تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 9

نشرت

في

Voleur avec Apple illustration stock Illustration du criminel 77523663

سنة السادسة “ابتدائي” وانا استعد لسنة ليست ككل السنوات في حياة كل تلميذ انذاك (سنة السيزيام وما ادراك) وشهادة السيزيام انذاك كانت شهادة تنتظرها لا فقط عائلة التلميذ بل اهله وجيرانه وخاصة “الحوش” لانني سادخل في مناظرتها مع ابن عمي الذي يكبرني بثلاث سنوات . والمنافسة بيننا وبين العائلتين في الخفاء ستكون على اشدها ..

عبد الكريم قطاطة
<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

وانا استعد لتلك السنة عشت احداثا هي الاولى من نوعها في حياتي … اولها انني وبمعية ابن عمي تآمرنا على السرقة …نعم هي الا ولى و لن تكون الاخيرة …سرقة التفاح من جنان احد جيراننا ..هم جيران من اولائك الذين يسكنون في المدينة شتاء وفي الغابة صيفا … اغنياء صفاقس عموما … وغيب يا قط العب يا فار … خرجنا يومها كعادتنا نبحث في طوابي الجيران عن الحميضة والجرجير والهندي السوري (وهو نوع من الهندي صغير الحجم احمر اللون لذيذ لمن يريد الحموضة ويستعمله العديد في وضعه ببعض الخضر المملحة كالسفنارية واللفت لصبغهما بلونه الاحمر الجميل) وهو لا يوجد بكثرة في غابتنا …وبعد ان تمكنا من الحصول على صيدنا خطر ببالنا ان نذهب الى صيد اثمن: تفاح دار بسباس، جنان هؤلاء كان شاسعا وبه عديد االاشجار المثمرة الا ان اختيارنا وقع على التفاح ….

هذه النوعية من الثمار كنا لا نأكل منها الا ما يجلبه عمي الدلال من عمله او ما يرمي به العاملون في ماكينة °ولها ° المحاذية لمدرستي الابتدائية والتي تتنوع اختصاصاتها حسب الفصول … ففي الشتاء هي لعصر الزيتون وبداية من الربيع تصبح قلعة كبيرة لفرز الغلال وتصديرها الى داخل الجمهورية، علاوة على تهيئة ثمار اللوز (تقشيرا وتكسيرا) لنفس الغرض …وسواء كان محصول التفاح مما يجلبه عمي او مما يرميه عمال الماكينة فانه لن يكون الا تفاحا معتلا في ثلثيه حيث نلتهم الثلث المعافى من عاهة الثمار… اذ كيف لنا ان نقدر على شراء التفاح وهو بالنسبة لميزانيتنا انذاك كافيار ..؟؟ هل تصورتم الان الصيد الثمين الذي برز الى المشهد المعدي ونحن نبحلق بكروشنا لا بأعيننا الى تفاح البسابسة ..؟؟؟

ابن عمي اختار ان يكون بوليسا يراقب حركة المرور في الزنقة واشار على “كريّم” باجتياز الاسلاك الشائكة وبالهجوم الداعشي على شجرة التفاح …وكان داعشيا حقا لاني وانا الخائف من افتضاح امري ذبحت كعيبات التفاح بـ”حشيشو وريشو”، طايب على نيّ، صغير على كبير … ولم ارحم حتى بعض الاغصان التي حرمتها يومها من امومتها . والى الابد .. وهرولنا فرحين مسرورين الى جناننا لالتهام الغنيمة … وقللو تعرفشي نسرق قللو نعرف قللو تعرفشي تخبي قللو ماهياش من اختصاصي (هذي من اختصاص لصوص السياسة بعد 4 1جانفي !)…وبعد ان اخذنا نصيبنا من ثمار التفاح البسباسي اللذيذ بقي من المحصول بعض التفاحات، ارتأينا ان نحجز لها مكانا في الحوش حتى لا تطاله لا الايدي ولا الاعين ..لتنمكن من العودة الى التفاح اللي يفوح ..واللي ماشي يطلع الروح، وكانه (وحسب الاساطير لا غير) التفاح اصل البلية منذ آدم وحواء _.

وضعناه في جيوب بنطلوناتنا ومشينا الهوينى حتى لا نلفت الينا انظار سكان الحوش …وما كدنا نجتاز عتبة الحوش حتى اطلت علينا عيادة بنظراتها المرتابة ….هي دائما مرتابة كلما خرجت مع ابن عمي او كلما تاخرت في العودة الى المنزل ..وفي هذه الحالة يصح الوجهان كما تقول القاعدة اللغوية . رغم انه يومها “اتهردو” الوجهان … وجهي ووجه ابن عمي… وما ان لمحت كرات التنس التي انتفخ بها جيبا “دجوركوفيتش ونادال”، حتى عرفت ان الامور فيها ليس فقط واو بل ظن وخال وشك وحسب و شمّ … وفعلا اشتمت عيادة الرائحة …وكعادتها وبكل بهنسة النساء الحكيمات سالتني … اشنوة هاكة يا وليدي؟ وكنت في تلك السن وانا عامل عملة، يتملكني خوف رهيب منها واتسمر في مكاني دون حراك لانه حتى الهروب منها لن ينفع اذ واذكركم بمقولتها الشهيرة عند محاولتي الهروب: والله لو كان متاقفش نقتلك…

واذعن لمشيئة “تاتشر عيادة” المرأة الفولاذية (لان الحديدية ليس من قدرها) وتدخل والدتي يدها في جيب البنطلون لتخرج الكنوز المهربة … وبنظرة غاضبة تزمجر في وجهي ويعلو صوتها تدريجيا حسب نسق اعترافي …ايا قللي منين سرقتوه … واذعن للحقيقة المرة …انكشف امري …لا فائدة من ان اتلكأ امام قاضية التحقيق عسى ان يكون اعترافي فيه ضمان لعقاب اخف مما ينتظرني ..وتلتحق خالتي والدة ابن عمي بمهرجان القبض على مجرمي الحوش: “هاكة اللي مازال علينا نسرقو ديار جيرانّا …هذا لا عملو لا بوك لا جدك” (ولست ادري ان كانا فعلا بريئين او “العريق جباد” حقا لست ادري) .. وتتفقان على رفع القضية للسلط العليا في محكمة العدل الحوشية (ابي وعمي) مع حجز المسروقات وحجزنا بقية اليوم داخل بيت كل واحد منا دون حراك ….لا مرزوقي …ولا دايمي …ولا عدناني … ولا والو …

وتمر الساعات طويلة ونحن ننتظر صدور احكام ‘التاس’ الحوشية …وعينك ما ترى النور ويزمجر السيدان ويقرران طريحة على الساقين (واحد يحمل والاخر يضرب) لكل واحد منا … وهي المرة الاولى ولكنها الاخيرة التي اقع فيها تحت طائلة هذا العقاب وهذا العذاب … ولكم ان تتصوروا حالتي وانا طفل لم يعاقب يوما بطريحة من جهة ثم نفس هذا الطفل كان يعيش الرعب في الروضة (زاوية سيدي عبدالقادر) وهو يشاهد بعينه وقلبه وكل حواسه اترابه يخضعون لعقاب “الفلقة”، تلك الشبيهة بالمقصلة وهي تثبت القدمين بين فكيها الخشبيين وسيدي المدب يمسد الرجلين بعصا زيتون …

الحدث الثاني الذي عشته في تلك السنة لعبي للكرة لاول مرة في حياتي مع بورة الكحلاوي، بورة حومتنا ..الفرق انذاك تسمى في صفاقس اما بمكانها الجغرافي (بورة القصر بورة حي بورقيبة طريق سيدي منصور … بورة الحطاب مركز الحطاب طريق المهدية) … او باسماء اشخاص او عائلات (بورة العلوش بورة العذار بورة الشباشبة او ….بورة الكحلاوي) …وبعد تعرفي على اترابي في حومتنا فهمت جيدا لماذا سميت البورة ياسمه … هو اولا لاعب فريد من نوعه لانه قادر على اللعب في اي مركز من حراسة المرمى الى قلب هجوم والله دون اية مبالغة (ورغم الاختبار الناجح جدا الذي اجراه في السي اس اس وهو صغير السن _13 سنة _ ورغم رغبة الاطار الفني لجلبه بكل السبل الى النادي، فانه رفض رفضا قطعيا الانضمام) …لا تظنوا ان الترجي اغراه بالمليارات ثم طلع صيشة …بل رفضه كان لسبب حيوي بالنسبة اليه …هو متعود على لعب الكرة في حومتنا دون حذاء …إينعم،حافيا … فكيف له ان يفرط في هذه المتعة ويسجن رجليه في ‘بودير’؟؟؟ ثاني الاسباب انه كان _باربو الحومة …صحة بدن وبونيتو تخوف … ومن يجرؤ على عراكه ..؟؟؟؟..

في ذلك اليوم المشهود في علاقتي بكرة القدم ارسلتني امي لقضاء بعض حاجيات العائلة لطهي العشاء …وما ان وصلت الى البورة (ملعب صغير في ذلك الزمن وسط الوادي طوله بالكاد عشرة امتار وعرضه متران) … ما ان وصلت حتى دعاني سي الكحلاوي لا مشورة بل امرا لكي اتمّ المجموعة وآخذ مكاني كحارس مرمى …لبيت دون تردد اولا خوفا من بطش الكحلاوي وثانيا زهوا وافتخارا …توة وليت راجل يا عبدالكريم وتلعب مع الرجال وفي بورة الكحلاوي التي يستحيل ان ينتصر عليها اي فريق منافس سواء لعبا او بالبونية، خاسرين رابحين ما تروحوا كان خاسرين …وماكدت ادخل الى عشب “البرنابيو” (حجارة وحصاة الوادي) حتى عملت فيها بطلا وبقفزة بهلوانية لصد المهاجم ومنعه من تسجيل هدف وكأني° ياشين° زماني، الحارس الروسي الشهير والملقب بالعنكبوت الاسود، حتى انهال الكحلاوي شتما وسبا على “كريم” وهو يرى الكرة تجتازني من بين ساقيّ (عظمة) وتستقر في شباكي …وهل كانت هنالك شباك ..؟؟؟ كل ما في الامر حجرتان لرسم معالم المرمى والبقية ارض صلبة تدمي كل لاعبيها ..

خجلت من نفسي ومن “تكركيرة” الكحلاوي بعد ان فصلني واطردني شر طردة … واحمد الله انه لم يمر الى سرعة الغضب القصوى فيوافيني حق الطبل ليلة العرس …غادرت الملعب الاولمبي لحومتنا واتجهت مسرعا الى حانوت الحومة لقضاء ما اوصتني به امي …كانت تنتظرني براس الزنقة كلما ابطأت في عودتي …وكانت تخاف على كريمها بشكل خرافي … الساعة انذاك تشير الى قرب المغرب فكيف لولدها ان يعود ليلا وكيف له ان يبطئ في عودته ومعه ملح العشاء ؟؟؟؟ وما ان اقتربت منها حتى وكعادتها نظرت في ملابسي وحالتي مليا ثم اندلعت المعركة (وهي على فكرة، من جانب واحد)…ما تقلليش لعبت الكورة مع كلاب السوق …؟؟؟ …انت قدرك من قدرهم …؟؟؟؟ (وكأني ابن الباشا محمد قطاطة( …هكة دبشك؟ …مبلحطين ..؟؟؟ اش قولك نحمش عليك بوك ..؟؟؟ اوعدني انك ما عادش تعاودها ماكانشي اعرف اش يستنى فيك الليلة حكان بالفلفل من عندي والا بوك يبيتك معلق ….يشرق علينا نخالطو اللي ما يسواوش .؟؟؟

وامام هذا الواقع المنذر بكل العواصف اذعن واعدها بـ “باهي نوعدك ماعادش نعاودها” … وهو وعد لم اتقن يوما الوفاء به بل تفننت كل المرات للاطاحة به مما جعلها في آخر عهدي بالكرة وانا احمل الزي الرياضي لاشارك اما في تمارين او في مباراة، تتنهد وببسمة خفيفة تردف: مازالت اتبع فيك هالكورة يراها مقهورة … وهي صادقة في دعائها لان الكرة في جل طفولتي وشبابي قهرت ارادتها في إثنائي عنها …

الحدث الثالث قبل مناظرة السيزيام بايام كان دخولي لقاعة سينما بصفاقس المدينة …حدث ذلك في قاعة الهلال سابقا وهي كانت بجانب المسرح البلدي ..والفيلم كان لفريد الاطرش وسميرة احمد °شاطئ الحب ° والدعوة اتت من خطيب اختي (طبعا وين نحطك يا طبق الورد) …انذاك لم يكن بامكان الخطيب ان يرافق خطيبته الى اي مكان قبل الزواج وكانت العبارة المنتشرة في ذلك الزمن والتي يحرص كل اب على اشتراطها على الخطيب: لا نحب لا دخلة ولا خرجة. هذية امور ماهياش في سبرنا (اي في عاداتنا)…وانطلاقا من °امر على الديار ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدار، وما حب الديار سكنّ قلبي ولكن حب من سكن الديار °، فان خطيب اختي كان عندما دعاني الى مشاهدة فيلم معه يريد ان يبلغ رسالة مشفرة الى اختي قد تكون “شفت قداش نعزك .؟؟”..او شفت قداش نحبك يا ريت كنت انت في بلاصتو ؟؟..او وقتاش يمروا الايام وندخل انا وياك وين ما تحب … اي بموجز العبارات …راهو قريب صبري ينفد …

ولا اظن بل انا علي يقين كلي بان هذه الرسائل المشفرة تنزل على قلب اختي بردا وسلاما في بدايتها ثم تتحول عند مغادرتنا انا واياه لحوشنا، الى تنهيدة يصل مداها الى ربض زنقة بن سعيد حيث يقطن خطيبها …لن انسى لخطيب اختي مهما كانت نوعية رسائله المشفرة، انه وطوال عمره كان يضعني في اطار ذلك الاخ الصغير الحريص على الوقوف معه في كل احتياجاته… رحمه الله ولنا عودة للعديد منها …

في شهر جوان وصلت بطاقة الاستدعاء … لاجتياز مناظرة السيزيام بالليسيه … هكذا كان يسمى معهد طريق قابس للذكور…. معهد 15 نوفمبر كان يسمى الحي ومعهد 9 افريل كان يسمى التكنيك ومعهد الفتيات كان يسمى “ليسيه دي جون في” اي معهد الفتيات ان صحت الترجمة … ثم معهدان اعداديان للناجحين كبار السن والذين لا تتجاوز مدة دراستهم ثلاث سنوات، وهما اشبه شيء بالمعاهد المهنية حاليا … معهد محمد علي (وكان يسمى السونتر) وهو للفتيان … ومعهد الطاهر الحداد وكان يسمى سوق الزيتون وهو للفتيات … هذه هي فقط المعاهد الموجودة انذاك بصفاقس …

يااااااااااااااااااااااااااه كانت على قلّتها معاهد لها بصمانها ولها حكاياتها ….وكم منها فقد لونه وطعمه ورائحته الان …كم انا يتيم وانا ارى ما صارت عليه اليوم في جلها

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 75

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الديماغوجيا في تعريفها هي كلمة يونانية الاصل وهي في حقيقتها مشتقة من كلمة “ديموس” وتعني الشعب، و”غوجيا” وتعني العمل …

عبد الكريم قطاطة

ومن غرائب الدنيا انها تحوّلت في ما بعد من هذا المفهوم الراقي الى مفهوم ثان يتفق عليه الباحثون متمثّلا في (كلام فضفاض لا منطق له يحاول صاحبه ان يستميل اليه المتلقّي بالاغراء)… وهي عادة ما التصقت بالسياسين حيث يعرّفها المعجم الوسيط كالآتي (الديماغوجيا هي مجموعة من الاساليب التي يتبعها السياسيون لخداع الشعب واغرائهم ظاهريا للوصول الى السلطة وخدمة مصالهم) … السنا في عهد ازدهار الديماغوجيا وبامتياز ..؟؟ قلت ازدهار لانّها هي ليست وليدة سنوات الجمر التي هلّ هلالها بعد 14 جانفي بل هي من “الصداقات” التي لازمتنا منذ عهود …

هذا يُحيلني لما صرّح به السيد محمد عبدالكافي انذاك وهو يردّ على استفسارات الصحفيين حول اختفاء الكوكتيل ومن ورائه عبدالكريم .. اذ وكما اسلفت في الورقة الماضية قدّم تفسيرا وفي منتهى الديماغوجية عبر جريدة البيان بتاريخ 27 ماي 85 واعاد نفس الاسطوانة بجريدة الايام بتاريخ 30 ماي من نفس السنة عند استفساره عن سبب اختفاء الكوكتيل حيث قال: (طالبنا بتصور جديد لمختلف البرامج لاننا نرفض تلك الحصص الشبيهة بالحنفية التي يخرج منها كل شيء… العسل والزفت والقطران… والاعتماد على آراء المستمعين فقط ليس العنصر الوحيد لتقييم عمل ما… المنطق يفرض على المنشط تكييف اذواق المستمعين، والواجب يحتّم عليه الارتقاء بدائرة معلوماتهم) … ثمّ يضيف: (ليست لنا نية الاستغناء عن عبدالكريم قطاطة هذا المنشط القدير وبامكانه استرجاع برنامجه حالما ينتهي من اعادة تصورجديد له… وان لم يتمكّن من ذلك ساقدّم له شخصيا تصوّري الخاص لهذه الحصّة الاذاعية)…

ظاهريا يبدو الامر منطقيا جدا و جدّا ايضا .. لكن من واكب برامجي سيدرك مباشرة انّ مديري تحدّث بمفهومي الخاص للمنشط والمستمع… فانا اعلنتها مرار ومنذ السنة الاولى من عملي في الكوكتيل ومازلت عند قناعتي انّي ضدّ منظومة (الجمهور عاوز كده)… احترامي للجمهور لا يعني ولن يعني اني مستعد لتمرير التفاهات شكلا ومحتوى .. ثم هو تحدث في تصريحه للبيان عن رؤيته للعمل الاذاعي حيث قال: (دعوته الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات)… هذا كلام جميل ايضا ولكنّه عار من الصحّة لسببين اولهما انّ السيد محمد عبدالكافي رحمه الله كان كلّما اجتمع بالمنشطين فترة عمله مديرا على راس اذاعة المنستير، كان يحثهم على الاستماع الى عبدالكريم قطاطة والاستفادة من منهجيته واسلوب عمله… وكان يقول لهم حرفيا: (اش ناقصكم انتوما وهو اش عندو زايد عليكم ؟)… ثمّ بين عشية وضحاها يتحوّل هذا المنشط القدير حسب ما ورد على لسانه، الى انسان عاجز حتى على تقديم تصور جديد… واستعداد المدير لمدّ يده لنفس المنشط وانتشاله من العجز …

هذا اولا… ثم ثانيا اين تصوّره الجديد في ما اقترحه هو و شلّته على زميلي عبدالجليل في نادي المستمعين ؟؟ اين التخصص واين العمل ضمن مجموعات ..؟؟ لم يوجد هذا بتاتا في نادي المستمعين ومن هنا كان ردّ مديري قمّة في الدمغجة … لأنّ ما حدث قبل ايقاف الكوكتيل وصاحبه كان كالآتي: تقدمت بطلب عطلة للراحة وفي الاثناء علمت من بعض الزملاء في الادارة ان النية متجهة الى تقليص عدد حصص الكوكتيل من خمس الى ثلاث… وكذلك تقليص مدته من ساعتين الى ساعة ونصف…

اتصلت بالمدير واعلمته برفضي لمثل هذه القرارات دون تفسير منطقي لها… كما عبرت له عن نيتي في ادخال بعض التعديلات على المحتوى دون حتى ان يطلب منّي ذلك… وبكلّ امانة انشرح مديري للامر او هكذا بدا لي وحظيت مقترحاتي بموافقته وكان ذلك يوم 18 ماي 85 … وعندا فوجئت بحلول جلول ونادي المستمعين محلّ الكوكتيل اتصلت بالادارة للاستفسار… اشعرتني بانها طلبت منّي تقديم مشروع كامل لتطوير البرنامج لكنّي لم استجب لذلك … هكّة عيني عينك … وقتها ادركت انّي خسرت الجولة الاولى من معركتي الثانية مع المدير والحاشية … وعندما سالتني الصحافة المكتوبة عن موقفي اكتفيت وقتها بالقول: لا استطيع ان اقول شيئا في الوقت الحاضر… (الايام 30 ماي 85).

اعود لاقول وجيعتي كانت كبيرة … مؤامرة حيكت بشكل دنيء … اذ من حقّ ايّة ادارة ان يكون لها موقف من منشط ما او برنامج ما، ولكن كنت احترم موقفها او قرارها لو لم يكن بشكل مخادع وجبان … وللامانة انذاك لم اقبل موقف جلّول والذي اعتبرته خيانة وقررت ان احرّض عليه المستمعين وفعلت… امّا مع الادارة فارتأيت ثانية ان استرخص في عطلة بلا مقابل ولمدة سنة قد اجددها حتى اتمكّن من الكتابة في الصحف واعلان الحرب على ادارة اذاعة صفاقس… حيث تمكنني هذه الرخصة من عدم الوقوع في فخ انعقاد مجلس التأديب اذا قمت بكتابة ايّ شيء تجاه مؤسستي وانا في حالة مباشرة …

وحصلت على رخصة بعطلة دون مقابل وبدأتُ حملتي الصحفية يوم 6 جوان 85 وبجريدة الايام بمقال طويل عريض يحمل عنوان (عبدالكريم قطاطة يردّ على ادارة اذاعة صفاقس) بالقول:بكلّ برودة دم لن اساوم (وها انا اوثّق للتاريخ بعض ماجاء في هذا المقال)… عندما كتبت في شهر اكتوبر 82 عن الكوكتيل وهو يتعرض للهزّة الاولى في سجلّ ايامه، عاب عليّ البعض تسرّعي ولهجتي الحادّة واعتبر مقالي انذاك تحدّيا لتقاليد عديدة والتي مازالت لحد الان بالية هزيلة شاحبة وخاوية… وكان ما كان ودفع من اراد عرقلة الكوكتيل الضريبة غالية… وعاد الكوكتيل الى الوجود شامخا هازئا رغم الاعداء والاعداء والاعداء .. وعند تولّي الزميل محمد عبدالكافي ادارة اذاعة صفاقس وعلى اثر اوّل لقاء بيننا، خاطبته حرفيا بقولي: (لست من غواة الكاشيات ولا من هواة المناصب .. كل ما ارجوكم هو مساعدتي على القيام بهذا العمل الشاق وذلك بالتعامل معي بصدق ونزاهة، فانا اقبل كل الملاحظات والنقد والاصلاح والتوجيه ما دام صاحبه ينطلق من معدن الوضوح والصراحة … فهل تُعتبر شروطي هذه مجحفة ؟؟؟ اذ شرعيّ جدا ان يحاول كلّ مسؤول جديد في مؤسسة ما، ادخال نفَس جديد وفلسفة شخصية على سير العمل بمؤسسته… لكن هل يمكن ان يكون ذلك على طريقة نيرون الذي احرق روما ؟ وفي باب التطوير هل من المعقول ان تنسى ادارة اذاعة صفاقس مجموعة كبيرة من البرامج اكلها السوس وهي نسخة مطابقة لبعضها البعض ومنذ الستينات ؟؟ لماذا حربوشة التطوير او كرتوشته توجهت بالذات الى الكوكتيل؟”...

وحديثك عن الجمهور … انت وغيرك يعلم ان جمهور الكوكتيل متنوع وحاضن لكلّ الفئات والمستويات التعليمية… وانّ الكوكتيل من جملة ما حصل عليه في الاستفتاءات انه البرنامج رقم واحد لدى المثقفين ..اذن حذار من كلامك عن جمهور الكوكتيل … ومن اهانتك له … وردّا على ورودك وانت تنعتني بالمنشط القدير، اليس من الغريب ان تنعت هذا القدير بالمحنّط وغير القادر على التجديد بل وتذهب الى حد استعدادك لمد اليد والدعم بتصوراتك .. في خاتمة كلماتي اوجز موقفي كما يلي: انا لم ولن اكون يوما مساوما بالكلمة وسابقى رافضا لكلّ المواقف المهزوزة… والكوكتيل هو كوكتيل المستمعين قبل ان يكون كوكتيل عبدالكريم… وايقافه هو ايقاف لمسار اذاعي جديد وبكلّ غرور، وهو تحدّ لارادة المستمعين ولقد سبق ان قلت سنة 82 بامكانك ان تقتل بلبلا مغرّدا ولكنّك لن تكون قادرا على قتل غريزة التغريد في البلابل … قد يتوقف الكوكتيل شهرا، سنة، عشر سنوات ولكن وبكلّ تحدّ لن يموت لأنه لن يساوم وسيقاوم”.

هذه مقتطفات من مقالي الذي احتلّ صفحة الا ربعا في جريدة الايام… كنت استفزازيا نعم … تركته ضمنيا في حرب مع المستمع نعم .. سخرت من ديماغوجيته نعم … وكنت على يقين تام ولا جدال فيه اني خسرت معركة ولم اخسر حربا … وكان تعاطف الزملاء في جريدة الايام اولا وفي عديد العناوين مشهودا … هذا ما كتب نجيب الخويلدي في ركن صحافة الرسائل وبتاريخ 13 جوان 85 (وبدات اذاعة صفاقس تزاحم الاذاعة الوطنية في قتل الموهوبين ومعاداة النجباء … التنشيط الاذاعي موهبة وليس خطة ادارية لذلك فانا لا اتصور ان محمد عبدالكافي يمتاز على عبدالكريم قطاطة في الخلق والتصورّ وبث الذبذبات الساحرة ؟ هل يستطيع عبدالعزيز بن عبدالله* ان يملك قلوبنا كما فعل ساحر الاجيال حمادي العقربي ؟؟ وبعد كل هذا ماذا يمكن ان يقترح محمد عبدالكافي على عبدالكريم قطاطة ؟؟ يا فلان انّ عبدالكريم امبراطورية لها جماهيرها التي انتخبتها بصفة ديموقراطية لانّ الامبراطور تعامل مع الناس بالحب والامل والارادة… وهذا كان شعار الكوكتال… هذه اربع كلمات من مئات اريد ان اقولها في مسالة تثليج عبدالكريم قطاطة… فهل ستتحول جنة الاذاعات اي اذاعة صفاقس الى جحيم ..؟؟ الايام ستجيب والتاريخ سيسجّل)...

هكذا كتب زميلي وصديقي نجيب الخويلدي… وفي نفس العدد فوجئت بمقال يكتبه زميلي عبدالقادر المقري وتحت عنوان (يكرهون الجمال)… هل تصدقون ان قلت لكم اني اعتبر ما كتبه قدّور من اغلى الاوسمة في حياتي …توقفت عن كتابة بقية هذه الورقة نصف ساعة لاُعيد للمرة لست ادري كم، قراءة مقالك يا قدّور … وللمرة لست ادري كم ايضا، تفيض عيوني دمعا وانا اترشفه …حاولت جاهدا اقتطاع بعض الفقرات منه ولكن عجزت عجزا تاما عن ذلك… ايُعقل ان ابتر يدا من جسد متكامل؟… ايُعقل ان افقأ عينا من رأس من يعزّ عليّ؟؟ هكذا خُيل اليّ وانا احاول جاهدا ان اقتطع لكم منه بعض الشيء … وعدا منّي ان انسخه لكم كاملا في الورقة القادمة وانا واثق جدا من اني ساهديكم دررا ثمينة وصادقة جدا لقلم ابن المقري … شكرا قدّور على وسامك…

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس النادي الصفاقسي آنذاك

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 74

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

ان تعمل في قطاع الاعلام بانماطه المختلفة… مكتوبا ومسموعا ومرئيا… ليس امرا مُتاحا للجميع من جهة، وليس بالضرورة ان تنجح في مثل هذه الاعمال ..

عبد الكريم قطاطة

انا كنت ومازلت من المؤمنين بأنّ الاعلامي هو صاحب رسالة بناءة فهو اوّلا لسان الاخرين وخاصة لسان المحرومين والمظلومين بعيدا عن الاحتواء وعن أبواق البلاط او الاحزاب… فهو بالقلم او المصدح او الكاميرا صورة عاكسة ومناضلة من اجل ذلك الذي لم تُتح له الفرصة كي يعبّر عن افراحه واتراحه… ومن ثمة يكون رجع الصدى الايجابي من المستهلك… والاعلامي الذي لا يتفاعل معه المتلقّي تفاعلا واعيا عميقا قد يخلق (البوز ) لفترة زمنية وجيزة ولكن قدره حتما سيكون كفقاعات المطر عند نزولها… تنتفخ في زهو ثم تختفي… ومن المخجل انّ هؤلاء تكاثروا بشكل رهيب بعد 14 جانفي 2011 ولم يدركوا يوما انّ الكلمة اخطر من الرصاصة … فالرصاصة تقتل فردا اما الكلمة فباستطاعتها ان تقتل شعبا…

انظروا ما آلت اليه وسائل الاعلام بعد 2011 وماذا اثمرت من اولاد مفيدة الى اولاد عواطف… جيل مهمّش لا قيم له… امكانياته الفكرية محصورة في مشطة شعر كالهدهد وفي بنطلون متعدد النوافذ… والغريب في الامر انّ اباطرة هذه التوجهات الممنهجة تصوّروا انهم بهذه الانماط الاعلامية سيواجهون التطرف والارهاب… في حين انّ النتائج ستكون كارثية يوما ما، وسينقسم التونسيون الى قطيع من متطرفين اسلاميين من شاكلة (وَ إذا قِيلَ لَهُمْ لا تًفسِدوا في الارضِ قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)… والى قطيع ثان من جيل الفراغ والزطلة والعبث… وتصوروا فقط هذين القطيعين يوما ما في مواجهة… انها حتما الطامة الكبرى لانهما سيكونان بيادق لحرب يقتل فيها الاخ اخاه والاب ابنه… بينما ينعم اباطرة القطيعين برغد الحياة …

كنّا في جريدة الايام ومنذ انطلاقتها في 5 ديسمبر 84 نحمل نفس هذه القناعات… وكان شعارنا “لا نجامل ولا نعادي” ولكن ايضا آمنّا جدا بالمتلقّي (اي القارئ) واوليناه عناية فائقة وخصصنا له مساحة اسبوعية تحت عنوان (صحافة الرسائل) قال عنها رئيس التحرير صديقي نجيب الخويلدي في عدد 14 مارس 1985: ستلاحظون انطلاقا من هذا العدد انّ صحافة الرسائل تمكّنت بفضل السياسة التوسّعية (وارجوكم لا تسيئوا الظن بهذه العبارة) تمكنت ان تحتلّ صفحة ثانية بعد مفاوضات طويلة وعسيرة كان فيها عبدالكريم قطاطة المحامي رقم 1 عن هذه الصفحة حيث قال عبدالكريم بالحرف الواحد: {المستمعون في حاجة الى مساحة اكبر .. علينا ان نشعرهم ان لم يشعروا الى الان، ان الجريدة مِلك لهم وانّه ليس لنا حقّ الامتياز حتى نكتب نحن عشرات الصفحات ونملأها بما يخطر لنا، فيما نحرمهم وعددهم بالالاف من المساهمة في تأثيث الايام وانتقاء بضائعها}… قاطعت عبدالكريم لأقول: (اردت ان تقول القرّاء طبعا لا ان تقول المستمعين) .. ضحك عبدالكريم وضرب على جبهته براحة كفّه وقال: الوسّادة ما غلبتش الولاّدة …

وفعلا كان لحضور القرّاء في صفحات الجريدة وحتى في بعض اجتماعات اسرة التحرير بتونس، وزنا كبيرا ومما يّحسب للايام انها اتاحت الفرصة بل مكّنت العديد لا فقط في ممارسة حقهم في الكتابة في صفحاتها بل لتّقيم الدليل على انّ في معشر القرّاء اقلاما تتفوّق وبكلّ امانة على العديد منّا وتبعث بنرجسيتنا وغرورنا للجحيم … وهنا تحضرني بعض الاسماء والتي اعتبرها من خيرة الاقلام في الكتابة شكلا ومحتوى …عبداللطيف الحداد… ياسين البازمي… منجي الشلباوي… فوزية الشرقي… الحبيب بلقاسم…

اعود الان الى الولاّدة اي الى اذاعة صفاقس… المدّة الاولى وبعد ان عّين الزميل محمد عبدالكافي رحمه الله على رأس ادارتها كانت ضبابية … وهنا اعني علاقتي به … لم تكن بيننا لا علاقة ودّ ولا علاقة حرب… هدوء تام ..لكن كنت دائم التساؤل بيني وبين نفسي …هل هو هدوء طبيعي ؟؟… للامانة لم اكن مرتاحا لذلك الهدوء ولا لتلك السلبية واللامبالاة التي كانت تظهر على ملامح مديري الجديد … كنت اعرف ان الملأ لم يهضم ولن يهضم عودتي مظفّرا الى المصدح بعد زوبعة اكتوبر 82 .. وكنت اقرأ ذلك في عيونهم خاصة بعد رحيل السيد التيجاني مقني والذين اعتبروه الراعي الحصري لعبدالكريم … لكن وهذا طبيعي ومنطقي جدا ان يتعامل هذا الصنف باسلوب (الحرب سجال) ويرقد في الخط واحيانا يعطي للذلّ كارو…حتى ينقضّ على اوّل فرصة لربح معارك اخرى …

كلّ هذه الامور من البلاهة ان لا نأخذها بعين الاعتبار في حياتنا لذلك كنت اراقب بدوري تصرفات تلك الفئة وباسلوبي ايضا .. اذ وللامانة كنت ومازلت ارقد في الخط عندما يحاول ايّ طرف استبلاهي … وذلك امّا لاستوضح الامور بكل تفاصيلها حتى لا اتسرّع في حكمي او قراري وحتى لا اظلمه… او حتى اعطيه واعطي نفسي مساحة زمنية لمراجعة الاشكال بشكل اكثر وضوحا ونزاهة … هذا يُحيلني الى مثل شعبي ذاك الذي يقول (كلّ واحد شيطانو في جيبو)… نعم … كلّ واحد شيطانو في جيبو ولكن حتى تركيبة الشياطين من وجهة نظري تختلف … هنالك شياطين فينا نحن معشر البشر تخاف منها الشياطين وينسحبون رافعين القبّعة لشيطنة ابن آدم … داخلهم سواد وحقد وكراهية …وهنالك شياطين او شيطنة كلّ همّها ان تتصدّى للفئة الاولى (تي هو القطوس يخبّش على روحو) …بل ارى من الواجب عدم الاذعان لهم واعلان الحرب الدائمة تجاههم، تلك الحرب التي تبني تؤسس وتّصلح … وفي تاريخ الشعوب امثلة عديدة لمثل هذه الحروب حيث تُستعمل الحيلة والخداع من اجل الفتك بفئة شياطين البشر …

في الفترة الاولى التي مسك فيها زميلي رحمه الله السيد محمد عبد الكافي بمقاليد الاذاعة استمرّ الكوكتيل ولم يحدث مطلقا اي اشكال مع المدير … حتى اقترب شهر ماي 1985 حيث كانت لي محادثة قصيرة مع مديري اعلمته فيها بأني في حاجة الى عطلة قصيرة للاستراحة … وافق على طلبي وتمنّى لي عودة ميمونة موفقة مشيرا الى انه عليّ ان ابحث في هذه العطلة على اركان اخرى في الكوكتيل لتجديده … اجبته على الفور: الكوكتيل متجدد بطبعه نظرا إلى أنه يتابع الاحداث بشكل فوري ودائم … نظر اليّ ولم يعلّق على ردّي … وبكلّ امانة لم اقرأ ايّة نيّة مبيتة في صمته…

في 19 ماي 85 هاتفني زميلي عبدالجليل بن عبد الله ليقول لي: (اكيد لازم نشوفك ثمة موضوع يلزم نحكي فيه معاك)… كان ذلك صباحا وتواعدنا على اللقاء على الساعة الثالثة ظهرا بنزل سيفاكس… والتقينا وكان ثالثنا زميلا تقنيا… جلّول كان مضطربا للغاية حيث وجد صعوبة بالغة في الحديث واخيرا قالها: (راهو يحبّو يوقفو الكوكتيل… وراهم عرضو عليّ فكرة تعويضك وحضّرو البرنامج اللي ماشي يعوّضك ويحبوني انا اللي نقوم بتنشيطو)… قلتلو: (وانت شنوة رايك ؟)… قللي يستحيل نقبل … والدليل انا جيتك وقلتلك باش يبدا في بالك … شكرته على موقفه وقلتلو: رد بالك يطيحوك ..راهم ماشين يغريوك بكل الوسائل … قللي اطمان صاحبك راجل …وافترقنا …

كانت عطلتي ستنتهي في اخر ماي لاعود للعمل مع غرة جوان وبعد يومين من لقائي بعبدالجليل اي يوم 21 ماي 85 فوجئت بجلّول ينشّط برنامجا اسمه نادي المستمعين محتلاّ المساحة الزمنية للكوكتيل اي من الـ10 الى منتصف النهار … يومها احسست بالخديعة المُرة … خديعة مديري الذي استغلّ غيابي ليُقصيني ويوقف الكوكتيل، ولكن خاصّة خديعة صديقي عبدالجليل الذي وعدني بأن لا يخون وخان …(حلمكم على زميلي واخي عبدالجليل لأنّه فسّر لي بعد سنوات ماذا حدث بالضبط من وسائل ضغط وتهديد لاجباره على تنفيذ المقترح …والذي اكنّ له كلّ الحبّ والودّ ويبقى واحدا من اقرب الزملاء الى قلبي)… انذاك تحرّك المارد الذي بداخلي واصبحت ارى في مديري وفي الملأ وفي جلول ايضا، العصابة الشريرة التي يجب عليّ ان احاربها وبكلّ شراسة …

تركت الامر في البداية للصحافة المكتوبة كي تعلن عن توقف البرنامج حيث كتبت الايام بتاريخ 23 ماي 85 {فوجئ احباء البرنامج الاذاعي كوكتال من البريد الى الاثير الذي ينشطه الزميل عبدالكريم قطاطة من اذاعة صفاقس بتوقف البرنامج انطلاقا من يوم الاثنين الماضي وتعويضه بمحتويات اخرى… ولا نزال الى الان لا نعرف السبب الذي توقف من اجله البرنامج، علما بان الزميل عبدالكريم كان قد اصيب منذ السبت الفائت بتوعك صحي طارئ }… فيما كتبت جريدة البيان وبتاريخ 27 ماي 85 وفي ركن “آخر لحظة”:{احدث احتجاب المنشط المعروف عبدالكريم قطاطة تساؤلات عديدة في الاوساط الاذاعية وفي اوساط متتبعي برنامجه اليومي، وقد تاكّد لدينا انّ هذا الاحتجاب لا يعود لاسباب تاديبية كما يّشاع لدى البعض… غاية ما في الامر انّه دّعي الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر، والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات… ويبدو انّ عبدالكريم لم يقدّم التصور الجديد الى الادارة التي ستتولى بنفسها القيام بادخال التعديلات اللازمة على برنامجه، والذي مرّ على انبعاثه 5 سنوات… وقد يتولّى بذاته تنشيطه او يسند الى غيره اذا لم يعبّر عن استعداده للعمل ضمن هذا التصوّر الجديد… وتبعا لذلك اصبح عبدالكريم يعمل ضمن الاسرة التلفزية الموجودة باذاعة صفاقس في انتظار ما ستتمخض عنه المساعي الادارية من نتائج بشأن برنامجه}…

والله شيء يضحّك ويسخّف … _ مثل هذه التاويلات والتبريرات التي مازالت قائمة لحد الان في خطابات المسؤولين والتي تؤكد للمرة الالف انّ من يعتبر المستمع او المواطن غبيّا هو اغبى الاغبياء… كان هذا فعلا موقف الادارة وهو الذي ورد في جريدة البيان وساحاول تفكيك هذا الموقف فقط لابرز مدى استغباء المسؤولين للاخرين وهم يقدمون تعلاّت هي اوهن من بيوت العنكبوت …. صبركم عليّ حتى الورقة القادمة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التغريبة الأخيرة… أو، من باع حقا: السلطة الفلسطينية أم إيران ومن صدّقها؟

نشرت

في

عبد القادر المقري:

منذ سنة إلا أسبوعا، أي منذ 7 أكتوبر 2023 والعملية المسماة “طوفان الأقصى”، تأججت المشاعر ومعها توزعت أسهم الدعم المطلق والتخوين المطلق… الدعم لمنظمة حماس بكل ما تقوله وتفعله وكذلك لكافة داعميها وأظهرهم إيران، وتهمة الخيانة التي وقعت جماعيا على سلطة رام الله التي أبدت إن لم يكن رفضا قراحا، فعلى الأقل تحفظا هو إلى توجس العواقب أقرب…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

وقد قرأنا في صحفنا عربيا وتونسيا، وكذلك في المواقع الاجتماعية هذه الاتهامات التي اندفعت دون أية ضوابط للنشر (بالنسبة إلى الصحافة) أو خشية من أزمة ديبلوماسية مع سلطة فلسطينية ممثلة في نهاية المطاف ببلادنا، تطالع يوميا أوصافا هي شتائم مباشرة لرئيسها محمود عباس وهناك حتى من طالب بتصفيته جسديا ! … نعم قرأنا ذلك في صحفنا قبل أن نقرأه على فايسبوك الذي لا جُناح على أصحابه عموما، في زمن تخصص فيه الرقابة كل وقتها لمنتقدي الرئيس التونسي فأنّى لها الانتباه لشاتمي رئيس هذه الدولة العربية أو تلك … شُتم عبّاس وسُحل وتم هدر دمه والسبب أنه لم يخرج هاتفا بستة أكتوبر وعملية طوفان الأقصى… ولم يكفهم هذا، بل هوجم في الطريق جميع فلسطينيي الضفة الغربية ولحقهم من الشتم والتخوين ما لحق قيادتهم …

مع العلم بأنه حال بدء رد الفعل الغاشم للعدوّ على أهالي غزة، خرج أكثر من مسؤول في السلطة، وأوّلهم عباس، لإدانة هذا العدوان والتضامن الكامل مع غزة على أنها جزء من فلسطين، وليست معقلا لحركة لا وجود لفلسطين في اسمها ولا في مشروعها العابر للحدود… كما أن الشارع في رام الله والخليل والقدس الشرقية وجنين ونابلس وغيرها من مدن ومخيمات الضفة، شهد موجة عارمة من المواجهات والاعتقالات وتدمير البيوت والأملاك ومصادرة الأراضي… مما حدا بدولة الاحتلال أن أخرجت من الأدراج خطة معدّة مسبقا بترحيل جماعي لملايين سكان الضفة الغربية تزامنا مع سكان غزة… ونفس الكلام (أسوده وأبيضه) قيل عن عرب 1948 سيئي الحظ مع الجميع، بيد أنهم أكدوا فعليا انتماءهم للوطن الفلسطيني دون سواه… وهاهم يتحملون هم أيضا مشروع “ترانسفير” لا يقل عنصرية وإبادة عن نظيره المرصود لمواطنيهم في القطاع والضفة…

قلنا عن رد فعل العدوّ بأنه كان “غاشما” وهذا يكاد يكون وصفا ضعيفا لما جرى ويجري… لا يخفى على أحد أننا في ظرف دولي يتميز بعنصرين: أولهما الانتخابات الأمريكية واحتدام الصراع بين معسكرين يختلفان في كل شيء إلا في نقطة مساندة إسرائيل والتصميم على حماية تفوقها التام على “أجوارها” عربا وفُرسا… بل ويتزايد كالعادة المتنافسان الجمهوري والديمقراطي في دعم الكيان الغاصب ماليا وسياسيا وعسكريا واستخباراتيا… وثاني عنصري الظرفية ، غياب كامل لقوة مضادة توازن هذا الثقل المساند للعدوّ… فالاتحاد الأوروربي تدير معظم دوله اليوم حكومات وأغلبيات برلمانية من اليمين الأقرب إلى التطرف إن لم يكن متطرفا فعلا… أما روسيا، فقد تورطت في أوحال المستنقع الأوكراني إلى أمد غير محسوب، وأصبحت بدورها في حاجة لمن يدعمها ويفك الحصار ، بل الحصارات المضروبة حولها بسياج من فولاذ… ثم وحتى في ظروفها العادية قبل حرب أوكرانيا، وحتى لو عدنا إلى الزمن السوفياتي والحرب الباردة، فإن وقوفها إلى الجانب العربي لا يمكن أن يقاس بـ 1 بالمائة مما يقدمه الغرب لإسرائيل…

ومع احترامنا لآلاف المساندين الأشراف للقضية الفلسطينية والذين ملؤوا شوارع وجامعات أوروبا وأمريكا… فإن سلطة القرار تبقى دائما وأبدا في يد من يمسك السلطة المالية والعسكرية في هذه البلدان، وهو ليس بالضرورة الشارع… خاصة في قضية ليست ذات طابع مصيري وطني يمكن أن يطيح بحكومة ويصعد بأخرى… ولا نريد أن ننكأ جراح أحد فلكل منا ما يكفيه، ولكننا نذكر بكل حرقة عدد الأثرياء العرب (والمسلمين) وحجم الثروات العربية (والإسلامية) المودعة في بنوك الغرب، وكيف يتم توظيفها لشراء خُرَد السلاح ونوادي الكرة بدل امتلاك وسائل الإعلام الكبرى والتأثير في السياسات كما تفعل الجاليات المحسوبة على العدو والمتعصبة له… ولا حديث أيضا عن “الجاليات” العربية المبثوثة في كل بلدان العالم وخاصة الغربي منه، وهي المشتتة الغارقة في صعوبات عيشها ووضعية أوراقها وما يتهددها يوميا من قوانين تزداد تضييقا على المهاجرين… وفيها حتى نسبة طلّقت بالثلاثة وطنها الأمّ بعد أن فرت منه فرار الناجين…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار