تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 37

نشرت

في

image 1

عبد الكريم قطاطة:

وانا في طريق العودة الى صفاقس بعد اعلان نتيجة مناظرة الاذاعة والتلفزة التونسية لتكوين اطاراتها التقنية دفعة 70 ـ 71، لم يكن وقتها القطارالسريع قد حلّ ركبه بقطاع السكك الحديدية ..كان “الاومنيبوس” وسيلة النقل الوحيدة .

عبد الكريم قطاطة

الاومنيبوس بالنسبة لي علّمني ان الحياة امتع واجدى للمعرفة ..أن تاخذ قطارا سريعا في حياتك فهذا يعني انّك ستتوقّف في محطّات قليلة وانّك لن تتعرّف الا على حرفاء تلك المحطّات .. اليست الحياة في حاجة لنتعرف على كل محطّاتها …؟؟ ما قيمة الواحد منّا اذا اقتصرت حياته على الشمس المشرقة والبلابل الشادية اذا لم يعرف يوما صهيل الرعود ودعاء الكروان ؟؟.. ما قيمة النهر الخالد والجندول والكرنك اذا لم نستمع يوما الى “انا موش مريڨل وانت موش مريڨلة” ؟ ما قيمة العقربي وديوة وبيليه ومارادونا اذا لم نشاهد يوما عبدالنور او عبد الظلام؟؟…

نجاحي في تلك المناظرة كان بمثابة الشمعة الاولى التي اخرجتني من ظلمات الاحباط والضياع الى نور.. نور غمرني بشيء من استرداد الايمان النفسي ..كنت وانا في قطار العودة اراجع ما حررته في الامتحان الكتابي لتلك المناظرة ..الفيلم الذي عُرض علينا يومها لتحليله ونقده كان من النوع الكلاسيكي وكان بالنسبة لي تافها شكلا ومضمونا ..لأني تعودت ومنذ السنة الخامسة ثانوي ان امرّ من مرحلة استهلاك الافلام العاطفية الساذجة الى اختيارات ارقى… فالافلام المصرية لم تعد تغريني نظرا لتشابه الطرح فيها ..حبيب وحبيبة ومصاعب للوصول لبعضهما ثم الـ”هابي فينيشينغ” … النهاية السعيدة بتزوج الحبيبين … وافلام جيمس بوند لا تختلف كذلك في الطرح (ذلك العبقري البريطاني الذي يقهر كل الصعاب لينتصر على اعدائه وخاصة الروسيين)… وافلام الويسترن تنحو ايضا نفس المنحى باستثناء البعض منها كـ”حدث ذات مرة في الغرب” والكبير شارل برونسون …وبعض افلام سيرجيو ليوني عموما خاصة عندما يكون واضع موسيقاها اينيو موريكوني، ذلك الموسيقار الايطالي الكبير ..

تلك النوعية لم تعُد ترويني ..خاصة وزخم الافلام الرائعة في تلك الحقبة بدأ ينهمر … فمن “ذهب مع الريح” اسطورة السينما عبر العصور ، الى “فتاة ريان”، الى “دكتور جيفاغو” الى “ساكو وفانزيتّي”، الى “رجال الرئيس” ..تلك الموجة من الافلام الهادفة والعميقة والتي كنّا نعشقها حسّيا وفكريا ودون الالمام بالجانب العلمي لعالم السينما، طوّرت في اختياراتنا …والغريب انه ورغم وجود نادي السينما انذاك والذي تتلمذ عليه العديد من رواد السينما التونسية (بوزيد ودمق وغيرهما) ..فانّي لم اكن من رواده الدائمين …كنت اضجر من تلك النقاشات التي لا تعتني بالفيلم بقدر انسياقها في معالجات ايديولوجية بحتة …ورغم ميولاتنا انذاك نحن كشباب مراهق للفكر اليساري، الا أنني كنت ومازلت وخاصة بعد دراستي لدنيا العلوم السمعية البصرية اعتقد، وبكل اصرار، أن اي عمل سمعي بصري هو حتما يناقش ضمنيا التوجه الايديولوجي للعمل المُقدّم ولكن بحيّز زمني محدود اوّلا و الأهم ان يكون انطلاقا من احداث ووقائع المنتوج الذي يقع عرضه وبعيدا عن استعراض العضلات السياسوية …لعلّ ذلك المخزون السينمائي الذي امتلكته (حسّيّا لا معرفيّا علميا) هو الذي حضر لدي يوم المناظرة والذي عرفت في ما بعد ان العدد الذي تحصّلت عليه في الكتابي هو الذي شفع لي ايضا يوم امتحان الشفاهي باعتبار عجزي عن مجاراة الحوار باللغة الفرنسية …

وصلت ليلا الى ساقيتي …الشلّة وقتها غادرت والحوانيت اغلقت ابوابها …وها انا ادُقّ باب قصرنا (الحوش)… العائلة لم تكن تدري ايّ شيء عن نتيجة الامتحان الشفاهي …نظر الجميع الى عبدالكريم دون النبس لا ببنت شفة ولا بابنة عمّها …السؤال بعد خيباتي التي سبقت اصبح مغلولا ..مكبّلا ..غير قادر على الانعتاق …ما ابشع تلك الحالة عندما نريد ان نطرح الف سؤال ولن نقدر على طرح حتى ربع سؤال …وكان عليّ ان ارحم الجميع وان اروي ظمأهم …نظرت اليها وعيناها مُسدلتان في خوف وامل ورجاء وقلت …الحمد لله نجحت ….فرح ابي كعادته والدموع تنهمر من عينيه وقبّلني اخوتي وطفقت عيّادة صاحبة المُسدلتين تتمتم: حمدا وشكرا …نظرت الى العينين المُسدلتين وسألتها ..اشبيك يا عيّادة ماكش فرحانة؟ ..اجابت دون ان ترفعهما: “آه يا وليدي، قللو يا كلب اشبيك تلهّف، قللو خايف من قايلة غدوة” …كنت اعرف ما تعنيه ولكن وبكل استعباط (وكم احبّ الاستعباط) سالتها: اش ثمة زادة ..؟؟ نظرت إليّ بكل عمق وريبة و اردفت: راك ماشي لبلاد الغربة …وماشي تبعد عليّ ..وتونس صعيبة (تقصد العاصمة) صعيبة برشة …وكان ما ربّي يبعّد عليك اولاد الحرام وبنات الحرام” …

هي ربّما ملتاعة من تجربة احد اخوتها (احمد رحمه الله ) الذي كسّر قيود القبيلة وغادر صفاقس ليعمل ويعيش بالعاصمة، وليتعلّم هناك معاشرة بنت العنبة ويعمل خلاه فيما ولاه حسب تعبير القبيلة …ثم هي تعني اساسا في عبارة “اولاد الحرام وبنات الحرام” عجُز العبارة “بنات الحرام” …لانها تعرف جيّدا ولدها وتعرف انّ “عينو محلولة وقافز” مقارنة باقرانه …وهي في جانب من طروحاتها على حق ..لأنني كنت قريبا جدا من الفتيات في افراحنا ولمّاتنا ..وكانت تكرّر دوما وبضجر: اش عاملهم ..؟؟؟ طلاسم ..؟؟ اشبيهم في جرتك تقولشي ذبّان مڨجّجين عليك …؟؟؟ واذا كان هذا هو انا وهنّ في ذلك الزمن وحتى بعده فهي وانتم ليتكم تعرفون الحقيقة …جلّنا انذاك كانت علاقاتنا بالفتيات من نوع (قطاطس باردو القفز وقلّة الصيادة) ..اي لا شيء .. لا شيء ..لا شيء ..في علاقتنا .. والله حتى بوسة لا ثمة ولا كانت ولا صارت ! ….

ولكن قلب الام لا يستكين حتى للاّشيء ..وعندما تتحدث مع اختها الصغرى نفيسة رحمها الله وهي التي تلعب معي دائما دور المحامية الجيدة في محاورة عيّادة، كانت تردّ بكل ثقة: “بالله يزّي يا للتي محسونة توة تاخذ عليهم ..مازالو صغار” ..الا ان عيادة ترد وبكل جدّية: “اشكون يعرف تلصقشي فيه نحاسة مسوّدة” … وهذه العبارة تُطلق على فتاة غرّر بها احدهم وافقدها عذريّتها …

نظرت مجدّدا الى تلك العينين المسدلتين ومسكت يد عيّادة وقلت لها: اغزرلي اغزرلي … مليييييييييح …انت جبت راجل والا طلطول؟ ..ودون انتظار ردّت: “جبت راجل وسيد الرجال …اما خايفة عليك” ..قبّلت يدها ..واخذت نفسا عميقا كما افعل كلّما اقبّل يدا احبّها وقلت: “ما تخافش على كرمة العسل متاعك” ..هي تلك العبارة التي كانت تردّدها دوما وانا طفل … بعدها سالتني: “توة اش ماشي تولّي تخدم …؟؟ ماشي يولّيو يشوفوك في التلفزة” ..هل لاحظتم انها لم تستعمل ضمير المتكلم ..؟؟ هي تريد ان تفتخر بابنها …قبل حتى ارتوائها من رؤيتي على الشاشة …اجبتها: “لا، انا ساُصبح تقنيا من تقنيي التلفزة” …فاستفسرت: “اش معناها ..؟؟” …حاولت ان افسّر لها نوعيّة الاختصاصات في العمل التلفزي واشهد اني لم اُفلح ..ربّما لعجزي عن الشرح او لعدم رغبتها في الفهم … وتدخّل الوالد بسؤاله: “والخلاص باهي ؟؟” .. كل فول يهمّو فلوس نوّارو…. موش لاهي بيه برك .. واجبت ببرود: ان شاء الله … وتمتم: ربي يجيبك في الصواب وما تنساناش عاد ..انت تعرف البير وغطاه …

في الغد كان اللقاء مع الشلة …كان سي المبروك الحمّاص اوّل من حظي ببشارة الخبر …نظر إليّ وقال ..والله نعرفك ماشي تنڨزها …. كان فرحه طفوليا بطفله الذي “سلّكها”… وهاهو رضا يصل ..لم ينتظر اجابة منّي لانه احسّ بالنتيجة بادية على وجهي ووجه سي المبروك ..وقال: “قلتلك … ماشي نعيثو فيها فسادا غاديكة … نعيثو يعني نعيثو” .. عانقني وانا ارد: “خاربينها خاربينها” …وتسللت الشلّة من حانوت بو احمد حلاقنا وراعي حوار العصابة، وعلى طريقته دوما، علّق: ايّا سيّب سي المبروك وحضّر روحك للمبروك (يعني الزردة الخمرية) …وكانت لهم زردتهم وكان لي ولرضا الاستعداد للرحيل … فنهاية سبتمبر على الابواب وبداية دراسته الجامعية وبداية دراستي بمركز بيكلار التابع لدار التلفزة التونسية لتكوين اطاراتها، تنطلق في غرّة اكتوبر …

سجّل رضا بالمدرسة العليا لتكوين الاساتذة قسم تاريخ وسجّل ايضا بالمبيت الجامعي راس الطابية ..اما انا فاصطحبت مجموعة من زملائي الذين نجحوا في الباك، لاقطن معهم بنهج قلاتيني بلافايات وتحديدا وراء معهد بورقيبة سكول ..ورغم تميّز المكان جغرافية ومعين كراء، فانه لم يكن مناسبا لي ..اولا لبعده عن مركز دراستي وثانيا وهو الاهم انه لم يكن ليتسع لي ومعي رضا نتقاسم وجودنا يوميا …لذلك قضيت معظم اوقاتي معه في البيت اف 16 بمبيت راس الطابية ..اف 16 وكما تعرفون عنوان لطائرة حربية ..واف 16 براس الطابية هو عنوان لقاعدة حربية يجتمع فيها كل الطلبة المنحدرين من ساقية الدائر ..هي تتسع في تركيبتها لـ4 طلبة ..ونحن نُخضع مساحتها لعشرة على الاقل ..وياما حروب جميلة ان لم تكن خمرية فهي بولاتية ..ويا ويلو اللي نركّحو عليه، مشى بازڨة …

يوم السبت عشيّة كنّا نقصد نهج اين خلدون ..وهنالك وبمقهى صغير جدا يجتمع الرفاق … مقهى علي بابا …انه مقهى الطلبة اليساريين… وتبدا الطروحات التي لا تنفك ..فهذا زعيم اللينينيين وهذا التروتسكي المتطرف وهذا من جماعة ماو .وهذا وطد وهذا دستوري “فليك” (يتبهنس ثمّشي ما يسمع حويجة على تحركات الطلبة ويهزّها لسيادو) … واغلبنا من القطيع …نتلمس طريقنا وسط الزحام الطلابي …

يوم الاحد هو يوم عيد بمبيت راس الطابية ..يوم الكسكسي بالعلوش حيث يتوافد من دبّ وهبّ من الطلبة لوجبة الغداء والتي عادة ما تكون على ڨازون المبيت ..كنا انا ورضا نقف احيانا في بداية طابور الطلبة المتوجه لاخذ وجبته وكانت تذكرة الوجبة الجامعية بـ100 مليم… وكان الواحد منّا يحمل بيده 5 ملّيمات ويتعاطى مهنة طالبي الصدقة امام المساجد وهم يتكاثرون يوما بعد يوم، بقولنا: (يا رفيق تكمّلّي على تيكيه) …

لم تدّم سكناي بنهج قلاتيني اكثر من اسبوعين ..فذات يوم وانا بمقهى ابن خلدون التقيت صدفة باحد متساكني الساقية وهو طالب في سنته الاولى بتونس اختصاص علوم (محسن المنجّة) وهو قريب لقائدي في الكشافة محمد المنجة ..وككل لقاء يتم بين افراد المنطقة الواحدة تجاذبنا اطراف الحديث العادية ..اشنية حوالك ..اش عامل ..وين تسكن …؟؟ وهنا عبرت له عن قلقي من موضوع السكنى ..وها هو يعرض عليّ الإقامة بنهج ابن خلدون …. (كلب وطاحت عليه جردڨة)… مكان لا يبعد عن مركز دراستي اكثر من 100 متر ..وهو استوديو يتسع لشخصين … وصديقنا هذا لا يّقضّي نهاية الاسبوع فيه، حيث ينتقل الى اطراف عائلية له بتونس … و6 الاف معلوم الكراء شهريا …(موش قلتلكم كلب وطاحت عليه …لا موش جردڨة مبسوطة اصلا!) …اتفقنا واسرعت الى رضا ..”فُرجت” ..ذكرتها وانا اغني وارقص، على وزن “بُعثت” التي تجدونها في اغنية كيلوباترة (بُعثت في زورق مستلهم من كل فنّ … مرح المجداف يختال بحوراء تُغنّي … يا حبيبي هذه ليلة حُبّي .. اه لو شاركتني افراح قلبي) …

هل فهمتم ماذا اعني بـ”بُعثت” وبمعارضتها “فُرجت” ؟؟؟… ان غدا لناظره لقريب …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة

نشرت

في

محمد الزمزاري:

بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…

كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…

ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.

وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…

ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…

إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 93

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…

عبد الكريم قطاطة

دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…

عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…

وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..

ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..

استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …

وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..

اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟

للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 92

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …

عبد الكريم قطاطة

حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…

العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…

وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….

نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …

ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….

تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …

قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …

التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …

تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار