كلّ نار

عبد القادر المقري: سيّدة اسمها الحرّية

نشرت

في

ترحل الجياد الأصيلة تباعا … و عيوننا الذاهلة تشاهد الانهيار ككائنات موثقة اليدين عاجزة عن إيقاف الجرّافات أو طلب الحماية المدنية أو حتى الصحو من هذا الكابوس العنيد …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

بعد مواجع كثيرة لا يحصيها تعداد، ها أن فكرنا التنويري النضالي يفقد فارسة في قيمة نوال السعداوي … امرأة بحجم مرحلة كفاح عبرت كامل القرن العشرين و بعضا من هذا القرن الذي لا يبشر بخير …

رحلت هذه السيدة التي من الظلم حصرها في القضايا النسوية ـ على عدالتها ـ و هي التي قاتلت طيلة عمرها لأجل الإنسان مهما كان لونا أو جنسية أو جنسا أو جندرا كما يقول المحدثون …

طبيبة الفقراء و الفقيرات و الشاهدة على عصور الاضطهاد مذ خُلق الاضطهاد … جعلت من سمّاعتها جهاز التقاط لأنّات مرضى النفس و المجتمع و الطبقية القاتمة التي لا تقف فقط على المال … طبقية الجهل و القرون الوسطى التي سكنت عقولنا كعرب لا أدري ماذا نفعل في الزمن الحديث و كيف رضي بنا …

حاربت أوثان قريش التي خلنا أنها رحلت مع ثورة نبي الإسلام، فإذا بمن جاؤوا بعده يرجعون إلى ما قبل أبي جهل و أبي لهب …

في الريف المصري، في الريف التونسي، في الريف السوداني لا يهمّ … فجميع أريافنا و مدننا خيام وائدي بنات و خصاة أولاد و سباة نساء و مذلّي رجال من المحيط إلى الخليج …

و مما يقهر أكثر… أن هذه الطغم الرابضة على أعناق الشعوب، تجد في النخب المثقفة و حملة أعلى الشهادات مساندين و دعاة و خدما يعملون بالأجرة و يهتفون بحياة السلطان … مثقفو العرب في معظمهم كانوا سيقان الكراسي التي يجلس عليها الطغاة و منها يستعبدون شعوبا و يتقاسمونها مع الأجنبي … و حتى إذا صلُح أحد الحكام و أراد أن يُصلح، أحاطوا به مثل طوق من ذباب و عصبوا عينيه عن الحقائق و زوّروها كما يشتهون …

و تحضرني في التوّ حادثة إقالة أستاذي الشاعر عبد العزيز قاسم من على رأس الإذاعة و التلفزة ذات سنة بعيدة … فقد كانت الدكتورة نوال في زيارة لتونس و استضافها أحد المذيعين في برنامجه الإذاعي … و تحدث الإثنان عن المرأة العربية و ما تعانيه من قمع على مر الدهور، و يبدو أن نوال السعداوي لم تستثن المرأة التونسية و النعيم الذي تغطس فيه حتى العنق …

كان الوقت ليلا و متأخرا كذلك … و معروف عن الزعيم بورقيبة أنه يصحو باكرا و ينام باكرا فلم يستمع للإذاعة و برنامجها ذاك … و لكن من الغد صباحا جاءه وشاة من كبار القوم، و قالوا له لقد تمّ شتمك البارحة في إذاعتك فخامة الرئيس …

فصار ما صار …

أولئك و من جاؤوا بعدهم في التسعينات، و خاصة من جاؤوا بعد 2011 من مثقفي المكافآت و فقهاء القانون الدستوري الذين سلموا ظهورهم للأحزاب كي تركب فوقها …

لك السلام دكتورتنا الغالية و منك ألف اعتذار … خاصة أنني أضعت ثلاثة أرباع الورقة المخصصة لك، في سيرة زعارير و فرافير لا يساوون خصلة من شعرك الأبيض أو صفحة من أدبك المكتوب بالدموع … دموع الحسرة على شعوب خير من خيرتها سكان المقابر …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version