مِنْظ ... نار

كوفيد 19 أو اللّهث وراء الإقناع

نشرت

في

تعرف بلادنا في هذه الفترة ارتفاعا غير مسبوق في حالات الإصابة بوباء كوفيد 19 سواء في نسخته الأولى أو المتحوّرة والقادمة من بريطانيا. وقد يتساءل المرء عن أسباب إخفاق أهل القرار هذه المرّة في إقناع المواطن التونسي بشيئين اثنين…الأوّل ضرورة الإقبال على التلقيح والثاني مواصلة العمل بالإجراءات الوقائية المعهودة والتي باتت بروتوكولا عالميا على الجميع تطبيقه كوسيلة وحيدة إلى حدّ الآن للتوقّي من هذا الوباء.

<strong>مولدي الهمامي<strong>

لنبدأ بمسألة التلاقيح وهذا الإقبال المحتشم (على الأقل في رأي المختصّين) الذي جوبهت به العمليّة منذ بدايتها. من المعروف في علم الإتصال أن الرسالة الإتصالية يقع ضبطها وتكييفها إنطلاقا من معرفة المرسل يالمرسل إليه حتى، إذ لا يمكن أن نكتب أو نتحدّث إلى كائنات نجهلها، ويبدو أن الذين خطّطوا لعمليات التلقيح قبل انطلاقها وقعوا في خطأ جسيم وهو عدم المعرفة الكاملة بالمرسل إليه…والسؤال الوجيه في هذه الحالة هو كيف ذلك ؟

أقول وببساطة إن الدعوة إلى التسجيل بالمنصّة الإلكترونيّة إيفاكس هو السبب الأوّل…فهي تستدعي هاتفا ذكيّا وربطا بالإنترنت، أضف إلى ذلك ضرورة التنصيص على طول الشخص ووزنه والترقيم البريدي فهل كلّ هذا متوفّر في أريافنا ؟ وهل أنّ كلّ آبائنا المسنيّن وأمهاتنا وجدّاتنا لديهم القدرة على التسجيل في هذه المنظومة ؟ وماذا عن التونسيين الأميين ؟ ثم ماذا عن سكّان أريافنا الداخليّة الذين نراهم على قنواتنا يشتهون شربة ماء صالح للشراب، وقطعة من طريق توصلهم إلى المستوصف أو إلى المدرسة، وسيّارة نقل محترمة توصل المرأة العاملة في الحقول إلى مكان عملها في أمان وسلام.. ..

هؤلاء الذين يمثلون نسبة هامّة من التونسيين كيف سيفهمون في ظلّ طلبات معيشيّة ضروريّة لم يقع تلبيتها ، أن نحدّثهم عن إيفاكس وتوابعها، ثم لماذا اخترنا لها إسم إيفاكس ، أغابت عنّا عبارات من لهجتنا المحليّة…إنّ طلب المستطاع هو الذي يطاع…فكفانا لوما للتونسيين على عدم الإقبال على التسجيل في منظمة إيفاكس ولنراجع طرقنا الإتصالية إذ بقدر ما تكون مبسّطة بقدر ما تبلغ العقول والقلوب، ولنفكّر في طرق أخرى للتسجيل ونكلّف مثلا المرشدات الإجتماعيات والعمد بتولّي هذه العمليّة أيضا إلى جانب التكنولوجيا الرقميّة…

أمّا السبب الثاني والذي لا يقلّ أهمّية عن الأول فهو تشتّت الرسالة الإتصالية ، وفي حالتنا هذه يكفي أن نلقي نظرة على مواقع التواصل الإجتماعي والمنصّات الإخباريّة لنشاهد كمَّا لا بأس به من المتدخّلين ، هذا يتحدّث عن كارثة منتظرة، والآخر يقول الكارثة حلّت بنا، والثالث يحاول الطمأنة ويقول بإمكاننا السيطرة على الأوضاع ورابع يشير إلى امتلاء غرف الإنعاش وأسرّة الأوكسيجين وخامس يقول سنصل إلى هذه المرحلة في غضون زمن قصير….ثم يأتي الدور على الكمّامات وصلوحيتها من عدمه وهل نرتدي الكمّامة الطبيّة أم كمّامة القماش أم نرتدي كمّامتين …

والأراء في هذا كثيرة إلى غير ذلك من السجالات المتنوّعة التي تجعل المتقبّل في حيرة من أمره لينتهي به الأمر إلى عدم الاكتراث والانصراف إلى همومه اليوميّة التي يعتبرها أهمّ من الكوفيد في كلّ نسخه. ونضيف إلى كل هذا ما هو على غاية من الأهمّيّة في تقديري ويتعلّق باللجنة العلميّة لمجابهة الكورونا، إذ ينتابني إحساس أنّها لجنة استشاريّة وأن أعضاءها يمكن استبدالهم متى شئنا والحال أنّنا نتحدّث عن خبرات تتراكم  تجربتها وتتطوّر معارفها بهذا الوباء المستجدّ وكيفيّة التعامل معه بفعل مرور الوقت،

وإذا ما أردنا لهذه اللجنة النجاح في كبح جماح المرض، فلنتوقّف عن تغيير تركيبتها، ولتكن قراراتها ملزمة لا تقبل المناقشة من أي أحد، ولنفسح لأعضائها دون سواهم التدخّل في وسائل الإعلام، فمن شروط وصول الرسالة الاتصالية إلى ما نريد من أهداف، هي الثقة المتبادلة بين المرسل والمرسل إليه، والثقة تبنى تدريجيّا مع أصوات ووجوه نألفها ونطمئنّ غلى حديثها يوما بعد يوم وليس فجأة…

وتبقى المسألة الأخيرة وعلى أهل الإختصاص معالجتها وتتعلّق بالتلاقيح ذاتها فنحن اليوم نعيش في عالم مفتوح النوافذ والأبواب، عالم المعلومات بامتياز، … التونسي اليوم يشاهد ويسمع ما يحدث في العالم وردود الفعل حول اللقاحات ومدى نجاعتها وآثارها الجانبيّة المحتملة ويبني أكثر مواقفه على ما يقال ويكتب في العالم. فلا داعي إذن للاستغراب من حال أوضاع سير عمليات التلقيح، وعليه باتت مراجعة الخطط ضروريّة حتى تتماشى وواقعنا وكيفيّة تفكيرنا ونوعيّة ردود فعلنا.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version