جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 15
نشرت
قبل 7 أشهرفي
…. السنة الاولى من التعليم الثانوي انتهت اذن بالرسوب …وجاءت العطلة الصيفية …..تلك السنة ورغم الرسوب ملأتني بشعور غريب …احسست في تلك العطلة بأن عبدالكريم آخر بدأ يظهر ..
تجربة السنة الاولى اثمرت في داخلي نوعا من الثقة بالنفس وربما نوعا من الغرور اذ كيف لراسب مثلي في سنته تلك المكللة بالفشل دراسيا وهو الذي كان طيلة دراسته في الابتدائي من الثلاثة الاوائل، ان يكون مزهوا واثق الخطوة يمشي (ليس ملكا قطعا) وكأنه ينظر الى الاشياء والاشخاص والاحداث من برج فوقي ..؟؟؟ في تلك العطلة الصيفية كانت حياتي تسير عادية هادئة …حتى حان موعد عرس احد الاقرباء لاكتشف عالما آخر .. هو من الميسورين …وانا ما حضرت مرة عرس ميسور ابدا …واعراس الميسورين كانت “ربوخ” حقا ..فبدءا بالعشاء الذي فيه ما لذ وطاب من المأكولات لللمدعويين من الاهل والاصدقاء حيث اماكن خاصة للنساء (الحريم) واخرى خاصة بالرجال و “العضارط” (جمع عضروط اي الشباب) وحتى الرجال والعضارط منقسمون الى مجموعتين الاولى كبار السن واطفالهم (اذ كيف لطفل في سني وامثالي ان يختلطوا بالحريم ..؟؟؟) والثانية للعضارط وهم في حلقات منزوية بعيدة عن كبار القوم يأكلون و”يمزّطون” اي يشربون بنت العنبة …
وكلما سمع احدالكبار صرير قواريرهم الا وعّبر البعض منهم (متطرفو ذلك الزمن) عن غضبهم من ام الخبائث: “توة هذا قال بيه ربي والله تقول نمشي نكسرهم على روسهم ..تي هاكة موش ولد خليفة .. لشكون جاء ؟؟؟ بوه خليفة حتى مات ما يعرفش طعمتو ؟؟” فيما يردّ المتفتحون (علمانيو ذلك الزمن) بالعبارة الشهيرة: “كيسان معدودة ويتوب عليهم ربي” … وفي الحقيقة هم لم يكونوا يوما لا متطرفين ولا علمانيين .. بل هم ايضا وفي زمان عضرطتهم كانوا في جلّهم مثلهم تماما ..الا ان الواحد منا ومنهم وفي عمومنا وعندما يتقدم به العمر يتعنتر ويتفنن في نقد تصرفات الاخر والافتاء والعنطزة، حيث لا يقدر ولا يريد ان يقدر مثلنا ومثل هؤلاء على قراءة الاحداث والسلوكيات بمنظار واقعي اي اولا “الجمل ما يراش حدبتو” وفي رواية اخرى “ما يراش عوج كرومتو” وثانيا هل تساءلوا لماذا لجأ امثال هؤلاء العضارط الى ام الخبائث ..؟؟؟ وعندما نعرف السبب لا فقط يبطل العجب بل يصلح العقار ما افسده الدهر ..
اولئك العضارط وقبل ان يركنوا للقوارير ليشتكوا لها بمعزوفة (وداوني بالتي كانت هي الداء) كانوا يقضّون كامل اليوم وهم ينصبون “التيندة” ركح الفرقة المغطّى وجهد بوهم طالع …ثم يرشون المكان المخصص للمدعويين (مساحة هامة من الجنان) بالماء حتى يستطيع الجميع التمتع بسهرة رائقة لا غبار فيها رغم وجود اغبرة اخرى عليها ..وعند العشاء تبدأ معزوفتهم (دع عنك لومي فان اللوم اغراء )…ينتهي العشاء ويبدا تقني مكبرات الصوت والمصادح بعمله ..يمر على كل مصدح ويطلق كلمة سره الغريبة “ساه”؟؟؟ فهمت بعد سنوات انه يجرب ويستعمل فعل جرب بالفرنسية وبشكل مدمر لكلمة essai…. ثم يتداول اعضاء الفرقة على التخت لاخذ اماكنهم ولبدء عملية تعديل اوتار آلاتهم الموسيقية ..وفي زاوية اخرى ينبري عنتر عازف الدربوكة الشهير يحمي دربوكته على مجمارة حتى ينضج جلدها وتستجيب لنقراته …
عنتر هذا كان في بداية الستينات ابرع عازف على الدربوكة دون منازع في صفاقس ومن اغرب ما روي عنه (مبني للمجهول في الفعل وفي الراوي) انه وقع منعه بتاتا من العزف على آلة الايقاع (الدربوكة) وعوضه عازف اخر يدعى لوربو واصبح بعده الاشهر بينما هو اكمل حياته بعزف الرق (الطار )… وقع منع عنتر لانه ذات سهرة اندمجت سيدة في مشاهدة عزفه وبكل انبهار فسقطت من اعلى البناية التي وقع فيها الحفل وماتت لتوّها (والعهدة على من روى) ..
لنعد الى حفل عرس قريبي … في تلك الليلة كانت الفرقة يقودها المرحوم محمد الدريدي عازف قانون بفرقة الاذاعة الجهوية ..وكنت اسمع كبار القوم الذين كانوا ينهون عن المنكر يتهامسون: “الليلة العوادة فيها زوز نساء” … كنت مندهشا من حفل عرس تحضره مطربتان خاصة ولعلمكم ان اذاعة صفاقس عندما فتحت ابوابها وجدت صعوبات كبيرة لادماج عنصر المرأة في فرقتها الموسيقية، لان الغناء انذاك لأية امرأة عيب ..بل عيب كبير .. بدأ الحفل وكأي حفل حتى بداية السبعينات بالمقطوعة الموسيقية الشهيرة (سماعي بياتي للملحن المصري ابراهيم العريان)… كل الفرق تبدأ بها وفي كل المناسبات ..ثم بعدها يأتي الموشح وهو في الغالب شوشانة وفي مرحلة متقدمة ناعورة الطبوع .. ثم تبدأ الاغاني الفردية وهي كلها طقطوقات اما تونسية او مشرقية وابدا ان يتغنى المطربون بعبد الوهاب او ام كلثوم او عبدالحليم ..وحتى المطربون انذاك لم يكونوا مطربين مختصين في الغناء فقط فهم في جلهم اعضاء عازفون في الفرقة ..ولا عزاء في الاعراس للسيدات …
المرأة لا يحق لها حضور الحفل الرجالي … وللامانة كما الرجل في الحفل النسائي لا حضور له مع النساء الذي يكون عادة في الغد وتديره فرقة موسيقية نسائية (بيانو وطار ودربوكة) ويقيادة اشهر الشهيرات كسودية .. المرأة في الحفل الرجالي تاخذ مكانها على سطح المنزل المقام فيه الحفل ..وبأمر من سي السيد عليها ان تلبس السفساري وتكون “التعويرة مغنبزة ” اي لا تظهر من وجهها الا كوة صغيرة على احدى عينيها .. ترى من ثقبها فقط العالم الاخر (وهكذا الاستمتناع او لا يكون _)… والويل والثبور لاية امرأة تظهر حتى عينها الثانية ..بينما عين سي السيد وعند خروج الراقصة تتحول الى بروجكتور رهيب تقضي على الاخضر والاخضر لانه لا يابس في جسدها حسب تعبيرات سي السيد وشلته وهم يتهامسون: “يعطيها عزة بدنها يتلعوك كيف الحلوى” …
عند خروج الراقصة فهمت وقتها ما معنى الليلة العرس فيه زوز نساء اي راقصتان …. وربما لانني من جينات سي السيد شدني ظهور الراقصة وانا اشاهدها لاول مرة (“لحم ولحم” موش لحم ودم) .. كانت اول مرة في حياتي اشاهد امرأة لابسة ثلاثة ارباع “بلاش هدوم” … فحتى عندما كنا نذهب للاصطياف في سيدي منصور كنا نرى شبه آدميات في البحر و”روبتهن” منتفخة في الماء اشبه بالبيوت المكيفة …صدقا ليلتها لم يكن احساسي بها احساسا جنسيا فانا طفل غر انذاك وكل مافيّ غر ايضا ..ولكن هو ربما اكتشاف جسد امرأة (لا انثى) تتلوى بكثير من الاناقة والجمال وبكل راحة واريحية … كنت متسمرا في مكاني انظر اليها احيانا باعجاب عميق وانظر احيانا الى اولئك “المتطرفين” وهم ينزعون كبابيسهم ويضربون بها افخاذهم من شدة الطرب وخاصة للفت انظارها لهم ولشواربهم المفتولة ولباسهم الانيق والمعد لهذه الليلة بالذات… لانه جرت العادة ان “ييبت” بالراقصة من يدفع اكثر من كبار القوم ولو كانوا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر …
اتمت الراقصة الاولى وصلتها وتركت مكانها للراقصة الثانية (موش قلتلكم زوز نساء ؟؟) وكعادتي “الخايبة” انا المهتم بالتفاصيل ..استاذنت ابي في الدخول الى المنزل لقضاء حاجة بشرية واذن لي دون اسئلة بوليسية …كيف لا والراقصة الثانية تعلن عن مقدمها (ربما هو ارتاح من خلقتي) رحمك الله يا سي محمد …وفعلا انا لم اكذب على الوالد انما اختلف معه فقط في نوعية الحاجة البشرية التي فهمها هو ..حاجتي البشرية انذاك ان اتلصًص على عرش الراقصة …تسللت وراءها وخلفها حارسها (صاحبنا متاع “اسسه” اي تقني مكبرات الصوت ..وكنت وددت لولم يكن معها ..ثم الم يكتف بتجربة المصادح ..؟؟؟)… ولانه كان حارسا بارعا لمحني بعين استكوتلانديارد ونهرني كي ابتعد عن عرش الراقصة … “رقدت في الخط” ولم اعره اي اهتمام وافهمته بذلك السلوك اني لم اسمعه و”تلهيت” بامور اخرى حتى يأمن جانبي ويعتبرني عبيطا لا افهم شيئا …
صعد وراقصتنا (طبعا موش متاعو هو اكهو علاه موش راقصتي انا زادة ؟؟؟) صعد الى مدرج يؤدي الى بيت في السطوح ..ذاك هو عرش الراقصة ..اغلقه وعندما سمعت صرير غلق الباب تسللت الى محيط العرش ..الباب لا مفتاح فيه بل الاروع ان المفتاح لا مكان له …اي هنالك كوة صغيرة بامكاني ان ارى من خلالها ما يجري بالداخل … و”ما كنتش من العاكسين” نظرت …سرير وحيد ب”وبلاصة” واحدة والراقصة مستلقية عليه وهي “تقرعط” (اي تشرب)في قارورة ستيلا ..وهي بيرة في قوارير ضخمة … طبعا وسيجارتها “عدو” بضم العين والدال، وهي تطلق عادة على ما ياكله النديم من ماكولات على طاولة ابي نواس …الا ان مقدم احدهم في المدرج افسد عليّ متعة الفرجة واسرعت بعيدا عن بيت السطح …القادمة تفطنت لوجود احد ما هنالك فقدمت للاستطلاع ..انها خالتي نفيسة رحمها الله ..كانت تحبني هلبة وكانت تعتبرني ابنها وهي التي لم تتزوج ولم ترزق …سالت عن وجودي هنالك فافدتها اني اردت مشاهدة الحفل من فوق السطوح …”موش هذا السطح يا ولدي ايجا انهزك للسطح الاخر” …
حملتني معها حيث السطح الاخر وحيث امي …انطلت الحيلة واستاذنت العودة للبقاء مع الرجال …ولم تلح امي في بقائي بجانبها لان خالي رحمه الله كان يعتبر وجود الاطفال في مثل سني بجانب النساء غير محبذ ..ولانها كانت تحترمه جدا ارتات في عودتي لمصاف الرجال اسلم للجميع، رغم انها في قرارة نفسها كانت تكون اكثر راحة لو كنت بجانبها خوفا من العقارب وسط الجنان ..براف ..رضي الخصمان (انا وامي) وهرولت بسرعة الى عرش الراقصة وبالتحديد الى كوة الكاميرا (مكان المفتاح) …وما ان وضعت عيني على الكوة حتى هالني ما رايت …الراقصة وتقني الابواق يتخاصمان …وعادت بي ذاكرتي الى النزالات التي كنا نتبارى فيها نحن الاطفال …كنا وعندما نتخاصم مع بعضنا يقترح الواحد منا على الاخر معركة بقوله: “ايّا تطيحلي”…؟؟؟ وعندما نتفق يقع طرح السؤال الموالي: “بونية والا صراع او ڨراش؟… وفي الحالة الثانية الغالب هو من يطيح بخصمه ويجثم على صدره …وتقني المصادح غالب في الڨراش ….كدت افتح الباب لادافع عن الراقصة …ثم “ما يحشمش يلعب ڨراش مع مرا ؟؟؟؟ المفروض يتصارع هو وراجل كيفو” … وما هدّأ من روعي انذاك ضحكات الراقصة الخفيفة وكأنها تحب الڨراش ….
غادرت المشهد واجما ولم احك لاحد ما شاهدت ولا ما سمعت وانتظرت خروجها لرقصتها الثانية …عندما خرجت كانت اكثر دلالا واكثر غنجا واكثر حيوية ..كانت شهية كطعم الشهد وعسولة كطعم الرقص ..يبدو ان الڨراش يعمل …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
الديماغوجيا في تعريفها هي كلمة يونانية الاصل وهي في حقيقتها مشتقة من كلمة “ديموس” وتعني الشعب، و”غوجيا” وتعني العمل …
ومن غرائب الدنيا انها تحوّلت في ما بعد من هذا المفهوم الراقي الى مفهوم ثان يتفق عليه الباحثون متمثّلا في (كلام فضفاض لا منطق له يحاول صاحبه ان يستميل اليه المتلقّي بالاغراء)… وهي عادة ما التصقت بالسياسين حيث يعرّفها المعجم الوسيط كالآتي (الديماغوجيا هي مجموعة من الاساليب التي يتبعها السياسيون لخداع الشعب واغرائهم ظاهريا للوصول الى السلطة وخدمة مصالهم) … السنا في عهد ازدهار الديماغوجيا وبامتياز ..؟؟ قلت ازدهار لانّها هي ليست وليدة سنوات الجمر التي هلّ هلالها بعد 14 جانفي بل هي من “الصداقات” التي لازمتنا منذ عهود …
هذا يُحيلني لما صرّح به السيد محمد عبدالكافي انذاك وهو يردّ على استفسارات الصحفيين حول اختفاء الكوكتيل ومن ورائه عبدالكريم .. اذ وكما اسلفت في الورقة الماضية قدّم تفسيرا وفي منتهى الديماغوجية عبر جريدة البيان بتاريخ 27 ماي 85 واعاد نفس الاسطوانة بجريدة الايام بتاريخ 30 ماي من نفس السنة عند استفساره عن سبب اختفاء الكوكتيل حيث قال: (طالبنا بتصور جديد لمختلف البرامج لاننا نرفض تلك الحصص الشبيهة بالحنفية التي يخرج منها كل شيء… العسل والزفت والقطران… والاعتماد على آراء المستمعين فقط ليس العنصر الوحيد لتقييم عمل ما… المنطق يفرض على المنشط تكييف اذواق المستمعين، والواجب يحتّم عليه الارتقاء بدائرة معلوماتهم) … ثمّ يضيف: (ليست لنا نية الاستغناء عن عبدالكريم قطاطة هذا المنشط القدير وبامكانه استرجاع برنامجه حالما ينتهي من اعادة تصورجديد له… وان لم يتمكّن من ذلك ساقدّم له شخصيا تصوّري الخاص لهذه الحصّة الاذاعية)…
ظاهريا يبدو الامر منطقيا جدا و جدّا ايضا .. لكن من واكب برامجي سيدرك مباشرة انّ مديري تحدّث بمفهومي الخاص للمنشط والمستمع… فانا اعلنتها مرار ومنذ السنة الاولى من عملي في الكوكتيل ومازلت عند قناعتي انّي ضدّ منظومة (الجمهور عاوز كده)… احترامي للجمهور لا يعني ولن يعني اني مستعد لتمرير التفاهات شكلا ومحتوى .. ثم هو تحدث في تصريحه للبيان عن رؤيته للعمل الاذاعي حيث قال: (دعوته الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات)… هذا كلام جميل ايضا ولكنّه عار من الصحّة لسببين اولهما انّ السيد محمد عبدالكافي رحمه الله كان كلّما اجتمع بالمنشطين فترة عمله مديرا على راس اذاعة المنستير، كان يحثهم على الاستماع الى عبدالكريم قطاطة والاستفادة من منهجيته واسلوب عمله… وكان يقول لهم حرفيا: (اش ناقصكم انتوما وهو اش عندو زايد عليكم ؟)… ثمّ بين عشية وضحاها يتحوّل هذا المنشط القدير حسب ما ورد على لسانه، الى انسان عاجز حتى على تقديم تصور جديد… واستعداد المدير لمدّ يده لنفس المنشط وانتشاله من العجز …
هذا اولا… ثم ثانيا اين تصوّره الجديد في ما اقترحه هو و شلّته على زميلي عبدالجليل في نادي المستمعين ؟؟ اين التخصص واين العمل ضمن مجموعات ..؟؟ لم يوجد هذا بتاتا في نادي المستمعين ومن هنا كان ردّ مديري قمّة في الدمغجة … لأنّ ما حدث قبل ايقاف الكوكتيل وصاحبه كان كالآتي: تقدمت بطلب عطلة للراحة وفي الاثناء علمت من بعض الزملاء في الادارة ان النية متجهة الى تقليص عدد حصص الكوكتيل من خمس الى ثلاث… وكذلك تقليص مدته من ساعتين الى ساعة ونصف…
اتصلت بالمدير واعلمته برفضي لمثل هذه القرارات دون تفسير منطقي لها… كما عبرت له عن نيتي في ادخال بعض التعديلات على المحتوى دون حتى ان يطلب منّي ذلك… وبكلّ امانة انشرح مديري للامر او هكذا بدا لي وحظيت مقترحاتي بموافقته وكان ذلك يوم 18 ماي 85 … وعندا فوجئت بحلول جلول ونادي المستمعين محلّ الكوكتيل اتصلت بالادارة للاستفسار… اشعرتني بانها طلبت منّي تقديم مشروع كامل لتطوير البرنامج لكنّي لم استجب لذلك … هكّة عيني عينك … وقتها ادركت انّي خسرت الجولة الاولى من معركتي الثانية مع المدير والحاشية … وعندما سالتني الصحافة المكتوبة عن موقفي اكتفيت وقتها بالقول: لا استطيع ان اقول شيئا في الوقت الحاضر… (الايام 30 ماي 85).
اعود لاقول وجيعتي كانت كبيرة … مؤامرة حيكت بشكل دنيء … اذ من حقّ ايّة ادارة ان يكون لها موقف من منشط ما او برنامج ما، ولكن كنت احترم موقفها او قرارها لو لم يكن بشكل مخادع وجبان … وللامانة انذاك لم اقبل موقف جلّول والذي اعتبرته خيانة وقررت ان احرّض عليه المستمعين وفعلت… امّا مع الادارة فارتأيت ثانية ان استرخص في عطلة بلا مقابل ولمدة سنة قد اجددها حتى اتمكّن من الكتابة في الصحف واعلان الحرب على ادارة اذاعة صفاقس… حيث تمكنني هذه الرخصة من عدم الوقوع في فخ انعقاد مجلس التأديب اذا قمت بكتابة ايّ شيء تجاه مؤسستي وانا في حالة مباشرة …
وحصلت على رخصة بعطلة دون مقابل وبدأتُ حملتي الصحفية يوم 6 جوان 85 وبجريدة الايام بمقال طويل عريض يحمل عنوان (عبدالكريم قطاطة يردّ على ادارة اذاعة صفاقس) بالقول: “بكلّ برودة دم لن اساوم (وها انا اوثّق للتاريخ بعض ماجاء في هذا المقال)… عندما كتبت في شهر اكتوبر 82 عن الكوكتيل وهو يتعرض للهزّة الاولى في سجلّ ايامه، عاب عليّ البعض تسرّعي ولهجتي الحادّة واعتبر مقالي انذاك تحدّيا لتقاليد عديدة والتي مازالت لحد الان بالية هزيلة شاحبة وخاوية… وكان ما كان ودفع من اراد عرقلة الكوكتيل الضريبة غالية… وعاد الكوكتيل الى الوجود شامخا هازئا رغم الاعداء والاعداء والاعداء .. وعند تولّي الزميل محمد عبدالكافي ادارة اذاعة صفاقس وعلى اثر اوّل لقاء بيننا، خاطبته حرفيا بقولي: (لست من غواة الكاشيات ولا من هواة المناصب .. كل ما ارجوكم هو مساعدتي على القيام بهذا العمل الشاق وذلك بالتعامل معي بصدق ونزاهة، فانا اقبل كل الملاحظات والنقد والاصلاح والتوجيه ما دام صاحبه ينطلق من معدن الوضوح والصراحة … فهل تُعتبر شروطي هذه مجحفة ؟؟؟ اذ شرعيّ جدا ان يحاول كلّ مسؤول جديد في مؤسسة ما، ادخال نفَس جديد وفلسفة شخصية على سير العمل بمؤسسته… لكن هل يمكن ان يكون ذلك على طريقة نيرون الذي احرق روما ؟ وفي باب التطوير هل من المعقول ان تنسى ادارة اذاعة صفاقس مجموعة كبيرة من البرامج اكلها السوس وهي نسخة مطابقة لبعضها البعض ومنذ الستينات ؟؟ لماذا حربوشة التطوير او كرتوشته توجهت بالذات الى الكوكتيل؟”...
وحديثك عن الجمهور … انت وغيرك يعلم ان جمهور الكوكتيل متنوع وحاضن لكلّ الفئات والمستويات التعليمية… وانّ الكوكتيل من جملة ما حصل عليه في الاستفتاءات انه البرنامج رقم واحد لدى المثقفين ..اذن حذار من كلامك عن جمهور الكوكتيل … ومن اهانتك له … وردّا على ورودك وانت تنعتني بالمنشط القدير، اليس من الغريب ان تنعت هذا القدير بالمحنّط وغير القادر على التجديد بل وتذهب الى حد استعدادك لمد اليد والدعم بتصوراتك .. في خاتمة كلماتي اوجز موقفي كما يلي: انا لم ولن اكون يوما مساوما بالكلمة وسابقى رافضا لكلّ المواقف المهزوزة… والكوكتيل هو كوكتيل المستمعين قبل ان يكون كوكتيل عبدالكريم… وايقافه هو ايقاف لمسار اذاعي جديد وبكلّ غرور، وهو تحدّ لارادة المستمعين ولقد سبق ان قلت سنة 82 بامكانك ان تقتل بلبلا مغرّدا ولكنّك لن تكون قادرا على قتل غريزة التغريد في البلابل … قد يتوقف الكوكتيل شهرا، سنة، عشر سنوات ولكن وبكلّ تحدّ لن يموت لأنه لن يساوم وسيقاوم”.
هذه مقتطفات من مقالي الذي احتلّ صفحة الا ربعا في جريدة الايام… كنت استفزازيا نعم … تركته ضمنيا في حرب مع المستمع نعم .. سخرت من ديماغوجيته نعم … وكنت على يقين تام ولا جدال فيه اني خسرت معركة ولم اخسر حربا … وكان تعاطف الزملاء في جريدة الايام اولا وفي عديد العناوين مشهودا … هذا ما كتب نجيب الخويلدي في ركن صحافة الرسائل وبتاريخ 13 جوان 85 (وبدات اذاعة صفاقس تزاحم الاذاعة الوطنية في قتل الموهوبين ومعاداة النجباء … التنشيط الاذاعي موهبة وليس خطة ادارية لذلك فانا لا اتصور ان محمد عبدالكافي يمتاز على عبدالكريم قطاطة في الخلق والتصورّ وبث الذبذبات الساحرة ؟ هل يستطيع عبدالعزيز بن عبدالله* ان يملك قلوبنا كما فعل ساحر الاجيال حمادي العقربي ؟؟ وبعد كل هذا ماذا يمكن ان يقترح محمد عبدالكافي على عبدالكريم قطاطة ؟؟ يا فلان انّ عبدالكريم امبراطورية لها جماهيرها التي انتخبتها بصفة ديموقراطية لانّ الامبراطور تعامل مع الناس بالحب والامل والارادة… وهذا كان شعار الكوكتال… هذه اربع كلمات من مئات اريد ان اقولها في مسالة تثليج عبدالكريم قطاطة… فهل ستتحول جنة الاذاعات اي اذاعة صفاقس الى جحيم ..؟؟ الايام ستجيب والتاريخ سيسجّل)...
هكذا كتب زميلي وصديقي نجيب الخويلدي… وفي نفس العدد فوجئت بمقال يكتبه زميلي عبدالقادر المقري وتحت عنوان (يكرهون الجمال)… هل تصدقون ان قلت لكم اني اعتبر ما كتبه قدّور من اغلى الاوسمة في حياتي …توقفت عن كتابة بقية هذه الورقة نصف ساعة لاُعيد للمرة لست ادري كم، قراءة مقالك يا قدّور … وللمرة لست ادري كم ايضا، تفيض عيوني دمعا وانا اترشفه …حاولت جاهدا اقتطاع بعض الفقرات منه ولكن عجزت عجزا تاما عن ذلك… ايُعقل ان ابتر يدا من جسد متكامل؟… ايُعقل ان افقأ عينا من رأس من يعزّ عليّ؟؟ هكذا خُيل اليّ وانا احاول جاهدا ان اقتطع لكم منه بعض الشيء … وعدا منّي ان انسخه لكم كاملا في الورقة القادمة وانا واثق جدا من اني ساهديكم دررا ثمينة وصادقة جدا لقلم ابن المقري … شكرا قدّور على وسامك…
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس النادي الصفاقسي آنذاك
عبد الكريم قطاطة:
ان تعمل في قطاع الاعلام بانماطه المختلفة… مكتوبا ومسموعا ومرئيا… ليس امرا مُتاحا للجميع من جهة، وليس بالضرورة ان تنجح في مثل هذه الاعمال ..
انا كنت ومازلت من المؤمنين بأنّ الاعلامي هو صاحب رسالة بناءة فهو اوّلا لسان الاخرين وخاصة لسان المحرومين والمظلومين بعيدا عن الاحتواء وعن أبواق البلاط او الاحزاب… فهو بالقلم او المصدح او الكاميرا صورة عاكسة ومناضلة من اجل ذلك الذي لم تُتح له الفرصة كي يعبّر عن افراحه واتراحه… ومن ثمة يكون رجع الصدى الايجابي من المستهلك… والاعلامي الذي لا يتفاعل معه المتلقّي تفاعلا واعيا عميقا قد يخلق (البوز ) لفترة زمنية وجيزة ولكن قدره حتما سيكون كفقاعات المطر عند نزولها… تنتفخ في زهو ثم تختفي… ومن المخجل انّ هؤلاء تكاثروا بشكل رهيب بعد 14 جانفي 2011 ولم يدركوا يوما انّ الكلمة اخطر من الرصاصة … فالرصاصة تقتل فردا اما الكلمة فباستطاعتها ان تقتل شعبا…
انظروا ما آلت اليه وسائل الاعلام بعد 2011 وماذا اثمرت من اولاد مفيدة الى اولاد عواطف… جيل مهمّش لا قيم له… امكانياته الفكرية محصورة في مشطة شعر كالهدهد وفي بنطلون متعدد النوافذ… والغريب في الامر انّ اباطرة هذه التوجهات الممنهجة تصوّروا انهم بهذه الانماط الاعلامية سيواجهون التطرف والارهاب… في حين انّ النتائج ستكون كارثية يوما ما، وسينقسم التونسيون الى قطيع من متطرفين اسلاميين من شاكلة (وَ إذا قِيلَ لَهُمْ لا تًفسِدوا في الارضِ قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)… والى قطيع ثان من جيل الفراغ والزطلة والعبث… وتصوروا فقط هذين القطيعين يوما ما في مواجهة… انها حتما الطامة الكبرى لانهما سيكونان بيادق لحرب يقتل فيها الاخ اخاه والاب ابنه… بينما ينعم اباطرة القطيعين برغد الحياة …
كنّا في جريدة الايام ومنذ انطلاقتها في 5 ديسمبر 84 نحمل نفس هذه القناعات… وكان شعارنا “لا نجامل ولا نعادي” ولكن ايضا آمنّا جدا بالمتلقّي (اي القارئ) واوليناه عناية فائقة وخصصنا له مساحة اسبوعية تحت عنوان (صحافة الرسائل) قال عنها رئيس التحرير صديقي نجيب الخويلدي في عدد 14 مارس 1985: ستلاحظون انطلاقا من هذا العدد انّ صحافة الرسائل تمكّنت بفضل السياسة التوسّعية (وارجوكم لا تسيئوا الظن بهذه العبارة) تمكنت ان تحتلّ صفحة ثانية بعد مفاوضات طويلة وعسيرة كان فيها عبدالكريم قطاطة المحامي رقم 1 عن هذه الصفحة حيث قال عبدالكريم بالحرف الواحد: {المستمعون في حاجة الى مساحة اكبر .. علينا ان نشعرهم ان لم يشعروا الى الان، ان الجريدة مِلك لهم وانّه ليس لنا حقّ الامتياز حتى نكتب نحن عشرات الصفحات ونملأها بما يخطر لنا، فيما نحرمهم وعددهم بالالاف من المساهمة في تأثيث الايام وانتقاء بضائعها}… قاطعت عبدالكريم لأقول: (اردت ان تقول القرّاء طبعا لا ان تقول المستمعين) .. ضحك عبدالكريم وضرب على جبهته براحة كفّه وقال: الوسّادة ما غلبتش الولاّدة …
وفعلا كان لحضور القرّاء في صفحات الجريدة وحتى في بعض اجتماعات اسرة التحرير بتونس، وزنا كبيرا ومما يّحسب للايام انها اتاحت الفرصة بل مكّنت العديد لا فقط في ممارسة حقهم في الكتابة في صفحاتها بل لتّقيم الدليل على انّ في معشر القرّاء اقلاما تتفوّق وبكلّ امانة على العديد منّا وتبعث بنرجسيتنا وغرورنا للجحيم … وهنا تحضرني بعض الاسماء والتي اعتبرها من خيرة الاقلام في الكتابة شكلا ومحتوى …عبداللطيف الحداد… ياسين البازمي… منجي الشلباوي… فوزية الشرقي… الحبيب بلقاسم…
اعود الان الى الولاّدة اي الى اذاعة صفاقس… المدّة الاولى وبعد ان عّين الزميل محمد عبدالكافي رحمه الله على رأس ادارتها كانت ضبابية … وهنا اعني علاقتي به … لم تكن بيننا لا علاقة ودّ ولا علاقة حرب… هدوء تام ..لكن كنت دائم التساؤل بيني وبين نفسي …هل هو هدوء طبيعي ؟؟… للامانة لم اكن مرتاحا لذلك الهدوء ولا لتلك السلبية واللامبالاة التي كانت تظهر على ملامح مديري الجديد … كنت اعرف ان الملأ لم يهضم ولن يهضم عودتي مظفّرا الى المصدح بعد زوبعة اكتوبر 82 .. وكنت اقرأ ذلك في عيونهم خاصة بعد رحيل السيد التيجاني مقني والذين اعتبروه الراعي الحصري لعبدالكريم … لكن وهذا طبيعي ومنطقي جدا ان يتعامل هذا الصنف باسلوب (الحرب سجال) ويرقد في الخط واحيانا يعطي للذلّ كارو…حتى ينقضّ على اوّل فرصة لربح معارك اخرى …
كلّ هذه الامور من البلاهة ان لا نأخذها بعين الاعتبار في حياتنا لذلك كنت اراقب بدوري تصرفات تلك الفئة وباسلوبي ايضا .. اذ وللامانة كنت ومازلت ارقد في الخط عندما يحاول ايّ طرف استبلاهي … وذلك امّا لاستوضح الامور بكل تفاصيلها حتى لا اتسرّع في حكمي او قراري وحتى لا اظلمه… او حتى اعطيه واعطي نفسي مساحة زمنية لمراجعة الاشكال بشكل اكثر وضوحا ونزاهة … هذا يُحيلني الى مثل شعبي ذاك الذي يقول (كلّ واحد شيطانو في جيبو)… نعم … كلّ واحد شيطانو في جيبو ولكن حتى تركيبة الشياطين من وجهة نظري تختلف … هنالك شياطين فينا نحن معشر البشر تخاف منها الشياطين وينسحبون رافعين القبّعة لشيطنة ابن آدم … داخلهم سواد وحقد وكراهية …وهنالك شياطين او شيطنة كلّ همّها ان تتصدّى للفئة الاولى (تي هو القطوس يخبّش على روحو) …بل ارى من الواجب عدم الاذعان لهم واعلان الحرب الدائمة تجاههم، تلك الحرب التي تبني تؤسس وتّصلح … وفي تاريخ الشعوب امثلة عديدة لمثل هذه الحروب حيث تُستعمل الحيلة والخداع من اجل الفتك بفئة شياطين البشر …
في الفترة الاولى التي مسك فيها زميلي رحمه الله السيد محمد عبد الكافي بمقاليد الاذاعة استمرّ الكوكتيل ولم يحدث مطلقا اي اشكال مع المدير … حتى اقترب شهر ماي 1985 حيث كانت لي محادثة قصيرة مع مديري اعلمته فيها بأني في حاجة الى عطلة قصيرة للاستراحة … وافق على طلبي وتمنّى لي عودة ميمونة موفقة مشيرا الى انه عليّ ان ابحث في هذه العطلة على اركان اخرى في الكوكتيل لتجديده … اجبته على الفور: الكوكتيل متجدد بطبعه نظرا إلى أنه يتابع الاحداث بشكل فوري ودائم … نظر اليّ ولم يعلّق على ردّي … وبكلّ امانة لم اقرأ ايّة نيّة مبيتة في صمته…
في 19 ماي 85 هاتفني زميلي عبدالجليل بن عبد الله ليقول لي: (اكيد لازم نشوفك ثمة موضوع يلزم نحكي فيه معاك)… كان ذلك صباحا وتواعدنا على اللقاء على الساعة الثالثة ظهرا بنزل سيفاكس… والتقينا وكان ثالثنا زميلا تقنيا… جلّول كان مضطربا للغاية حيث وجد صعوبة بالغة في الحديث واخيرا قالها: (راهو يحبّو يوقفو الكوكتيل… وراهم عرضو عليّ فكرة تعويضك وحضّرو البرنامج اللي ماشي يعوّضك ويحبوني انا اللي نقوم بتنشيطو)… قلتلو: (وانت شنوة رايك ؟)… قللي يستحيل نقبل … والدليل انا جيتك وقلتلك باش يبدا في بالك … شكرته على موقفه وقلتلو: رد بالك يطيحوك ..راهم ماشين يغريوك بكل الوسائل … قللي اطمان صاحبك راجل …وافترقنا …
كانت عطلتي ستنتهي في اخر ماي لاعود للعمل مع غرة جوان وبعد يومين من لقائي بعبدالجليل اي يوم 21 ماي 85 فوجئت بجلّول ينشّط برنامجا اسمه نادي المستمعين محتلاّ المساحة الزمنية للكوكتيل اي من الـ10 الى منتصف النهار … يومها احسست بالخديعة المُرة … خديعة مديري الذي استغلّ غيابي ليُقصيني ويوقف الكوكتيل، ولكن خاصّة خديعة صديقي عبدالجليل الذي وعدني بأن لا يخون وخان …(حلمكم على زميلي واخي عبدالجليل لأنّه فسّر لي بعد سنوات ماذا حدث بالضبط من وسائل ضغط وتهديد لاجباره على تنفيذ المقترح …والذي اكنّ له كلّ الحبّ والودّ ويبقى واحدا من اقرب الزملاء الى قلبي)… انذاك تحرّك المارد الذي بداخلي واصبحت ارى في مديري وفي الملأ وفي جلول ايضا، العصابة الشريرة التي يجب عليّ ان احاربها وبكلّ شراسة …
تركت الامر في البداية للصحافة المكتوبة كي تعلن عن توقف البرنامج حيث كتبت الايام بتاريخ 23 ماي 85 {فوجئ احباء البرنامج الاذاعي كوكتال من البريد الى الاثير الذي ينشطه الزميل عبدالكريم قطاطة من اذاعة صفاقس بتوقف البرنامج انطلاقا من يوم الاثنين الماضي وتعويضه بمحتويات اخرى… ولا نزال الى الان لا نعرف السبب الذي توقف من اجله البرنامج، علما بان الزميل عبدالكريم كان قد اصيب منذ السبت الفائت بتوعك صحي طارئ }… فيما كتبت جريدة البيان وبتاريخ 27 ماي 85 وفي ركن “آخر لحظة”:{احدث احتجاب المنشط المعروف عبدالكريم قطاطة تساؤلات عديدة في الاوساط الاذاعية وفي اوساط متتبعي برنامجه اليومي، وقد تاكّد لدينا انّ هذا الاحتجاب لا يعود لاسباب تاديبية كما يّشاع لدى البعض… غاية ما في الامر انّه دّعي الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر، والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات… ويبدو انّ عبدالكريم لم يقدّم التصور الجديد الى الادارة التي ستتولى بنفسها القيام بادخال التعديلات اللازمة على برنامجه، والذي مرّ على انبعاثه 5 سنوات… وقد يتولّى بذاته تنشيطه او يسند الى غيره اذا لم يعبّر عن استعداده للعمل ضمن هذا التصوّر الجديد… وتبعا لذلك اصبح عبدالكريم يعمل ضمن الاسرة التلفزية الموجودة باذاعة صفاقس في انتظار ما ستتمخض عنه المساعي الادارية من نتائج بشأن برنامجه}…
والله شيء يضحّك ويسخّف … _ مثل هذه التاويلات والتبريرات التي مازالت قائمة لحد الان في خطابات المسؤولين والتي تؤكد للمرة الالف انّ من يعتبر المستمع او المواطن غبيّا هو اغبى الاغبياء… كان هذا فعلا موقف الادارة وهو الذي ورد في جريدة البيان وساحاول تفكيك هذا الموقف فقط لابرز مدى استغباء المسؤولين للاخرين وهم يقدمون تعلاّت هي اوهن من بيوت العنكبوت …. صبركم عليّ حتى الورقة القادمة…
ـ يتبع ـ
جور نار
التغريبة الأخيرة… أو، من باع حقا: السلطة الفلسطينية أم إيران ومن صدّقها؟
نشرت
قبل أسبوع واحدفي
30 سبتمبر 2024عبد القادر المقري:
منذ سنة إلا أسبوعا، أي منذ 7 أكتوبر 2023 والعملية المسماة “طوفان الأقصى”، تأججت المشاعر ومعها توزعت أسهم الدعم المطلق والتخوين المطلق… الدعم لمنظمة حماس بكل ما تقوله وتفعله وكذلك لكافة داعميها وأظهرهم إيران، وتهمة الخيانة التي وقعت جماعيا على سلطة رام الله التي أبدت إن لم يكن رفضا قراحا، فعلى الأقل تحفظا هو إلى توجس العواقب أقرب…
وقد قرأنا في صحفنا عربيا وتونسيا، وكذلك في المواقع الاجتماعية هذه الاتهامات التي اندفعت دون أية ضوابط للنشر (بالنسبة إلى الصحافة) أو خشية من أزمة ديبلوماسية مع سلطة فلسطينية ممثلة في نهاية المطاف ببلادنا، تطالع يوميا أوصافا هي شتائم مباشرة لرئيسها محمود عباس وهناك حتى من طالب بتصفيته جسديا ! … نعم قرأنا ذلك في صحفنا قبل أن نقرأه على فايسبوك الذي لا جُناح على أصحابه عموما، في زمن تخصص فيه الرقابة كل وقتها لمنتقدي الرئيس التونسي فأنّى لها الانتباه لشاتمي رئيس هذه الدولة العربية أو تلك … شُتم عبّاس وسُحل وتم هدر دمه والسبب أنه لم يخرج هاتفا بستة أكتوبر وعملية طوفان الأقصى… ولم يكفهم هذا، بل هوجم في الطريق جميع فلسطينيي الضفة الغربية ولحقهم من الشتم والتخوين ما لحق قيادتهم …
مع العلم بأنه حال بدء رد الفعل الغاشم للعدوّ على أهالي غزة، خرج أكثر من مسؤول في السلطة، وأوّلهم عباس، لإدانة هذا العدوان والتضامن الكامل مع غزة على أنها جزء من فلسطين، وليست معقلا لحركة لا وجود لفلسطين في اسمها ولا في مشروعها العابر للحدود… كما أن الشارع في رام الله والخليل والقدس الشرقية وجنين ونابلس وغيرها من مدن ومخيمات الضفة، شهد موجة عارمة من المواجهات والاعتقالات وتدمير البيوت والأملاك ومصادرة الأراضي… مما حدا بدولة الاحتلال أن أخرجت من الأدراج خطة معدّة مسبقا بترحيل جماعي لملايين سكان الضفة الغربية تزامنا مع سكان غزة… ونفس الكلام (أسوده وأبيضه) قيل عن عرب 1948 سيئي الحظ مع الجميع، بيد أنهم أكدوا فعليا انتماءهم للوطن الفلسطيني دون سواه… وهاهم يتحملون هم أيضا مشروع “ترانسفير” لا يقل عنصرية وإبادة عن نظيره المرصود لمواطنيهم في القطاع والضفة…
قلنا عن رد فعل العدوّ بأنه كان “غاشما” وهذا يكاد يكون وصفا ضعيفا لما جرى ويجري… لا يخفى على أحد أننا في ظرف دولي يتميز بعنصرين: أولهما الانتخابات الأمريكية واحتدام الصراع بين معسكرين يختلفان في كل شيء إلا في نقطة مساندة إسرائيل والتصميم على حماية تفوقها التام على “أجوارها” عربا وفُرسا… بل ويتزايد كالعادة المتنافسان الجمهوري والديمقراطي في دعم الكيان الغاصب ماليا وسياسيا وعسكريا واستخباراتيا… وثاني عنصري الظرفية ، غياب كامل لقوة مضادة توازن هذا الثقل المساند للعدوّ… فالاتحاد الأوروربي تدير معظم دوله اليوم حكومات وأغلبيات برلمانية من اليمين الأقرب إلى التطرف إن لم يكن متطرفا فعلا… أما روسيا، فقد تورطت في أوحال المستنقع الأوكراني إلى أمد غير محسوب، وأصبحت بدورها في حاجة لمن يدعمها ويفك الحصار ، بل الحصارات المضروبة حولها بسياج من فولاذ… ثم وحتى في ظروفها العادية قبل حرب أوكرانيا، وحتى لو عدنا إلى الزمن السوفياتي والحرب الباردة، فإن وقوفها إلى الجانب العربي لا يمكن أن يقاس بـ 1 بالمائة مما يقدمه الغرب لإسرائيل…
ومع احترامنا لآلاف المساندين الأشراف للقضية الفلسطينية والذين ملؤوا شوارع وجامعات أوروبا وأمريكا… فإن سلطة القرار تبقى دائما وأبدا في يد من يمسك السلطة المالية والعسكرية في هذه البلدان، وهو ليس بالضرورة الشارع… خاصة في قضية ليست ذات طابع مصيري وطني يمكن أن يطيح بحكومة ويصعد بأخرى… ولا نريد أن ننكأ جراح أحد فلكل منا ما يكفيه، ولكننا نذكر بكل حرقة عدد الأثرياء العرب (والمسلمين) وحجم الثروات العربية (والإسلامية) المودعة في بنوك الغرب، وكيف يتم توظيفها لشراء خُرَد السلاح ونوادي الكرة بدل امتلاك وسائل الإعلام الكبرى والتأثير في السياسات كما تفعل الجاليات المحسوبة على العدو والمتعصبة له… ولا حديث أيضا عن “الجاليات” العربية المبثوثة في كل بلدان العالم وخاصة الغربي منه، وهي المشتتة الغارقة في صعوبات عيشها ووضعية أوراقها وما يتهددها يوميا من قوانين تزداد تضييقا على المهاجرين… وفيها حتى نسبة طلّقت بالثلاثة وطنها الأمّ بعد أن فرت منه فرار الناجين…
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- فُرن نارقبل 19 ساعة
ماذا وراء تأخر رد الاحتلال على ضربات إيران؟
- تونسيّاقبل يوم واحد
رئاسيات 2024: مكتب الاقتراع بسليمان الرياض… تنظيم محكم وتوافد متوسط
- رياضياقبل يوم واحد
بن حمودة في المحلة المصري
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
لمرّة واحدة
- صن نارقبل 3 أيام
بايدن… لست متأكدا من سلمية الانتخابات القادمة
- صن نارقبل 3 أيام
ترامب… كان على إسرائيل قصف إيران بدل كل هذا!
- صن نارقبل 3 أيام
القوات الأممية ترفض طلبا إسرائيليا بترك مكانها في جنوب لبنان
- صن نارقبل 3 أيام
بعد سوريا ولبنان… الاحتلال يخطط لضرب العراق