دفءُ نار
منصف الخميري: متفائل جدا … وهذه أسبابي*
نشرت
قبل 4 سنواتفي
يُقال إن المتفائل هو رجل يزرع ثمرة بلّوط ثمّ يشتري أرجوحة شبكيّة.
يكفي أن تشاهد الشّاشات التونسيّة لمدّة ربع ساعة لتجد نفسك أمام ترسانة من المصطلحات والتعابير من قبيل “الوضع كارثي وبلاد على حافة الإفلاس ولن نخرج من النفق وبلاد لم تعد قابلة للحوكمة وعجز الميزانية والصناديق ودكتاتورية عصابات الفساد والإفساد وبلاد على مشارف الهاوية وتفاقم نسب التسرب المدرسي واستفحال ظواهر الجريمة بأنواعها والهجرة غير النظامية والموت عبر البحار والمحيطات والمأزق الدستوري وتأزيم المؤزّم وتأثيم المؤثّم…”. وهي أنغام أضحت من البهارات الأساسية التي تُضاف إلى مداخلات الإعلاميين والاحتجاجيين والسياسيين وحتى من هم ماسكون بالسلطة أو أمسكوا بتلابيبها ذات يوم وأدّوا واجبهم المقدس في زرع بذور نكد الواقع الراهن للتونسيين.
وأمام “كارثية” الخطاب الكارثي السائد والمُنذر بتصاعد منسوب الشّقاء والشؤم في بلادنا والمُنبّه إلى اقتراب ساعة الفناء الأخير، لا يسعُنا إلا أن نستجمع أكثر ما يمكن من حطب التفاؤل ونوقد به نارًا تقينا لسْع المتشائمين ونكد المتطيّرين و غمّ النّادبين وحزن النّائحين واكتئاب المُغرّدين (بالمعنى الزراعي) وتحمينا من تلويحهم الدائم بحلول ساعة الحتْف.
وهذه فيما يلي بعض الأسباب الميدانية الملموسة وغير المُتخيّلة التي تجعلني شخصيا متفائل جدا بمستقبل هذا البلد الذي سينتصر في النهاية على مواطن الإحباط وعدم الاطمئنان بين ثناياه :
- في 2011، كان لدينا نظام هشّ بَنَى مشروعيّة استمراره بصورة أساسيّة على مقاربة الأمن الكلّي والكلّ الأمني، انهار فجأة تاركا شعبًا أعزل تتناهشه الضّباع وأكلة لحم الخيول الميّتة وتتصارع أعضاءَهُ مخابرات العالم ومختبراته… ولم نتهاو تماما، بل صمدنا وقاومنا وتعالينا على جراحنا وذُدنا عن مكتسباتنا وواجهنا بتعصّب شديد كل محاولات التدجين واستباحة هويّتنا وكل ما يجعل التونسي تونسيا. تذكّروا فقط طبيعة مناخ التجييش وإشهار سيوف الذبح في 2012 و 2013 لتُدركوا هوْل ما كان يتهدّدنا وحجم المذبحة التي كانوا يُعدّونها.
- تحتل تونس المرتبة الثانية عالميا في نسبة النساء المتخرجات من شُعب التعليم العالي ذات المنحى العلمي (علوم وتكنولوجيا وهندسة ورياضيات) بــــ 58 بالمائة، متقدمة على فرنسا وايطاليا وسويسرا حسب التصنيف العالمي الذي نشره البنك العالمي خلال شهر ماي 2019 والذي شمل 114 بلدا وذلك في الفترة المتراوحة بين 2015 و 2017، بما يؤشّر على جودة التحصيل العلمي والتكنولوجي لأبناء تونس (وخاصة الفتيات) وتألّقهم في كبرى الشركات العالمية الذي يُعدُّ من مفاخر شعب تونس ومصدرا لاعتزازه ونخوته. والذي يزيدني أنفة شخصيا في هذا المجال هو مساهمة هذه الحقائق في الإطاحة ولو بصورة نسبية بمقولات الحتميّات الاجتماعية وإسقاط شعار الإفلاس النهائي لمدرستنا العمومية من ناحية أخرى. دون أن نتغافل عن قيمة المرتبة الثالثة التي تحتلّها بلادنا إفريقيا في تمدرس الفتيات بين 6 و 15 سنة بنسبة 91.4 .
- في منتصف القرن الماضي، طحَانا المحتلّ الفرنسي ودمَّرَنا وحمل معه كل مقدراتنا وكفاءاته ووجدنا أنفسنا بلا مدرسة ولا مستشفى ولا نقل ولا غطاء ولا حساء ولا كساء… ولكن استطعنا أن نبني دولة من صفر تقريبا، دولة بعَلَمها وأعلامها وجيشها وأمنها وجامعاتها ومدارسها وإذاعاتها ومصالح رصد جوّها، وذلك بفضل نُخب تونسية نافذة البصيرة وجمهور واسع تصرّف إلى حدّ ما كما تصرّف الألمان بعد دمار الحرب العالمية الثانية. صحيح أننا لم نحقّق ما حققته التّنانين الأسيوية الأربعة (تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ) لكننا بَنيْنا شيئا ما نستطيع أن نُراكم عليه في المستقبل.
- تواجد التونسيين على امتداد كل بلدان العالم تقريبا بعدد يُقارب المليون ونصف مُوزّعين على 180 دولة، (من الفيجي وزيلاندا الجديدة والسّيشيل إلى رواندا والرأس الأخضر و بورندي)، هذا الشتات يمكن أن نقرأه على أنه مؤشر لسرعة الاندماج والقدرة على تعلّم اللغات واكتساب المهارات اليدوية التي تقتضيها المهن التي يزاولها التونسيون المهاجرون وربّما بالقدرة أيضا على الظهور بمظهر المواطن العالمي ذي السلوك السّوي والسّخي وغير المتعصّب والبشوش صاحب المقبولية العالية. وقد نشترك في هذه الخاصية الفريدة مع أشقائنا اللبنانيين الذين يُلبننون الحياة حيثما حلّوا ويكسبون ودّ الجميع.
- وقوع تونس في مفترق العالم قديما وحديثا والدور التاريخي الذي لعبته قرطاج عاصمة الامبراطورية البونيقية ومؤسستها علّيسة الصّورية (من صُورْ) وكل الأسماء التي اقترنت بالأمجاد والفخامة والعظمة مثل القيروان كأول مدينة أسّسها العرب في شمال افريقيا وشط الجريد الذي كان على ما يبدو مقر إقامة ميدوسا (ثالث الأخوات غورغون) والأبطال حنبعل وماسينيسا والكاهنة (أنظر بهذا الخصوص مقال كريستين دارمانياك “تونس، خارطة الكنوز الأثرية”)… كلها مؤشرات على أن هذا البلد الصغير الكبير ليس مجرّد شُرفة تُطلّ منها إفريقيا على المتوسّط.
وقد ألهم اسم قرطاج الأمّ حوالي 70 مدينة وموقعا عبر العالم في أوروبا و إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الامريكية التي تبنّت تسمية قرطاج أو قرطاجنة أو كرطاغو الخ…. فحتى قرطاجنة الفيليبينية تستلهم اسمها بشكل صريح من أسطورة قرطاج التونسية وكذلك بلدة قرطاج في صحراء السودان. (أنظر بهذا الخصوص كتاب المؤرّخ رضا التليلي “قرطاجات العالم”).
- كان للتونسيين أيضا في تاريخ الانسانية امتياز إلغاء الرق بصفة مبكّرة وإبطال تعدد الزوجات كممارسة بدائية وقروسطيّة تُحقّر المرأة وتدوس كرامتها وإقرار تمدرس الفتيات على نطاق واسع وتدخل الدولة بصفة قوية في فتح المدارس امام الجميع وتزعّم الحركة النقابية العربية والعالمية وتطور حركة الشعر والأدب والمسرح والسينما عبر السنين… إسهامات نوعية مارست عدْواها الإيجابية وأنسنت التونسيين في مواجهة بقية شعوب العالم.
- تونس مُصنّفة الأولى عربيّا اليوم في حرية الصحافة والأولى من حيث الربط بالانترنت بنسبة 64 % حسب الاتحاد الدولي للاتصالات… وهي مكاسب ستساهم بالتأكيد رغم الصعوبات الحالية والنتائج العكسية في بعض الأحيان في الارتقاء بوعي المواطنين وتحصينهم ضد تغوّل السلطة من ناحية ومسالك الانحراف المختلفة من ناحية أخرى إذا عرفنا كيف نربّي أبناءنا على وسائل الإعلام والاتصال.
- كما تحتلّ تونس المرتبة الأولى عربيا وافريقيا (المرتبة 43 عالميا) في قدرة الاقتصاد على التجديد حسب تصنيف مجلة “بلومبرغ للتجارة” الأمريكية بمجموع يساوي 49.83 /100. ويقيس مؤشر بلومبرغ تأثير التجديد عبر سبع مقاييس هي البحث والنمو والقيمة التحويلية المضافة والإنتاجية وتركز التكنولوجيا العالية ونجاعة قطاع الخدمات وتمركز الباحثين وعدد براءات الاختراع.
- وحتى يتدعّم تفاؤلي عربيا، أختم بأسطورة صمود سوريا في وجه أكبر تحالف عالمي عبر تاريخ البشرية وزحف جيوش جرّارة متكونة من أعتى إرهابيي العالم الأجود تدريبا في الشيشان وأفغانستان والبوسنة… يحملون 80 جنسية مختلف (كنا ممثلين ضمنها كتونسيين أحسن تمثيل، لكن هذا الوجه القبيح سيظل أقليّا ومنبوذا ومتآكلا مع مرور الزمن). فحتى الصهاينة فتحوا مستشفياتهم لاستقبال الجرحى وجُنّدت الناقلات التركية لسرقة النفط السوري والمخطوطات والآثار السورية… ولم تسقط سوريا ولم يتم تقسيمها وظلت شامخة وبدأ الشعب السوري يستعيد عافيته تدريجيا مُعلنا نهاية المؤامرة الخارجية وترك حسم المعركة الديمقراطية الداخلية إلى القوى الخيّرة الغيورة فعلا على بلدها ومستقبل شعبه.
أنا لست متشائلا ولا متفائما، أنا متفائل جدا لأنه بدون هذا يكون الانتحار الجماعي لائقا بنا أكثر.
* تمّ إعداد الورقة في جزئها الأكبر قبل نزول مركبة برسيفيرونس واكتشاف أن تونس ساهمت في غزو المريخ من خلال العالم محمد عبيد المهندس بوكالة ناسا.
تصفح أيضا
دفءُ نار
هل هناك أطفال موهوبون ؟ العِلم يجيبكم
ترجمة لحوار صحفي مع عالم الوراثة ألبير جاكار*
نشرت
قبل 3 سنواتفي
1 نوفمبر 2021من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriما يُبهرني شخصيا في رؤية ألبير جاكار لما يسمّى بالموهبة هو جُرأته العلمية وتفرّده برؤى تحليلية تخرج عن المألوف لتترك مجالا واسعا للتّنسيب وموقعا يليق بالأطفال المختلفين وكل أولئك الذين تضعهم التصنيفات العلمية المزعومة (كما يقول هو) على هامش الذّكاء والنّبوغ وتُعطيهم فرصة للتميّز مهما كان ملمحهم ومستوى نتائجهم المدرسية وترتيبهم في المناظرات والاختبارات.
كثيرة هي الأدبيات التربوية والعلمية التي تحدّثت عن هذا الصنف من الأطفال، فيطلقون عليهم تسمية الأطفال الموهوبين تارة أو الأطفال ذوي الإمكانيات العالية enfants à haut potentiel تارة أخرى أو كذلك الأطفال ذوو الذكاء المُبكّرprécoces . لكن عالم نفس النمو وأستاذ علوم التربية الأمريكي هوارد غاردنر شكّك في نهاية سبعينات القرن الماضي في إمكانية وجود الذكاء الواحد والكوني لأنه لا يعدو كونه “اقتدارا خصوصيا يتمثل في فهم الأشياء” وبالتالي لا مناص من تصريف الذكاء في الجمع في إطار ما أسماه بنظرية الذكاءات المتعدّدة … وذلك في 8 مجالات أساسية متنوّعة (الذكاء اللغوي والذكاء المنطقي الرياضي والذكاء الموسيقي والذكاء البصري الفضائي والذكاء البدني الحركي والذكاء العلائقي والذكاء البيئي والذكاء العاطفي).
وهذا نصّ الحوار الذي أجرته مجلة نوفيل أوبسرفاتور مع ألبير جاكار (أوت 2013).
الأطفال الموهوبون، هل تؤمنون بوجودهم، نعم أم لا ؟
لا طبعا، أنا لا اومن بذلك مُطلقا، وسبق لي أن تصادمت في هذا الخصوص مع عالم السلوكيات ريمي شوفان الذي نشر سنة 1975 مؤلفا أطلق عليه “النوابغ”. لا يمكن حسب نظري أن يوجد نوابغ وذلك لسببين : أولا في كلمة نوابغ surdoués هناك “أعلى” بمعنى متفوق وما يتبع ذلك من تصنيف و تراتبية، لكن النابغة هو أعلى من ماذا أو مِن مَن ؟ عندما نفكر بأن هذه التراتبية هي مبنية على مقياس وحيد وهو قيس حاصل الذكاء QI المزعوم، ندرك سريعا أن الأمر متعلق بفكرة مجنونة. قيس الذكاء ؟ ادعاء تحويل هذا الواقع متعدد الأشكال إلى رقم حزين ؟ هذا غباء. ثم لماذا مثلا لا نؤسس حاصلا للجمال QB ؟ عندما أقترح هذا، الناس يبتسمون هازئين. لكن على الناس الذين يردّون الفعل على هذا النحو أن يهزؤوا بنفس الطريقة من حاصل الذكاء.
والسبب الثاني ؟
آه نعم. في كلمة موهوب أيضا هناك “النبوغ” doué. أي المتمتع بموهبة. من وهبه هذا النبوغ ؟ الطبيعة بالتأكيد. الكنديون ابتدعوا كلمة douance بمعنى القدرة على النبوغ (قليلا أو كثيرا). وبما أن كل ما تمنحنا إياه الطبيعة يكون مسجلا في جيناتنا، فيجب الاعتقاد بأن هناك جينات مسؤولة عن الذكاء (جينات للذكاء). بينما ليس هناك إلا جينات للغباء تدمر العقل. لكن الغباء ليس نقيض الذكاء لأن الغباء مرض. بنفس المنطق هناك قنابل “شريرة” أو كريهة باستطاعتها على سبيل المثال تدمير قصر فرساي ولكن لا وجود لقنابل “طيبة” تكون قادرة على إعادة بنائه بواسطة جينات الذكاء فقط. الجينات ليس لها أي علاقة بترابطية توصيل الخلايا العصبية.
هناك على كل حال – وهذا شيء بارز في المدرسة مثلا- تلاميذ لامعون أكثر من غيرهم ؟
نعم لقد قلتها بنفسك : لامعون. لكن هل يعني ذلك أنهم أذكياء ؟ الذكاء هو مَلَكة الفهم. بينما أن تفهم شيئا ما بشكل حقيقي هو دائما مسار طويل. الذكاء الحقيقي هو أن تفهم كونك لم تفهم. و المثال النموذجي هو إنشتاين عندما كان تلميذا بنتائج مدرسية هزيلة لم يكن بالتأكيد طفلا موهوبا ولكن أتصور أنه لا أحد باستطاعته الادعاء أنه لم يكن ذكيا. لكن أن نفهم كوننا، “لم نفهم بعدُ” هو شيء أكثر ذكاء من الاعتقاد بأننا فهمنا. وهي خاصية الطفل الذي يزعم أنه موهوب. هذا الأخير يتميز خصوصا بالثقة في النفس وبالتعوّد على فرض نفسه أو القدرة على الظهور. هي ببساطة مسألة مغامرة اجتماعية.
حدث ذات مرة أن ألقى عليّ شاب عمره 14 سنة في إعدادية “ذات منسوب عال من المشاكل” بالضواحي الباريسية السؤال التالي “سيدي، هل يستطيع المرء أن يصبح عالم جينات إذا كانت لديه سوابق عدلية ؟“
سؤال أربكني جدا. هذا الشاب لم تكن لديه سوابق عدلية… لكنه كان يدرك أن ذلك آت لا محالة. لم يكن تلميذا متفوقا أو لامعا لكنه توصل إلى فهم العديد من الأشياء. الذكاء هو دائما تتويج لمغامرة فردية، مضمّخة بمؤثرات خارجية، وهو أمر لا علاقة له بعلم الجينات أو علم الوراثة.
لكن كيف نحدد الذكاء وما هي طريقة تشكّله ؟
يمكن أن نربط الذكاء بعدد التشابكات العصبية ؟ أو الترابطات بين الخلايا العصبية ؟ بينما هناك حوالي 100 مليار من الخلايا العصبية مترابطة من خلال حوالي 10 ملايين من مليارات التشابكات العصبية. يتضح إذن للحين أن علم الجينات يعجز تماما عن التدخل في كل هذا. 30 مليونا من التشابكات تنشأ في كل ثانية، فكيف تريدون من البرنامج الجيني أن يراقب ظاهرة على هذا النحو من التعقيد؟ وبالضرورة فإن تشكل هذه التشابكات العصبية محكوم بالمعلومات والمؤثرات المتأتية من الخارج. و بالتالي فإني أعتقد مثلا في هذا الخصوص أن المداعبات المتأتية (أو لا) من الأم تلعب دورا هاما في بناء الذكاء وتشكله.
هل تقصدون أن الأطفال الموهوبين هم الذين تمتعوا بملاطفات من أوليائهم بشكل أكبر أو أفضل من نظرائهم ؟
ذلك مجرد وجه من وجوه المسألة. بشكل أعمق، أعتبر أن الأطفال الذين يتم وسمهم بالموهبة هم أطفال أسرع من الآخرين في علاقة ببعض المواضيع. و لكن السرعة هي مجرد مكون من مكونات ما نسميه بالذكاء. ليس ثمة أي داع للاعتقاد أنها المكون الأكبر. ما الفائدة من فهم شيء ما وتمثّله في سن الـ13 قبل سن الـ 15 أو الـ 18 ؟ المهم هو أن ننتهي إلى الفهم، وبصفة عامة عندما تقول “سريعا” قد يعني ذلك “سطحيا”، الموهوبون هم أناس سطحيون.
للأسف، هنا كما في مناطق أخرى من العالم، نحن نستسلم لهذه الموضة العبثية : تثمين السرعة، المسيطرة على المجتمع الحالي. لنتوقف عن الخلط بين السرعة والتتويج أو المنتهى لأننا نعرف منذ زمن بعيد أنه لا فائدة من الجري… أنا الذي أدرّس علم الجينات لطلبة السنة الأولى طب، أكتشف على سبيل المثال أن الفتيات (في المعدّل) أفضل من الذكور. هل يعني ذلك أن الذكور أقل ذكاء ؟ أعتقد أن هنالك تفسير منطقي أكثر : في هذه السنّ بينما تكون الإناث بصدد التفكير بدراستهن يكون الذكور بصدد التفكير بالفتيات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ولد ألبير جاكار في ديسمبر 1925 وتوفي يوم 11 سبتمبر 2013 بباريس.
من مؤلّفاته : الله؟ تربية بدون سلطة ـ صحراء ـ سعيد مثل طفل يرسم ـ أتهم الاقتصاد المنتصر ـ إليك أنت ايها الذي لم تولد بعد ـ محاولات في صفاء الذهن ـ أنا من أين أتيت ؟ أنا والآخرون ـ طوباويتي ـ بعض الفلسفة لغير الفلاسفة ـ في تمجيد الاختلاف…
دفءُ نار
خمسُ جرائم تُقترف اليوم في حق تونس
نشرت
قبل 3 سنواتفي
25 أكتوبر 2021من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriسياسيّا :
“عادة ما يَختزل رجل السياسة حياته ونظرته للحياة في بعض الجمل التبسيطية التي يتكئ عليها ليفهمه العامة ويتعاطفوا معه، بحيث لا يجلب الجمهور بواسطة البراهين بل يُغريه بواسطة المقولات الجاهزة” (الروائي البلجيكي فرانك أندريات)
أعتقد أننا بحاجة أكثر من ماسّة اليوم إلى الحسم والبتّ نهائيا وبسرعة في كل المُتخلّدات بذمّة العشرية الضالة والآسنة وكل ما اعتراها من شبهات تواطؤ مع أعتى المخابرات وما ضلعت فيه من رصد لأفضل الأسطح لممارسة القنص المهيّج واستيلاء على أراض ومبان واقعة في مناطق الغموض العقاري والتحضير العسكري الجدي لبناء مجتمع جديد يكون فيه الحديث عن “قُصّوا الشوارب واعفوا اللحي” أكثر استراتيجية من “علّموا أطفالكم الثقة بالنفس وقبول الآخرين باختلافاتهم”…وتعقّب كل من ساهم في إلحاق نسيجنا الاقتصادي بالعواصم التي أغدقت عليه ريعا بلا حساب… والمرور بعد ذلك فورا إلى “تطبيع” الحياة السياسية والانطلاق في العمل دون هوادة على كل الجبهات وكأننا خرجنا لتوّنا من حرب مُدمّرة.
ثقافيا :
لدينا في تونس مواقع أثرية وحضارية نادرة جدا على المستوى العالمي تُضاهي أبو سنبل مصر وبيترا الأردن وماتشو بيتشو البيرو … فقرطاج التي تؤثّث كتب التاريخ في أغلب بلدان العالم باستطاعتها أن تكون وجهة الانسانية بأسرها، وينسحب هذا على مسرح الجم وقصور تطاوين وعين الذهب بجبل السرج ومتحف باردو (ثاني أشهر متحف افريقيّا بعد المتحف المصري) … ولكن أضواءها مُطفأة والترويج لها منكدة.
من ناحية أخرى، عندما تشاهد وضع المنازل التي سكنها أو المواقع التي مرّ بها كبار شعرائنا وأدبائنا ومُبدعينا والحالة الرثّة التي باتت عليها تلك البيوت والأماكن المُهملة، ينهال عليك شعور بأنك تعيش في بلد يقتات من أكل أجداده والتنكيل بهم واصطياد بؤر الضوء في تاريخه ليخنقها ويخمدها.
تربويا :
بدلا من التفكير بالأسوإ في منظومتنا التربوية (تفاقم ظاهرة الانقطاع واستشراء ترويج “الأقراص” غير المزيّفة في الوسط المدرسي وتدني المكتسبات المعرفية وتراجع أداء المدرّسين…)، دعونا للحظة نُفكّر بالأنصع والأمتع حيث أن المدرسة التونسية التي أنجبت مهندسين أكفاء يجوبون العالم وأطباء مقتدرين تعترف بمهارتهم مستشفيات الكون والعديد من الأكاديميين المتألّقين في جامعات ومخابر البحث عبر عواصم المعمورة… نفس هذه المدرسة تظل قادرة على الاستمرار في تأدية وظيفتها تلك لو تتوفر نفس الإرادات الفولاذية التي أرست دعائمها عبر التاريخ. هذه جريمة في حدّ ذاتها أن ندع سقف مدرستنا يتهدّم أمام أعيننا خاصة على رؤوس الفقراء ومتوسّطي الحال لأن هنالك آلاف العائلات التي بمقدورها إيواء منظوريها تحت أسقف أخرى.
اجتماعيا :
طفل يبلغ سن السادسة عشر ولا يعرف الفرمبواز والجينواز وشابّة مزهوّة بقدّها لا تفرق بين الدودون والبومبرز والباركا واللاغينغ وشاب لم يفكر يوما باستخراج جواز سفر لأنه لا يحلم بعبور المتوسط إلا حارقا أو محترقا وتونسيون ينامون بنفس الملابس التي اشتغلوا بها نهارا وعاملات فلاحيات تنام الديكة أكثر منهنّ وتلميذ في مدرسة نائية يستخدم كل ذكائه ليفلت من حصة الفحص الطبي الجماعي لكي لا يكشف عن بطنه التي علق بها بعض الحشن لغياب الماء في منزل والديه وتلميذة يُفرض عليها أن تُفتّق لغتها الغضّة حتى تقول “عْملنا soupe في العشاء” وليس حساءً حافيا غير متبوع بأي شيء، و”أبي يجلب السلع من الخارج حتى لا تقول مُهرّب”… كلها عناوين لدولة بغلة ارتقت سياساتها المتتابعة بحفنة من الناس وتركت أغلبيتنا العظمى نسفّ التراب والسراب. (سفّ الدقيق أي تناوله يابسا غير معجون).
ديبلوماسيا :
من المؤكد أن الموقف المؤيّد لوضع العشرية الكبيسة بين مُعقّفين أقرب بكثير إلى الوجاهة من الموقف المنادي بالرجوع إلى حلبة الصياح والنباح والتراشق بالرماح، وبالتالي فإن مهمة إقناع العالم بأن لا أحد أبكاه غلق البرلمان من التونسيين سوى بعض الذين ساءهم “عدم استكمال إجراءات الحصول على رخصة صيد أو ما يعادلها”…لم تعد بالمهمة الصّعبة. يكفي إذن أن تُكلّف نخبة صادقة من الفنانين والرياضيين الدوليين وقدماء الديبلوماسيين وكبار الجامعيين المعروفين عالميا بنقل ما أصبح عليه مزاج التونسيين غداة 25 جويلية وحالة الارتفاع المهول في عدد المترددين على عيادات الطب النفسي في القطاعين الخاص والعام جرّاء مشاهدة فطريّات الديمقراطية وعطن المسار الديمقراطي طوال النهار على امتداد سنوات طويلة…حتى يقتنع العالم بأسره بأننا لا نبحث عن أكثر من استرداد بلدنا الذي خفتت ألوانه واختلّت أوزانه واستقصروا حيطانه خلال العشرية الماضية. (تذكروا في هذا الخصوص ما فعله بورقيبة الإبن وصديقه فرانك سيناترا لفائدة تونس أيام اعتداء حمام الشط أو ما فعله السفير الوسيم الشريف قلال مع عائلة كيندي لفائدة جبهة التحرير الوطني الجزائرية إبان الاستقلال).
دفءُ نار
نحو مُدوّنة سلوك غير كرمانيّة* … لمُتساكني الفايسبوك
نشرت
قبل 3 سنواتفي
18 أكتوبر 2021من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriأقدّر شخصيا أن القرف لعب دورا أكثر من السياسة والاشمئزاز أكثر من غياب المشاريع الجادّة والتقزّز أكثر من المناورة السياسية في جعل الأغلبية الساحقة من التونسيين تحقد على البرلمان والبرلمانيين والتشريع والمُشرّعين والمُحصّنين المُضمَّنين. قرف تجاه السبّ والشتيمة والعنف والقذف والبذاءة والرداءة والإساءة إلى صورتنا جميعا أمام أنفسنا.
أصبحت شخصيا “برلمانوفوب” و “ديموقراطوفوب” بمعنى أنني أصبحت أعاني من رُهاب دائم لمجرد تذكّر حصص التعذيب التي أُخضعنا لها إخضاعا رغم أنوفنا والتي تمّ بموجبها انتهاك ما تبقّى لدينا من جَلَد ووسع بال.
وباعتبار أن الفضاء الفايسبُوكي هو أيضا مشهد عام يتعامل فيه الجميع مع الجميع ويُحذّر عديد الأخصائيين في علم النفس والطب النفساني أن هذا الفضاء مرشّح لأن يتحوّل مثله مثل التلفزيون والبرلمان المُتلفز إلى مصدر إزعاج وتوتّر واضطراب إذا أنت أصبحت أسيرا لهذه الأداة الاتصالية الفتّاكة من ناحية وإذا أنت أصبح لا يعترض سبيلك وأنت تتجوّل في تجاويفه إلا المنشورات النكديّة والتعليقات العنيفة والكتابات المبتذلة من ناحية أخرى.
وطالما نحن نتقاسم هذا الفضاء الذي أضحى حميميّا بمعنى ما، كان لزاما علينا أن نتقيد بجملة من الضوابط والاخلاقيات التي تضمن حدّا مقبولا من التعايش والفرح الأدنى المشترك.
هذه إذن محاولة في رسم بعض قواعد السلوك التي تساعد على التقليص من أسباب التوتر والنّكد المتأتّيان من بعض اللّطش هنا والفُحش هناك :
- تذكّر أن الذين صادقتهم أو رافقتهم أو جمعتك بهم خيمة الوطن والماء والملح في يوم ما ثم تفرّقت سُبُلكم، لا يليق بك أن تنعتهم بالتفّه والبُلّه والسفّه… فهذا النوع من الشتائم لا يزيدك إشعاعا ولا جاها أو قدرة على إقناع الناس من حولك.
- واعلم أن للأموات حُرمة لا يليق وضع صور لهم في الفضاء العام وأن للمرضى والمحتضِرين حُرمة كذلك لا يجوز إشهار لحظات ضعفهم ووهنهم في الحوش الكوْني.
- ولا يجب أن يفوتك أن لحظات الأسى والحزن العميقيْن والصّادقين هي لحظات حميميّة بامتياز لا تُعاش بشكل مسرحي أو سينمائي أمام الناس، بل بخشوع وسكون وتَوْقير.
- وتيقّن أن مُتعك الصغيرة وتفاصيل حياتك الخاصة لا تعنيك سوى أنت… فالعالم بحروبه وزوابعه لا يهتمّ إطلاقا بشهرك السّادس (ربي يوصّل بالسّالم) أو السُّنينات الأولى لأطفالك (ربّي يفضلهم) أو مع من تناولتِ فطور الغداء البارحة في أحد مطاعم البحيرة (لإقناع صديقاتك بأن خبر طلاقك منه مجرد إشاعة وموتوا بغيظكم).
- وتحقّق أنك غير مطالب بطلب الإذن في تقاسم منشور ما (عديدنا يسأل صاحب المنشور “هل بإمكاني تقاسمه؟”) لأن مجرد وضعه في الطريق الفايسبوكي العام هو إتاحة للمشاركة والتعليق… شرط التنصيص على مصدره أو صاحبه.
- وتأكّد أن مارك نفسه (صاحب الباتيندة) لا يجلس إليك أو يتناول عشاءه مع عائلته وأصدقائه دون أن يتخلى عن هاتفه ومتابعة ما ينشر وما يصله من رسائل… وأنه من العيب أن تردّ على كل المكالمات التي ترد عليك وصديقك في حضرتك يتلوّى ليُعبّر عن فكرة تنهشه أو موقف يؤلمهُ (إلا إذا تعلق الأمر بمكالمة استعجالية فتعتذر وتُجيب).
- ومن البديهي أنك غير مجبر أن “تُتاغي” أصدقاء لا تربطهم أي علاقة بما تنشره أو تريد الترويج لهُ.
- ويتوجّب عليك أن تُبطل تنبيهات التطبيقات والألعاب وإشعاراتها على هاتفك الذكي. فقد يُبهجنا أنك تسعى إلى الترفيه عن نفسك فنطمئنّ عليك ولكن في نفس الوقت قد تعطينا بذلك الحق في تأويل إقبالك وشرهك بفارمفيل أو كاندي كراش طوال اليوم على أنه ضجر شخصي خانق يستدعي العناية الطبية المستعجلة.
- ويبدو أن الثقافة كما يقول بعضهم مثل مربّى (معجون) الغلال، بقدر ما تكون الكمية محدودة بقدر ما نبالغ في نشرها على قطعة الخبز (فأنت لست بيل غايتس أو ستيف جوبس أو جاك مَا لتُمطرنا يوميا بحِكم ومقولات ونصائح لا تُسندها تجارب حياتية أو مهنية خارقة).
- ولا تحسب أنك في حاجة دائمة للحصول على اعتراف اجتماعي حتى وان كان افتراضيا من خلال البحث المحموم عن مؤشرات الإعجاب والإطراب. فقيمتك، أنت الوحيد المؤهّل لتقديرها مهما اختلفت التقييمات المجاورة.
- وانتبه إلى أن عرض صورتك الشخصية بملامح يعلوها تعب الحياة و مشاق ركوب قطارات الضواحي وسيارات النقل الجماعي (خاصة عندما يكون “السّلفي” من مسافة قريبة إلى الوجه) لا يغيّر شيئا من حالتنا النفسية المُكفهرّة أصلا. ثم إن دي كابريو نفسه أو الصاعقة مارغو روبي ذاتها لا أعتقد أنهما يُسلفيان يوميا لإبهار العالم من حولهما.
- وأيقنْ أن تمكين ابنك أو حفيدك من هاتفك المُطلّ على سراديب العالم وكهوفه المُظلمة وما يسمّيه الخبراء بالواب السحيق أو الواب الأسود وغير المرئي في محاولة لإسكاته أو كسب محبّته…هو مؤشر لامسؤولية وعجز عن شدّ انتباهه من خلال أشياء تُشبه مهارات جدّاتنا في الحَكْي والقصّ وسلب العقول.
- وتواضع قليلا حتى لا تُنهي مواقفك بــ “إن الأمر يكون هكذا أو لا يكون، قف انتهى” وهي لحظة إشباع تعكس في أغلب الأحيان نوعا من الاستعلاء والاستقواء بالأنا المتورّم الذي لا يرى الحقيقة خارج دائرة ما يعتقده هو وما يتصوّره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نسبة إلى كرمان المتوكّلة علينا بأمر من “بالو آلتو” في كاليفورنيا.
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 12 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 15 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 19 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 23 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 23 ساعة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 23 ساعة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 24 ساعة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 24 ساعة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية