تابعنا على

جور نار

الصبّ تفضحه عيونه… أو فرنسا من المارينز إلى “مارين”

نشرت

في

تنويعة أخرى من (ها قد عدنا يا صلاح الدين) !

عبد القادر المقري:

أنصار التجمع الوطني (الاسم الجديد لحزب لوبان اليميني المتطرف) يفضحون حقيقة حزبهم، وفوز هؤلاء المحتمل في تشريعيات الغد قد يفضح انحراف الفرنسيين نحو مزيد من العنصرية والعدوانية وكره الأجانب… كل هذا رغم طبقات الماكياج التي ما فتئت مارين لوبان تضعها على واجهة حزبها اليميني المتطرف … بداية من اسم الحزب، إلى مغازلة ذوي الديانة اليهودية، إلى الانحياز الأعمى للكيان الغاصب في حربه على غزة، إلى تركيز الكراهية “فقط” على الأفارقة وخاصة خاصة على العرب…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

غدا يخوض اليمين الفرنسي الفاشي انتخابات برلمانية ترشحه استطلاعات الرأي لكسبها بعد أن سحق الجميع في الانتخابات الأوروبية… مجرة من أحزاب ومجموعات دعاة الكراهية أصغرها الوقح “إيريك زمّور” و حليفته السابقة “ماريون ماريشال” (حفيدة جان ماري لوبان) وأكبرها وأظهرها التجمع الوطني وزعيمته “ابنة أبيها” مارين لوبان، رفقة الإيطالي الأصل “جوردان بارديلا” … مشروع هذا الطيف السياسي معروف منذ نصف قرن على الأقل ويمتاز بكرهه للأجانب والأقليات وتركيزه على الملف الأمني والمواطنين من أصول مغاربية… كان يضع اليهود في قائمة مستهدفيه لكنه استثناهم تكتيكيا منذ خلفت مارين والدها على رأس الحزب وغيّرت في ما غيرت اسم الحزب من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني…

من النقاط الجديدة التي أضافها الحزب المتطرف إلى برنامجه، منع عدد من الوظائف “الحساسة” (أمن، استخبارات، يمكن حتى أسرار نووية أو صناعية إلخ) أمام الفرنسيين مزدوجي الجنسية… بارديلا تحدث عن 50 وظيفة حساسة … والمقصود بذوي الجنسية المزدوجة المغاربيون بالأساس رغم أن المرشح المتطرف ذكر روسيا والمنحدرين منها … للتعمية طبعا، فهذه نكتة في حد ذاتها… الفرنسيون من أصل روسي ظاهرة قديمة ونادرة جدا قِدم هجرة وندرة الروس في انتقالهم إلى باريس وضواحيها … إذ تعود تلك الموجات إلى فترة وجيزة من القرن 19 وإلى بعض الفارين من ثورة 1917 وهم أساسا من الطبقة الأرستقراطية وعائلة التزار الثرية المثقفة… لا عمّال ولا مشردون ولا حارقون ولا باحثون بأي ثمن عن رغيف عيش …

إلى هذا، يبدو أن حزب مارين وبارديلا لم يبتعد كثيرا عن الأسس التي وضعها العراب جان ماري… في المسألة اليهودية مثلا… الاستثناء الذي ذكرناه آنفا مضاف إلى الموقف من حرب غزة، جعل رموزا عديدين من الحركة اليهودية (وحتى الصهيونية) يعيدون النظر في تقييمه بل ويتعاطفون معه صراحة… ومن هؤلاء، سيرج كلارسفيلد (المعروف بتكوينه ميليشيا لملاحقة واختطاف قدماء النازيين) الذي قال إن مارين لوبان لم تعد متطرفة، بل وسطية مقبولة وتستحق الدعم… ولكن أصواتا فرنسية متعددة (وآخرها ليونيل جوسبان) حذرت هؤلاء من تصديق ابنة لوبان وحزبها … وقال لهم انظروا جيدا إلى ما وراء الخطاب الرسمي للحزب، فهناك خطاب ثان ولغة مزدوجة…

وفعلا… فرسميا، خطاب مارين لوبان وبارديلا وبعض أفراد القيادة العليا للحزب، يحتوي على بعض التنميقات سواء في الموضوع اليهودي أو غيره… خاصة مع اتساع قاعدة الحزب انتخابيا، واتساع طموحاته التي ابتعدت عن الهامش واقتربت من الحكم أكثر من أي وقت مضى… ولكن ينكشف الفكر الحقيقي للتجمع الوطني من خلال قياداته الوسطى، أو ممثليه في الجهات، وخاصة لدى قواعده التي تربّت على رفض كل من هو مختلف عن “العنصر” الفرنسي الصافي… أبيض، أوروبي، مسيحي كاثوليكي، وفرنسي الأبوين والأجداد لبضعة أجيال وجذور قد تعود لثلاثة أو أربعة قرون على الأقل… أي “واسب” (WASP) على الطريقة الفرنسية !

ويذكّرنا هذا بما فعلته أو حاولت أن تفعله بعض التيارات المتأسلمة في بلادنا خاصة في العشرية الأخيرة… إذ نذكر كيف صار الغنوشي يتبرأ علانية من ارتباط حزبه العضوي بشبكة الإخوان المسلمين… ويكرر بكل الأشكال انتماء جماعته لتونس أولا وأخيرا … ويضع النجمة والهلال التونسيين في كل محضر وبمناسبة أو من دونها… ويضيف إلى الواجهة الوطنية واجهة ديمقراطية براقة جدا هي الأخرى… مع بعض التفويحات التي لامست المبالغة المضحكة… كأن تزور تلميذته (الراحلة محرزية العبيدي) مصنعا للخمور … وفي نفس الهبّة، يصوّت نوّابه على تخفيض لأسعار المواد المسكرة… ويدفعون بعبد الفتاح مورو كي يراقص الحسناوات… ويعلنون رفضهم وإدانتهم للسلفية الجهادية ويدينونها بالإرهاب… و يشهرون قبولهم بجميع مبادئ الجمهورية، والأحوال الشخصية، ورموز الدولة التي لم تعد كافرة ولا علمانية إلخ…

ولكن وراء الأكمة، تأتي تسريبات فاقعة تنسف كل هذا… سواء في لقاءاتهم بأنصارهم وحلفائهم، أو في أحاديثهم مع من يقابلونه من زعماء التنظيم الإخواني، أو في أدبياتهم الداخلية، أو في حواراتهم مع وسائل الإعلام الخليجية والتركية … كما يُلمس موقفهم الأكثر دواما وعنادا و”صدقا”، في ما يُتداوَل لدى جمهورهم لا الذي يدلي به قادتهم على منابرنا والمنابر الغربية بين حين وآخر… أي الصحيح هو ما يروج في قاعدة الهرم لا في قمته …

وفي الأخير وعودة إلى الشأن الفرنسي ومحاذير نتائج انتخابات يوم غد … نتساءل… ولماذا نبقي أنفسنا وأبناءنا تحت رحمة صعود هذا الحزب العنصري أو ذاك؟ وإذا كان هناك حديث عن مصلحة ما، فلماذا نتحدث عن مصلحتنا التي في قبضتهم ولا نذكر مصالحهم عندنا؟… لماذا نعدد أوجه حاجتنا إلى الفرنسيين وكلفة استغنائنا عنهم (لو حصل ذلك) ولا نتطرق إلى حاجتهم هم إلينا وماذا سيخسرون بخسارتنا وخروجنا من صفّهم؟… وإلى متى سنبقى نصدّر أزماتنا ومواطنينا إلى أراضي الغير حتى يحلّ مشكلاتهم بدلا عنّا؟ … مرة ليبيا، ومرة ايطاليا، ومرة الجزائر، ومرّات مرات مرات فرنسا التي وضعنا جميع بيضاتنا في سلّتها ونسينا خط الرجعة… فلماذا الحديث عن استقلال وشهداء وأعياد وطنية إذن؟

نقول هذا … عسى أن يخضّ ساستنا أنفسهم وإرثهم الرديء و”علاقاتنا التاريخية” المحكومة بالذلّ والتبعية لدولة لم تفدنا بشيء… وما فتئت بدورها تتقهقر في ترتيب الدول العظمى… ولولا وضع يدها المزمن على قارة إفريقيا (كما قالت ميلوني ذات معركة مع إيمانويل ماكرون) لكان وضعها أقل وأنكى…

صعود محتمل لمارين لوبان وحزبها الفاشستي إلى سدة الحكم في فرنسا، يقابله احتمال آخر مماثل عبر الأطلنطي في البلاد الأمريكية مع رجوع وارد جدّا لدونالد ترامب، مع تمكن نفس اليمين القصووي من الحكم في دول أخرى حاصلة كإيطاليا، أو منتظرة في أغلب أوروبا باستثناء إسبانيا، مؤقتا… وما زال العدّاد في دورانه… فهل بقي على الشعوب الأخرى فقط التظلّم والعويل وانتظار الفرج بعد الشدة؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

معرض مدينة تونس للكتاب… أدب الأطفال في صدارة الاهتمام والشراء

نشرت

في

محمد الزمزاري:

تم افتتاح معرض الكتاب بشارع بورقيبة منذ يوم 25 ديسمبر لينتهي خلال يوم 11 جانفي من السنة القادمة وبالاحرى بعد حوالي اسبوعين يجمعان بين سنتين ذاتيْ أحداث ملفتة و مفصلية سواء على مستوى الوطن او خاصة على مستوى العالم…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ومثلما هي عادة المعارض المماثلة لن نأتي بجديد من حيث العروض المتنوعة للكتب المختلفة من علمية إلى أدبية إلى فلسفية او سياسية… لكن الذي جلب الانتباه هو التهافت على كتب ومنشورات الأطفال، خاصة ان اليوم يصادف عطلة المدارس والمعاهد وربما رياض الأطفال، كما أن يوم السبت قد يكون أيضا فرصة لعدد من الأولياء لزيارة المعرض صحبة أطفال متعطشين اكثر من أمهاتهم وابائهم لتصفح كتب الأطفال الميدانية بالصور الجذابة و الكتابة الواضحة اكثر من روايات دستويفسكي مثلا…

وقد لفتت نظرنا بعض نماذج من الكتب او الروايات او الشعر القيمة من خلال تصفح المعروضات على مدى اكثر من ساعتين حتى ان احد الاصدقاء الأدباء ظنني “كتابا” يسير في بهو المعرض جيئة وذهابا… وبما انه كان منقوص البصر وراء نظاراته فقد قضى وقتا طويلا قبل أن ينهي الموسوعة بتحيات حارة وثرثرة حول اصدار كتابه الجديد …

على المستوى السياسي لفت نظري كتاب متعلق بالمناضل اليساري و النقابي صالح الزغيدي للأستاذ منصف الباني وعنوانه “صالح الزغيدي بين النضال الفكري والسياسي” و يعلو هذا العنوان عنوان تفسيري هو: “من رموز اليسار التونسي”…

على مستوى الروايات لوحظ حضور الرواية الهامة للصديق الروائي “الأمين السعيدي” الذي شق طريقه بعد اصدار كمّ من الأعمال السردية الناجحة، ولعل ادقها و أكملها الرواية التي لاقت رواجا “مدينة النساء”… ثم لفت انتباهنا وجود رواية عالمية للكاتبة “باولا هوكنز ” تحت عنوان “عتمة الماء” وهذه الكاتبة كانت اصدرت رواية بعنوان “فتاة القطار” التي حققت اكثر مبيعات لصنف الرواية بأوروبا.

أما على مستوى الانتاجات الشعرية فقد تألق كتاب الزميلة الصحفية سمية بن رجب الذي تفيض صفحاته بقصائد شعر مبدعة، وسمية بن رجب هي دكتورة في علوم الإعلام والاتصال ويمكن القول انها تمثل جيل ما بعد الثمانينات، كما يذكر انها قاصة أيضا ومتحصلة على الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة وعلوم الاخبار سنة 2018 ولها حضور مميز و جوائز بالإضافة إلى انها باحثة في علوم الاخبار والاتصال ومتعاونة بجامعة منوبة في نفس المادة. .

ولا تكتمل صورة معرض الكتاب اذا لم نذكر رواج كتب الأطفال وحوالي 20 يافطة كبرى على شارع بورقيبة تقودك إلى مدخل المعرض وتزين المشهد بمعطيات دقيقة حول كل ولاية من ولايات الجمهورية لتنتهى على الجانب الأيسر قبل دخولك المعرض بخارطة جميلة تشرح بكل وضوح اسماء الأقاليم والولايات التي تكوّنها…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 99

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

هذه الورقة تروي ما حدث لي مع حلول سنة 1998… وهي سنة هامة جدا في حياتي المهنية وفي اذاعة صفاقس… سنة 98 تكون اذاعة صفاقس قد عاشت سنتين تحت عهدة المرحوم عبد القادر عقير كمدير لها…

عبد الكريم قطاطة

وللامانة وكما اسلفت الحديث في هذا الامر كان الرجل حركيا جدا وحاول استقطاب عديد الكفاءات الثقافية في الجهة ونجح ايما نجاح في ذلك… وللامانة ايضا كان يعتبرني عضده الاوّل كمستشار له في تسيير شؤون الاذاعة، ومثل هذه الاوضاع تسعد بعض الزملاء وتشقي آخرين… مع حلول سنة 98، ارتأت مؤسسة الاذاعة والتلفزة تحديث تشريعاتها ومن بين ما قامت به سن قوانين جديدة في اسناد الخطط لموظفيها… والتي كان من ضمنها احداث خطة مدير عام للقنوات الاذاعية.. وكان اوّل من ترأسها زميل سابق عرفته عندما كان يشغل خطة رئيس تحرير شريط الانباء التلفزي باللغة العربية… السيد عبد الله عمامي…

علاقتي به كانت مهنية بحتة… كنت كسائر تقنيي قسم المونتاج اقوم مرّة واحدة في الاسبوع ودوريا، بتركيب فيلم شريط الانباء لنشاط رئيس الدولة واعضاده… وهي مهمة تتطلب انتباها جيد لكلّ ما يمدنا به زملاؤنا في قسم التصوير… وخاصة اعطاء الحجم والقيمة لنشاط رئيس الدولة والوزراء… لذلك يحرص كل مركّب منّا على التمحيص وبانتباه شديد للصور واختيار افضلها جودة… نوعية اختصاصنا تجعل كل رئيس تحرير يحرص على مدّنا بتوجيهاته التي يتلقاها بدوره من الرئيس المدير العام… اذ نحذف احيانا وبامر من رئيس التحرير بعض المشاهد او نضيف في مدة مشاهد اخرى… تلك كانت نوعية علاقتي بالسيد عبدالله عمامي وهي علاقة ولّدت بمرور الزمن ثقته فيّ وفي جودة عملي…

عندما كُلّف السيّد عمامي بخطّة مدير عام للقنوات الاذاعية، تنقّل نحو كلّ الاذاعات الجهوية ليطّلع على واقعها ومشاغلها… وجاء دور اذاعة صفاقس ليحلّ ضيفا عليها… وكان استقباله لي حارّا اذ اننا لم نلتق منذ سنة 1976 عندما غادرت المؤسسة لاتمام دراستي بفرنسا… يوم مقدمه لصفاقس اجتمع السيد عبدالله عمامي بالمسؤولين في اذاعتها ليتطارح معهم ومع السيد عبدالقادر عقير احوال اذاعة صفاقس… وكنت من ضمن المدعويين لحضور ذلك الاجتماع… واخذت الكلمة كسائر زملائي وطرحت نقطة اعتبرتها انذاك في منتهى الاهمية و الغرابة… اذ كيف يُعقل لاذاعة عمرها 37 سنة وليس فيها من الخطط الوظيفية الا ثلاثا… فيما بقية المسؤولين على المصالح والاقسام لم يدرجوا يوما ضمن خطة وظيفية …اي انهم لم يعيّنوا يوما بشكل رسمي ضمن خططهم…

وكانت دهشة السيد عبدالله عمامي كبيرة… ووعد بانّ اوّل عملية اصلاح سيقوم بها هي تدارك هذه الوضعية غير العادلة والتي استمرّت أربعة عقود… وانتهى الاجتماع وطلب منّي السيّد عبدالله عمامي ان ارافقه لاجتماع ثلاثي يجمع بيننا وبين السيد عبدالقادر عقير مدير الاذاعة… وكان لنا ذلك وهو اجتماع تاريخي بكلّ المقاييس وهاكم التفاصيل…

بدأ السيد عبدالله عمامي بالاشادة بالنقطة التي اثرتها والمتعلقة بالخطط الوظيفية وهو ما يحتم منذ اليوم على انجاز الـ”اورغانيغرام” (التنظيم الهيكلي) لاذاعة صفاقس… وهذا يعني اقتراح مجموعة من الخطط الوظيفية وفي كل درجاته اي من مدير فرعي الى رئيس قسم مرورا برؤساء المصالح… واضاف متوجها بكلامه الى السيد عبدالقادر عقير: (مهمة انجاز التنظيم الهيكلي ساكلّف بها سي عبدالكريم واريدها اسمية لانه يعرف جيّدا زملاءه الذين عاصرهم منذ نهاية السبعينات ومؤكّد اكثر من ايّ كان، وانا كلّي ثقة فيه ولا اتصورك اقلّ ثقة منّي)… وللامانة رحّب المدير وعن طواعية بالمقترح…

وانتهى الاجتماع الثلاثي وعكفت على انجاز الاورغانيغرام واخترت اسماء زملاء يشهد الله اني وضعت كفاءتهم فقط كفيصل في الاختيار… واطلعت عليها السيد عبدالقادر عقير ودون ايّ جدال وافق عليها واضاف بعض الخطط التي نسيتها… وارسل الاورغانيغرام عن طريق الفاكس للسيد عبدالله عمامي… وماهي دقائق حتى وجدت السيد عبدالله يطلبني على هاتفي… بادرني اوّلا بالشكر على الانجاز السريع واضاف: (فقط لي ملاحظتان، الاولى تتعلق بتسمية الزميل زهير بن احمد كمدير فرعي للبرامج… حيث ابدى لي احترازه من هذا الاسم… وعندما طلبت منه السبب قال لي بكل ايجاز ووضوح: زميلك زهير محسوب على اليسار هل تدري ذلك ؟ قلت له لا ..قال لي: رسالة ختم دروسه بمعهد الصحافة، كانت حول صحف المعارضة في تونس!

ولانّي عرفت زميلي زهير بن احمد بما فيه الكفاية اسرعت بالردّ: واين الاشكال ؟؟ فأسرع هو ايضا بالرد: (خويا عبدالكريم، مدير فرعي للبرامج موش شوية راهي)… ولم اتركه يتمّ حديثه اذ قلت: (انت عندك ثقة فيّ، سي عبدالله ؟) اجاب طبعا ..فقلت له: (زهير هو الاجدر بهذا المنصب وانا اتحمل مسؤولية ما اقول)… اكتفى سي عبدالله بالقول: (دبّر راسك اما اتحمّل مسؤوليتك)… ثم جاءني للملاحظة الثانية وقال: ( إي انت وينك سي عبدالكريم في الاورغانيغرام ؟)… وكنت فعلا لم اسند ايّة خطة وظيفية لشخصي… قلت له: (انت تعرف جيدا ماذا يعني المصدح بالنسبة لي… هو أهم عندي من ايّة خطة وظيفية)… قفز السيد عبدالله على العبارة وقال: (يخخي انا قلتلك ابعد عن المصدح ؟ اما في نفس الوقت ولاني اعرفك واعرف حكايتك بكل تفاصيلها مع المصدح ومع اذاعة صفاقس، لا ارى احدا غيرك يستحقّ مصلحة البرمجة في اذاعتكم… واضيف بكل رجاء اقبلها من اجلي ومن اجل الاذاعة مع مواصلة علاقتك بالمصدح)… قلت له ساناقش الموضوع مع سي عبدالقادر… ردّ عليّ: انه في انتظارك وسيكون سعيدا بقبولك لتلك الخطة…

وما ان انهيت المكالمة حتى هاتفني سي عبدالقادر للحضور بمكتبه… دخلت عليه فوجدته في قمة الانشراح وبدأ بالقول: (شنوة الكيلو يطيّح الرطل ؟؟)… وقتها عرفت انّ خطة رئيس مصلحة البرمجة وهي المصلحة الاهم في كل اذاعة تحادث فيها السيد عبدالله عمامي والسيد عبدالقادر عقير واتفقا على ان اكون انا من يشغلها… وبدأت مسيرتي المهنية تاخذ ابعادا اخرى… عبدالكريم لم يعد كما كان مستشارا للمدير بل اصبح رسميا عضوا في (حكومة) اذاعة صفاقس… وكما اسلفت القول، بقدر ما استبشر العديد بهذه التسمية بقدر ما اغاظت البعض… اي نعم هؤلاء..كانوا دوما وفي كل معركة ينتظرون هزيمتي بالضربة القاضية فاذا بهم يجدونني في وضعية ارقى…

هي ليست حالة خاصة بي بل هي حالة منتشرة في كل الادارات دون استثناء… حرب ضروس كلما خفّت حرائقها فترة، اشتعلت من جديد وربما باكثر ضراوة… انها طبيعة البشر منذ أول الخلق… فاذا كان الانبياء اولى ضحايا اقوامهم فمن نكون نحن حتى لا نعيش نفس الاوضاع؟… وحده الله يعلم من منّا قابيل ومن منّا هابيل وعند الله تجتمع الخصوم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

إنه الشتاء يا حبيبتي

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…

لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..

عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…

تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.

أكمل القراءة

صن نار