تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 31

نشرت

في

زغرودة جزائرية YouTube Hhhhhhhhhhhhhh - YouTube

اخذت ورقة تعييني او الاصح اعادتي الى مدرسة سبّالة اولاد عسكر، بكثير من الغبطة ..احسست وقتها بقيمة ما قدمته في سنتي الاولى من حياتي كمعلّم وانا في بداية مسيرتي التعليميّة والتربوية ..وانّ نشاطي ومثابرتي وكلّ ما زرعت من مجهود لم يذهب سدى ..واحسست خاصّة بصدق متفقّدي وهو يعبّر عن اعتزازه بي …

عبد الكريم قطاطة
<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

امتطيت الحافلة التي ستقلّني من القصرين الى السبّالة وكلّي عزم على مواصلة نهجي في التعليم والتربية شكلا ومضمونا …كنت في الحافلة حالما باطفالي.. بابنائي.. وعادت بي شاشة الذكريات الى سنوات عمري كتلميذ … كنت اتساءل … هل ساعود الى تلاميذ السنة الثانية لاكرّر تجربتي مع ابنائي الجدد ..بنفس الشغف والعزيمة والمثابرة ..؟؟هل سادرّس السنة الرابعة ..؟؟؟ لاعود وايّاهم الى الحلاّق الثرثار الذي ضرب بكُمّ يده راس الحريف وهو يلعن السّياسة والسّياسين والنّاس اجمعين؟ ..هل ساحدّثهم عن ستّ الرياح وعن جسر السعادة .عن الارملة المرضع لمعروف الرّصافي و…لقيتها ليتني ما كنت القاها …تمشي وقد اثقل الاملاق ممشاها؟ …

هل سيمنحني مدير المدرسة احدى السنوات الفردية ..وخاصّة الثالثة والخامسة وهي سنوات عادة ما تُعطى للمعلّمين ذوي التجربة نظرا إلى صعوبتها … اما عن السنة الاولى فحدّث ولا حرج …..وهذه لا اظنه انه سيغامر بي فيها لمحدودية تجربتي ..كنت في كلمات ذلك السابح وبنوستالجيا كبيرة في عالمي وانا تلميذ من جهة …والمدرك لأهمية ما سأقدم عليه هذه السنة من مسؤولية جسيمة خاصة بعد ان اقتلعت ورقة عودتي الى السبّالة …وحطّت طائرة عودتي بمطار السبّالة الدّولي ..هكذا خلت نفسي وانا انزل من الحافلة منتصرا على نقلتي الى عين الحمادنة …

في السبالة لم يتغيّر شيء ..الجزار الميزوني كعادته امام حانوته ..اهلا بيك سي عبدالكريم بيكشي وهذه تعني كيف هي احوالك …وابراهيم حارس المدرسة رحمه الله يسرع لاستقبال سي عبدالكريم بابتسامته التي لا تنتهي …وهاهو سي رضوان مدير المدرسة ينضم لمجموع المستقبلين و في عينيه تساؤل ..اش جابك ؟؟ كيفاش عملت ..؟؟ ناولته ورقة التعيين وصدقا سُعد بقدومي وبكل فرح …ادخلني مكتبه المتواضع ومدّني بجدول التعيينات ..وفّجعت …وُزّعت السنوات على بقيّة الزملاء ولم يبق الا قسمان من السنة الاولى ….يا للطامّة ..انا سادرّس السنة الاولى …نرجسيّتي من جهة والواقع الموضوعي لتقسيم السنوات جعلاني لا انبس ببنت شفة، خاصّة ان المدير يضيف ..نعرفك تنجم روحك سي عبدالكريم …وما تخافش انا معاك وقت تستحقّني … فكيف لي ان ابدي اعتراضا على هذا القدر المحتوم ؟؟؟كان ذلك يوم جمعة مساء …ولا اعرف يومها كيف قضّيت ليلتي .. كنت جد قلق من خوض هذه التجربة الصعبة بيداغوجيا … اطفال بهيأة طين خام وعليّ ان اطوّعه لاعلّمه ابجدية المعرفة ..

يوم السبت صباحا ارتديت كعادتي ميدعتي البيضاء وتوجهت الى القسم …واذا بي عاجز تماما عن تخطّي الخطوة الاولى مع اطفالي …تماما …. تصوّروا انّي قضّيت كامل وقتي في حصّتي الصّباح والمساء وانا اتأمل وجوههم ..كنت حاضرا بالغياب معهم ..غائبا تماما ..كان ذلك اليوم واحدا من الايام التي عشت فيها عجزا كاملا عن فعل ايّ شيء …ايّ شيء ..وشعرت وبكل مرارة انّي اضعت لهم يوما من عمرهم ..شعرت اني اجرمت في حقّهم تعليميّا وتربويّا ..شعرت بأني تخلّيت عن رسالتي السامية …القيام بالواجب… نعم هو يوم واحد ولكن بمقاساتي الانسانية هو قرن من الزمن …وحتى عندما انهيت الحصة المسائية لم اكن قادرا على مواجهة الزملاء ولا ايّ كان ..وجهي كانت تعلوه خيبة صفراء وهزيمة رمادية ..وكنت اردّد في داخلي: هل هذا انت يا عبدالكريم ..؟؟ هل هذا انت الذي يقول عنك الكثيرون انّك شاطر ويقول عنك متفقدك لم ارد ظلمك لذلك سارجئ منح ما تستحقه في سنتك الثانية ؟؟؟ وهل سأنال ما استحقه بهذا السلوك؟؟؟

ابتعدت عنهم جميعا ووقفت متجمدا على حافة الطريق اراقب اصحاب السيارات المارّة متجهين الى صفاقس ..كنت اتمنى ان تاخذني واحدة منها الى صفاقس لاقضّي الويك اند هنالك، علّني استلهم من اصدقائي شيئا من القدرة على تخطّي حاجز الفشل او علّ ضمّة عيادة وهي “توجوج” على ولدها واخبار الفيضانات التي عمّت البلاد تتوارد عليها من الراديو والاكيد انّها كانت تردّد دوما: يالندرى وينك يا كبدي ؟؟؟ واش عاملة فيك المطر ..؟؟ مغطّي والا عريان ..؟؟؟ جيعان والا شبعان … ؟؟؟ يا ربي جيب وليدي على خير …وما من سيارة تمر الا واردد رافعا يدي تجاه صاحبها: صحة لدين سماك ..انت تحوّس وانا يعلم ربّي بحالي كيفاش ماشي يتعدّي هذا العام على خير …

ولأن الاقدار لازمتني طيلة حياتي ..هاهي تجيب وتستجيب في لحظة فارقة … كانت السيارة مرسديس سوداء تمر امامي (كي العجاجة) وكان رد فعلي كما ذكرت غابطا ثم وبتواتر مرور تلك السيارات حاسدا لهؤلاء الذين يمرّون امامي بكل سعادة وانا البائس التعيس …فجأة وعلى بعد خطوات منّي توقّفت المرسديس ثم عادت اليّ ..اطلّ سائقها من النافذة الجانبية وقال لي ..وين ماشي ؟؟ اندهشت من سؤاله واجبت … ما عندي وين ماشي ….انا نقرّي في السبّالة …ابتسم وقال ..تصوّرتك تعمل في اوتو ستوب قلت نهزّك معايا ..صمتّ لحظة وقبل ان يغادر قلت له ..خويا وين ماشي بالضبط ..؟؟ ردّ ….لصفاقس … في تلك اللحظة تحوّلت كلمة صفاقس الى عناقيد فرح وقناديل نور … هي من المرّات العديدة التي اسمع فيها اسم مدينتي بذلك الزخم الموسيقي الرهيب متعة .. احسستني ارقص على وقعها واحسستني اتحوّل في رمشة عين الى زوربا اليوناني وهو يرقص رقصته الشهيرة ..

وبسرعة بليون كلم في الثانية قلت له ..لحظة وساكون معك …اسرعت الى الميزوني الجزار وحانوته على حافة الطريق ..نزعت ميدعتي ورميت بها اليه وقلت له: سلّملي على الناس الكل ..نهار الثنين نرجع ان شاء الله .. وصعدت الى الطائرة الرئاسية (المرسديس) قاصدا صفاقس …كانت المرّة الاولى في حياتي التي ركبت فيها مرسديس …وهل همّتني المرسديس في شيء .؟؟ وهل همّني ما روى لي سائقها .؟؟؟ في تلك اللحظة وفي تلك الاجواء التفسية المضطربة كنت مستعدا للركوب ثانية على بغلة لترحل بي الى صفاقس …كان بداخلي احساس عميق بان تحوّلي الى صفاقس لقضاء ويك اند هنالك كفيل بشحني بطاقة لا توصف، حتى تصبح سنتي التدريسية عنوانا للعطاء الذي لا حدود له رغم صعوبة المهمّة (سنة اولى ابتدائي ؟؟؟؟ موش ساهل) …

يومها عشت ما كنت ازعم اني افهم ما اقول او ما اكتب ..كنت في توصيفاتي للسرعة استعمل عبارة “وطويت الارض طيّا”… يومها طويت الارض طيّا وانا احلم بلقاء الاصدقاء والعائلة حيث لا اخبار متبادلة بيننا ..فلا الهاتف بنوعيه العادي و الجوّال خرج من رحم التكنولوجيا بعد ..ولا سي مارك متاع الفيسبوك اتولد ..ما اخيب امّو اللي وخّرت بجيّانو .. وحتى اخبار القنوات الرسمية اذاعيا وتلفزيا لا تصلنا الا بعد ان تشتغل المصفاة لتُخرج فقط ما يريدون الافصاح عنه …انّه الاعلام الموجّه سابقا وحاضرا ..لا تنخدعوا بشعارات حرية التعبير والصدق والموضوعية التي يتبجّح بها العديد الان ..كذبة كبرى ..كل قناة تعمل ضمن منظومة معيّنة …والمصفاة خدّامة ..وكلّ ـ كدت اقول يغنّي على ليلاه ـ والاصح كلّ ينوح على ليلاه …

وصلت الى صفاقس المدينة وامتطيت سيّارة اجرة .. _ اشبيكم راني معلّم والفلوس كاينة وفي اول الشهر والسؤال الذي رافقنا طيلة حياتنا نحن الموظفين (صبّوشي؟) لا يُطرح …وصلت الى نادي الاصدقاء بالساقية، حانوت الحلاق احمد الفقي، حوالي الساعة السابعة مساء ونزلت …العصابة كلّها هناك ..وتعالت الصيحات ..واضخمها صيحة الزمبار صانع الشاي في حانوت الحلاق ..سهريات …هكذا كان يحلو له ان يلقّبني… ويبدو انو كلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان، لان السهر والسهرات لازمتني طيلة حياتي ..فانا واحد من الذين قضوا معظم حياتهم ساهرا اما بفعل القيام بواجباتي المهنية، او برغبة جامحة منّي وعشقا لليل والسهر… لذلك تجدني بعدها وحتى في اختياراتي الغنائية في عملي مدفوعا بوعي ودون وعي الى اختيار اغان تتغنّي بالليل والسهر (انا حبيبي الليل والليل حبيبي انا …عدّينا عمر طويل نواسي في بعضنا) …

التف الاصدقاء حولي في عناق وتقبيل … وكان كل واحد منهم لا ينسى في خاتمة تحيّته ان يقول لي مبروك …وحتى سي المبروك حمّاص الساقية غمرني بقبلاته وهو يعيد كلمة مبروك مرّات … ويضيف _ والله انا كنت حاسس انّك ماشي تنقزها يا كُريّم ….اندهشت من وصول خبر عودتي للسبالة الى مسامعهم …. وكنت اردّ بدهشة وسعادة: الله يبارك فيك …وطفقنا ندردش معا وبالفاظنا السمجة والوقحة كما تعودنا دائما …وجاء السؤال من احدهم …ايّا انسى ما تتحدث وانحبوا المبروك ..هاذي يلزمها فيشطة كبيرة ويلزمها السلتيا والبوعرقوب …اي سكرة …واذعنت لمشيئتهم …فكيف لي ان ارفض طلبات عصابة الخلاّن ؟؟….خاصّة وانا انذاك ولسنوات عديدة من عمري كنت اعشق اجواء والوان سكرة الاصدقاء، وكنت اكثرهم انتشاء وسكرة رغم انّي لم اشاركهم في كل حياتي فعل شرب الخمر ولو قطرة واحدة منه …ولكن كانوا هم من يشربون وانا من يسكر …

اتذكّر جيّدا اني صعدت يوما سيّارة اجرة وسألني صاحبها الى اين فقلت له اذاعة صفاقس … نظر في وجهي ثم قال لي انه يحب جدا اذاعة صفاقس وان له صديقا حميما يعمل فيها… سالته عن اسم هذا الزميل الصديق الحميم له فقال لي: هو عبدالكريم قطاطة ..قلت له هل تعرفه جيدا ؟؟ اجاب: يا راجل اشنوة نعرفو ..؟؟ كل نهار نسكر انا وياه ..قدّاشو بحبوح ..و صاحب جوّ كبير ..وبعد السكرة نوصّلو خيوط لدارو … وتركته يسرد لي عنه اجمل الحكايات …لم اغضب منه بتاتا لان هنالك من المستمعين من يصورك كما يريده هو لا كما انت كائن وتكون ..فقط عندما وصلت الى مقر عملي سلمته دراهمه وقلت له ..راهو عبدالكريم نعرفو عمرو ما شرب في حياتو ..اغتاظ للامر وسخر منّي وقاللي: بالكشي تعرفو خير منّي ..انا نقلّك كل ليلة انا وياه فرد طاولة وانت تقللي ما يشربش ؟؟ ابتسمت له وقلت تعرف اشكون اللي معاك توة …راهو انا عبدالكريم اللي تحكي عليه وهاهي بطاقتي المهنية حتى تتأكد …وما تقلقش حتى انا كنت انّجم نعمل كيفك … الحبّ يعمل يا خويا ..

ومضيت في سبيل حالي …..

مع عصابة الاصدقاء في حانوت الحلاق بقي الهاجس كبيرا والمتمثل في معرفة من اعلمهم بنقلتي الى السبالة …علامات استفهام كانت تراود ني داخلي ..خاصة وان نقلتي لم تتم الا منذ يومين …واسندت كتفي الى صديق عمري (رضا التريكي اطال الله في انفاسه ومتّعه بالصحّة) وهمست له: يخخي كيفاش عرفتو اني حوّلت للسبّالة ..؟؟ اشكون قلّكم …؟؟؟ استدار رضا بكل اندهاش و”لهدني” بدعوة لا تقرا ولا تكتب من النوع القبيح والجميل عندنا، وقال اما سبالة متاعك ..؟؟؟ راك نجحت في الامتحان! … فتساءلت: اما امتحان؟؟ ..وردّ، يا كازي اشبيك سكّارة امتحان النقلة الى السادسة …قالها بصوت عال وبزهو وكأنّه فاز كاعلامي بـ “السكوب” وما افظع سكوبات هذا الزمن الردئ ….ونظر الى الجميع وقال ..قلّك حوّل للسبّالة يعطيه (تييييييييييييييييييييييييييييييت) ليلو وللسبابلة …وقهقه الجميع …وحتى لا ابقى مهزوما امام سخريته بي وسخرية العصابة عادت لي لحظة حضوري الذهني وقلت له: محسوب هي فاضلة عليك يعطيك …تييييييييييييييييييييييييييييييييييييلت … رُدّها عليّ ان استطعت …(شكرا للتلفزة التي لقنتنا كيف نستعمل الكلمات النابية )….

يوم عودتي الى صفاقس ذلك السبت الجميل صادف يوم ظهور نتائج الامتحان الاستثنائي للانتقال الى السنة السادسة… سنة الباكالوريا انذاك …وكنت من بين الناجحين ..عندما علمت بالخبر كانت الوان من السعادة تغمرني …السعادة بالانتصار على امتحان كم قهرني وانا اخيب فيه _امتحان الجزء الاول من الباكالوريا …خاصّة وانا اسقط في مادّة العربية وبـ 6 على 20 …سعادة الانتصار لعائلتي ..لعيّادة لاصدقائي الذين وثقوا بي ..سعادة النجاح الذي سيخوّل لي الارتقاء أليا في مهنتي من مدرب صنفا ثانيا الى مدرب صنف اوّل ..وهذا يعني انّ مرتّبي سيسمن نوعا ما وهو ما يهيّئني عمليّا اكثر لبناء مستقبلي مع فتاة احلامي … وسعادتي النرجسيّة التي يحس بها جلّ التلاميذ الذين ينجحون في امتحاناتهم ..انذاك كنّا نحس بأننا شبه ملوك نرفل في حلل الافتخار والزهوّوالخيلاء …

واستأذنت من الجميع ان اغادر للالتحاق بمنزلنا ..وغادرت انا وصديق عمري رضا في اتجاه الحوش ..كنت متلهّفا لاقرأ جداول السعادة وهي تنهمر من عينيّ عيّادة ..كنت احسّ بأنني اليوم سأرفع لها رأسها امام الجميع وكنت متشوقا لرؤية سي محمد الوالد وهو العاجز في مثل هذه المناسبات عن الكلام . …لأنه عادة ما يترك المصدح المشاعري لدموعه تُلقي معزوفته الخاصّة به …طرقت الباب وخرجت حميدة ابنة عمّي واحبّهن الى قلبي لفتح الباب .. حميدة هذه كانت “البهيّم القصير” الذي يستعمله الجميع هادئة مطيعة وطيبة هلبة ..وكانت ابتسامتها لا تفارقها رحمها الله ..لذلك هي صاحبة جميع المهمات التي يتأفف ثم يتملّص منها الجميع …ومن ضمنها فتح باب الحوش …

اه عبدالكريم ايّا مبروك، والله فرحتلك يا ولد عمي … هكذا استقبلتني … وعلى وقع كلماتها هبّ الجميع لاستقبالي والزغاريد تلوّن الاجواء ..وصدقا كانت كاميرا عبدالكريم مركّزة على عيّادة… كنت انتظر تلك اللحظة التي ترى فيها ابنها “هلال على روس الجبال الشمس لا تحرقو والعدو لا يلحقو” تلك كانت دعواتها …وتلك يومها كانت عيناها تحكي وتحاكي ابنها .. وكأن هواجسها التي رويتها لكم وانا في السبالة (ومن ضمنها يا لندرى وليدي جيعان شبعان .؟؟؟ يا ربي جيب وليدي على خير ) قد سمعها الرحمان فاستجاب لها …وكان سي محمد رحمه الله كما صورته لكم ..لكن هذه المرّة كانت دموعا ونشيجا مصاحبا لها ..اي انّه كان في قمّة سعادته …ولم تنتظر عيّادة لا نشرة اخبار ولا حتى موجزها بل سألت: تلقاك مقطوع بالشرّ (اي بالجوع) هوّاشي يا وليدي ؟؟…ايّا توّة نحضرلك عشاك انت ورضا ..

امّي تعرف ما معنى رضا في حياتي انذاك …وكنت اقول لها كان تحبّني بالحق وقت رضا يكون معايا نحبّك تعطيه هو الباي الباهي اي منابي في “الزهومة” (وهذه تعني اللحم او السمك) …. امّي اعدّت ليلتها كسكسي بلحم العلّوش لكل متساكني الحوش، كيف لا وطفلها ينجح في الامتحان ..؟؟ وانغمسنا انا ورضا في ذلك الطبق الشهي …رغم اني لم اكن يوما من عشاقه ولكن ان ياتيك بعد سردينة بالبسكويت … علّقوا انتم …انتهينا من زردة الكسكسي وخرجت مع رضا كي اوصله بعض الامتار في طريقه الى منزلهم ..وماكدنا نقطع بعض الخطوات حتى فاجأني رضا بسؤال لم انتظره بتاتا …. قال: .ايّا قللي اش ماشي تعمل توّة …؟؟؟ لم افهم وقلت له: يعني ؟؟؟ قال هل ستعود الى السبالة ام تعود الى دراستك …؟؟؟ …

وبُهت الذي سمع ….تجمّدت في مكاني … وتجمّدت كلماتي … هل وثقتم اليوم بأن افصح الفصحاء يصاب هو ايضا كالاخرين في لحظة ما ..في واقعة ما …. في زمان ما …. في مكان ما …. بالشلل …؟؟ بعدم القدرة على النطق ..؟؟؟ بالعجز …؟؟؟ فما بالكم وانا في زمن لم ابلغ بعد مرحلة “من اين تأتي بالفصاحة كلّها .. وانا يتوه على فمي التعبير”؟ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ماذا ينتظر التونسيون خلال العهدة الجديدة من رئاسة قيس سعيّد؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

لقد كشفت الانتخابات الرئاسية عن عدد من المعطيات و الحقائق منها ان الشعب التونسي مسكون بالرغبة الجامحة في كنس كل علق من رواسب عشرية حكم الاخوان… وهي رغبة تجد شرحها في تمسك التونسيين بالأمن و الأمان والقطع مع ما عاشته تونس من ارهاب واعتداءات ونهب و تسيب في الإدارة ومسالك خدماتها وتوسع مافيات التهريب و المخدرات التي انضمت إلى ما ذكرنا.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

سابقا… كان الشعب التونسي ميالا إلى التغيير في اول فرصة انتفاضة مع تردي أوضاعه الاجتماعية إلى حد غير محتمل ( جانفي 78، انتفاضة الخبز في الثمانينات، الحوض المنجمي، ثورة “البرويطة” في 2011)… لكن يبدو أن هذا الشعب الذي مر بأيام ضنكة جدا بسبب فقدان ممنهج لبعض المواد الضرورية من المافيات السياسوية التي كان تسعى لاثارته ضد السلطة وايضا من المافيات المالية الفاسدة التي كانت مسكونة بالخوف على كيانها و متوجسة من المحاسبة التي ضربت البعض من باروناتها الكبار دون تردد…

نفس هذا الشعب اثبت هذه المرة انه اكثر نضجا من كتل المعارضة، إذ فهم “الحبكة” و واجهها بصبر أيوب معتمدا على رصيد الثقة في الرئيس الذي لم يتوان عن فتح واجهات متعددة في وقت واحد و اثبت شجاعة كافية تبعث الأمل في قوة سلطة القانون وضمانات حماية مستدامة … وحتى نكون موضوعيين في طرح مشكلة النقص الذي وصل إلى أوجه خلال السنة الماضية خاصة، يمكن القول ان للديوان الوطني للتجارة دورا في كبح بعض الواردات ضمن خطة وطنية موجهة لتعديل مخزون العملة الذي نزل إلى اقل من 50 يوما في عهد حكم الاخوان ..

عملية التقليص من استيراد بعض المواد حققت هدفها لكن على حساب متطلبات المواطنين من أجل كنس خطة المافيات، اكثر حتى من المساهمة في خطة السلطة الساعية إلى تقليص العجز التجاري و دعم مخزون العملة الصعبة و اجتناب التداين المتراكم خلال العشرية السوداء … الشعب عبر عن ثقته وعن براغماتية فاقت ما تغرد او تنعق به بعض الاطراف الانتهازية او المتظللة بجهة معروفة..

وجدير بأن نشير أيضا إلى ان الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد سجلت عددا من الاستنتاجات الواقعية:

لأول مرة في تاريخ تونس يتم تنظيم انتخابات نزيهة ففي عهد بورقيبة نذكر جيدا مذا وقع من تدليس وردم للبطاقات التي صوت اصحابها لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الانتخابات التعددية الوحيدة سنة 1981… وفي عهد بن على لا فائدة من ذكر المباريات التي كانت تقوم بين مختلف ولاة الجمهورية فيمن تصوت ولايته أكثر لبن علي … أما في رئاسية ما بعد الثورة فقد تم تعيين المرزوقي دون أية انتخابات لكن أفرزته بالصدفة انتخابات تشريعية راينا خلالها العجب العجاب في حشد المواطنين من أجل التصويت للنهضة… من حقق الطماطم وارطال المكرونة و انحراف نشاط الجمعيات و الأموال المشبوهة وتوظيف المساجد (من لا يصوت للنهضة فهو كافر ) …

إثر هذا الطرح الذي قد يعجب او لا يعجب العديد حسب لون النظارات التي يحملها على عينيه و تطلعاته، لنر ماذا ينتظر الشعب من فترة حكم قيس سعيد القادمة ؟

يبدو جليا ان موضوع التشغيل يأتي في اعلى هرم أولويات الشعب التونسي وخاصة شريحة الشباب وبالأخص خريجي التعليم العالي… أما المشاغل الثانية فهي تتمثل في ضرورة الضغط على الغلاء الفاحش في الأسعار وضمان طاقة شرائية معقولة لدى الأسر التونسية التي تعاني من نتائج ما يدور في ثنايا السوق من غلاء و مضاربات و ترفيع في الأسعار وحتى الغش…

على السلطة التفكير جديا في تحديد اسعار منخفضة خاصة للمواد الضرورية ..فاللحوم الحمراء تستوجب الا يفوق سعرها 10 دنانير / كلغ… أما لحوم الدجاج فيتوجب تحديد سعرها بـ 5 دنانير للكيلو والبيض 600 مليم… كذلك ضرورة التخفيض من سعر زيت الزيتون حتى لا تجد الدولة نفسها تدفع (مقابل عجز ميزانية المواطن عن اقتنائه) أكثر من الفارق، تكاليف علاج للأمراض الناتجة عن عدم تناوله …

اسعار الخضر وقفّة المواطن عليها ان تتعدل باتجاه التوازن… ليس هذا فقط فاسعار الكهرباء و استهلاك الماء والأدوات المدرسية و كراء المساكن واقتناء مسكن كاد يكون حلم اليقظة… ودائما في قطاع البناء نقول ان استمر الأمر على هذه الأوضاع من غلاء مواد البناء و الشقق فإن القطاع سيشهد انهيار ا على شاكلة ما وقع بالولايات المتحدة في التسعينات…كما لا بدّ من مراجعة المجلة العمرانية باتجاه التقليص من البناء الأفقي والمحافظة على الأراضي الزراعية التي تناقصت بشكل مريع…

نمر الان إلى القطاعات الحيوية التي تتطلب عناية عاجلة:

1) الفلاحة وضرورة السعي الجدي لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي و مثلما تم ايقاف نسبة التداين من الخارج فإن الاكتفاء الذاتي الغذائي اكثر أهمية وقابلية للتنفيذ متى ما وجدت ارادة فولاذية و حركية ودعما للقطاع

2) التعليم… مراجعة البرامج ودعم التعليم العمومي وتحقيق رفاه مادي معقول لرجال التعليم

3) قطاع الصحة… شرع القطاع في التردي منذ اواخر ايام بن على حين تم ايقاف دعم الدولة المهم للمستشفيات… ووصل إلى حافة الانهيار بعذ الثورة حيث تم ملؤه بالأتباع دون صفة أو حق أو كفاءة… وطغى عليه مثل كافة القطاعات الفساد والتسيب و استضعاف سلطة مديري المستشفيات و فرض فوضى النقابات و حتى مراقبي المصاريف… وتراجعت لدي المسؤول روح المبادرة وقيم قدسية العمل والإنجاز و القانون… كذلك تنامي ميزانية الأدوية التي تاخذ اكثر من 70% من ميزانية المؤسسة وربما اكثر بكثير… مما أدى إلى تراكم الديون على المؤسسات وعجز الصيدلية المركزية وظهور دعوات إلى خوصصتها وإلغاء الرقابة على الأدوية.

4) قطاع الخدمات…يشمل قطاع الخدمات بمفهومه العام كل ما تقوم به المؤسسات الوطنية او الخواص من خدمات لصالح المواطن ولصالح الدورة الاقتصادية والاجتماعية… وربما من متطلبات المرحلة النهوض بقطاع النقل والبنية الأساسية للمرور لا سيما بالولايات الداخلية كركيزة للنشاط الاقتصادي للبلاد…

ـ يتبع ـ

(في الحلقة القادمة: ماذا عن قطاعات الثقافة والإعلام والبحث العلمي والطاقة؟)

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 76

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من المتعارف عليه عندما يتقدّم الواحد منّا لطلب شغل ان يُقدّم مجموعة من الوثائق ومن ضمنها السيرة الذاتية … وهذه تعني فيما تعني الشهائد المتحصّل عليها وجردا للوظائف والمسؤوليات التي تقلّدها صاحبها وكذلك _ ان وُجدت _ شهادات التميّز والاوسمة …

عبد الكريم قطاطة

ولئن عجّت مسيرتي الذاتية بوابل من هذه الاشياء فانّني كنت دوما من اولئك الذين ينظرون للاوسمة بشكل مختلف … فأنا اعتبر انّ وساما من نوع (يرحم والديك) يقولها سائق سيارة اجرة او بائع سمك او نادل مقهى ليُعبّر الواحد منهم عن سعادته بي … هو من اغلى الاوسمة … اذ هو تعبير صادق عن مدى توفيقي في ان اكون صوته عبر المصدح او قلمه عبر الصحيفة…

بعض الاوسمة في حياتي كانت من نوع الاسترضاء … وسام الاستحقاق الثقافي سنة 2006 لأنه كان ردّا على رسالة شديدة اللهجة وجهتها للرئيس بن علي شخصيا سنة 2002 اعبّر فيها عن سخطي من قرار تحويل اذاعة صفاقس من اذاعة يلعلع صوتها داخل تونس وخارجها بعد 41 سنة من الوجود الى اذاعة محلية ينطفئ صوتها في حدود مسافة قطر بثها 60 كلم … بدعوى او بتعلّة اذاعة القرب …وجاءني ردّه على رسالتي النارية بتوسيمي بوسام الصنف الثالث من الاستحقاق الثقافي …وذهبت يومها للتوسيم وقلت امام الجميع بما في ذلك الوزير المكلّف بالتوسيم _ بلّغ سيادة الرئيس اني ممتنّ له في شخصي ولكن مازلت مصرّا على انّ ما وقع لاذاعتي هو جريمة اعلامية في حقّ تونس … اندهش الوزير يومها ووجد نفسه في موقف محرج ولا يُحسد عليه … وكان عليه ان يدافع عن رئيسه ليُحاول اقناعي والجميع انّ وسام الرئيس يعني تقديره لمسيرتي ومكافأة لي عما بذلته … وعندا شرع بوضع الوسام على صدري همس هذه المرة في اذني بالقول: زايد معاك ديما راجل …

اردت بهذه التوطئة ان اقدّم المقال الذي وعدتكم به في الورقة الماضية والذي نقش كلماته ورصّفها زميلي وصديقي عبدالقادر المقري _ لا خوفا ولا طمعا _ والذي اعتبرته وما زلت وساما يشرفني ويسعدني سعادة حتى الغرق …وان اضيفه كورقة من اهمّ الاوراق في ملفّ سيرتي الذاتية … المقال كان بعنوان “يكرهون الجمال” وصدر بجريدة الايام بتاريخ 13 جوان 1985 كردّ على ادارة اذاعة صفاقس، بعد ايقاف برنامجي انذاك، كوكتيل من البريد الى الاثير… وهاكم المقال كاملا:

{ الذي وقع للزميل عبدالكريم قطاطة منذ ايام ادهش الكثير من الناس الذين استغربوا وتعجبوا وضربوا كفا على كفّ .. اما انا فلم اندهش ولم استغرب من هذا الاجراء الذي مارسته اذاعة صفاقس على عبدالكريم .. لم استغرب لاننا اولا نعيش في بلد يقطع رؤوس الموهوبين ويحقد حقدا قاتلا على النجباء ويكره الحديث عن اليد العاملة المختصّة … عندنا عباد مهمتهم في هذه الدنيا الفانية هي امساك الرشاشات وقنص الناجحين حتى لا يبقى سوى الفشل، وإرداء المثقفين حتى لا يسود هذه الارض سوى الظلام، واعدام العادلين حتى يُفرّخ الجور ويتناسل الاضطهاد، وصَلب الاذكياء حتى تخلو المدينة للسكارى والمدكّات والمتواكلين، فيسلموها كالخبزة لاوّل اجنبي يجدونه نائما امام باب المدينة… كما جاء في الاساطير …

عندنا بلد يا ويح فيه من يرفع صوتا جميلا حماميّ الهديل، فالمشارط الطويلة الحادة تقص الرقبة وتستأصل منها حبال الصوت .. يا ويح من يكتب عبارة انيقة او كلاما اصيلا فالفؤوس ترتفع في الهواء والقبضات في الهواء والمكانس والمساطر الحديدية … قُل ذات مرة فكرة جديدة وسترى الحواجب تعلو استهزاء والقهقهات تنفجر سخرية وفي افضل الظروف تهبط عليك النصائح والتحذيرات وتجارب من اكبر منك بليلة ووصايا النبي موسى وحكمة الاولين و… من خاف نجا .. وكلمة لا ما تجيب بلاء .. وعيشة تحت جناح الذبانة خير من رقدة الجبانة ..وهكذا وهكذا وهكذا …

قد نكون ايضا بلدا غير محظوظ بالمرّة لأنّ الاقدار نفسها عاكستنا كما احبّت …فالجميع اليوم يتساءلون ماذا يكون مصير المسرح التونسي لو بقي علي بن عياد حيا ..؟؟ …والجواب البديهي عندي انه لو بقي علي بن عياد حيّا لكان مسرحنا الان سيّد المسارح العربية … فالرجل فلتة نادرة من تاريخنا الثقافي والفترة القصيرة جدا التي ظهر فيها اشعل النار تحت اقدام الجميع… ولكن جاء يوم وجاء خبر من باريس يقول انّ ابن عياد مات وهو شاب انداده مايزالون يتعلمون في اقلّ مشهد يمثّلونه … قبل علي بن عياد كان عندنا الشابي .. تناثرت اشعاره هنا وهناك وكلمات كلّما وجدت واحدة منها قلت كيف يكون شعر عام 35 افضل مليار مرة من شعر 85 …ومات الشابي وخسرناه وكان بامكانه البقاء اكثر والكتابة اكثر … عام 71 خسرنا (عبد العزيز) العروي … كان الرجل يشدّنا باسماره وحكاياته وكلامه المتعة ونقده الصراحة وماضيه الصحفي العظيم … يموت العروي وهو ايضا مازلنا نحتاجه و “الان ديكو” لم يكن اقلّ منه سنّا …

عام 78 كان عندنا عام الكوارث فقد خسرنا أرواحا كثيرة ومؤسسات كثيرة ومواطن شغل كثيرة وحريات كثيرة واموالا وسلعا كثيرة .. لكنّ اكثر شيء قتلتني خسارته كان محمد قلبي …لم يكن في تصوّر احد انّ هذا القلم المشتعل الجارح سوف يبرد ويحفى في يوم من الايام ولم يكن في خيالنا انّ الحربوشة يأتي يوم ويبلعونها بلا ماء ..ولم يكن في احلامنا ان صحافيا تصل عنده تلك الشعبية التي تنافس رجال السياسة والتلفزة ويصبح عنده نفس الخطر الذي لدى قادة الاتحاد الكبار… ولم يكن احد يدري انّ ذلك الاسلوب الدوعاجي القاتل سيزحف على البلاد بجامعاتها ومدارسها ومزارعها زحفا لم يفعله ايّ كاتب او صحفي تونسي آخر الى اليوم… ومع ذلك جاء يوم وسكت محمد قلبي وارسل برقية اعتذار الى رؤوف يعيش وفرّ هاربا… واخيرا عاد ليُعوّض زملاءه المطرودين من جريدة يومية …ومن لم يمُت بالسيف مات بغيره …

وبما انّ عبدالكريم قطاطة _ مرجوع حديثنا _ لم يبع صوته بحفنة من الدينارات والامتيازات… وبما انّهم لم يأسفوا على شبابه وبما انّه مازال واقفا مثل مبنى اذاعة صفاقس، وربّما اعلى… فلابدّ من الحلّ الثالث والاخير وهو التخلّي عنه مباشرة ودون تفاصيل زائدة .. وهنا ننتقل من اتهام مجتمعنا الى اتّهام مؤسسة من داخل مجتمعنا… الاذاعة والتلفزة التونسية…. هذه المؤسسة مثل مدينة النحاس … طلاسم وسحر وتهويمات .. جنّ وعفاريت وعبابث …يحيط بها سور معدني ثقيل لا ينفذ منه الواحد ولو بأمّ عينيه … ومن قلعة الاسرار هذه ورغم قلعة الاسرار هذه تحدّث الناس وسرّبوا حكايات من واء الستار الحديدي … تحدثوا عن البرامج التي يفرضها المسؤول الفلاني والمذيع الذي تفرضه القرابة الفلانية والمنشط الذي يتفوّق بالعلاقة الفلانية …والاخر الذي تتكلم عنه تليفونات موجودة في الليستة الحمراء والآ خر الذي .. والأخرى التي…

المشكلة في عبدالكريم قطاطة انه لم يسقط على الاذاعة من الباراشوت بل درس وتعلّم وتدرّب ولطالما نصحوه بأقصر الطرق والابتعاد عن التعب ووجائع الراس … فلم يسمع الكلام .. ولطالما نصحوه بالتقرّب من رؤسائه وحمل قفّة لهذا وهدية لهذا ووديدة لهذا ..الاّ انه لم يسمع الكلام … ولطالما نصحوه بالتنقيص من اغاني مارسيل خليفة واميمة الخليل واولاد المناجم وفيروز وزياد الرحباني والشيخ امام وان يزيد قليلا من هشام النقاطي ومحسن الرايس وراغب علامة وجورج وصوف … الاّ انه لم يسمع الكلام …ولطالما نصحوه بمزاحمة جماعة (لقاء في ساعة) وينافستهم الا انّه لم يسمع الكلام… ولطالما نصحوه بممارسة الاشهار ل”ميّ يزبك” .. وجورج يزبك .. وبسام يزبك .. ومازن يزبك …وحديقة الازبكية … فاذا به لا يسمع الكلام …

وبما انه لا يريد ان يسمع الكلام فقد ارادوا ان يخاطبوه باسلوب تغيب فيه الكلمة .. باسلوب القرار المكتوب اسود على ابيض .. والممضى من تحت والمختوم من فوق … وهذا لعمري اسلوب يخاف من تلاحم الاجسام او تلاحم الرجال … انّه اسلوب جبان يختبئ وراء طاولة وكرسي وباب مقفل بدورتين .. ولا ادري والله لماذا يخافون عبدالكريم … فالولد ليس ملاكما سابقا ولا شلاّطا شهيرا ولا عربيدا شريرا وهو ليس مسلّحا ولا عنده عصابة ولا عنده عرش من بني عمّه … لا والله لا …لذلك فانا وانت وهو وهي وهما وهم وهنّ وكل الناس لا نخاف عبدالكريم لأنّنا لم نفعل له شيئا … اما الاخرون فانهم يعرفون ايّ ذنب يقترفون لمّا جاؤوا اباهم عشاء يبكون… تماما مثل اخوة يوسف…

سألني عبدالكريم ذات يوم ان كنت سمعت الكوكتيل ..فقلت لا لأنّ البرنامج يُبثّ في اوقات عملي فتأسّف كثيرا وبعد اسابيع اعطاني شريطين مسجّل عليهما شيء من الكوكتيل وقال اسمع واعطني رايك… فلمّا سمعت التساجيل وصعقني مستواها، قلت هذا يتواضع ويقول اعطني رايك … بل الاحرى ان اطلب انا رايه لا العكس والاحرى ان يتملّح من مستمع جاهل مثلي وعنده ملايين المستمعين والمعجبين وكلّهم على حقّ …تذكّرت هذه الفازة وانا اقرأ في النومرو الاخير من جريدة الايام ما كتبه عبدالكريم قطاطة من حقائق عرضها (“بكلّ غرور” كما قال) وانا هنا لاقول لكم ان عبدالكريم قطاطة يكذب عليكم وربّما هي الكذبة الاولى …فعبد الكريم قطاطة ليس مغرورا وليته كان مغرورا …

لو كان مغرورا لاحترموه وقدّسوه وارتعشوا منه ولعاملوه معاملة نجوم الكرة وباسوا صبّاطه والتراب الذي تعفسه قدماه …ولاعطوه دارا وسيارة وبونوات ايسانس وخدمة في بانكة لا يذهب اليها الا يوم قبض المرتّب … لو كان عبدالكريم داهية شرّاطا دلّولا مدلّلا لكان مصيره مثل ميشال دروكير … وجاك مارتان …وفيليب بوفار ….وغي لوكس …وساشا ديستال …وستيفان كولارو ..وبيبو باودو …وبيبو فرانكو …ورافا … ولوريتا … وغيرهم من نجوم الاذاعة والتلفزة الذين كسبوا المليارات من مواهبهم وصارت صورهم تظهر حتى على اعلانات الدنتيفريس ومايوهات السباحة …

يا عبدالكريم اناس مثل هؤلاء وتلفزة مثل هذه واذاعة مثل هذه لا ينفع معها الا الغرور وقد اغترّ قبلك الصعاليك واولاد البارح فكيف لا تغتر وانت الاصيل الكادح الذي يُنبت الزهر في الصخر … والله ليس هذا بنديرا ولا سلامية وانا لست طامعا في عبدالكريم ولا خائفا منه .. فقط انا صرت واحدا من جمهوره العريض الطويل الذي الى الان لم يفعل شيئا من اجل المذيع الكبير… ولم يقدّم شيئا من اجل تعب عبدالكريم وسهر وارق ومرض عبدالكريم ولم يقل شيئا في هذه المأساة التي تضرّ بنا جميعا وهاهي الان تصيب عبدالكريم …

واحرّ قلباه عليك يا ابن بلدي الكريم }

هكذا كتب عبدالقادر بمداد روحه وقلبه وفكره… واعود لاقول انا فعلا لم اكسب ممّا كسبه الاخرون ولكن كسبت ما اهمّ كسبت رضاء نفسي و كسبت عزّة نفسي التي لم تُمرّغ يوما في التراب… وكسبت حبّ الناس وهذا لا يقدّر بكلّ كنوز الدنيا … وكسبت خاصة (يرحم والديك)…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 75

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الديماغوجيا في تعريفها هي كلمة يونانية الاصل وهي في حقيقتها مشتقة من كلمة “ديموس” وتعني الشعب، و”غوجيا” وتعني العمل …

عبد الكريم قطاطة

ومن غرائب الدنيا انها تحوّلت في ما بعد من هذا المفهوم الراقي الى مفهوم ثان يتفق عليه الباحثون متمثّلا في (كلام فضفاض لا منطق له يحاول صاحبه ان يستميل اليه المتلقّي بالاغراء)… وهي عادة ما التصقت بالسياسين حيث يعرّفها المعجم الوسيط كالآتي (الديماغوجيا هي مجموعة من الاساليب التي يتبعها السياسيون لخداع الشعب واغرائهم ظاهريا للوصول الى السلطة وخدمة مصالهم) … السنا في عهد ازدهار الديماغوجيا وبامتياز ..؟؟ قلت ازدهار لانّها هي ليست وليدة سنوات الجمر التي هلّ هلالها بعد 14 جانفي بل هي من “الصداقات” التي لازمتنا منذ عهود …

هذا يُحيلني لما صرّح به السيد محمد عبدالكافي انذاك وهو يردّ على استفسارات الصحفيين حول اختفاء الكوكتيل ومن ورائه عبدالكريم .. اذ وكما اسلفت في الورقة الماضية قدّم تفسيرا وفي منتهى الديماغوجية عبر جريدة البيان بتاريخ 27 ماي 85 واعاد نفس الاسطوانة بجريدة الايام بتاريخ 30 ماي من نفس السنة عند استفساره عن سبب اختفاء الكوكتيل حيث قال: (طالبنا بتصور جديد لمختلف البرامج لاننا نرفض تلك الحصص الشبيهة بالحنفية التي يخرج منها كل شيء… العسل والزفت والقطران… والاعتماد على آراء المستمعين فقط ليس العنصر الوحيد لتقييم عمل ما… المنطق يفرض على المنشط تكييف اذواق المستمعين، والواجب يحتّم عليه الارتقاء بدائرة معلوماتهم) … ثمّ يضيف: (ليست لنا نية الاستغناء عن عبدالكريم قطاطة هذا المنشط القدير وبامكانه استرجاع برنامجه حالما ينتهي من اعادة تصورجديد له… وان لم يتمكّن من ذلك ساقدّم له شخصيا تصوّري الخاص لهذه الحصّة الاذاعية)…

ظاهريا يبدو الامر منطقيا جدا و جدّا ايضا .. لكن من واكب برامجي سيدرك مباشرة انّ مديري تحدّث بمفهومي الخاص للمنشط والمستمع… فانا اعلنتها مرار ومنذ السنة الاولى من عملي في الكوكتيل ومازلت عند قناعتي انّي ضدّ منظومة (الجمهور عاوز كده)… احترامي للجمهور لا يعني ولن يعني اني مستعد لتمرير التفاهات شكلا ومحتوى .. ثم هو تحدث في تصريحه للبيان عن رؤيته للعمل الاذاعي حيث قال: (دعوته الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات)… هذا كلام جميل ايضا ولكنّه عار من الصحّة لسببين اولهما انّ السيد محمد عبدالكافي رحمه الله كان كلّما اجتمع بالمنشطين فترة عمله مديرا على راس اذاعة المنستير، كان يحثهم على الاستماع الى عبدالكريم قطاطة والاستفادة من منهجيته واسلوب عمله… وكان يقول لهم حرفيا: (اش ناقصكم انتوما وهو اش عندو زايد عليكم ؟)… ثمّ بين عشية وضحاها يتحوّل هذا المنشط القدير حسب ما ورد على لسانه، الى انسان عاجز حتى على تقديم تصور جديد… واستعداد المدير لمدّ يده لنفس المنشط وانتشاله من العجز …

هذا اولا… ثم ثانيا اين تصوّره الجديد في ما اقترحه هو و شلّته على زميلي عبدالجليل في نادي المستمعين ؟؟ اين التخصص واين العمل ضمن مجموعات ..؟؟ لم يوجد هذا بتاتا في نادي المستمعين ومن هنا كان ردّ مديري قمّة في الدمغجة … لأنّ ما حدث قبل ايقاف الكوكتيل وصاحبه كان كالآتي: تقدمت بطلب عطلة للراحة وفي الاثناء علمت من بعض الزملاء في الادارة ان النية متجهة الى تقليص عدد حصص الكوكتيل من خمس الى ثلاث… وكذلك تقليص مدته من ساعتين الى ساعة ونصف…

اتصلت بالمدير واعلمته برفضي لمثل هذه القرارات دون تفسير منطقي لها… كما عبرت له عن نيتي في ادخال بعض التعديلات على المحتوى دون حتى ان يطلب منّي ذلك… وبكلّ امانة انشرح مديري للامر او هكذا بدا لي وحظيت مقترحاتي بموافقته وكان ذلك يوم 18 ماي 85 … وعندا فوجئت بحلول جلول ونادي المستمعين محلّ الكوكتيل اتصلت بالادارة للاستفسار… اشعرتني بانها طلبت منّي تقديم مشروع كامل لتطوير البرنامج لكنّي لم استجب لذلك … هكّة عيني عينك … وقتها ادركت انّي خسرت الجولة الاولى من معركتي الثانية مع المدير والحاشية … وعندما سالتني الصحافة المكتوبة عن موقفي اكتفيت وقتها بالقول: لا استطيع ان اقول شيئا في الوقت الحاضر… (الايام 30 ماي 85).

اعود لاقول وجيعتي كانت كبيرة … مؤامرة حيكت بشكل دنيء … اذ من حقّ ايّة ادارة ان يكون لها موقف من منشط ما او برنامج ما، ولكن كنت احترم موقفها او قرارها لو لم يكن بشكل مخادع وجبان … وللامانة انذاك لم اقبل موقف جلّول والذي اعتبرته خيانة وقررت ان احرّض عليه المستمعين وفعلت… امّا مع الادارة فارتأيت ثانية ان استرخص في عطلة بلا مقابل ولمدة سنة قد اجددها حتى اتمكّن من الكتابة في الصحف واعلان الحرب على ادارة اذاعة صفاقس… حيث تمكنني هذه الرخصة من عدم الوقوع في فخ انعقاد مجلس التأديب اذا قمت بكتابة ايّ شيء تجاه مؤسستي وانا في حالة مباشرة …

وحصلت على رخصة بعطلة دون مقابل وبدأتُ حملتي الصحفية يوم 6 جوان 85 وبجريدة الايام بمقال طويل عريض يحمل عنوان (عبدالكريم قطاطة يردّ على ادارة اذاعة صفاقس) بالقول:بكلّ برودة دم لن اساوم (وها انا اوثّق للتاريخ بعض ماجاء في هذا المقال)… عندما كتبت في شهر اكتوبر 82 عن الكوكتيل وهو يتعرض للهزّة الاولى في سجلّ ايامه، عاب عليّ البعض تسرّعي ولهجتي الحادّة واعتبر مقالي انذاك تحدّيا لتقاليد عديدة والتي مازالت لحد الان بالية هزيلة شاحبة وخاوية… وكان ما كان ودفع من اراد عرقلة الكوكتيل الضريبة غالية… وعاد الكوكتيل الى الوجود شامخا هازئا رغم الاعداء والاعداء والاعداء .. وعند تولّي الزميل محمد عبدالكافي ادارة اذاعة صفاقس وعلى اثر اوّل لقاء بيننا، خاطبته حرفيا بقولي: (لست من غواة الكاشيات ولا من هواة المناصب .. كل ما ارجوكم هو مساعدتي على القيام بهذا العمل الشاق وذلك بالتعامل معي بصدق ونزاهة، فانا اقبل كل الملاحظات والنقد والاصلاح والتوجيه ما دام صاحبه ينطلق من معدن الوضوح والصراحة … فهل تُعتبر شروطي هذه مجحفة ؟؟؟ اذ شرعيّ جدا ان يحاول كلّ مسؤول جديد في مؤسسة ما، ادخال نفَس جديد وفلسفة شخصية على سير العمل بمؤسسته… لكن هل يمكن ان يكون ذلك على طريقة نيرون الذي احرق روما ؟ وفي باب التطوير هل من المعقول ان تنسى ادارة اذاعة صفاقس مجموعة كبيرة من البرامج اكلها السوس وهي نسخة مطابقة لبعضها البعض ومنذ الستينات ؟؟ لماذا حربوشة التطوير او كرتوشته توجهت بالذات الى الكوكتيل؟”...

وحديثك عن الجمهور … انت وغيرك يعلم ان جمهور الكوكتيل متنوع وحاضن لكلّ الفئات والمستويات التعليمية… وانّ الكوكتيل من جملة ما حصل عليه في الاستفتاءات انه البرنامج رقم واحد لدى المثقفين ..اذن حذار من كلامك عن جمهور الكوكتيل … ومن اهانتك له … وردّا على ورودك وانت تنعتني بالمنشط القدير، اليس من الغريب ان تنعت هذا القدير بالمحنّط وغير القادر على التجديد بل وتذهب الى حد استعدادك لمد اليد والدعم بتصوراتك .. في خاتمة كلماتي اوجز موقفي كما يلي: انا لم ولن اكون يوما مساوما بالكلمة وسابقى رافضا لكلّ المواقف المهزوزة… والكوكتيل هو كوكتيل المستمعين قبل ان يكون كوكتيل عبدالكريم… وايقافه هو ايقاف لمسار اذاعي جديد وبكلّ غرور، وهو تحدّ لارادة المستمعين ولقد سبق ان قلت سنة 82 بامكانك ان تقتل بلبلا مغرّدا ولكنّك لن تكون قادرا على قتل غريزة التغريد في البلابل … قد يتوقف الكوكتيل شهرا، سنة، عشر سنوات ولكن وبكلّ تحدّ لن يموت لأنه لن يساوم وسيقاوم”.

هذه مقتطفات من مقالي الذي احتلّ صفحة الا ربعا في جريدة الايام… كنت استفزازيا نعم … تركته ضمنيا في حرب مع المستمع نعم .. سخرت من ديماغوجيته نعم … وكنت على يقين تام ولا جدال فيه اني خسرت معركة ولم اخسر حربا … وكان تعاطف الزملاء في جريدة الايام اولا وفي عديد العناوين مشهودا … هذا ما كتب نجيب الخويلدي في ركن صحافة الرسائل وبتاريخ 13 جوان 85 (وبدات اذاعة صفاقس تزاحم الاذاعة الوطنية في قتل الموهوبين ومعاداة النجباء … التنشيط الاذاعي موهبة وليس خطة ادارية لذلك فانا لا اتصور ان محمد عبدالكافي يمتاز على عبدالكريم قطاطة في الخلق والتصورّ وبث الذبذبات الساحرة ؟ هل يستطيع عبدالعزيز بن عبدالله* ان يملك قلوبنا كما فعل ساحر الاجيال حمادي العقربي ؟؟ وبعد كل هذا ماذا يمكن ان يقترح محمد عبدالكافي على عبدالكريم قطاطة ؟؟ يا فلان انّ عبدالكريم امبراطورية لها جماهيرها التي انتخبتها بصفة ديموقراطية لانّ الامبراطور تعامل مع الناس بالحب والامل والارادة… وهذا كان شعار الكوكتال… هذه اربع كلمات من مئات اريد ان اقولها في مسالة تثليج عبدالكريم قطاطة… فهل ستتحول جنة الاذاعات اي اذاعة صفاقس الى جحيم ..؟؟ الايام ستجيب والتاريخ سيسجّل)...

هكذا كتب زميلي وصديقي نجيب الخويلدي… وفي نفس العدد فوجئت بمقال يكتبه زميلي عبدالقادر المقري وتحت عنوان (يكرهون الجمال)… هل تصدقون ان قلت لكم اني اعتبر ما كتبه قدّور من اغلى الاوسمة في حياتي …توقفت عن كتابة بقية هذه الورقة نصف ساعة لاُعيد للمرة لست ادري كم، قراءة مقالك يا قدّور … وللمرة لست ادري كم ايضا، تفيض عيوني دمعا وانا اترشفه …حاولت جاهدا اقتطاع بعض الفقرات منه ولكن عجزت عجزا تاما عن ذلك… ايُعقل ان ابتر يدا من جسد متكامل؟… ايُعقل ان افقأ عينا من رأس من يعزّ عليّ؟؟ هكذا خُيل اليّ وانا احاول جاهدا ان اقتطع لكم منه بعض الشيء … وعدا منّي ان انسخه لكم كاملا في الورقة القادمة وانا واثق جدا من اني ساهديكم دررا ثمينة وصادقة جدا لقلم ابن المقري … شكرا قدّور على وسامك…

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس النادي الصفاقسي آنذاك

أكمل القراءة

صن نار