني كلما حدث حادث وكان شديد الثقة بي…
ودعوني هنا اقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اغتنم طيلة وجودي معه تصفية ايّ حساب مع ايّ كان لكن في المقابل كنت لا اخفي تماما قناعاتي تجاه ايّ زميل ايجابيا او سلبيا… وكانت مواقفي تنبع دائما من حبّي لاذاعتي وحرصي ومن خلال تجربتي ان اقول له الحقيقة عارية… هنا ساذكر بعض الامثلة…
في احدى المرات دعاني على عجل وعبّر لي عن غضبه الشديد لعدم كفاءة احد منظوريه مهنيا… كان في قمة الغضب واخبرني انه يريد ان يضع حدّا لوجود ذلك الشخص في الاذاعة… وكان موقفي ان تريّث يا سي عبدالقادر وسنجد الحلّ ونزلت من مكتبه بحثا عن ذلك الزميل لاعرف لبّ الاشكال ..وجدته في حالة مزرية ..كان يبكي كطفل صغير بعد ان توعّده سي عبدالقادر بالطرد ..هدّأت من روعه ووعدته بالتدخل ايجابيا لفائدته لانّ قناعتي لم تقبل بطرده والقضاء على مورد رزقه ..وللتوّ عدت الى مكتب المدير عارضا عليه الحلّ الامثل ..قلت له مساعد ذلك الذي تريد طرده على غاية من الكفاءة… اذن دع ذلك السيد وشأنه وليكن من الان مخاطبك هو مساعده …وللامانة قال لي اللي تحكم انت مبروك وفعلا كان الامر كذلك …
المثال الثاني حدث مع ثنائي من الزملاء لاحظت انهما اصبحا كثيري التردّد على مكتبه ثم اكتشفت انّ احدهما اصبح ملازما اسبوعيا لهداياه لمنزله (اشي لحوم ..اشي سمك ..اشي غلال ..) فما كان منّي الا ان فاتحته في الامر وحذرته منهما لاني اعرف جيّدا معدنهما… وقلت له بالحرف الواحد ان حدثت لك يوما مشاكل في اذاعة صفاقس، وقتها ستدرك انهما وراء ذلك… وفعلا كانا وراء العديد من مشاكله مع الزملاء …
المثال الثالث حدث مع منشطتين كانتا شاركتا في كاستينغ لتطعيم اذاعة صفاقس باسماء شابة لضخّ دماء جديدة واخذ المشعل عنّا يوما .. وحرصت في هذا الكاستينغ على تكوين لجان حتى لا يكون القرار فرديا… نعم كنت رئيس تلك اللجان ولكنّ القرار كان جماعيا والله .. احداهما نجحت باجماع الجميع على اهليّتها لتكون ضمن من ساتكفّل بتكوينهم وتاطيرهم ..والثانية لم تحظ بايّ صوت في الكاستينغ ..سي عبدالقادر انذاك (جا راسو) على التي نجحت وحاول بكل الوسائل اقناعي بالتخلّي عنها ولكنه فشل تماما ..ونجحت في اصراري ونجحت هي في دورتها وبامتياز ..اليس كذلك حنان التريشيلي .. ؟؟ الثانية والتي لم تنجح في الكاسنينغ وبالاجماع وساتحاشى ذكر اسمها حتى لا احرجها، حكايتها تتلخّص في الآتي:
دعاني يوما سي عبدالقادر الى مكتبه ورجاني اخذا بخاطره ان اقبل بها كمنشطة اقوم بتاطيرها لانّ والدها وهو صديق له احرجه وطلب منه ذلك … موقفي كان الرفض التام لانّه وهذا يعرفه كلّ من تتلمذ عنّي، ليس لي قلب في الامور المهنية .. ابنتي كرامة مثلا ارادت ان تشارك في احدى دورات الكاستينغ .. لم ار مانعا في تمكينها من ذلك الحق لكن كان شرطي ان اقوم انا فقط بالكاسيتينغ… لاني كنت مدركا انّ من سيحضر معي لتقييمها سيراها كابنة لعبدالكريم ولن يكون موضوعيا مائة بالمائة ..وفعلا وكغيرها اجريت لها التجربة الصوتية واكتفيت بذلك… وعندما خرجت كرامة من الاستوديو لاستطلاع رأيي فيها قلت لها في جملة واحدة ..انت لست للميكرو .. ولانها تعرفني وتعرف قناعاتي، ودّعتني وذهبت وكأنّ شيئا لم يكن…
وهذا ما اعنيه وانا اقول دائما المصدح يُفتكّ ولا يُعطى، وسي عبدالقادر يعرف قسوتي وصلابتي وعنادي وكسوحية راسي في مثل هذه الحالات… فقال لي زايد انلحّ عليك وسآخذها على عاتقي وعلى مسؤوليّتي… قلت له ذلك شأنك ..نعم وأخذها على مسؤوليته ولم امكّنها من حضور الدورة التكوينية لانها بالنسبة لي لا تصلح للعمل الاذاعي بتاتا… وهي على فكرة الان مرسمة وتشتغل … ليس ذلك فقط بل تعتبر نفسها وخاصة بعد 14 جانفي نجمة النجوم …رغم انّ نوعيّة ما تقدّمه لا يختلف كثيرا عن احاديث النسوة في حمّام او احاديث بعض الرجال في لعبة البازقة… كلّ ذلك لن يمنعني من القول انّ الفترات الذهبية التي عاصرتها كانت ثلاثا…
اذ انّي لم اعاصر فترتي المؤسس الباعث عبدالعزيز عشيش رحمه الله ولا التوفيق الحشيشة اطال الله عمره… لذلك كانت الاولى التي عاصرتها مع المرحوم قاسم المسدّي، والثانية مع المرحوم محمد عبدالكافي، والثالثة مع المرحوم عبدالقادر عقير .. القاسم المشترك بينهم، نشاط حثيث لا يكلّ ..كانوا ما شاء الله قادرين على العمل طيلة 16 ساعة دون انقطاع… ثم كانت لهم رغبة جامحة في تطوير العمل الاذاعي كل من زاوية رؤيته الخاصة به ..لذلك وهذا عايشته معهم، كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في تجميع الكفاءات الثقافية بالجهة لدعمها وللارتفاع بمستوى المنتوج .. وكذلك للاخذ بيد الطاقات الشابة وتشجيعه. . وللامانة نجحوا في ذلك ايما نجاح … اليس كذلك احمد الشايب ؟؟ اتفهّم عرفانك له بالجميل… ولكن هنالك اشياء لا تقلّ اهميّة تطبع مسيرة ايّ مسؤول بايجابياتها نعم، ولكن بسلبياتها ايضا ..
وهذه في تفاصيلها يعرفها فقط من عاشر السيد عقير وعاضده عن قرب .. وسادوّن العديد منها في الورقتين 99 و100 ..كموثّق لما عشته معه ..اذ انّ مبدأ هذه الورقات منذ عددها الاوّل: التوثيق لكلّ ما عشته وعاشه معي جيلي والله وحده يعلم صدقي وامانتي …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
من ضمن ما تعلمته في دراستي بالمعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس، قاعدة اعتبرتها ذهبية في الانتاج السمعي البصري الا وهي نجاح اي برنامج يعتمد اساسا وبدرجة 80 بالـ 100 على الاعداد الجيّد… نعم والاعتناء بتفاصيل التفاصيل… وهذا ما حرصت عليه منذ وجدت نفسي امام المصدح فما بالكم ببرنامج يمتدّ على مساحة زمنية بـ24 ساعة دون توقف…
اذن وجب الاعداد الجيّد شكلا ومحتوى لهذا البرنامج… لذلك حرصت قبل تنفيذ البرنامج على تكوين فرق للاعداد معي لهذا الغرض: فريق خصصته لآراء المستمعين بمدينة صفاقس وضواحيها حول مسيرة اذاعة صفاقس ومدى تجاوب المتلقّي معها طيلة 35 سنة… فريق آخر كلّفته بآراء المستمعين الشباب الذين لم يواكبوا الاذاعة الا في سنواتها العشر الاخيرة وخاصة نقاط ضعف الاذاعة التي علينا تلافيها ونقاط قوتها التي وجب تعزيزها… وكلا العملين كان ضمن ريبورتاجات … فريقان اثنان يواكبان السهرة مباشرة مع مستمعينا خارج ولاية صفاقس بداية من الساعة العاشرة صباحا ليوم 7 ديسمبر، حيث ينطلق الفريق الاول في رحلة ماراثونية من بنزرت حتى صفاقس طيلة البرنامج، ليلتقي بعديد المستمعين في منازلهم وفي مدن مختلفة وليفسح لهم المجال للتعبير عن آرائهم سلبا او ايجابا حول ما تقدمه اذاعة صفاقس من برامج…
وفريق ثان يقوم بنفس المهمة انطلاقا من بن قردان الى صفاقس… على ان يكون وصول أفراده الى صفاقس وبالتحديد الى مقرّ الاذاعة يوم 8 ديسمبر على الساعة الثامنة صباحا… حيث يكون اللقاء مع هذين الفريقين مباشرة من الاستوديو للتعبير عن رحلتهما كيف كانتا، وعن انطباعاتهما حول كلّ ما عاشاه في تلك الرحلة… لم انس كذلك مستمعينا عبر الهاتف حيث خصصت طيلة السهرة نصيبا من الوقت لمداخلاتهم… ودعوت صديقي وزميلي عبدالجليل بن عبد الله لمشاركتي في التنشيط الذي حرصنا فيه معا على اضفاء روح الدعابة فيه… وتداول على الكونسولات العديد من التقنيين الذين هبوا وبكل طواعية لياخذ كل واحد منهم نصيبه من الحدث… وقبل 24 ساعة من انطلاق البرنامج كان دليل البرنامج مُعدّا بكل تفاصيل البرنامج وبتوقيت المداخلات وبكلّ اغانيه…
ودليل البرنامج عندي من الاشياء المقدسة رغم انّ ظاهره عمل عسكريّ قاس لانّه مفصّل بالدقائق والثواني وهو ما يعتبره البعض عملا شاقا ثم هو لا يفسح المجال للارتجال… وحجة هؤلاء في مفصل الارتجال انهم يعتبرونه هامشا هاما من الحرية لا استغناء عنه… بينما ارى الارتجال في تقديري هروبا من مسؤولية تنظيم العمل بدقّة اي هو تعلّة كاذبة… لانّ العمل المنظم لا يتعارض مع الارتجال ان لزم الامر… امّا ان يدخل المنتج الى الاستوديو دون اعداد جيد تاركا الحبل على الغارب للفنّي الذي يتولّى اختيار وتمرير الاغاني التي تروق له، فذلك عندي (تخلويض وكسل)… اذ كيف لمنتج ومنشط لا يقوم هو باختيار اغانيه التي تتلاءم والمواضيع المقترحة في برنامجه ؟؟ وفي رواية اخرى نعم للحرية والارتجال اذا كان ذلك يخدم مصلحة المنتوج ولا للعبث والتهاون..
عندما قدمت دليل البرنامج للسيد عبدالقادر عقير للاطلاع عليه وامضائه.. اندهش من دقة التفاصيل وللامانة امضى عليه دون ايّ اطلاع… واضاف مرّة اخرى: (يخخي انا نعرف خير منك؟)… اخذت دليل البرنامج بعد ان امضاه واغتنمت الفرصة لتذكيره بالجائزة… تلفزة من الحجم الصغير… طمأنني بالقول (صاحبك راجل)… اتفقنا وتمنى لي النجاح والتوفيق… ارتأيت ان تكون الجائزة لافضل مداخلة في البرنامج سواء كان ذلك من الريبورتاجات المسجلة او من مستمعينا في مداخلاتهم من خطّي بنزرت وبن قردان او من مستمعينا عبر الخطوط الهاتفية واعلنت عن ذلك منذ بداية البرنامج …
وانطلق قطار البرنامج كما هو محدّد له يوم 7 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا لينتهي يوم 8 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا… واقسم بالله انّ دليل البرنامج وقع تنفيذه بنسبة 99 في الـ100 دون ايّ خطأ او خلل .. اذن لماذا 99 في الـ 100 ؟ اين ذهب الواحد في الـ100 ؟؟ على الساعة الخامسة صباحا من يوم 8 ديسمبر فوجئنا جميعا بالسيّد عبدالقادر عقير يحلّ بيننا بالاستوديو… كان في قمّة السعادة والفرح… هنّأني وهنّأ الجميع بنجاح التجربة وطلب منّي دون ازعاج ان يقول كلمة ليعبّر فيها عن شكره وامتنانه لفريق البرنامج على نجاح المهمّة… لبّيت طلبه ولمدّة لم تتجاوز الثلاث دقائق اردفت كلمته باغنية من الاغاني الاحتياطية التي ابرمجها في كل انتاج اقدّمه لمثل هذه المفاجآت…
عنصران اخيران اختم بهما هذه الورقة الخاصة بالحدث… عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين: العنصر الاوّل مآل جائزة البرنامج … للامانة كنت مركّزا جدّا على تدخلات المستمعين في الريبورتاجات المسجّلة وفي خطّي بنزرت وبن قردان مع اهالينا هنالك وفي المكالمات الهاتفية… وللامانة ايضا، عديد المداخلات كانت متميّزة جدا من هنا وهناك…و كان عليّ ان اجتهد وان اكون عادلا في اختياري للفائز… ثمّ هلّت مكالمة هاتفية وبالتحديد من مساكن ومن مستمعة اذاعة صفاقس السيّدة فاطمة بيّة والتي يعرفها الجميع باسم امّ غسّان… وهل يُعقل ان لا تكون (فطّوم) كما يحلو لي تسميتها غير حاضرة في مثل هذه المواعيد ؟؟ فطّوم هي بنت اذاعة صفاقس بل هي صنيعة اذاعة صفاقس…
فطوم وهذا يعرفه جلّ الناس نشأت من رحم اذاعة صفاقس… القدر جعل من اذاعة صفاقس لها المدرسة التي لم تدخل قبلها ايّة مدرسة… نعم وبإرادتها وعزمها نحتت الصخر… صخر الجهل والظلام… وخرجت الى نور العلم وهي تخطّ اوّل حروف الابجديّة لتكتب اوّل رسالة في حياتها الى (سِيدها) كما يحلو لها ان تسميني دائما… وكان لزاما عليّ وهو من واجباتي مهنيا وانسانيا ان آخذ بيدها وان اعينها على كسر حواجز كهف الجهل… وبفضل ارادتها وعزيمتها وبشيء قليل من تشجيعي تعلّمَت وشقّت طريقها لمزيد المعرفة والنور… واقسم لكم باصدق الايمان انّ فطوم حاليا تكتب شكلا ومحتوى افضل من الكثيرين الذين يحملون شهائد عليا وهي التي لم تدخل المدرسة يوما… هنيئا لي ولنا جميعا بك…
ليلتها تدخلت فطوم كعادتها عبر الهاتف لتدلي بدلوها في البرنامج الحدث وفي مدرستها اذاعة صفاقس… ولولا حرصي الشديد على تمكين كلّ المستمعين من نفس الحجم الزمني في مداخلاتهم لما توقفت شهرزاد الفطومية عن الكلام المباح حتى الصباح… في نهاية المكالمة دغدغني صوت وليدها انذاك مهران… وما اجمل دغدغة صوت الاطفال… في تلك اللحظة قفز لذهني من هو صاحب افضل تدخل ولمن ستؤول الجائزة… ستكون لمهران ولا لغيره لاني اعتبرت تدخله افضل تدخل من حيث الصدق والبراءة… هكذا اجتهدت… هكذا قررت… وهكذا اعلنت عن حصول مهران على الجائزة في نهاية البرنامج… وهكذا تسلمت فطوم وزوجها ومهران الجائزة في احتفال خاص بالحدث جانفي 1997 …
خاتمة البرنامج كان ايضا مسرحا للقرار… نعم قرار فاجأ الجميع… لم اعلنه لاحد قبل يوم 8 ديسمبر 1996 … لا احد على الاطلاق … حتى عائلتي التي كانت حاضرة بالفضاء الخاص بالتقني صباح 8 ديسمبر فوجئت به… قلت امام المصدح وللجميع: (هذا اخر عيد ميلاد اقدم فيه برنامجا خاصا بالحدث)… وتحول الفرح بالنسبة للبعض إلى دموع … فوجئوا جدا بقراري… فكيف لمنشط مثلي في (طمبك) نجاحه ونجاح الحصص الخاصة باعياد ميلاد اذاعة صفاقس التي قدمتها، أن يعلن الانسحاب ؟؟ خاصة وهم يدركون جيّدا انّي عنيد في قراراتي وندُر جدا ان تراجعت فيها.. وها انا اجيب عن (لماذا كان ذلك القرار)…
انا وبعد انتاج هذا البرنامج الحدث محليا ووطنيا وعربيا وعالميا اكون حلّقت في اعلى درجات السُلّم انتاجا… اذن على الانسان ان يعرف موعد مغادرة السُلّم… ثمّ ما ذنب ذلك الكمّ الهائل من الشباب الذي ينتظر فرصته ليتسلّم المشعل؟… اليس من واجبي ان اتنحّى لاتيح الفرصة لهم ؟؟… وتاكدت من واقعيّة قراري خاصة بعد ان دُعيت للعودة للمصدح بعد جانفي 2011 … نعم دُعيت للعودة ولم اجر وراءها… وساعود لذلك الزمن الارعن في ورقات قادمة… عندما لبيت دعوة الواجب وعدت لمصدح اذاعة صفاقس قال بعضهم (تي يخخي هالسيد يحب ياخذ زمانو وزمان غيرو ؟؟ تي يمشي يشدّ دارو ويشدّ سبحة خيرلو) … سامحهم الله …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
توضيح: العمر يجري .. وها انا احاول السباق مع الزمن حتى اختم هذه السلسلة والتي في تقديري ستكون قفلتها سنة 2022* … أرجو من الله ان يمدّ لي في العمر حتى اختتمها …
الورقة 96 ستكون خاصة بما عشته وعاصرته في اذاعة صفاقس في اواخر سنة 1996 … تلك السنة عشت فيها حدثين اولهما تعيين السيد عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس خلفا للسيد النوري العفاس رحمهما الله… والحدث الثاني هو الاحتفال بعيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين وذلك نظرا الى خصوصيات ذلك الحدث… دعوني اوضّح فيما تعلّق وسيتعلّق بايّ زميل غادرنا، لن اسمح لنفسي بذكر بعض التفاصيل عنهم احتراما لـ(اذكروا موتاكم بخير)… لكن وللتوثيق وهي القاعدة الاساسية في الورقات هنالك احداث لابدّ من ذكرها ولو بشيء من الاقتضاب…
عندما عُين الزميل عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس كان الامر غير منتظر بالمرّة… اذ انّ تعيين مدير لاذاعة صفاقس غير منتسب للجهة أمر يحدث لاوّل مرّة… وفهمت بعدها انّ ماكينة عبدالوهاب عبد الله اصيل المنستير وامبراطور الاعلام انذاك بدات تشتغل… فعيّنت العديد من اصيلي اما المنستير او الساحل في عديد المراكز الاعلامية الحساسة… والزميل عبدالقادر عقير مسيرته الاعلامية كانت متواضعة جدا ..اذ هو عمل باذاعة المنستير كمنتج ومنشط لمدّة قصيرة للغاية ..وبعدها دخل سلك المعتمدين حيث اشتغل كمعتمد بقرقنة ثم بعقارب… دون ذلك وقبل ذلك اشتغل كمعلّم في المدارس الابتدائية في تونس وفي ليبيا كواحد من المتعاونين انذاك…
يوم تعيينه وبعد انتهاء المراسم الرسمية فوجئت بحاجب الادارة يبحث عنّي ليقول لي (سي عبدالقادر يحب عليك) فاستجبت لدعوته … وكلّ ما اتذكره عن سي عبدالقادر انه يوما ما كان هنالك برنامج مشترك بين اذاعتي صفاقس والمنستير كنت انا امام مصدح اذاعة صفاقس وكان هو امام مصدح اذاعة المنستير… وقبل بداية البرنامج بنصف ساعة هاتفني ليقول لي انّ تجربته متواضعة في التنشيط ورجاني ان امدّ له اليد ووعدته بذلك… وتعدّى البرنامج لاباس… دون ذلك لم يكن لديّ عنه ايّة فكرة لا سلبا ولا ايجابا … وتلبية لدعوته وجدتني بمكتبه كمدير .. كان استقباله لي على غاية من الحرارة والصدق… هنأته بمنصبه وتمنيت له النجاح … ودون مقدمات قال لي: (انا لا اعرف ايّ احد في اذاعة صفاقس باستثنائك… اريدك ان تقف معي فهل اعوّل عليك ؟)… اجبته دون تردّد وبكلّ شفافية وصدق: (يشرّفني ذلك متى عملت من اجل مصلحة اذاعة صفاقس… ولكن سأكون اوّل من يقف ضدّك ان عملت من اجل مصلحتك وعلى حساب مصلحة اذاعتي)… واضفت (هذا هو انا ولك الاختيار)… فاجاب دون تردّد او حتى لحظة تفكير: (وانا اخترتك انت بالذات لاني عرفتك من خلال مسيرتك وكلّي ثقة في آرائك ومواقفك ولن تجد منّي الّا ما يرضيك ويرضي المجموعة…
ولم تدم جلستنا طويلا حيث دعاني للخروج معه في نزهة على سيارته وليته ما فعل… مدير جديد يهزّ عبدالكريم معاه في كرهبتو نصف ساعة بعد مراسم التعيين ؟؟؟ والف لسان يتساءل: (تي من اوّل نهار عبدالكريم كلالو عقلو ؟؟)… وهذا كالعادة لا يعجب الملأ … ساعود في ورقات قادمة لما فعله هذا الملأ والذي انتصر في معارك عديدة ولكنه خسر الحرب… هذا الملأ حوّل علاقتي بالزميل عبدالقادر عقير من علاقة ودّ وانسجام لما فيه خير للدار واهل الدار (والله شاهد على ما اقول)… الى علاقة حرب بدأت خفية واصبحت مع مرور الوقت معلنة بيني وبينه وانتهت باقالته من منصبه وبتعويضه بالسيد رمضان العليمي… وستأتي اهم التفاصيل كما اسلفت في ورقة قادمة. ..
الحدث الثاني الذي عشته سنة 96 كان عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين… مما عودت عليه المستمع اني طيلة السنوات التي انتجت فيها حصصا خاصة بعيد ميلاد اذاعتي كنت دائما ابحث عن بصمة خاصة لكلّ عيد ميلاد… وعندما بدات في التفكير في عيد الميلاد الخامس والثلاثين ومنذ بداية شهر سبتمبر 96 كان هاجسي ان يكون البرنامج مختلفا تماما شكلا ومضمونا عن كلّ ما سبق محليا ووطنيا وعربيا ولم لا عالميا… ولم تطل مدّة التفكير والبحث طويلا… نعم قلت في نفسي لم لا يكون البرنامج على امتداد 24 ساعة تنشيطا دون انقطاع… وامتلأت بهذه الفكرة صدقا بكثير من النرجسية ايضا ..اذ انّي سانجز ما لم يقع انجازه على الاطلاق ..شكلا وحجما … ثمّ اعتكفت لمدة اسبوع ابحث عن محتوى لهذا البرنامج اذ لا يكفي ان يكون الشكل مبهرا فذلك يذهب مع او نسمة رياح… المحتوى يجب ان يكون مقنعا ومدروسا بعناية وبفريق كامل يؤمن معك بالمشروع… واخترت مكوّنات هذا الفريق وكنت واضحا مع الجميع ..من يقبل بالمشاركة عليه ان يقبل بالعمل تطوّعا كاهداء لاذاعتنا في عيد ميلادها الخامس والثلاثين… وللامانة قبل الجميع بالفكرة وبكلّ سعادة…
وبدات اعقد اجتماعات دورية مع الفريق بعضها في صفاقس واخرى في تونس مع البعض الذي كان يزاول دراسته الجامعية هنالك… ومع نهاية شهر اكتوبر اصبح كل شيء جاهزا وحتى دليل البرنامج جاهزا بالدقيقة والثانية… وانا المعروف عني اني لا اترك للحظ او للصدفة او لايّ عائق ان يقف ضدّ اعدادي لتفاصيل التفاصيل… وعندما عرضت المشروع جاهزا للسيد عبدالقادر عقير كان في قمة السعادة والرضاء ..كيف لا واذاعة صفاقس وفي عهد ولايته عليها ستحقق رقما قياسيا عالميا ..وكيف لا والمشروع لن يكلّف حزينة الاذاعة ايّ مليم باعتبار تطوّع كامل الفريق… وعندها اغتنمت الفرصة لاقترح عليه ان تخصص اذاعة صفاقس جائزة في حجم الحدث… ودون ايّ تردد اجابني: (الغالي طلب على الرخيص؟)… قلت له جهاز تلفزة من حجم صغير … ضحك بقهقهة سي عبدالقادر وقال لي: (جهاز تلفزة ضربة وحدة يا خويا عبدالكريم ؟؟) قلت له نعم ..وتأتي على قدر الكرام المكارم… مدّ يده لي بحرارة وقال: اطمان ستكون الجائزة كما اردت… وللامانة لم يطلب منّي السيّد عبدالقادر عقير ايّ شيء عن تفاصيل البرنامج بل اضاف: (عندي فيك ثقة عمياء، هو انا نعرف خير منّك ؟) حييته واجبت: لن اخذلك…
وجاء يوم 7 ديسمبر 1996 وجاءت الساعة التاسعة صباحا وانطلق قطار البرنامج الذي لم يتوقف الا على الساعة التاسعة صباحا ليوم 8 ديسمبر 1996 … يااااااااااه وعلى طريقة سعيد صالح، المسافة طوييييلة قوي … ولكنها ممتعة للغاية عشتها وعاشها الفريق بكل سعادة وجدية وعاشها معنا المستمع من بنزرت لبن قردان كذلك بكثير من الذكريات… اذن دعوني استرح لاعود اليكم في الورقة 97 بعديد تفاصيلها اعذادا وتنفيذا…
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ونحن الآن في نهاية 2024 وما زال النيل يجري والورقات تتوالى وتتوالد… حفظك الله مبدعنا الدائم (التحرير)
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
تحطم طائرة أذربيجانية… ومصير مجهول لركابها الـ 120
استطلاع
صن نار
- رياضياقبل 3 ساعات
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
- اقتصادياقبل 3 ساعات
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
- تونسيّاقبل 13 ساعة
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
- صن نارقبل 13 ساعة
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
- صن نارقبل 14 ساعة
تحطم طائرة أذربيجانية… ومصير مجهول لركابها الـ 120
- صن نارقبل 14 ساعة
صواريخ فرط صوتية من اليمن… وتدافع على الملاجئ في تل أبيب
- ثقافياقبل يوم واحد
تونس: منتدى عربي لشبكات المدارس والنوادي والكراسي العلمية
- اجتماعياقبل يوم واحد
سوسة… “إعلام القرب” في الملتقى الوطني للإعلام