تابعنا على

جور نار

حظّا مُوفّقا في “الباكالوريا” غدا

نشرت

في

منصف الخميري:

لا تدخل قاعة الامتحان إلا وعُكّازك معك ! عُكّازٌ تتكئُ عليه وقد شكّلتَه من عزيمة وإصرار وهِمّة ليس لها حُدود.

منصف الخميري Moncef Khemiri

من حُسن حظّنا أننا حافظنا في بلادنا على هذه المحطة التقييمية الهامة – بعد أن قاموا بإلغاء كل المحطات الوسيطة الأخرى- والتي مازالت تحتفظ لنفسها في الوجدان التونسي بكامل بريقها لأنها جسرٌ أساسي يمضي من خلاله عشرات الآلاف من الشباب نحو تحقيق أحلامهم وصقل آمالهم… وما أحلى وأنبل أن تتأسّس الأحلام على قِيم الجهد والمُثابرة وإدمان المعرفة وبناء الذّات السويّة والنافعة !

أعتقد أن مجرّد وصول بناتنا وأبنائنا بأعداد كبيرة جدا إلى هذا المستوى هو في حدّ ذاته كسبٌ وطني ثمين لابد من المحافظة عليه والعمل على تجويد مُخرجاته، لأنه تتويج لمسار طويل وشاقّ ومُعبّد بمُراكمة المهارات الدراسية المختلفة وتخزين المعارف بعذبها وغثّها، وبعض إغواءاته أيضا في عتبات عُمريّة معيّنة من قبيل تجريب بعض الأعمال المؤجّرة أو التفكير في زيجات مُبكّرة، أو الرغبة البسيطة في تطليق دروس لم يعد يقدر بعض التلاميذ على فكّ طلاسمها وترويض معانيها.

وبحكم أن الباكالوريا التونسية مازالت لها قيمة علمية مُتداولة (وستظل) في ساحات الشهائد العالمية من ناحية، ولأنني مسكونٌ من ناحية أخرى بالرغبة الصادقة في أن أرى أرفع نسبة ممكنة من المترشحين يُحرزون هذه الشهادة المفتاحية، يتأكّد لديّ الحرص على إسداء بعض النّصح لمُجتازي الامتحان لعلّه يساعدهم ولو قليلا على تذليل صعوبات هذه العقبة، وتبديد الرّهبة التي قد تنتابهم وانتزاع ولو نقطة واحدة إضافية في مادة من المواد، لأن “عُشر نقطة” يكون له تأثير حاسم عندما يحين موعد مناظرة التوجيه الجامعي (الذي أتمنّى أن تمرّوا كلكم على سِراطها المُبين).  

الذّاكرة تحتفظ بكامل مخزونها ليوم الامتحان

لا تحاول الآن أو خلال اليومين المتبقّييْن استعادة كل ما قرأته وحفظته خلال فترات المراجعة لأنك لن تسترجع مضامين كل الدروس في تفاصيلها وجزئياتها إلا عند مواجهة ورقة الامتحان، سيتراءى لك أنك نسيت كل شيء وهذا أمر طبيعي لا تدعهُ يشكّل مصدر ضغط إضافي قبل الامتحان. ستتداعى المعلومات تلقائيا عندما تحتاجها وتنساب وكأنك حفظتها للتوّ.

العلاقة مع الأستاذ المُقيّم هي كما العلاقة مع شخص تحرصُ على استمالته ونيل اهتمامه

ثقْ وأنت تُحرّر ورقتك أن الأستاذ الذي سيتولّى تقييم ورقتك وإسنادها عددا هو تماما مثل الأستاذ الذي درّسك لمدة سنوات طويلة، تونسيّ جدا (بالمعنى الإيجابي) يغارُ عليك ويُثمّن مجهودك ويتفهّم نقائصك ويتجنّد خلال كامل الوقت الذي يستغرقه إصلاح ورقتك، للبحث عن أي إضافة أو فكرة عالية أو إجابة قريبة ممّا تحدده المقاييس المعتمدة ليُعطيك العدد كاملا. لكن يتعيّن عليك أن تُقنعه بنفسك وتُبهرهُ وتُثبت له أنك إنما تكتب لتُلبّي انتظاراته، بداية من استقامة خطك ووضوحه وصولا إلى حسن تدبيج النهايات على مهلٍ، ومرورا بضخّ جُرعات فاتنة من صميم المعارف والجواهر المُحدّدة التي يستهدفها السؤال. (كنتُ أقول دائما لتلاميذي : الخطُّ هو هندامك أمام لجنة الامتحان اِعتَنِ به، والأسلوب هو لسانك كن حريصا على نقاوته وصفائه، والأفكار هي بناتُك اِفخرْ بهنّ واجعلهنّ أجمل فتيات الدّنيا).

تخلّصْ مؤقّتا من ضغط العدد والمجموع وما تنوي دراسته بعد الباكالوريا

الامتحان ليس مجرد مقفز للمرور نحو مراحل دراسية أرقى بل هو هدفٌ في حدّ ذاته يجب الاحتفاء به كأنّ لا شيء بعده، وبذل كل الجهد في سبيل الاشتغال عليه بكل ما أُوتيت من مُتعة المشتاقين واستبسال المقاتلين ودقّة العارفين بخفايا الأسئلة وجمال الأمثلة… وسيكون العدد لاحقا في تناسُب مع روح المُكابدة التي أبديتها. أقول هذا لأن الحصول على شهادة الباكالوريا في نظري أهمّ إلى حدّ ما ممّا تُتيحُهُ هذه الأخيرة من مُمكنات دراسية في الجامعة. فإحراز الباكالوريا هو إنجازٌ مهمّ وعنوان تميّز مهما كان مستوى المعدّل لأن مسالك التكوين في التعليم العالي متنوّعة بنفس قدر تنوّع ملمح الناجحين أو أكثر، والمختصّ في فيزياء المواد ليس أكثر أو أقل شأنا من المختصّ في كيمياء الإسمنت أو سيمياء التواصل واللغات.

ثق بنفسك

لا تحاول إعادة كامل برنامجك صبيحة الامتحان لأن ذلك غالبا ما يُربك المترشحين، فلقد راجعتَ بما فيه الكفاية واطلعتَ على مئات الوثائق واشتغلتَ على عشرات السلاسل من التمارين وشحنتَ كل بطارياتك استعدادا لليوم الموعود الذي انتظرتَهُ طويلا لليّ عُنُقه وليس العكس، فكن واثقا من قدرتك على انتزاع النجاح لأن مواضيع الامتحان صُمّمت على مقياس برنامجٍ أنت تعرفه وتشرّبتَ تفاصيله على امتداد سنة كاملة. يكفي أن تعي ما هو مطلوب منك بدقّة وتحديد المنهجية التي ستعتمدها في تناوله مع ضرورة تدوين كل ما تستذكره على ورقة المسوّدة، قبل تدقيقه وتوظيبه وتنظيمه وإلباسه الحُلّة الأخيرة على ورقة الامتحان.  

يُحتسبُ المجموع إلى حدّ 4 أرقام بعد الفاصل في التوجيه الجامعي

عندما تُحتسب مجاميع نقاط الناجحين في الباكالوريا، يحدث أن يتساوى مئات التلاميذ في نفس المجموع إلى حدّ رقمين بعد الفاصل، ولا يكون ثمّة من سبيل للفصل بين المتسابقين سوى الذهاب إلى أربعة أرقام جزئية بعد الفاصل… بما يعني أن كل رُبع نقطة تحصدها ستكون ثقيلة في ميزان توجيهك الجامعي لاحقا، فلا تتعفّف عن أيّة مادة تُمتحن فيها وتعامل بنفس الجدية مع كل المواد حتى تلك التي تعتبر أنها لن تفيدك كثيرا في المستقبل. لا تستعجل إرجاع ورقتك قبل الأوان واعلم أن النقاط التي يتمّ جنيُها في مواد “مُهملة” و “متروكة” هي التي تصنع الفارق الحسابي بين مترشّح وآخر.

بالإضافة إلى بعض الملاحظات السريعة :

حتى لا تُربك ما تبقّى في مسار الامتحان، لا تهتم بـ “الأجوبة النموذجية العالِمة” التي ستتهاطل بعد الامتحان من الأصدقاء والأساتذة وعلى صفحات الويب، فالآخرون قد فهموا الموضوع كل من زاوية نظره الخاصة، لكن هذا لا يعني أبدا أن طريقتك الخاصة في معالجة الموضوع أو المشكل الرياضي هي خاطئة… فالأستاذ المُصحّح هو الوحيد القادر على تقييم ورقتك، لأنه مسلّح بمقاييس دقيقة محددة ومُشبعٌ بنقاش منهجي مطوّل مع اللجنة المتخصصة في كل مجال مخصوص قبل انطلاق عملية الاصلاح.

أعِرْ أهمية قصوى لأخطاء الرّسم (باللغات الثلاث) لأنه بقدر ما ترتكب أخطاء بدائية، تحصل فكرة سلبية عنك وعن جديتك ومستواك لدى المُصحّح.

قُم بتهيئة أدواتك جميعها ليلة الامتحان وتأكد تماما أن هاتفك الجوّال بقي بالمنزل طيلة أيام الامتحان لأن مجرّد نسيانه ولو عن حسن نيّة ضمن أدواتك، يُعرّضك لمساءلات غير محمودة.

أحرص على نيل باكالوريتك بعرق جبينك لأن عار الغشّ المحتمل سيظل يلاحق مرتكبيه بعد أجيال وأجيال.

أرجو لكم(نّ) جميعا كل التوفيق والنجاح في امتحان لن يكون في كل الحالات أكثر عُسرا ممّا واجهتموه في محطات سابقة.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة

نشرت

في

محمد الزمزاري:

بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…

كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…

ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.

وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…

ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…

إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 93

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…

عبد الكريم قطاطة

دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…

عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…

وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..

ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..

استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …

وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..

اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟

للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 92

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …

عبد الكريم قطاطة

حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…

العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…

وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….

نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …

ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….

تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …

قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …

التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …

تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار