تابعنا على

جلـ ... منار

غزة وكييف.. مأزق بايدن المزدوج!

نشرت

في

صحيفة الخليج غزة وكييف مأزق بايدن المزدوج قراءة في الصحف العربية

في حربي أوكرانيا وغزة يجد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” نفسه أمام مأزق مزدوج قد يكلفه خسارة الانتخابات الرئاسية نوفمبر المقبل.

عبد الله السنّاوي
<strong>عبد الله السنّاوي<strong>

المأزق المزدوج إخفاق مؤكد.
في الحربين طرح سؤال مستقبل النظامين الدولي والإقليمي.
بحكم النتائج الماثلة يصعب أن يكسب رهاناته على قيادة أمريكية منفردة للنظام الدولي وهيمنة كاملة على مقادير شرق أوسط جديد.
المفارقات سمة رئيسية في أية مقاربة للحربين.
لم يبد
الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” أي تعاطف بأية درجة مع الضحية الفلسطينية.
لم يتردد للحظة واحدة فى دعم آلة الحرب الإسرائيلية.
ولم يعترض على حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة تقتيلا وتجويعا واستهدافا لأية مقومات حياة.
بالمقابل مانع أغلب العرب في أي تعاطف مع الدعايات الغربية، التي ركزت على المأساة الإنسانية بأوكرانيا.
كانت دواعيهم أن الولايات المتحدة، والغرب كله، لا يثق في مواقفهم حين تحاول أن تنسب نفسها إلى الإنسانية وقيمها.

كانت تلك مفارقة صارخة، لكنها كاشفة لنوع وحجم الاصطفاف الدولي وفجوات الثقة المتراكمة.
في الأيام الأولى للحرب الأوكرانية، قبل عامين بالضبط، بدا التحشيد الإعلامي هيستيريا إلى درجة منع تدريس الأعمال الأدبية الروسية في الجامعات الإيطالية ووقف أية عروض باليه تنتسب إلى الإرث الحضاري الروسي.
قيل في نقد ذلك الهوس إنهم يخلطون بين “بوشكين” و”بوتين!”
بمضيّ الوقت وتطورات المعارك، خفتت تلك اللغة الاستئصالية بحمولات الجهل فيها.
ارتفعت أصوات في قلب المؤسسات الغربية تحذر من محاولات إذلال روسيا وعواقبها الوخيمة.

العكس تماما حدث في حرب غزة.
في البداية لاقت السردية الإسرائيلية لما حدث في السابع من أكتوبر رواجا إعلاميا واسعا قبل أن تتهاوى حملات التشهير بالمقاومة الفلسطينية.
أفضت الأكاذيب، التي ثبت عدم صحتها عن فظائع ارتكبت في ذلك اليوم، إلى انقلاب في بوصلة الرأي العام الغربي.
كما أفضت مشاهد التقتيل والتدمير المروعة إلى استقطاب مشاعر إنسانية عميقة تطلب وقف حرب الإبادة.
لعبت وسائل الاتصال الحديثة أدوارا جوهرية في إطلاع الرأي العام الغربي لأول مرة بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي على حقيقته ومأساته.
خرجت تظاهرات بمئات الآلاف في الحواضر الغربية الكبرى تؤيد الضحية الفلسطينية كما لم يحدث منذ نكبة (1948).
أحيت القضية الفلسطينية بعد الظن إنها توارت للأبد ودخلت طيات النسيان.
هزمت إسرائيل استراتيجيا وأخلاقيا بغض النظر عن النتائج الأخيرة في الميدان.

لم تحدث مثل هذه التفاعلات الشعبية داخل الغرب في حربه الأوكرانية.
عندما أقدم “فلاديمير بوتين” على ما أسماه العملية الخاصة ربما اعتقد أنها سوف تكون قصيرة وحاسمة بالنظر إلى فوارق القوة العسكرية بين البلدين.
بنى “بوتين” أسبابه للتدخل العسكري على اعتبارات أمنية بالمقام الأول.
كان رفضه قاطعا لوجود تمركزات لحلف “الناتو” على حدوده المباشرة، بعكس التعهدات التي قطعتها الولايات المتحدة مقابل اعتراف موسكو بوحدة الألمانيتين مطلع تسعينات القرن الماضي.
لم تكن حسابات بوتين دقيقة، فقد استغل الغرب ذلك التدخل لتوريط بلاده في ما يشبه المستنقع الأفغاني، الذي أفضت تداعياته إلى انهيار الاتحاد السوفييتي.
انخرط التحالف الغربي في حرب بالوكالة على الأراضي الأوكرانية بذريعة حماية المدنيين الأوكرانيين مما يحيق بهم من تشريد وجرائم.

يستلفت الانتباه هنا ما وفرته الإدارة الأمريكية من غطاء استراتيجي شبه مطلق لآلة الحرب الإسرائيلية للمضي في تدمير حياة وأمن أكثر من مليوني فلسطيني هدمت بيوتهم وجرت بحقهم حروب إبادة وتجويع.
استخدمت حق النقض بمجلس الأمن لمنع استصدار أي قرار يوقف تلك الحرب.
لم تكن الحرب على غزة سوى مواجهة بالسلاح من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط ومنع أية فرص حقيقية أمام دولها لاكتساب استقلال قرارها الوطني.
بنظرة مقاربة لم تكن أوكرانيا موضوع الحرب على أراضيها بقدر ما كانت ضحيته.
وموضوع الصراع، مستقبل النظام الدولي وموازين القوى فيه.

طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن ترميم صورة القوة العظمى الوحيدة رافعا شعار “أمريكا عادت”.
أعاد ترميم حلف الناتو، الذي كاد يتقوض على يد سلفه “دونالد ترامب” حين طلب من حلفائه أن يتحملوا تكاليف الدفاع عن أنفسهم رافعا شعار: “الدفع مقابل الأمن”.
مشكلة بايدن أنه أفرط بالتوجه العكسي.
أقحم دول الحلف فىي الحرب الأوكرانية تمويلا وتسليحا وتدريبا وانخراطا استخباراتيا بالعمليات العسكرية، لكن النتائج لم تتوافق مع الرهانات.
فشلت عملية الهجوم المضاد الأوكراني في إحراز اختراق عسكري يساعد على فرض نوع من السلام على روسيا.
ترنحت الرهانات الأمريكية بينما أثبتت روسيا قدرتها على التماسك بأكثر من أي توقع مسبق أمام العقوبات الاقتصادية القاسية، التي فرضت عليها.
تضررت روسيا من أثار الحرب على أدوارها السياسية والاستراتيجية على المسرح الدولىي، لكنها أيدت وتعاطفت وتبنت ما تطلبه المجموعة العربية في مجلس الأمن من قرارات دولية توقف الحرب في غزة دون أن تتجاوز حدود الدبلوماسية.

باليقين فإنها من أكثر الذين استفادوا من التورط الأمريكي في تلك الحرب واستحكام مأزق بايدن الداخلي على خلفية اتساع المعارضة داخل حزبه الديمقراطي للسياسة التي يتبعها.
على مشارف العام الثالث من الحرب في أوكرانيا تقوضت نهائيا “رهانات بايدن” على نصر ما.
أى سلام ممكن سوف يكون اعترافا بالهزيمة.
في ظل التراجع المرجح للمساعدات الأمريكية والأوروبية بضغط النواب الجمهوريين في الكونجرس بدأت التقارير الدولية تشير إلى أن أية مفاوضات محتملة تعنى “التنازل عن أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا”.

هكذا لا يمكن لـ”بايدن” التراجع ولا يمكنه بالوقت نفسه الاستمرار في الحرب.
هذا مأزق محكم يجد نفسه فيه.
بذات الوقت يعترضه في الحرب على عزة مأزقا آخر أكثر إحكاما.
لا يقدر على فرض تصوراته على الحكومة الإسرائيلية لليوم التالي، ولا يحتمل أن تفلت فرص التهدئة من بين يديه فتستحكم أزمته الداخلية.
فى ذلك المأزق المزدوج سوف يتقرر مصيره الانتخابي، كما رهانه على نظام دولي تتحكم فيه منفردة القوة الأمريكية، وقد يخسر بالوقت نفسه أي رهان على شرق أوسط جديد تلغى من فوق خرائطه القضية الفلسطينية جوهر الصراع على الإقليم ومستقبله.

ـ عن الزميلة “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

نتنياهو وأوشفتز… ورقة الشفقة ومذكرة الاعتقال

نشرت

في

صبحي حديدي:

ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، تضافرت مع أخرى بولندية، أنّ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم السفر إلى بولندا للمشاركة في إحياء الذكرى الـ80 لتحرير معسكر أوشفتز النازي، جنوب بولندا، والذي اقتحمه الجيش الأحمر السوفياتي في 27 كانون الثاني (جانفي) 1945.

صبحي حديدي

قرار نتنياهو نجم عن خشية جدية حيال احتمال مبادرة قاضٍ بولندي ما إلى طلب توقيفه، تنفيذاً لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزّة؛ خاصة أنّ نائب وزير الخارجية البولندي صرّح بأنّ بلاده موقّعة على النظام الأساسي للمحكمة، وتلتزم به. رئيس دولة الاحتلال سوف يغيب أيضاً عن الذكرى، وسيكون وزير التربية هو ممثل الكيان الوحيد، في محفل دولي يُنتظر أن يتقاطر إليه عشرات من زعماء الغرب والعالم.

هذه الواقعة ليست سوى نزر يسير من أثمان مستحقة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، المتواصلة ضدّ قطاع غزّة منذ 443 يوماً متعاقبة؛ أفلتت دولة الاحتلال من العقاب في تسعة أعشارها، بسبب تواطؤ الدول ذاتها التي ترفع راية شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولا ترى في جرائم الحرب الإسرائيلية سوى حالة “دفاع عن النفس”. لكنه ثمن ليس بالرخيص على الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية في طول العالم وعرضه، بالنظر إلى المكانة الرفيعة التي حظيت، وتحظى، بها ملفات الهولوكوست واحتكار موقع الضحية عموماً؛ وهذا المعسكر تحديداً، دون سواه أو بصفة امتيازية، في استدرار عطف الشعوب والرأي العام، والضغط على الحكومات والهيئات والمؤسسات استطراداً.

كانت أوشفيتز وصمة عار، وجريمة نكراء بحقّ الإنسانية جمعاء، وصفحة دامية سجلت محطات انحطاط سوداء في قلب الفكر السياسي الأوروبي وفصوله التنويرية الزائفة والعنصرية؛ لكنّ إعفاء الصهاينة من التوطئة لها، والتواطؤ فيها وعليها مع النازيين، لا يضيف الإهانة إلى جراح الضحايا اليهود أنفسهم فقط؛ بل يواصل إنتاج وإعادة إنتاج السيرورة الشنيعة لانقلاب الضحية الإسرائيلية إلى جلاد ضدّ الضحية الفلسطينية.

في سنة 1993 أحيت الإنسانية الذكرى الخمسين لانتفاضة غيتو وارسو، بحضور إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الذي حرص قبيل سفره على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى “غيتو فلسطيني” قسري. وأمّا مارك إيدلمان، اليهودي الوحيد الذي نجا من ذلك الغيتو، فقد أعلن أنه سئم المقابلات الصحفية والتصريحات الجوفاء: “ما جدوى غربلة الماضي إذا كنّا قد فشلنا في تعلّم دروسه؟ الغرب ما يزال يضع الخطط الستراتيجية في المرتبة الأولى، ويفضّلها على الأرواح البشرية. ما يجري في يوغوسلافيا اليوم هو انتصار لهتلر وهو في قبره، والغرب يكرّر أخطاء الماضي مثل تكراره بلاغته الكاذبة ونفاقه الفاضح!”.

فكيف لو أنّ إيدلمان عاش إلى أيامنا هذه، وأبصر جرائم الحرب الإسرائيلية والتجويع والتطهير العرقي وقصف المشافي والملاجئ والمساجد والكنائس، بأيدي أحفاد ضحايا غيتو وارسو ومعسكرات أوشفتز وتريبلنكا وبوخينفالد وداخاو…؟ أو إذا شاء فتح فضائح اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ “ماباي”، حزب بن غوريون)؛ الذي تعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945، لشحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، مقابل تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين؟

وقد يجد نتنياهو بعض العزاء في السفر إلى بلد مثل الولايات المتحدة لا يعترف بالمحكمة الجنائية إلا إذا طالت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو إلى بلد مثل هنغاريا يعترف بالمحكمة ولكنه يلقي بمذكراتها إلى سلّة المهملات، أو حتى إلى فرنسا بلد حقوق الإنسان التي صادقت على المحكمة ولكنها أفتت بأنّ نتنياهو يمتلك حصانة ضدّ قراراتها…

يبقى الأصل، مع ذلك، أنّ مذكرة الاعتقال أسقطت الكثير من امتيازات ورقة أوشفتز واحتكار موقع الضحية.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

دمشق وما بعدها… “سايكس ـ بيكو” الجديدة؟

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

إثر سقوط دمشق في قبضة “هيئة تحرير الشام”، التى تدمغ دوليا بالإرهاب، تبدت مخاوف وتساؤلات عما إذا كانت المنطقة العربية كلها، لا سوريا وحدها، على وشك إعادة رسم خرائطها من جديد.

عبد الله السنّاوي

أشباح التفكيك تخيم على الشرق العربي كله، العراق ولبنان والأردن في عين الإعصار، والقضية الفلسطينية على المحك، أن تكون أو لا تكون، ومصر غير مستبعدة إذا ما جرى تهجير قسري من غزة إلى سيناء.

عادت مجددا إلى واجهة الأحداث اتفاقية “سايكس- بيكو” (1916)، التي استهدفت عند ذروة الحرب العالمية الأولى تقاسم النفوذ في المشرق العربي بين الإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية عندما بدا أن الإمبراطورية العثمانية توشك أن تنزوي للأبد.

فى عام (1920) سلخ ما سمى بـ”لبنان الكبير” من الأراضى السورية بذريعة حماية الأقلية المارونية، ثم نزع “لواء الإسكندرون” في مقايضة فرنسية تركية قبيل الحرب العالمية الثانية مباشرة.

بإرث التاريخ: استهداف سوريا وجودا ودورا لا يتوقف.

بحقائق اللحظة: سلخ حلب غير مستبعد إذا ما توافرت الظروف المشجعة.

دخلت إسرائيل على خط توزيع المغانم.

بتصريح واضح وصريح أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه بصدد بناء “شرق أوسط جديد”، خرق اتفاقية (1974) لفض الاشتباك مع سوريا، التى وقعت إثر حرب أكتوبر (1973). استولى على المنطقة العازلة، وجبل الشيخ بالغ الأهمية الاستراتيجية. جرد سوريا من قوتها العسكرية، طائراتها وأسطولها البحري ومخازن سلاحها ومراكز أبحاثها بمئات الغارات دون أدنى إدانة من حكامها الجدد. توغلت قواته إلى (25) كليومترا جنوبي دمشق ليعلن أنه طرف مباشر في لعبة تقاسم النفوذ، التي بدأت باتصالات ومشاورات وضغوطات دولية وإقليمية تتصاعد وتيرتها.

لم تكن هذه المرة الأولى، التي تطرح فيها مخاوف التقسيم على نطاق واسع ومنذر بتداعياته وعواقبه على مستقبل الوطن العربي ومصيره.

عند سقوط بغداد عام (2003) طرحت نفس المخاوف، لكنها الآن أخطر وأفدح. يقال عادة: “ويل للمهزوم”. وقد تجرع العراق مرارة الهزيمة واستغرقته احتراباته الطائفية وسيناريوهات تقسيمه وتوحش جماعات العنف والإرهاب في جنباته، لكن الهزيمة شملت بالوقت نفسه الوطن العربي كله.

كان احتلال بغداد نقطة تحول مفصلية استدعت مشروعات الشرق الأوسط الجديد وسيناريوهات التقسيم لصالح إعادة تمركز إسرائيل في قلب تفاعلاته.

الآن: خرج الدور الإسرائيلي من ظلال الكواليس إلى مقدمة المشهد. لم يكن غامضا الهدف الحقيقي من احتلال العراق. كان تحطيمه على رأس الأولويات بالنيل من وزنه الجغرافي الاستراتيجي في مشرق الوطن العربي والاستيلاء على موارده النفطية، حتى لا تكون هناك في المنطقة قوة عسكرية واقتصادية قادرة على منازعة إسرائيل.

تتجاوز الأدوار التركية والإسرائيلية تصفية الحسابات مع النظام السوري، ومنع تهريب السلاح عبر الحدود للمقاومة اللبنانية، إلى إعادة رسم معادلات النفوذ.

لم يكن ممكنا الادعاء بأن صدام حسين هو الديكتاتور الوحيد، ولا نهايته شابهت السيناريو السوري، حيث كان السقوط مدويا بلا طلقة رصاص واحدة! عند سقوط بغداد طرح سؤال: مَن التالي؟ انطوى ذلك السؤال على اعتقاد بأن النظم العربية جميعها استهلكت أدوارها ووجوهها، وأصبح وجودها عبئا استراتيجيا مخيفا على حقوق المواطنين العرب في العدل والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فأمن الحاكم فوق أمن المواطن، وبقاء العروش فوق حقوق المواطنين.

السؤال نفسه يطرح مجددا فى ظروف مختلفة: أين الضربة المقبلة؟ عند احتلال العراق طرحت سيناريوهات “الشرق الأوسط الجديد”، التى بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس”، المجال العام في الدول العربية، خشية إعادة رسم خرائطها بإثارة النزعات الطائفية أو العرقية، أو الغزو المباشر إذا اقتضى الأمر.

بثمن باهظ دفعه العراق، لم يأخذ سيناريو التقسيم مداه، فشل إعلان دولة كردية بالانفصال، ولم تنشأ دولتان على جثته، إحداهما سنية والأخرى شيعية، لكنه ما زال يعاني حتى الآن من مغبة ما حدث.

في الحالة السورية الحسابات تختلف. لم تسقط دمشق بغزو أجنبي، لكن الدور الخارجي واضح ومؤكد. بدا ملفتا ما صرح به زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولانى أنها لم تحصل على تمويل، أو سلاح من أية دولة، وأن القوات التي وصلت إلى دمشق “سورية خالصة”.

كان ذلك تدليسا على الحقيقة ومحاولة يائسة لإخفاء القوى، التي أعدت المشهد وهندسته لأهداف سياسية تدخل في صميم مصالحها، تركيا وإسرائيل تحديدا.

لم يكن بشار الأسد هو موضوع الصراع، كما كتبت طويلا وكثيرا. إنها سوريا دورا ووجودا قبل أي اعتبار آخر. استحق “الأسد” السقوط حين رهن بقاءه على قوة الآخرين لا على قدرات شعبه وإرادة الحياة والمقاومة فيه.

في الأزمة السورية وصلت المفارقات الأمريكية إلى ذرى غير معتادة في السياسات الدولية.

دعا الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” إلى محاسبة أركان نظام “الأسد” على ما ارتكبوه من جرائم بشعة بحق معارضيهم.

هذا كلام له منطق متماسك يسوغه، لكنه يفتقد أدنى احترام لأية قيمة إنسانية وقانونية إذا ما وضع في سياق واحد مع رفضه القاطع لمذكرتي إيقاف “نتنياهو” ووزير دفاعه السابق “يوآف جالانت” بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة والتلويح بعقاب المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرتهما. كانت تلك مفارقة كبرى فى النظر إلى العدالة الدولية.

المفارقة الثانية، الاستعداد المبكر لرفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب الأمريكية دون أدنى استبيان لحقيقة مواقفها ومدى التزامها بقواعد الدول الحديثة.

إنها المصالح الاستراتيجية، التي تأخذ ما تريده إسرائيل في كل حساب، ولا تأبه بما يحقق أية مصلحة عربية.

إذا لم يستفق العرب في الوقت بدل الضائع فإن أشباح “سايكس- بيكو” الجديدة سوف تأخذ مداها تقسيما فوق الخرائط.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

شيء من الثقة

نشرت

في

وفاء سلطان:

يقول الاستراتيجي والباحث في مجال العلاقات العامة، البروفيسور الأمريكي David Horsager

Everything takes longer and costs more

when trust is low

(كل شيء يأخذ وقتا أطول ويكلّف أكثر، عندما تضعف الثقة)

وفاء سلطان

عندما تضعف الثقة؟!!

فما بالك عندما تنعدم، على صعيد العلاقات العامة والشخصية، ومنذ زمن ضارب في عمق التاريخ،

ولم يعد أحد يستطيع أن يحدّده؟!

المراقب لمجتمعاتنا من خارجها، وطبعا هو الأصدق لأن السمكة لا ترى الماء الذي تسبح فيه، يراه مستنقعا من الجثث المتناحرة، وأشرس أنواع التناحر تلك التي تقع بين الموتى،

فالأحياء لا يتناحرون، لأنهم يدركون قيمة الحياة، ولديهم ما يخشون أن يخسروه!

نعم نزعتك العدائية والهجومية تكون على أشدها عندما لا تملك شيئا تخاف عليه،

وليس إلا الموتى من يفقدون كل شيء

أيضا، وللوهلة الأولى، يرى ذلك المراقب أسبابا دينية وطائفية وعرقية وإثنية وسياسية (وسمها ما شئت) وراء ذلك التناحر، لكنه عندما يدقق أكثر بغية أن يغرز رأس الدبوس في قلب المشكلة، يراه تناحرا بين الإنسان ونفسه،

لأن كل الأسباب السابقة مجتمعة سلبته الثقة بينه وبين تلك النفس!

إنسان سوريا تحديدا، بغض النظر عن أصله وفصله، أصبح مخلوقا شبه بشري، ومجردا من أي أثر للثقة بغيره، ناهيك عن ثقته بنفسه

لا يمكن أن يستعيد ثقته بغيره أو بنفسه إلا إذا فتح قلبه للكون ولكل من فيه

ومن المستحيل أن يقدر على فتح قلبه ما لم يقفل على إلهه داخله

دع إلهك يغيّرك،

وليس من شأنك أن تحشره في حلقوم الآخرين..

الأوطان تحتاج إلى ثقة أبنائها، ولا يمكن أن تتوفر الثقة

عندما تتصارع الآلهة

أكمل القراءة

صن نار