اهتمت دراسة ميدانية قامت بها الباحثة سناء المزريقي من قسم التراث و التقنيات السمعية البصرية بالمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات، بالتعرف على أهم مميزات وخصوصيات الفروسية لدى أهالي منطقة فرنانة كأنموذج من التراث اللامادي المميّز لهذه المنطقة.
وقد تناول المبحث دراسة الفكر والذهنية التي تغلب على هذه القبائل الجبلية في علاقتها بالفروسية وكيفية التعامل مع الخيل وسر عدم الاستغناء عنها وضرورة الحفاظ عليه. وأكّدت الدراسة ان الاهتمام وتعلق أهالي المنطقة بالخيل ليس عبثا وانما أفرزته جملة من العادات والتقاليد الشعبية والمعطيات التاريخية حيث لم يقتصر حضور الجياد للاستعمالات اليومية فحسب وانما تجاوزت ذلك وأصبحت هواية الأهالي ومصدر رزقهم في آنٍ واحد من خلال مشاركتهم في المهرجانات الوطنية والاحتفالات الشعبية.
كما بيّنت ان الصلة بين الفارس والفرس مصيرية وحميمية، فهي مطيته الي ساحة العرض وتدريبها على فن الاستعراض كان ترويحا عنهم من عناء الضيق والارهاق. فحافظت المنطقة على موروث الفروسية الاستعراضية وتميزت بها على المدن التونسية الاخرى بما أن لها مكانة تراثية وثقافية مهمة تكشف تاريخها.
ورغم قلة المصادر والمراجع التي تناولت الموضوع الا ان الباحثة اهتمت به لدوافع ذاتية وأخرى موضوعية نابعة اساسا من احساسها القوي بضرورة تسليط الأضواء ولو من خلال بحث متواضع على واحدة من مدن الشمال الغربي الجميلة والتي تعتبر أحيانا غير معروفة اذا قارنتها بمدينة اخرى في جهة أخرى، الى جانب ما لاحظته الباحثة من ممارسة عدد هام من فرسان الجهة لهذا الموروث الثقافي والذي مازال متواصلا الي اليوم، الى جانب حرصها على توثيق وتثمين هذا التراث اللامادي، لأنه يعد تراثا مهملا فلا وجود لأرشبف أو معلومات تخص فروسية جهة فرنانة.
كما أكّدت لنا سناء المزريقي التي سبق لها ان أنجزت بحثا آخر بعنوان “تقطير النباتات الغابية بجهة غارالدماء: عين سلطان نموذجا”، ان اهتمامها بهذا الموروث يعود الى ندرة الوثائق التي تناولت هذا التراث اللامادي بالدرس، لذلك سعت في محاولة منها لتوثيقه والتعريف به من خلال هذا البحث ومن خلال أيضا شريط وثائقي لتثبيت هذا الارث الثقافي بالجهة وابرز خاصياتها، وكذلك من خلال البحث في عدة محاور تتعلّق بأهمية فروسية جهة فرنانة وخصوصياتها وكيفية العناية بها وتدريب الخيل للعروض البهلوانية وكيفية مساهمة موروث الفروسية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية ودور الفروسية في التنمية الثقافية المحلية في سعي لاحياء هذا التراث المنسي والمهدد بالاندثار.
من جهة أخرى عرضت الباحثة بعض المشاريع لتثمين هذا الموروث الخصوصي واسترجاع مكانته في المجتمع حيث اقترحت في اطار الترويج لتراث الفروسية التقليدية للمنطقة وتعزيز ثراء وأصالة الفروسية الوطنية، إحداث بوابة الكترونية تقدم فيها مجموعة من العروض والمهرجانات المحتفية بهذا الموروث الشعبي والتعريف به داخل تونس وخارجها، واحداث مسلك سياحي يربط منطقة فرنانة بولاية الكاف ثم ولاية القصرين لأن هذه المناطق تعرف بفن الفروسية ومازل السكان يمارسونها في مناسباتهم الاحتفالية الى جانب تحفيز الشباب على ممارسة هذا الارث الثقافي التاريخي ليسترجع مكانته مع احداث مهرجان جهوي للفروسية وذلك للتعريف بالفروسية وفرسانها على المستوى الجهوي والوطني عموما.
واعتبارا لأهمية هذا المبحث وحتى لا يبقى مجرد مخطوط شخصي فان الدعوة ملحّة لهياكل النشر الجامعي والادارة العامة للتراث بوزارة الشؤون الثقافية للتكفّل باصداره في كتاب يكون مرجعا توثيقيا لتاريخ الفروسية بجهات الشمال الغربي، وللباحثين والطلبة الدارسين في المجال التراثي وللمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية للاستئناس به خلال برمجة التظاهرات الثقافية بمناسبة شهر التراث.
من الأشياء الجميلة التي ستبقى في الذاكرة الفنية بمدينة سوسة والتي تستحق التوقف عندها بكل إجلال هي تلك الحركة الرمزية و الاعتراف برموز جوهرة الساحل من جيل المؤسسين حيث قامت هيئة مهرجان أوِسّو في دورته 62 بتكريم الراحل فقيد الساحة الثقافية ممن تركوا بصمة ناصعة في المشهد الثقافي بربوع الساحل التونسي وإرثا فنيا يستحق التنويه و الإشادة الأستاذ الفنان لطفي حرز الله صاحب عديد الأعمال الفنية و المبادرات الثقافية سنوات التأسيس، وهو واضع اللبنات الأولى لفرقة ماجوريت سوسة التي تولت قيادتها لسنوات شقيقته الفنانة المتميزة سنيا حرزالله نالت خلالها الفرقة عديد الجوائز التتويجات و كان لها شرف التكريم من قبل أول رئيس الجمهورية التونسية الزعيم الحبيب بورقيبة.
تكريم الفقيد لطفي حرز الله كان في أبهى تجلياتها من خلال منح حفيديه إلياس سقراط و ليندا ابني الناشط السياسي المتميز حامد حرز الله، أحقية العزف في كرنفال أوسو 2025 حيث أبدع الثنائي من عصافير آل حرزالله بأدائهما المميز في حركة أعادت الحق لأصحابه وأعطت لقيصر ما لقيصر، ليهنأ الفنان الفقيد في رمسه وهو مكتشف عديد الأصوات التونسية على غرار الفنانة المتألقة صوفية صادق.
هكذا سجلت الدورة 62 من مهرجان أوسو عودة الدر إلى معدنه بمنح الأجيال الموسسة لهذا الموعد السنوي والتاريخي لجوهرة الساحل و الحامل لهوية مدينة سوسة و تراثها الفني و الثقافي و السياحي، حقها في التكريم والاعتراف بجليل ما قدمته من أجل ترسيخ هذه التقاليد في المشهد الثقافي الوطني والوفاء لمن نذروا حياتهم لخدمة الفن و ثقافة الوطن، وهو ما يحسب للجهة المنظمة في استعراض 2025.
في واحدة من أجمل سهرات المهرجان الدولي للفنون الشعبية تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، وبدعم من الإدارة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، احتضن المسرح الأثري بأوذنة مساء امس الثلاثاء 29 جويلية 2025، حفلاً فنيًا استثنائيًا للفنان المصري محمود الليثي وذلك ضمن فعاليات الدورة الأولى للمهرجان الدولي للفنون الشعبية باوذنة، وسط حضور جماهيري غفير وتفاعل منقطع النظير.
جاء هذا الحدث الفني الكبير بحضور المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بولاية بن عروس الأستاذ مهذب القرفي،، إلى جانب عدد من إطارات وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، ووجوه ثقافية وإعلامية بارزة من تونس ومصر وغيرها.
الجدير بالذكر أن الفنان المصري محمود الليثي، يُعدّ من أبرز الأصوات الشعبية في مصر ، استُقبل بحفاوة كبيرة من قبل الجمهور التونسي، واستهلّ عرضه الذي تواصل علي مدي حوالي ساعتين بأغنية “بونبوناية”، تبعتها باقة من أشهر واجمل أغانيه على غرار: “عم يا صياد”، “أنا البطل يا وحش”، “يا لهوي”، و”إذا كان قلبك كبير”، “سطلانه”، “عم المجال” “زلزال” ، صعبان عليا ” وغيرها من الأغاني التي رددها الجمهور عن ظهر قلب وتفاعل معها ، في مشهد جماعي نابض بالحياة. وفي تنقلات فنية سلسة، قدّم الليثي أيضًا فقرات غنائية من روائع الطرب العربي، فغنّى لعمالقة الطرب: عبد الحليم حافظ، أم كلثوم وجورج وسوف، مما أضفى على السهرة لمسة طربية رفيعة المستوى.
يذكر ايضا ان العرض تميز بالتفاعل العفوي بين الفنان والجمهور، الذي لم يتوقف عن الرقص والتصفيق والزغاريد طوال السهرة، في أجواء احتفالية ساحرة على إيقاع الأغنية الشعبية، وعلى الرمال الناعمة للمسرح الأثري العريق.
في سياق متصل عبر الليثي، عن سعادته الغامرة بهذه المشاركة، وتفاعل بدوره مع الجمهور بكل عفوية، متنقلاً على الركح برشاقة وحضور فني مؤثر.
واخُتمت هذه السهرة الفنيةالشعبية والطربية بندوة صحفية التأمت في نهاية العرض، حضرها ممثلون عن وسائل الإعلام التونسية والعربية ، حيث عبّر الليثي عن سعادته بالغناء في تونس لاول مرة ، مثنيًا على التنظيم، وعلى قيمة المسرح الأثري بأوذنة الذي وصفه بـ”التحفة الاثرية النادرة”، مؤكّدًا أهمية هذه الفضاءات في تعزيز جسور التواصل الثقافي والفني بين الشعوب.
كانت ليلة من ليالي الفن الأصيل، جمعت بين الصوفي والشعبي، بين التاريخ والحداثة، وبين مصر وتونس، وأكّدت مرّة أخرى على دور مهرجان أوذنة الدولي للفنون الشعبية في إحياء الذاكرة الفنية وتعزيز التواصل الثقافي في فضاء أثري يحمل من الرمزية ما يكفي ليجعل من كل عرضٍ ذاكرة لا تُنسى. لتجسيد أحد أسمى أبعاد التبادل الثقافي العربي، من خلال تقاطع تجارب الغناء الشعبي بين تونس ومصر، حيث تتقاطع الهموم اليومية، وتتشابه الإيقاعات، وتتلاقى الألحان والإيقاعات الموسيقية المختلفة، في حب الحياة، والحنين ، والفرح الشعبي والطرب والفن الاصيل .
عاشت مؤخرا جماهير حاجب العيون على وقع الدورة الاولي لمهرجان الشواشي على مدار ثلاثة ايام من 25 الى 27 جويلية الجاري، وقد حاولت هيئة المهرجان برئاسة الاعلامي محمد الطيب الشمانقي وبتنظيم مؤسسة دريم اف ام وتحت اشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالقيروان، تلبية كل الاذواق فكان الموعد مع الندوات والمسابقات والعاب الفروسية والمداوري والعادات والتقاليد الى جانب تكريم التلاميذ النجباء والسهرات الفنية.
هذه العروض التي عرفت اقبالا جماهيريا كبيرا، اختتمت فعالياتها مع قيدوم الفن الشعبي والبدوي الفنان عبد اللطيف الغزي الذي تألق كعادته بأغانيه القديمة والجديدة رغم مرضه وتقدمه في السن.
وقد شهد المهرجان نجاحا كبيرا من خلال الحضور القياسي والمتابعات الاعلامية وهنا نتقدم بالتحية لمؤسسة دريم اف ام والناشط وعضو المجلس المحلي هشام المباركي على مساهمتهم في انجاح المهرجان في دورته الاولى، مما حدا جماهير حاجب العيون الى دعوة منظمي وراعي هذه التظاهرة (دريم اف ام) إلى العمل على اعادة الروح للمهرجان الصيفي عيد الصوف بحاجب العيون ولم لا تغير اسمه في قادم الدورات وذلك لعراقته وعلى اعتبار انه المتنفس الوحيد لاهالي المنطقة في فصل الصيف.