تابعنا على

منبـ ... نار

قراءة في مبادرة الاتحاد … ماذا يريد الاتحاد فعلا بمبادرته ؟؟

نشرت

في

بماذا جاءت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل و لماذا في هذا الوقت؟؟ هل جاءت لغاية المساهمة في إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها أم جاءت فقط لإنقاذ الاتحاد من تبعات هذه الأزمة؟؟ و لماذا يصرّ الاتحاد على أن يكون طرفا في مبادرة حوار تهدف إلى إخراج البلاد مما هي فيه، و الحال أنه أحد أكبر أسباب ما هي فيه؟؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

و لسائل أن يسأل هل ناضل الاتحاد طيلة العشر سنوات التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس من أجل تحقيق مطالب حراك 2010/2011 الذي نجح في ايهام الجميع أنه من قاده و أطّره؟؟ هنا وجب أن نتحلى بالشجاعة التي تسمح لنا بكشف ما وقع خلال العشر سنوات التي مرّت…فالاتحاد لم يعمل  و منذ جانفي 2011 على تحقيق ما كان يصرخ عاليا أنه يناضل من أجله، فهو المسؤول الأول أمام التاريخ على انتفاخ كتلة الأجور و وصولها إلى أضعاف ما كانت عليه يوم غادر بن علي البلاد، و هو المسؤول الأول عن ارتفاع نسبة البطالة في البلاد فالتشغيل لم يكن هدفه الأول بعد خروج بن علي، بل انساق وراء المطلبية المشطّة و الفوضوية للزيادة في الأجور و تسوية الوضعيات و بحث عن قضم جزء كبير من سلطة الدولة لصالحه.

دور الاتحاد في ما عانته البلاد..

الاتحاد لم يعمل على تجميد الأسعار و لم يحارب من أجل ذلك، كما لم يفكّر في تجميد الأجور، و العمل على هذه المعادلة لفسح المجال أمام تشغيل مئات الآلاف من العاطلين، بل خرج داعما و مساندا لكل الحراك المطلبي من شمال البلاد إلى جنوبها، فالاتحاد تبنّى كل مطالب الزيادة في الأجور و تسوية الوضعيات، و ساند و بشكل كامل إعادة المطرودين و العفو التشريعي العام…كما خرج في كل الجهات من أجل تعميم بعض المنح الخصوصية أيام رئاسة الباجي رحمه الله للحكومة، كما أن الاتحاد كان المؤطّر الأول و الحاضن و الداعم الأكبر لرابطات حماية الثورة التي عاثت في البلاد فسادا من شمالها إلى جنوبها، فحملات “ارحل” أو “ديقاج” التي هاجمت كل المسؤولين على مؤسسات الدولة كانت بتأطير و رعاية من الاتحاد، و علينا أن نعود إلى كل ما وقع خلال سنة جلوس قائد السبسي على كرسي القصبة لندرك حجم الخراب الذي فتك بالبلاد و بالدولة، فالباجي رحمه الله اختار سياسة مهادنة الخارجين على الدولة و تلبية كل مطالبهم درءا للدخول في مواجهات قد تعيدنا إلى مربع العنف الذي عاشت البلاد أحداثه بين شهري ديسمبر 2010 و جانفي 2011…فالبلاد عاشت خلال عهدة الباجي خروجا واسعا على الدولة و قطعا للطرقات و إغلاقا لمواقع الإنتاج برعاية الاتحاد و تواصل الأمر حتى يومنا هذا…

تواصلت سياسة لي ذراع الدولة مع وصول حكومات الترويكا للسلطة، فهذه الأخيرة اختارت نفس منهجية قائد السبسي في درء الأسوأ، فلم تلتفت للتشغيل و تحقيق مطالب من خرجوا في الحراك الذي كان شعاره الأول و الأهمّ  “شغل حرية كرامة وطنية”، بل اكتفت بإسكات الخارجين عليها بمساندة و دعم كامل من الاتحاد الذي أغرقت قياداته المشهد الإعلامي بخطابها الانفعالي و التأليبي المتواصل على مدى سنوات…فالانتدابات القليلة التي تمّت عبر العديد من المناظرات كانت تحت رعاية الاتحاد أيضا و وصل الأمر ببعضها إلى صدور قائمة الناجحين من مقرّات الاتحاد الجهوية حسب مشيئة الاتحاد، فنصف من وقع انتدابهم كانوا بتدخلات مباشرة من الاتحادات الجهوية للشغل…و من القيادات المركزية لهذه المنظمة.

خلاصة ما وقع منذ عشر سنوات، الاتحاد لم يهادن الدولة و حكوماتها و لم يعمل على تحقيق مطالب من خرجوا على المنظومة السابقة، فالشعارات التي مات من أجل تحقيقها العشرات و ذهب ضحيتها العشرات من رجال المؤسسة الأمنية تُرفع إلى يومنا هذا، و لم يسكت أصحابها عن المطالبة بها، فماذا نسمي ما يقع اليوم في العديد من الولايات من إضرابات عامة برعاية و تأطير من الاتحاد العام التونسي للشغل و بحضور قياداته العليا؟؟ مبادرة الاتحاد هي تعبير واضح عن فشل الاتحاد و من يسانده في تحقيق مطالب حراك 2011 فهو من أوهمنا أنه الحاضن لكل ما وقع، فهو المسؤول الأول إذن عن تحقيق كل تلك المطالب…و لأنه لا يريد أن يتحمّل تبعات هذا الفشل خرج علينا بمبادرة سيكون شريكا فيها لإنقاذ نفسه قبل إنقاذ البلاد…و الخوف من استبداد هذه المنظمة هو الذي جعل كل القارئين للمشهد و المتابعين لا يغامرون بتحميل الاتحاد تبعات كل ما وقع بالبلاد، فالاتحاد هو الجزء الثابت من المشهد السياسي العام خلال العشر سنوات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، في ظلّ وصول تسع حكومات إلى القصبة، فهل صاحب الفشل كل هذه الحكومات دون سبب ودون أطراف حادت عن أهدافها الأساسية، تريد إرباك المشهد و فرض خياراتها لضمان وجودها و الحفاظ على موقعها.

الاتحاد يريد موقعا سياسيا…

و السؤال الخطير الذي يطرح نفسه مع تسارع وتيرة الاعتصامات و التحركات في العديد من الجهات هل يريد الاتحاد بافتعاله و تأطيره لكل هذه التحركات فرض مبادرته على ساكن قرطاج و فرض وجود فاعل في هيئة الحكماء التي سترعى هذه المبادرة و لا أظنّ أن الطبوبي سيقبل بأن يكون خارج هذه الهيئة هذا إن لم يطالب بأن يكون رئيسا لها، و هل شعر الاتحاد بانحسار دوره في ظلّ ما تعيشه البلاد و أراد أن يلتفّ على ما تبقى من الدولة بطريقة أو بأخرى حفاظا على موقعه، فهو يعلم جيدا أنه غير قادر اليوم على تحقيق أي مطلب من مطالب قواعده بعد أن أوصل خزينة الدولة إلى ما هي عليه اليوم، و الجميع أيضا يعلم اليوم أن الاتحاد يعيش أزمة داخلية قبل مؤتمره و أن الانقسام شقّ صفوف قياداته رغم محاولاتها الكبيرة للتعتيم على الأمر. فحين يقول نصّ المبادرة “… فإنّ الاتحاد العام التونسي للشغل، و هو يؤكّد على وجوب عقلنة إدارة الشأن العام و معالجة القضايا بدرجة عالية من المسؤولية و الوطنية و من منطلق الحرص على تجنيب البلاد مخاطر الانزلاق نحو الفوضى، يتقدّم بمبادرة سياسية… ” فهذا يعني أن الاتحاد انقلب على دوره الأساسي و أصبح يبحث عن لعب دور سياسي في الأزمة التي تعيشها البلاد، و بذلك يخرج من أزمته و يوجّه أنظار المتابعين لشأنه الداخلي إلى أزمة أعمق تمسّ البلاد بصفة اشمل…و حين يقول نصّ المبادرة ” …و هي مبادرة مفتوحة على كلّ القوى الوطنية التي تؤمن بالدّولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية و تنبذ العنف و ترفض الإرهاب و تدافع عن السيادة الوطنية و لا تصطفّ مع الأحلاف الخارجية مهما كان عنوانها…” فهذا يعني أن الاتحاد اختار ضمنيا الأطراف التي يريد أن تكون معه جنبا إلى جنب في هذه المبادرة أو في الحوار التي سيولد من رحم هذه المبادرة…و حين يقول نصّ المبادرة ” …و عليه يتوجّه الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الصدد إلى السيد رئيس الجمهورية، باعتباره الضامن لتطبيق الدستور و لوحدة البلاد والسّاهر على أمنها و سلامة شعبها و أرضها، أن يحتضن هذه المبادرة و يقوم على الإشراف عليها و على توفير شروط نجاحها...فهذا يعني أن الاتحاد اختار الطرف الدي سيتحالف معه في المدّة القادمة و سيكون ضمنيا رافضا للحزام السياسي الحالي لحكومة المشيشي كلّيا أو جزئيا، و هذا يؤكّد أيضا أن الاتحاد خطّط للأمر صحبة بعض الأطراف السياسية الأخرى و هي نفس الأطراف التي تدعو إلى حكومة الرئيس فمبادرة الاتحاد هي أيضا مبادرة حركة الشعب، و ربما التيار الديمقراطي، مع إمكانية ضمّ بعض الأطراف الأخرى إليها، و خلاصة الأمر سيكون الإقصاء شعار هذه المبادرة و لن يجمع الحوار إن كتب له أن يكون بعض الأطراف التي لن يرضى عنها ساكن ساحة محمد علي…و ساكن قرطاج.

و يواصل نصّ مبادرة ساحة محمد علي حين يقول “…و يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل كلّ الفاعلين السياسيين المعنيين بإنقاذ تونس و باقي المنظمات الوطنية و قوى المجتمع المدني و كلّ الكفاءات في الداخل و الخارج من شخصيات وطنية و قامات أكاديمية و علمية إلى الانخراط في حوار جدّي… ” ليؤكّد أن أصحاب المبادرة يريدون تجميع الجميع حول طاولتهم و ليس حول طاولة الوطن كما يزعمون، فالنجاح الذي حققه العباسي و من معه و حصولهم على جائزة نوبل للسلام حرّك بعض الغيرة و الحسد في قلوب بعض قيادات الاتحاد الحاليين، كيف لا و هم قد يخرجون دون تحقيق أي نجاح يذكر ففي عهدتهم وصلت البلاد حافة الإفلاس، و في عهدتهم نجحت بعض الأطراف التي لا تعترف بمفهوم الدولة في الوصول إلى مجلس النواب، و في عهدتهم أصاب الشلل كل مفاصل الدولة تقريبا، فالطبوبي و من معه يريدون من خلال هذه المبادرة اعترافا واسعا من جميع أطياف المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري بدورهم في إنقاذ البلاد مما هي فيه…لكن هل هي من سينقذ البلاد حقّا؟؟

الاتحاد و آليات التموقع…

ثلاثة محاور أساسية في مبادرة ساكن ساحة محمد علي و من معه، و أولها المحور السياسي و هو ما يؤكّد أن الاتحاد يريد فعلا لعب دور سياسي في المرحلة القادمة، فالاتحاد يريد تقييم قانُونَي الأحزاب و الجمعيات و مراجعتهما، و الثابت أن الغاية إقصائية لا جدال فيها و لا أظنّ انها بالبراءة التي يحاول الترويج لها بعض قيادات الاتحاد و من يدور معهم في فلك المبادرة… كما يريد من خلال مبادرته تقييم القانون الانتخابي و تعديله بما يحقّق تماسك الحياة السياسية و هنا أيضا تشتم رائحة إقصاء بعض مكونات المشهد الحالي… و ربما يكون مطلب تحييد المرفق القضائي المطلب الوحيد في هذه المبادرة الذي لا تشوبه بعض الشكوك في مضمونه غير المعلن والخفي …أما تقييم أداء الهيئات الدستورية و استكمال تركيزها و تقييم تجربة الحكم المحلي و مراجعة قانون الجماعات المحليّة فهذه مطالب تؤكّد بأن الاتحاد خرج فعلا بهذه المبادرة عن دوره الأساسي، و أنه أصبح يعتبر نفسه فاعلا أساسيا في المشهد السياسي عموما و قد يكون هذا هو الدور الجديد الذي يبحث عنه ساكن ساحة محمد علي حفاظا على موقعه في المشهد العام للدولة، فالطبوبي لا يريد أن يخرج من المشهد بخفي حنين كما خرج السحباني و جراد بل يبحث عن مكان تحت شمس تاريخ البلاد كما فعل حشاد و عاشور و العباسي…

في المحورين الاقتصادي والاجتماعي لا جديد يذكر فما جاء في نصّ المبادرة هو نفس الخطاب الذي يرفعه الاتحاد في كل تحركاته سواء كان جهويا أو وطنيا…و هو نفس الخطاب الدي نستمع إليه من كل من اعتصموا ببهو بعض الوزارات…و كل من أقدموا على غلق مواقع الإنتاج الحساسة بالبلاد…

الاتحاد…مكره أخاك…

يقول المثل “إذا أردت أن تضيع شعبا أشغله بغياب الأنبوبة و غياب البنزين ثم غيب عقله و اخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة..”.و تونس اليوم تعيش كل هذا و منذ سنوات طويلة، فالاتحاد كما هو الحال بالنسبة لساكن قرطاج عليهما اليوم إثبات أنهما يريدان حقّا إخراج البلاد مما وصلت إليه،  فبعض أصابع الاتهام اتجهت نحو ساكن قرطاج إثر موجة الاعتصامات و التحركات في العديد من الجهات فشعارات بعض التحركات تدور في فلك شعارات “الشعب يريد” و هو الشعار الذي يرفعه ساكن قرطاج و من معه في حملته الانتخابية، و هو الأمر الذي نفاه باتهام أطراف خارجية لا يعلمها غيره و الله جل جلاله…كما أن بعض الإضرابات العامة تبناها الاتحاد و خرجت بعض قياداته للإعلان عن ذلك إعلاميا… فمجرّد طرح مبادرة و تقديمها لرئيس الجمهورية تلزم جميع الأطراف بالانضباط لما جاء فيها، و الاتحاد يدرك جيدا أنه لن ينجح في تحقيق أي مطلب من مطالب قواعده القطاعية خلال هذه السنة والسنوات القادمة و أن كل تحرّك أو اعتصام أو إضراب بالقطاعات الحيوية سيعود عليه وعلى قياداته بالضرر و سيجلب له موجة واسعة من السخط، فمجرّد تقديم المبادرة و البدء في مناقشة تفاصيلها و حيثياتها، يلزم الاتحاد و قواعد ساكن قرطاج بالتحلى بروح المسؤولية و إعلان هدنة تامة تسمح للدولة بالتقاط أنفاسها، و أي خرق لهذه الهدنة سيفسّر بأنه محاولة لخلط الأوراق و ضرب التحالف السياسي القائم حول حكومة المشيشي، فالمبادرة هي الوسيلة الوحيدة المتبقية بحوزة الاتحاد و ساكن قرطاج للعب دور في المشهد السياسي الحالي، فساكن قرطاج يدرك أنه خرج من دائرة القصبة رغم اختياره لبعض أسماء حكومة المشيشي، و يدرك أن البقاء بعيدا عمّا يجري بالبلاد سيوسع الهوة بينه و بين مخزونه الانتخابي الذي بدأ ينفضّ من حوله، فالبقاء على مشارف القصبة قد يحقّق من خلاله بعض المكاسب لمن انتخبوه من خلال مبادرات تشريعية تدعمها حكومة المشيشي و الحزام السياسي الداعم له، وقد يستغل ساكن قرطاج مبادرة الاتحاد لخلط الأوراق لصالحه من جديد بشكل أو بآخر…أما الاتحاد فإنه سيبحث عن دور و لو بسيط ليكون ضمن مكونات المشهد السياسي العام بالبلاد في ظلّ تأكده من استحالة النجاح في تحقيق بعض المكاسب لقواعده خلال هذه العهدة، خاصة أنه على بيّنة من تصاعد و ارتفاع موجة الغضب ضدّه،  و قد يختار العودة إلى لعب دوره الاجتماعي الحقيقي في صورة النجاح في جمع الجميع حول مبادرته … لكنه قد يلجأ أيضا إلى تحريك الشارع وبعض القطاعات الحيوية في صورة رفض أغلب مكونات المشهد لمبادرته و لدوره الجديد في المشهد السياسي.

الاتحاد و المبادرة….و البقية..

عبّرت بعض الأطراف السياسية عن دعمها للمبادرة التي أهداها الاتحاد لساكن قرطاج على أمل أن يعيدها ساكن قرطاج إليه من خلال اختيار الطبوبي رئيسا لهيئة حكمائها، و عبّرت بعض الأطراف الأخرى عن تخوفها من إمكانية إقصاء بعض الأطراف منها، لكن هل ستقبل بعض الأحزاب بأن يكون الاتحاد قاطرة البحث عن حلّ لأزمة البلاد و هي تعلم أنه أحد أهمّ أسبابها؟؟ فقلب تونس يدرك أنه غير مرغوب فيه من طرف ساكن قرطاج…و ائتلاف الكرامة يعلم أنه غير مرغوب فيه من الاتحاد….و النهضة تعلم أيضا أنها غير مرغوب فيها من التيار و حركة الشعب…وتحيا تونس يدرك أيضا أنه غير مرغوب فيه من طرف قلب تونس…و كتلة الإصلاح تعلم أن التيار و حركة الشعب و البعض الآخر يرفضون وجودها معهم…كل هذا النفور من البعض للبعض الآخر يخدم في الأخير ساكن القصبة، فهذا الأخير يعوّل على عامل الوقت للبقاء في القصبة، و يدعمه في ذلك مالك القناة و حركة النهضة و ائتلاف الكرامة و كتلة الإصلاح فهؤلاء جميعا يدركون خطورة الانخراط في مبادرة ساكن قرطاج و ساكن ساحة محمد علي، فهم يعلمون أن الحرب لم تنته و أن المبادرة قد تكون عبوة ناسفة في طريقهم و أنها قد تنفجر في وجوهم في كل وقت، لذلك فمن المنتظر أن تطول مدّة الحديث و النقاش عن تفاصيل المبادرة و طريقة صياغتها على أرض الواقع، كما يمكن أن يبحث البعض عن تحوير بعض ما جاء فيها …

خلاصة ما يحدث…جاءت المبادرة لتنقذ الاتحاد من أزمته الداخلية و تنقذ بعض قياداته من الخروج من هذه العهدة بخفي حنين…و جاءت ليحافظ بها ساكن ساحة محمد علي على موقع متقدّم في المشهد الحالي….كما جاءت المبادرة لإطالة مدّة بقاء المشيشي بالقصبة….و جاءت أيضا لحفظ ماء وجه ساكن قرطاج أمام مخزونه الانتخابي…كما جاءت لتنقذ بعض مكونات حزام المشيشي من مصيدة ساكن قرطاج و من يدورون في محوره…لكنها لن تفيد الشعب في شيء…لأن معاناته ستكون أكبر خلال قادم السنوات…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

مفارقات تونسية… إلى متى يُؤجّل قرار إلغاء امتحان “الباك سبور”؟

نشرت

في

رئاسة الحكومة تتخّذ إجراءات ردعية بخصوص الشعارات الإرهابية والعنصرية في  "دخلات الباك سبور"

تعيش تونس هذه الأيام، وخلال كامل الفترة من 15  إلى 27 أفريل 2024، على وقع ما يُسمّى بالباك سبور، ونغتنم فرصة الاهتمام العام بهذا الموضوع ومواكبته من قبل العائلات التونسية ووسائل الإعلام المختلفة،  لنقدم ملاحظاتنا ومقترحنا حوله،  لعلنا نساهم بذلك، في فتح النقاش العام حول الإشكاليات المطروحة، يحدونا الأمل في التعجيل باتخاذ القرار الرسمي الملائم، الذي طال انتظاره وهو إلغاء “اختبار آخر السنة في التربية البدنية والاقتصار على نتائج التقييم المستمر أثناء السنة الدراسية”.

<strong>د مصطفى الشيخ الزوّالي<strong>

ويتضمن هذا المقال تذكيرا بنماذج من الآراء والمعطيات الموضوعية المتداولة في الدراسات التربوية والتقارير الرسمية، والتي من المفروض أو  تُقنع الرأي العام  والمسؤولين بضرورة التعجيل بالقرار المقترح وبغيره من القرارات، ولكن، وفي سياق “انحلال الروابط الصلبة”، كإحدى السمات المميزة لحياتنا المعاصرة في “زمن السيولة”، كما يعرفه عالم الاجتماع الشهير زيغموند باومن، يتواصل التأجيل لهذا الأمر، كما يتواصل الـتأجيل لقرارات أخرى، لا تقل أهمية، قد تناولنا بعضها في دراسات علمية وتقارير رسمية أو  مقالات رأي حول “مفارقات تونسية” أخرى.[1]

أولا: نبدأ بالتذكير  بما حصل  سنة 2010 ،( في زمن “الصلابة” الرسمية التونسية)، فقد صدر  قرار إلغاء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة وجاء ذلك بناء على تقرير من وزارة التربية والجهات الأمنيّة، حيث اتّخذ مجلس الوزراء يوم 20 أوت 2010 قرار إلغاء اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة: “حفاظا على سلامة التلاميذ والتوقّي من السلوك غير الحضاريّ، داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها.  وقد برّرت الوزارة هذا القرار-كما جاء على لسان وزير التربية آنذاك- بثلاثة أسباب، هي:

  1. ارتفاع تكلفة الامتحان (3 ملايين دينار): ويحسن تخصيصُ هذه الأموال لتهيئة الملاعب واقتناء التجهيزات الرياضيّة.
  2. سبب بيداغوجيّ يتمثل في كون الأعداد المتحصّل عليها في اختبار آخر السّنة هي دون معدّلات المراقبة المستمرّة،
  3. سبب وقائيّ وأمنيّ، بعد تفاقم ظاهرة السّلوك المخلّ داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها، بمناسبة تنظيم اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة.

ولئن استبشر عدد كبير من الأولياء ومديري المؤسّسات التربويّة بهذا القرار، فقد لاقى نقدا ورفضا من قبل نقابات التعليم ومدرّسي التربية البدنيّة الذين رأوا في القرار تهميشا لمادة التربية البدنيّة.

لاحقا، وفي سياق ما يمكن تسميته بالنتائج  المنحرفة” أو “غير المأمولة” لثورة 17 ديسمبر 2010/14 جانفي 2011، صدر سنة  2012، “قرار عودة اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة” دون معالجة الإشكاليات التي أدّت إلى إلغاء هذا الاختبار.

للتذكير أيضا، فقد تم خلال دورتي 2020 و2021، إلغاء الباك السبور واحتساب المعدل السنوي للتربية البدنية كعدد نهائي في امتحان الباكالوريا في كافة المعاهد العمومية والخاصة، وذلك بسبب الحجر الصحي وأزمة الكوفيد19.

ثانيا: حول انعكاسات امتحان “الباك  سبور” على التنظيم البيداغوجي والحياة المدرسية [2]

  1. توقف دروس التربية البدنيّة منذ منتصف شهر أفريل ، بسبب تجنيد جميع مدرّسي المادّة في لجان الامتحان .
  2. تعدد التجاوزات ومظاهر الإخلال أثناء سير الامتحان والسّعي إلى التحيّل على التراتيب، فترى عددا من المترشّحين الذين ضمنوا معدّلات سنويّة في التربية البدنيّة مرتفعة يقومون بتقديم وثائق تعفيهم من اختبار آخر السنة، وصنفا آخر اختار الإعفاء من دروس التربية البدنية طيلة السّنة الدّراسيّة ولكنّه يريد المشاركة في اختبار آخر السّنة لجني بعض النقاط التي قد تكون ثمينة عند احتساب العدد النّهائي.

ثالثا: حول العادات والطقوس التي انتشرت قبل إجراء الاختبار وبعده:

 ويتمثل ذلك في إقامة نوع من الحفلات والاستعراضات أمام المعاهد وفي الشّوارع، تعطل حركة المرور وتتحوّل في عديد المرات إلى  مآس وحوادث مرور خطرة. وفي ما يلي فقرات واردة في وسائل إعلام مختلفة وبمواقع الكترونية تناولت هذا الموضوع ، وهي تؤكد وجود شبه إجماع على خطورة الظاهرة في المجتمع التونسي:

  1.      ” احتفالات بها بكثير من الصخب وتتوجّس منه إدارات المؤسّسات والسّلط الجهويّة والمحليّة لما يرافق احتفالات التلاميذ به من تجاوزات خطرة…” 
  2. ” أسوأ هذه العادات هي (الكُورتيج) :“استعراض السيارات”حيث يخرج التلاميذ في استعراض بالسيارات يجوبون وسط المدينة  و شوارعها إضافة إلى الألعاب النارية و الشماريخ، عادتان تأتيان في المرتبة الثانية للائحة العادات السيئة حيث يعمد عديد التلاميذ إلى الاحتفال بالـ”فلام”و الألعاب النارية …”
  3. دخلة الباك سبور …وفاة تلميذ باكالوريا بعد سقوطه من نافذة السيارة خلال احتفاله مع أصدقائه…”
  4. “الآن وقد تمّ تسجيل وفاة التلميذ ( والتلميذة)… على إثر حادثي مرور خلال احتفاليات (الدخلة) الملعونة في الباك سبور…متى يتمّ التدخّل ومنع هذه الظاهرة الخطيرة.”

رابعا: انتشار الدروس الخصوصية في “الباك سبور” وتحوّلها إلى “عنوان فساد”

لاحظنا في السنوات الأخيرة، استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية في “الباك سبور”، وذلك رغم غلاء أسعارها، فقد صرّح وزير التربية بتاريخ 16 أفريل 2019 ، أنّ”5  أيام دروسا خصوصية في (الباك سبور) بـ700 دينار” [3].  كما صرّح الوزير نفسه، بتاريخ 21 ماي 2019، أن :  “باكالوريا الرياضة في شكلها الحالي هي عنوان الفساد وهي  لا تحمل أي معنى …. من موقعي كوزير للتربية …. لا أسمح لنفسي بمباركة أشياء أعرف جيدا أنها غير مقبولة وغير معقولة . فهل يعقل مثلا أن يتحصل 99 بالمائة من التلاميذ في الباكالوريا رياضة على أعداد فوق 18 من عشرين، هناك تضخيم غير مقبول للأعداد التي تسند للتلاميذ على خلفية الدروس الخصوصية في الرياضة، ولو كانت هذه الأعداد تسند لها ميداليات ذهبية لكانت تونس بطلة العالم في الرياضة…”[4]

يبدو جليا  من خلال هذين التصريحين، أن الوزير قد كان يؤسس لحملة إعلامية، تمهيدا لاتخاذ قرار إلغاء “الباك سبور”، ولكن بعد أقل من سنة، تغيرت الحكومة وتغير وزير التربية، وتأجل اتخاذ القرار المذكور . ويبدو أن السبب الأساسي وراء التأجيل المستمر لاتخاذ  هذا القرار وعديد القرارات التي يحتاجها قطاع التربية في تونس منذ أكثر من عقد من الزمن، هو  عدم الاستقرار الحكومي وتعاقب أكثر من 10 وزراء على قطاع التربية منذ  2011.

خامسا:  “دخلة الباك سبور”

لا يفوتنا، في خاتمة هذا المقال، أن نُذكّر بنقطة إيجابية في “الباك سبور”، قد تدفع البعض إلى الدفاع عن استمرار هذا النوع من الامتحانات ونعني بذلك ما يمكن تسميته بـ”قصص النجاح في دخلة الباك سبور” والتي أكد  من خلالها التلاميذ في عديد الحالات، قدراتهم الإبداعية وتميزهم في التعبير عن حاجياتهم الأساسية وقيمهم الإنسانية أو احتجاجاتهم ومطالبتهم بحقوقهم. ومن المواضيع التي لاقت استحسان التونسيين وراجت في الاعلام: “تكريم الأساتذة والأولياء“،  “التحسيس ضد كورونا”، وآخرها الحضور البارز للقضية الفلسطينية في “باك سبور” 2024.

لضمان المحافظة على هذه النقطة الإيجابية، يمكن التفكير في تطوير  فكرة “دخلة الباك سبور”، دون إجراء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة، وذلكعبر اعتماد صيغة مشاريع عروض فنية ورياضية وثقافية، تُطبّق فيها بيداغوجيا المشروع، حيثيمكن الاستفادة من دروس فشل تجارب سابقة للوزارة في هذا المجال. نعني بذلك تجربة “التعلمات الاختيارية” (2003- 2006)  أو “”مادة إنجاز مشروع” (2006-2015) [5]. واستنادا للوثيقة الرسمية للتجديدين المذكورين، يمكن أن تتكون مجموعات من التلاميذ، تنطلق في تصور مشروع “دخلة الباك” وإعداده وتنفيذه،  بداية من السنة الدراسية للسنة الرابعة ثانوي، أو انطلاقا من السنة الثالثة ثانوي . يؤطر المشاريع مجموعة من المربين من اختصاصات مختلفة كالتربية البدنية والموسيقى والمسرح وغيرها، وبالتعاون والدعم من أطراف أخرى من العائلات والمحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمؤسسة التربوية كدُور الشباب أو الثقافة أو مؤسسات أخرى ( طبعا في سياق مشروع المؤسسة التربوية وتطبيق القانون المنظم له منذ 2004، وهو الأمر المنظم للحياة المدرسية، أو ربما القانون الذي ننتظر أن يعوّضه) يمكن كذلك أن تُرصد جوائز جهوية ووطنية لأحسن العروض التي يتم تقديمها في الاحتفالات المدرسية لآخر السنة إلخ إلخ…


هوامش:

[1] مثال ذلك دفاعنا عن قرار إلغاء الاعداديات والمعاهد النموذجية ، في مقالين منشورين بجلنار  وهي  “مفارقات تونسية ( 2)(28 أفريل 2022) و”مفارقات تونسية” (3) بتاريخ 22 جوان 2022

[2]  معطيات هذا العنصر والعنصر السابق مستخلصة، أساسا، من دراسة حول “الباك سبور” منشورة بموقع “المدونة البيداغوجية” بتاريخ 26 أفريل2015.

[3]  https://www.guideparents.tn/article

[4] https://ar.espacemanager.com

[5]  تناولنا  هذا الموضوع  في  كتابنا ” المدرسون والتجديد” ويمكن الاطلاع على تقديم الكتاب من الصديق منصف الخميري بالمدونة البيداغوجية  بتاريخ 6 مارس 2022 وكذلك على الفصل الأول من الكتاب بنفس المدونة  في 4 تواريخ متتالية بداية من 29 جانفي 2023

أكمل القراءة

منبـ ... نار

تكريما لروحك يا “جاد”… أعلِنُك رئيسا رمزيا

نشرت

في

Ouvrir la photo

توفيق العيادي:

كان جاد نصيرا للمرضى والعجّز والفقراء ولم يطلب يوْما نصرتهم لكسْب أو منصب أو مغنمٍ له، وقد هبّ الناس لتوديعه لأنهم أحسّوا فعلا بعظيم خسارتهم في موته.

Ouvrir la photo
توفيق العيادي

لم أعرف جاد الهنشيري إلا عن طريق الصدفة ومن خلال برامج تلفزية دُعِيَ لها ضيفا كممثل للأطباء الشبان، ولم ألتقه مطلقا، فقط استمعت إليه أكثر من مرّة وهو يُلقي بهمّه الذي هو همّ الفقراء على مسامع التونسيات والتونسيين، ويقطفُ من روحه أمَلاً يُرسِله لهم جميعا درْءً لأحزانهم التي فاقت كل معايير القيس وأدوات الأكيال والأوزان، وثـقُـل عليْهم حِمْلُ الهموم التي ناءتْ بها الأعناق، والمرارة على محيّا جادٍ بادية لا تُخطئها العين ويتدفّق الصدّق من بين موجات صوته المَغْصوص كَغُصَصِ كل الشباب الحالم على هذه الأرض، ولا تخلو غصّة جاد من معنىً يؤطّره مبدأ أساسيّ يشُدّ الحلم وينير الطريق ويُحفّز على المسير وتجشّم الصّعاب، مبدأ فحواه أنه : ” بمقدورنا أن نكون أفضل .. يجب أن نكون أفضل”، رغم الاستهجان والاعتراف بحجم الفساد الذي نخر معظم القطاعات والفئات في هذا الوطن.

لكَمْ نحن في حاجة ماسّة إلى شابّ جادٍّ كما “جاد” يتوهّج عزما وحبا وصدقا، ولسنا في حاجة إلى “عـتْـڤـة” قديمة كما بعض من فاق السبعين وغنِم من العهديْن ويريد اليوْم أن يستزيد … مات “جاد” رحمه الله وأغدق على أهله وصحبه الكثير من الصبر والسّلوى. لكنّ القِيَم التي حملها جادّ وحلُم بها وحمّلها لمنْ بعْدِه من الصّحْب والرّفقة، لا تزال قائمة، فأمثال جاد من الشباب الأوفياء والخلّص للوطن بكل مكوّناته سيّما البسطاء منهم، موجودون بالعشرات، بل بالآلاف وفي كل ربوعه، وما على الوطن إلاّ أن يَجِدّ في طلبهم والبحث عنهم وأن يُصدّرهم مواقع الريادة والقرار ،وإن حَجَبَهُمْ عنّا تعفّـفهم،

إذا كنا نريد فعلا المضيّ في الطريق المفضي إلى المشروع الحرّ وجبَ أن نغادر خصومات كسب العواطف واِستمالة الأهواء ونعراتِ التحامق، ونمضي في تسابق نحو كسب العقول وتهذيبها وتنظيفها من كل الشوائب العالقة بها لعهود .. ولذلك أقول للمشتغلين بالسياسة والمتكالبين على استدرار الشعب لتدبير شأنه العام والاستحكام برقابه، إن السياسيّ الناجح هو الذي يُبينُ للناس ما فيه من فضائل وما هو عليه من إقتدار وليس نجاح السياسي رهين عرض نقائص الخصم والتشنيع عليه وتعظيم مساوئه وإن كان له فيها نفع.

ونذكّر السياسي أيضا أن الجدارة بالحكم لا تتوقّف عند حدّ الفوز بالتفويض من الإرادة الشعبيّة عامة كانت أو مطلقة، كما أن النوايا الطيّبة لا تكفي لمزاولة السلطة، بل يبقى صاحب السلطة في حاجة إلى تأكيد شرعيّته بحسن إدارة الحكم الذي ينعكس وجوبا على أحوال الناس، وهذا لا يتمّ لهم بواحدٍ بل بكثيرين ومن أمثال “جاد الهنشيري” تضحية وصدقا ومروءة …

رحل جاد وبقي أثره فينا، وتكريما لروحك يا “جاد” واِنحيازا لكلّ قيَمِ الجدارة والصدق والإنسانيّة والجدوى، والتي مثّلتها باقتدار، أعْـلِنُـكَ “رئيسا” رمزيّا وشرفيّا بالغياب لهذا الوطن الحزين … ليطمئن السياسيون، فـ”جاد” لن ينهض من غيبته الأبديّة، وستكون قيمه تقضّ مضاجعكم كلّما اجتمعت لشخصٍ خشية أن يُبعثر حسابات الرّبح مِمّا تمِزّون من دماء الوطن.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي و تبحث عن مصادر بديلة؟ (2)

نشرت

في

Compétitivité des exportations en Afrique La Tunisie classée 2 ème Tunisie

عرفت تونس أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة بعيد ثورة 14 جانفي، وتتالت هذه الأزمات و امتدت آثارها السلبية الى اليوم رغم القطع مع المنظومة البائدة إثر حراك 25 جويلية.

<strong>فتحي الجميعي<strong>

إلا أن الانتهازيين و أصحاب المصالح والسابحين عكس تيار النهوض بالبلاد عطلوا عملية الإصلاح وعملوا على إفشالها وذلك بكل السبل، فبقيت تونس رهينة الديون المتراكمة والمجَدْولة، وسياسات الجذب الى الخلف كالتهريب والمضاربة وتبييض الأموال. غير أن الإرادة الصادقة، والإيمان القوي بضرورة تغيير حال البلاد إلى الأفضل جعلها لا تنحني إلى الابتزازات، ولا تخضع للشروط.

فرغم توصلها في أكتوبر 2022 الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن الاتفاق النهائي تعثر تحت طائلة الشروط القاسية كرفع الدعم، خفض الأجور و بيع مؤسسات عامة متعثرة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تم وضع تونس ضمن القائمة السلبية لأول مرة من قبل هذا الصندوق، الأمر الذي صعب على بلادنا النفاذ الى الأسواق المالية العالمية.

وتفاديا للوقوع في صدمات اجتماعية واقتصادية، نجحت تونس بفضل تطور صادراتها، وعائدات السياحة، وتحويلات التونسيين بالخارج، وتنويع شركائها التجاريين إضافة إلى اعتمادها على الاقتراض الداخلي، والاكتتابات المتتالية لدى بورصة تونس، وانخراط التونسيين في هذه العملية، وهو نوع من الوعي الوطني والدفاع عن حرمة تونس، و نتيجة لذلك تحقق توازن مالي لدى البلاد هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أعطت درسا لصندوق النقد الدولي بإمكانية التخلي عن خدماته عند الاقتضاء وخاصة عند المساس بأمنها القومي.

ورغم أن الفضاء الطبيعي  لتونس هو الفضاء الإفريقي والعربي والأوروبي باعتبار أن ثلثي المبادلات التجارية معه، إلا أنها عبرت عن انفتاحها على كل الفرص التي تمكن من تسريع وتطوير مناخ الأعمال ونسق النمو في اشارة إلى مجموعة “البريكس”.

إن تونس  مازالت منفتحة على الحوار مع صندوق النقد الدولي لكن دون إملاءات أو شروط تهدد السلم الاجتماعي. وإن تعذر ذلك فتونس مستعدة للانضمام الى بريكس للحصول على التمويلات اللازمة.

أكمل القراءة

صن نار