تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 39

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

سنتي الاولى بالعاصمة كنت فيها كاغلب شباب تلك الحقبة ..هذه احبّها وتلك اريدها …عقلية الرجل الشرقي عموما كانت تسكننا ومازالت ..

عبد الكريم قطاطة

سي السيّد عند نجيب محفوظ في ثلاثيته، هو واحد منّا ..اذ للحبّ عالمه السحري المُغلق والعفيف وللاخريات الحاجة او الرغبة او الشهوة وهي المحدّدة فقط لوجودهنّ …لذلك لم تنقطع علاقتي بمن احببت رغم قلّة التواصل والخطابات ..فقط اختي الصغرى هي الوسيط والتي كانت تؤكّد لي دوما بأن حبيبتي على العهد وانّها لي ولن تكون لغيري …تلك الوعود كنت اخبّئها في صندوقي العاطفي تماما كما تخبّيء فتاة ريفيّة جهاز عرسها (بالقطعة بالقطعة) في انتظار فارسها الذي قد يأتي وقد لا يأتي ..

عندما عدت في جوان الى صفاقس للتمتّع بعطلتي الصيفيّة القصيرة ..كنت اُمنّي النفس بلقاء حبيبتي ..واللقاء اعني به رؤيتها صدفة، و”من بعيد لبعيد” لا اكثر … تلك كانت لقاءات العشاق في مدينتي عموما .. فلا جردة الباساج ولا هم يتشابكون ولا استوديو ابن خلدون ولا هم يتمرّغون …وفّتح الباب …انها حبيتي صحبة اختها التي تكبرها …ماذا ارى ..؟؟ هل فُتحت ابواب الجنّة….؟؟؟ هل خرج سكّان القبيلة من قبورهم ليعلنوها ثورتهم على القبيلة ؟؟؟… ايّة جرأة هذه؟ … انا لم اكن احظى بعُشر لقاء فاذا بي التقيها بمنزل اختي ..؟؟ وعلنا وبحضور عرّابتها اختها ..؟؟؟ ماذا حدث للعادات والتقاليد ..؟؟؟ فركت عينيّ وكأنني استفيق ليس من حلم جميل بل على حلم جميل …هل تصوّرتم ما معنى ان يستفيق الواحد منّا على حلم ..؟؟؟

قد لا يستقيم المعنى عندما نحاول الربط بين الافاقة من نوم وحلم على حلم ..ولكن وفي المشاعر يجب ان نُبعثر اللغة والربط وكل القواعد من صرف ونحو وبلاغة …اذ للمشاعر قواعد ها الخاصّة بها ….انا افهم ما معنى ان يبكي الانسان وهو في قمّة سعادته ..رغم انّ البكاء عادة ما يرتبط بالنّكد والحزن …انا افهم ما معنى ان يصبح الفاعل في المشاعر مفعولا به … ثم يدخل في نفس الوقت في رحاب الفاعل فقط ليتمتع بضمّته … اليس الفاعل مضموما ..؟؟ انا افهم ما معنى ان يصرّفوا الفرد في المشاعر من المفرد في صيغة الجمع ..اليس من نحب هو مفرد في صيغة الجمع لنرى فيه كلّ العالم الوردي وبكلّ رياحينه… وطزز في ابي الاسود الدؤلي واضع علم النحو ..وطزز في سيبويه تلميذه …وطزز في الخليل ابن احمد واضع علم العروض وقوافيه وبحوره ففي العشق لا بحر الا الكامل ..ولا قافية الا تلك التي تنتهي بحرف الباء وهي كما تعلمون اعزّكم الله آخر حرف في الكلمة القاموس: الحب …

نظرت الى عينيّ حبيبتي فلم ار الا نظرة خجولة ..عينان سادلتان ساجدتان الى الارض …انه الخجل منّي ومن اختي وعيّادة التي التحقت بنا لتستشفّ الامور …تقدّمت اختها (بعين صحيحة) وقدّمت لاختي مجموعة من الظروف ..تسلمتها اختي الكبرى وسألت: هذوما اشنوما ؟؟؟ كانهم جوابات عرس عرس اشكون ربي يكمّل ..؟؟؟ … ودائما وبنفس العين الصحيحة اجابت الاخت: عرس “ما ابلدك” …نظرت عيّادة اليهما ..وبسخرية ممزوجة بألم ، نطقت بصوت خافت: ربّي يكمّل …وقتاش ان شاء الله؟ ..لم اتركها تجيب وانفجرت: هكة وبكل وقاحة جيت تستدعيني لمأتم حبّي …العيب موش فيكم… فيّ انا اللي حلّيت الباب لناس ما يسواوش ..

حاولت اختها الكبرى تبرير الموقف بزعمها ان اخوتها الرجال اجبروها على القبول وبأننا نحن في مجتمع لا يعترف بالحب والمشاعر وبأنو في الاخير مكتوب …وأنّى لمراهق مثلي انذاك (يساري زعمة زعمة) ان يعترف بالمجتمع وقوانينه …وبالمكتوب وبسطوة العائلة .. كنت ارى في حبيبتي خضوعا للمادة لا غير ..فانا الفقير الذي لا يملك انذاك سوى منحتي ولم اكن من ورثة قارون.. لا معنى له …لا وزن له ..لا قيمة له … امام غريمه (المهندس قدّ الدنيا) كما يقولون عنه والذي هو في الحقيقة لم يكن سوى فني سام …وفهمت عيّادة الحكاية كما اراها واردفت: صحيح ولدي ما عندو شيء ومازال صغير، اما يجي نهار ويولّي سيد الرجال موش كيف هاكة الشايب اللي خذاتو …

لم اترك ايّ مجال لاختها لمواصلة الحوار البيزنطي … وطردتهما واغلقت الباب…. ودلفت الى داخل المنزل …واعادت عيّادة نفس الاسطوانة …”ريح السد يرفع ما يرد ..تاخذ للّتها” ..امي يومها وكأنها انتقمت لكرامتها عندما عادت ذات يوم وهي تجرّ اطراف سفساريها دامعة العين عندما سخر اهلها منها وهو يقولون لها (ولدك اش عندو؟ …واحنا ما عندناش في سبرنا الحب … قللو يقرا على روحو خيرلو) … اما اختي الكبرى فكانت من جهتها سعيدة جدا بنهاية علاقتي بها ..ليس شماتة في اخيها ..ابدا ..بل لان حبيبتي كانت شقراء ..بينما هي سمراء …ورغم كل الاغاني التي تتغنى بالسمراء البشرة من “ع الاسمر ياما قالو” ..الى “اسمر يا اسمراني” …الى “سمراء يا حلم الطفولة” مرورا بـ “يا سميْرة يا سميرتنا يا منوّرة حومتنا” …جل الفتيات انذاك كُنّ يعانين من عقدة السُمرة لأن حديث الامهات والجدّات كان في محور الجمال عند المرأة يتلخّص في الاتي: بيضاء حمراء يا للاّ ..وشعرها طويل يضرب لوسطها …وقدّ كيف السرولة ..وعين كحلة كيف الغزالة ..وحواجب كيف الهلال.. وشفايف جويّدة (اينكنّ يا جماعة البوتوكس!) …ومعصم تبروري …وفارات سمحة … عندما تتردّد هذه الاوصاف مرّات ومرّات في آذان السمروات رغم كل الاهازيج التي تتغنّى بسمرتهن، تصبح السمرة عقدة … وربّما تفطّن الكبير الجموسي لهذا الاشكال فاذا به يقسم باغلظ الايمان في معركة العيون (بالحرام لا نسيّبكم الاثنين …

ما حدث ذلك اليوم كان مفصليا جدا في مواقفي من المرأة ..يعملها واحد والاصح وحدة يدفعو الثمن القادمات ..المرأة اصبحت عندي عابدة للمال … بلا مشاعر بلا زفت… تلك خرافة و تلك كذبة كبرى .. المرأة ومنذ يومها لم تعد تستحق ايّ تقدير ويجب ان اتعامل معها بمنطق واحد (اللي يعطيك زنبيلو عبّيلو) …وعدت الى تونس في بداية جويلية …اكذب جدا ان قلت اني نسيت ما وقع وقتها بل الاتعس اني يوم زواجها 23 جويلية ..لم انم … كنت ومنذ اوّل يوم في علاقتي بها عند حادثة الحافلة و”ما ابلدك” تلك التي سخطتني بها …ك نت اكتب مذكراتي معها … بالحب الجارف وبكل ما يعيشه المراهق من احلام وردية ..ويوم زفافها كتبت مذكّرتي بعنوان (المذكرة الحمراء الدّامعة) الخّصها لكم في: “قدّام عينّي وبعيد عليّ .. مكتوب لغيري وهي ليّ” … لست من المغرمين كثيرا بفريد الاطرش ولكن تلك الاغنية وجدتها الاكثر صياغة لما احسسته ليلتها ..

رضا صديقي كان متألما هو ايضا لما حدث ولكنّه في حياته عامة كان براغماتيا …هو من الذين لا ينتكسون مشاعريا …لذلك كان يردّد لي دوما ..تي تمشي (تييلت) ويضيف، حاشاكم: بول في الخرب قبل ما تولّي جوامع . ..من جهتي كان هاجسي الوحيد كيف انتقم مما حدث .. عبدالكريم الزناتي لا يعترف بالهزيمة … ويجب ان يدفع صويحباتها الثمن .. علاقاتي مع المقررات التي كانت تنطلق من زاوية الحاجة اصبحت تنطلق من لاشعور الانتقام ..قلت لا شعور لأني طيلة حياتي وحتى في احلكها لم اكن قادرا على فعل الانتقام ..فالانتقام عندي نوع من الجبن الاخلاقي ثم لماذا انتقم ..؟؟ اليس البشر هم خليط من قابيل وهابيل ..اليس من المنطق الاسلم ان نكون من فصيلة هابيل ..اليس الاجمل ان نملأ داخلنا بالغفران والعفو ..الانتقام عندي هو عافاكم الله كسرطان ينخرنا قبل ان ينخر الاخر ..فكيف لعاقل ان يملأ داخله بسرطان (رعم اني من برج السرطان) ولكن يبدو انّ الله وضعني في برج يؤمن بالنور والبناء والحب … فحمدا لك يا رب على انك شرحت صدري ووضعت عنّي وزري …

عدت الى تونس وعدت الى الدراسة …وعادت همومي مع اللغة الفرنسية …وحتى في بعض الامتحانات الجزئية طوال السنة الاولى ونصف السنة الثانية كنت تقريبا (اليف لا شيء عليه) رغم انّي كنت ارى بأم عيني بعض زملائي مهرة في “التفسكية” (الغش في الانتحان) الا اني لم افعلها يوما طيلة ايامي الدراسية … كم احس باهانة نفسي وانا الجأ الى الفوسكا … عزة نفسي مانعاني على حد قول احمد رامي …اردت دوما واريد لحد الان ان اكون انا ..انا بكل ما فيّ من نقائص..دون تجميل دون زيف … وهذا سبب من الاسباب الهامة التي جعلتني لم اخطب يوما ودّ السياسة والاحزاب رغم كثرة خُطّابهم على بابي…ارى نفسي ارفع من اكون واحدا من القطيع ومهابيله وانتهازييه بدعوى الانضباط كالذين يطأطئون رؤوسهم لاسيادهم وينفّذون …ما قيمة الواحد منّا وهو يعيش حياته كبيدق يحرّكه الاخرون كما يشاؤون .. وعفوكم ..لا تظنوا ابدا اني مهووس بفكرة القائد (اي أكون قائدا او لا اكون) ابدا ورحمة عيادة …ولكن كنت وما ازال مسكونا بفكرة الانسان… الانسان الذي يتعلّم دوما وقد يُعلّم احيانا ….وابدا ان اتخلّى عن قناعاتي ..قد اخسر وخسرت البعض من اصدقائي لهذا الذي يراه البعض تعنّتا ولكن دعوني اذكّر بأني ابوس رجل ايّ كان ذاك الذي يُقنعني بأني على خطأ لانه يُصلح فيّ ما اعوجّ ..اما عدا ذلك فانا “قاراقوش” على حالي…

انتهت السنة ونصف الاولى في دراستي وجاء وقت الامتحان النهائي قبل التربّص التطبيقي الذي سيكون في الستة اشهر الاخيرة … كنت وانا اعيش الامتحان قلقا جدا … كنت مدركا ان نجاحي فيه صعب للغاية ..فانا لا استوعب الا القليل …ويوم الامتحان كل طالب بما في انائه يرشح ..وظهرت النتائج ..وقبل الاعلان عنها طلب منّي مدير المركز المهندس الفاضل السيد الباجي صانصة ان آتيه الى مكتبه ..انا دون الاخرين …؟؟؟ مالذي سيحدث … سي الباجي صعيب وربي يستر … وذهبت ..ها انا امامه اقف بكل وجوم وحيرة ..صمت سي الباجي طويلا وهو يتامّل وجهي الباهت ثم قال: شوف عبدالكريم، ثمة حاجة فيك “سافا با”… تساءلت لاباس سي الباجي ؟؟؟ لم يتأخر بالاجابة وقال: امّا موش انت اللي عدّيت الكونكور او ما قريتش على روحك …ورددت بسرعة: يا سي الباجي والله انا اللي عدّيت الكونكور ..فأردف: مانيش فاهم كيفاش انت عدّيت وكنت من الاوائل في المناظرة وتوة بعد الامتحان انت في المرتبة الاخيرة ..تنجّم تفسرلي؟؟ …

لم افاجأ بالنتيجة بتاتا ..كنت الوحيد شعبة آداب كلاسيكية “أ” من بين كل زملائي بمركز التكوين… وكنت رديئا جدا في اللغة الفرنسية ..واوضحت له هذا الامر ..صمت طويلا ثم قال … والحلّ؟ ..اجبت دون اعمال فكر: ما نعرفش … نظر اليّ نظرة الاب الحنون وقال بكل هدوء: انا احساسي يقلّي انّك ما تكذبش ..وساعطيك فرصة لتثبت بها قدراتك ..التربّص التطبيقي سيكون مع استاذ ايطالي يعمل بالراي اونو وهو من اشهر وامهر المركبين… وحتى هو يطشّ طشّان في الفرنسية… وجهدك يا علاّف ..وقتها ماعادش عندك حجّة …طأطأت رأسي احتراما لهذا المدير الرائع وقلت: ان شاء الله ما نخيبلكش ظنّك …اردف بسرعة: انا عندي ثيقة فيك …ما اروع واعظم واجمل ان يضع على عاتقك هذا الحمل الثقيل والجميل رئيسك او استاذك او كل من يُوكل لك امرا وهو يقول (عندي ثيقة فيك)… عبارة كم هي موجزة ولكن كم هي دافعة للتحليق عاليا خاصّة عندما نحسّها بشكل دين يجب تسديده يوما …

وانطلق التربّص التطبيقي مع المركب الرئيس …الايطالي السيد جوزيو … عندما رايته اوّل مرّة كان هنالك تناعم حسّي حدث بداخلي لم ادر مأتاه .. مدرّس شاب وكسائر الايطالين انيق جدا …ديناميكي وكسائر الايطاليين ايضا ..لكن ليس هذا ما حدّد التناغم الحسّي … هل انتم معي في انّ التناغم عالم سحري لا يُفسّر بالمنطق المتداول ..؟؟؟ هل انتم معي مرّة اخرى في انّ بعض الألفاظ تصبح جوفاء عندما نحاول التعبير من خلالها عن هذا التناغم؟ ..وددت يوم رايته اول مرّة ان اقول له كم احببتك ..واكتشفت بعدها ان هذه العبارة لا قيمة لها بل هي خرقاء لتعبّر عن التناغم السحري ..بعد سنوات من عمري اكتشفت عبارة لا تعترف مرة اخرى بقواعد اللغة والصرف والنحو في اللغة الفرنسية اذ اني الغيت من قاموسي عبارة Je t’aime لأعوّضها بـ Je t’amour …قد يصيح البعض (كيفاش هذي ما تصحش في اللغة الفرنسيّة ؟؟)..وتراني اضحك منهم واهتف بصوت عال تصحّ وتصحّ وتزيد تصحّ Je vous amour واللي ما عجبوش يشكي للعروي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

هل يذهب جيسي جيمس، باحثا عن الذهب… إلى غزّة؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

جميعنا عاش خروج ترامب المسكين من البيت الأبيض سنة 2020 وجميعنا يعلم كيف عصفت حينها أزمة سياسية غير مسبوقة بالمشهد السياسي في بلاد العمّ سام… لكن لا أحد من المتابعين للحياة السياسية في أمريكا والعالم، كان يعلم ان ترامب كان يريد ويفكّر جدّيا في العودة إلى البيت الأبيض كلفه ذلك ما كلفه…

ما نعيشه اليوم لم يأت صدفة بل كان مخططا له من ترامب وجماعته… فهذا الأخير زرع بذور عودته إلى البيت الأبيض منذ خروجه منه… وترامب لم يترك المشهد الإعلامي الأمريكي والعالمي طيلة فترة غيابه عن البيت الأبيض وعاد وكأنه لم يغب أبدا عن مكتبه في البيت الأبيض… عاد بصلاحيات أكبر وأوسع كيف لا وهو  يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب ويسكن البيت الأبيض بفوز ساحق جدا… ترامب عاد من جديد رافعا شعار ” أمريكا أعظم من أي وقت مضى”… عاد من جديد بعد أن نجا من محاولة اغتيال… عاد من جديد ليصبح في نظر الشعب الأمريكي المنقذ والايقونة… عاد من جديد يريد ترك بصمة في تاريخ بلاده والعالم فهل حقّا يريد الخير لكل العالم… أم فقط يريده لشعب الماما… وأحفاد “بيفالو بيل” و”ويلد بيل هيكوك”؟؟

بعد أقل من شهر من تنصيبه بدأ ترامب يكشف عن حقيقة نواياه وما يريده للعالم خلال سنوات حكمه الأربع القادمة… فترامب معجب بثروات كندا ويحلم بها ويريد ضمّ كندا لتصبح ولاية من ولايات بلاد العمّ سام… وقد أكد رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، إن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تحويل كندا إلى ولاية أمريكية “أمر حقيقي ويرتبط بالموارد الطبيعية الغنية في البلاد”.

وأضاف ترودو: “في ما يتعلق بتحويل كندا إلى ولاية أمريكية، السيد ترامب يضع في اعتباره أن أسهل طريقة للقيام بذلك هي الاستحواذ على بلادنا وهو أمر حقيقي، في محادثاتي معه” وحسب بعض المصادر الإعلامية فإن ترودو يؤكّد على أن الأمريكان يعلمون وعلى دراية تامة بموارد كندا الطبيعية وثرواتها الباطنية لذلك هم يبحثون عن طريقة تمكّنهم من الاستفادة منها…

وكما يريد ما تحت أرض كندا تعهّد ترامب بـ”استعادة”  قناة بنما، محذرا بنما من التواجد المريب للصين قرب الممرّ المائي الحيوي… ملمّحا أن الصين قد تكون تدير قناة بنما التي لم تُمنح للصين، بل أهديت لبنما بحماقة، لكنهم لم يحترموا الاتفاق وقد نفكّر في استعادتها إن لزم الأمر …

ماذا يريد حقّا ترامب بعد ما جاءنا مهددا متوعدا فماذا بعد كندا وبنما وغرينلاند وفرض الضرائب على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إذا لم تستجب هذه الدول لشروطه في إبرام اتفاقيات تخدم الولايات المتحدة؟؟… هل سنعيش إعادة التاريخ لنفسه في شخص دونالد بعد أن عاش العالم خلال القرن الماضي مع أدولف وأطماعه وما فعله بكل العالم… فالتشابه كبير بين وصول ترامب إلى الحكم أو لنقل عودته إلى البيت الأبيض، ووصول أدولف إلى حكم ألمانيا… كلاهما وصل بانتخابات شرعية وكلاهما وصل إلى الحكم وسط أزمة اقتصادية تعصف ببلديهما… فأدولف أذاق العالم كل ويلات الحروب وجحيمها… ودونالد قد يتسبب ما يلوّح ويتهدّد به في كل ويلات الحروب وجحيمها أيضا… أدولف جاء الحكم على صهوة خطابه الشعبوي وسط أزمة اقتصادية خانقة رافعا شعار “الثأر للكرامة الألمانية”… ودونالد جاء أيضا متأبطا شرّا على صهوة جواده في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الداخل الأمريكي، رافعا شعار “أمريكا أولا”…

كل ما سبق من تهديدات وصراخ من دونالد أو “جيسي جيمس” هذا القرن قد لا يهمّ العرب كثيرا، لكن تهديده أو كشفه لمخططه المجنون والغريب لتولي شؤون غزّة وتهجير سكانها الأصليين لبناء “ريفييرا الشرق الأوسط” حسب زعمه، سيدخل العرب في دوامة من المشاكل هم في غنى عنها في وقت عصيب كهذا الذي يعيشونه… ورغم أن اقتراح دونالد ترامب أو جيسي جيمس هذا القرن قوبل بعدم التصديق والسخرية والمعارضة والتندر من أغلب  دول العالم تقريبا، فإنه أثار ويثير تساؤلا جادا وخطيرا وحقيقيا “هل فكرنا في كيف وأين سيعيش مليونان من المدنيين المغلوبين على أمرهم حين يعودون إلى ديارهم ولا يجدون لها أثرا؟؟”… فهل كان ترامب جادا في ما يخطط له؟ هل يريد حقّا تهجير سكان غزّة خلال فترة إعادة إعمارها فقط أم هو يريد تولي أمر غزّة نهائيا وتهجير أهلها نهائيا خدمة لتل أبيب؟؟

عديدة هي الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم بعد ما صرّح به دونالد ترامب… فهل ستقبل مصر وكذلك الأردن وربما بعض الدول العربية الأخرى بما يريده دونالد؟؟ ومن سيضمن عودة سكان غزّة الأصليين غدا إلى بلادهم بعد الانتهاء من إعادة بناء ما خربته آلة الحرب؟؟ والسؤال الأهمّ والأخطر هل ستقبل “الحركة” التي بدأت الطوفان بما يخطط له ترامب… وهل من البساطة بأن يقع تحييد “الحركة” عن كل ما سيقع بغزّة وهي التي قد تكون حجر عثرة قبل حتى التفكير في من سيستضيف سكان غزّة على أرضه بشكل قد يكون دائما وإلى الأبد… ومن هي الدولة العربية التي قد تهدي جزءا من أراضيها إلى سكان غزّة ليبنوا عليها وطنا بعد أن أطردوا من وطنهم الأمّ؟؟؟ والسؤال الهامّ الآخر والمؤلم حقّا: هل يمكن ان يعيش كل من خربت ديارهم في العراء أو في الخيام أثناء إعادة إعمارها… ومن يضمن لهم أنهم سيعودون حقّا إلى ديارهم؟؟؟

نعود للحركة التي أشعلت فتيل الطوفان هل ستقبل بالأمر وتدفن أسلحتها أم أنها ستعود لحملها وهذه المرّة ضدّ رجال جيسي جيمس وأقصد دونالد ترامب؟؟ فترامب نفسه لا يمكن أن يملك جوابا عن سؤال “كيف ستخرج الحركة ورجالها من غزّة وهم من قاوموا غزوها؟؟” والسؤال الآخر الذي قد يشغل دول النفط والغاز في المنطقة من سيدفع ثمن إعادة إعمار غزّة، فهل يقبل العرب دفع ثمن إعادة إعمار قطاع لن تطأه اقدام أصحابه من الفلسطينيين إلى الأبد رغم أن الإدارة الأمريكية عادت لتقول بعد كل ما أثاره مخطط ترامب بأن نقل أو تهجير سكان غزّة سيكون وقتيا؟؟ والسؤال الذي سيدور في أذهان الدول التي ستقبل استضافة مليونين من سكان غزّة من سيدفع لهم ثمن الاستضافة وكم ستدوم مدّة الاستضافة يا ترى؟؟؟

خلاصة الأمر لن تخرج لا مصر ولا الأردن من ضجيج هذا المخطط سواء نفّذ أم لم ينفّذ دون جروح وكدمات وأوجاع… فالأردن نصف سكانه هم من أرض فلسطين وقبول المزيد منهم سيدمّر اقتصاد المملكة ويرهقها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقد يكون سببا في نهاية الحكم الهاشمي في عمان… وقد لا تنفع مساعدات العمّ سام أو جيسي جيمس، التي سيغنمها من دول الخليج كافية لدرء الأسوأ عن المملكة الأردنية… أما مصر فالسيسي لن يقبل بالأمر لسبب هام وهام جدا بالنسبة له فهو انقلب على الإسلام السياسي في مصر ويكنّ عداء كبيرا للإخوان… لكنه في نفس الوقت في حاجة إلى مساعدات مالية هامة وهامة جدا للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها بلاده وقد تتسبب له في أوجاع في خاصرة الحكم قد تصل إلى تغيير المشهد السياسي برمّته في القاهرة… فهل ينجح جيسي جيمس في ما يخطط له ويريده ويركب صهوة جواده قاصدا غزّة باحثا عن الذهب واشياء أخرى، أم يخرج عليه صلاح الدين … في زمن خراب الدين؟؟

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 105

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وحان وقت الجلسة التي رتّب لها السيد كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية انذاك رحمه الله… المكان كان بمكتب المدير…

عبد الكريم قطاطة

عندما دخلت المكتب وجدت به ضيفين لم اكن انتظر وجودهما وهما السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية جلبه معه السيد عبدالقادر عقير من اذاعة المنستير وذلك بعد خروج الزميل الصادق السماوي اطال الله عمره للتقاعد… رغم انّ الاسم المنتظر لخلافة الزميل السماوي كان الزميل محمود المصمودي… لكن يبدو انّ المقرّبين اولى بالمعروف… الضيف الثاني كان الزميل زهير بن حمد المدير الفرعي للبرامج… عندما رايتهما ابتسمت ابتسامة سخرية لان الاشكال كان بيني وبين السيد عبدالقادر عقير فقط… اذن فهمت انّ وجودهما كان من اجل دعم مديري في مواقفه… اي وبعبارة الكوارجية هما لاعبان لتحصين الدفاع وان لزم لتعزيز الهجوم… اي الخطة كانت 3 ضدّ واحد…

اخذت مكاني امام الجميع متحدّيا فريقهم وبكثير من النرجسية والغرور… بدأ السيد كمال عمران الجلسة وطلب منّي ابداء رأيي في الاشكال بيني وبين مديري… اعتذرت للسيد كمال عمران بالقول (لا يُعقل ان ابدي ايّ رأي قبل مديري… لانّه ومهما كان الاشكال يبقى مديري والاولويّة له)… طلب السيد كمال عمران من السيد عبدالقادر عقير طرح الاشكال… السيد عبد القادر عقير عبّر عن قلقه من عبدالكريم الذي لا يمتثل لقراراته ويضرب بها عرض الحائط، متخذا من نجوميته سندا له مما ادّى به الى عدم الانضباط في توقيت عمله والى مواقف مشينة ومسيئة لمديره كلما نبهه لذلك… اثر ذلك طلب منّي السيد كمال عمران الردّ على ما قاله مديري فعلّقت بالقول سأرد على الجميع عندما استمع اليهم…

بعد ذلك اخذ الكلمة السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية وكما توقعت ساند المدير في مواقفه رغم اني لم افهم الكثير مما قاله لانّه كان على مستوى الفصاحة والوضوح… صدقا وبعيدا عن الاساءة (ما يجمعش).. وعندما انتهى من مداخلته طلبت الكلمة من السيد كمال عمران وباسلوب ساخر قلت للسيد كمال عمران: (انت فهمت اش قال سي المنصف ؟ اذا فهمت فهّمني . انا نعرف روحي خايب في بعض المواقف ولكن ما يشفع لي اني اردّ الفعل ولا افعل)…ابتسم سي كمال واعطى الكلمة لزميلي زهير بن حمد… زهير كما عرفته كان رصينا وهادئا في مواقفه… اي نعم يومها كان كذلك وبعبارة اوضح حاول ان يكون محايدا حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي… وللامانة تالّمت يومها لحياده لكن وبعد مرور سنوات تناقشت معه في موقفه لذلك اليوم واقنعني انه في ذلك الظرف بالذات ماكان له ان يكون موقفه غير ذلك الموقف..

وللامانة كنت ومازلت عند قناعتي بزهير كقيمة فكرية ومهنية رفيعة… وهذا ما جعلني يوم تاسيس فرع جمعية المتقاعدين بصفاقس ارشّحه لرئاسة الفرع كما رشحته سنة 1998 ليشغل منصب المدير الفرعي للبرامج… وهاهو اليوم في نشاطه بفرع جمعية المتقاعدين بصفاقس كرئيس لها يمثّل الموتور لهذا الفرع… بعد ان اتمّ زميلي زهير بن حمد مداخلته القصيرة طلب منّي السيد كمال عمران تعليقي على كل ما استمعت اليه… وكان موقفي مقتضبا وصادما… قلت في جملة واحدة: (موقفي هو اقتناعي بانّ السيد عبدالقادر عقير انتهت صلوحيته كمدير لاذاعة صفاقس وعليه المغادرة)… وعلا الطير رؤوس الجميع… نظر السيد كمال عمران اليّ وقال (سنرى ذلك سنرى).. انتفض السيد عبدالقادر عقير وقال بحنق: (لا لا .. انا مدير الاذاعة ولن اقبل بايّ منصب اخر)… وانفضّ الاجتماع…

كنت مدركا انّ موقفي هو اعلان حرب من جانبي على المدير … وكنت ادرك انّه لن يبقى مكتوف اليدين… وكنت مدركا انّي على استعداد لخوض تلك الحرب مهما كانت نتائجها… والسبب في مثل هذه المواقف انّي عملت منذ 1998 تاريخ تسميتي على رأس مصلحة البرمجة بكلّ اخلاص وكدّ وتعب من اجل مصلحة الاذاعة … نعم قد اكون اخطأت في حقّ البعض الذين لم اكن وقتها مقتنعا بكفاءتهم… ولكن يشهد الله انّ اخطائي كانت تقديرية لا غير واني واقسم بالله لم اتعامل مع ايّ زميل من مواقف ذاتية، بل كانت عندي قناعات وثوابت شخصية نفذتها …

وجاءت ردود افعال المدير متنوعة تجاهي… بدءا بتقليص العدد المهني من 100 على 100 الى 80 على 100… والعدد المهني هام في مسيرة ايّ موظف اذ هو يساعده على كسب خطوات هامة اما في ترقيته او في تاخير تلك الترقية … لكن من جهتي كنت اضرب عرض الحائط بكل الترقيات والحوافز ما دمت مقتنعا بمواقفي… كما وصل الامر بمديري الى عدم دعوتي لاجتماعات البرمجة مع مواصلة ارسال استجوابات كتابية حول تأخّر وصولي لعملي او مبارحتي له قبل التوقيت الاداري… الى رفض ايّ طلب تقدمت به لتمكيني حتى من يوم عطلة واحد… وكانت سنة 2002 سنة كبيسة في حياتي المهنية… كانت سنة وضع عبدالكريم في الفريڨو كما تعرفون تلك العبارة المتداولة في الادارة التونسية … وليته كان فريڨو باردا بل كان فريڨو من نوع (ڨاتلك ڨاتلك)…

وحلت سنة 2003… تلك السنة شهدت تحوّلين في حياتي المهنية والشخصية… في بداية تلك السنة هاتفني السيد كمال عمران طالبا مني ان اتحوّل لمقابلته بمكتبه بداية الاسبوع… كان ذلك في شهر مارس 2003… يومها وما ان ولجت مكتبه وبعد التحية خاطبني بالقول (ثمّة واحد في القصر يحبّك برشة …وراهو جاء لسي ابراهيم الرئيس المدير العام بالذمة على خاطرك ودافع عليك ووصّى الرئيس المدير العام بالتدخل وعدم ظلمك) …قلت له شكرا ..فاضاف: ما تحبش تعرفو ؟ قلتلو: انا نعرف واحد برك في القصر … كنا زملاء في الدراسة في التعليم الثانوي وكنا اصدقاء جدا… سالني اشكونو ؟ اجبته انه خويا وزميلي الصادق شعبان… ابتسم سي كمال وقال: نعم انه السيد الصادق شعبان…

وليعلم الجميع انّ خويا الصادق شعبان لم يتحدث معي في الموضوع بتاتا لحدّ اليوم… وربما لا يعرف انني اعرف… اثر ذلك قال لي السيد كمال عمران: سي ابراهيم يريد ان يتحدث اليك انه في مكتبه الان ينتظرك… وكنت بعد دقائق بمكتب الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية السيد ابراهيم الفريضي… استقبلني بحفاوة ولطف ودخل مباشرة في الموضوع قائلا: (نحب نعمل حاجة في موضوعك انت وسي عبدالقادر… نحب نبعّدكم على بعضكم اش قولك؟) قلت له يا ريت واش خص.. قال لي: (انت تعرف انو السيد محمود بن جماعة _ رحمه الله _ المكلف بادارة وحدة الانتاج التلفزي انذاك، خرج الى التقاعد… وانت ولد التلفزة قبل ما تكون ولد الاذاعة… اشنوة رايك تولّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي؟ من جهة تبعد على سي عبدالقادر وعلى مشاكلك معاه في الاذاعة ومن جهة تبعث دماء جديدة في وحدة الانتاج التلفزي ؟)

طبعا رحبت بالفكرة رغم اني اعرف ان وحدة الانتاج التلفزي هي ايضا تابعة اداريا لمدير اذاعة صفاقس… لكن قلت ربما تبديل السروج فيه راحة.. لكن طلبت من رئيس المؤسسة رجاء ان كان بامكانه تلبيته… قال لي تفضّل ..قلت له انّ مؤسسة الاذاعة والتلفزة هي اداريا تابعة للوزارة الاولى فهل بالامكان ان تكون التسمية من الوزارة الاولى وليست تسمية داخلية؟ قال لي طبعا ممكن هل لديك طلب اخر ..؟ قلت له هو رجاء وليس طلبا قال لي تفضّل… قلت له هل بامكانك ان تبقي امر نقلتي من مصلحة البرمجة بالاذاعة الى رئاسة مصلحة الانتاج بالتلفزة سرّا حتى تنزل التسمية من الوزارة الاولى .؟ ابتسم وقال اعدك بذلك ..

وجاء يوم 19 مارس 2003 لتنزل التسمية بمكتب مدير اذاعة صفاقس… وبُهت الذي كفر … مديري انذاك كان ينتظر عقابا لي من نوع اقالة من مسؤوليات ففاجأه القرار… لا وزيد مُمضى من الوزارة الاولى… يومها نقل لي بعض شهود العيان عند وصول الفاكس، انّه اقسم باغلظ الايمان انه سيخرجني من اذاعة صفاقس قبل وصولي لسنّ التقاعد… ونسي الاية الكريمة (وما تشاؤون الا ان يشاء الله ربّ العالمين )… سبق ان قلت لكم في بداية الورقة اني عشت حدثين هامين في حياتي… الاول مهني وها انا تحدثت عنه والثاني شخصي وهو على درجة قصوى من الاهمية… نعم والف نعم… وهو محتوى الورقة 106 ان شاء الله…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

حين يصرخ الـ”تشات جي بي تي” قائلا: “عيش خويا نقعدوا بالقدر”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

بعد أن أتحفتنا بلاد العمّ سام بالتشات جي بي تي خرجت علينا الصين بالديب سيك، لم تعد الحرب اليوم بالصواريخ والطائرات فقط… الحرب أصبحت حرب عقول وحرب ذكاء فهل استعد العالم لما قد سيحدث غدا، أم ستقودنا بلاد العام سام في حربها التكنولوجية مع الصين إلى حيث لا نعلم ولا نحلم حتى؟؟

للذكاء الاصطناعي تطبيقات هامة ومفيدة في التعليم، والصناعة، والصحة، والنقل، وكل القطاعات الفكرية والأدبية والثقافية والرياضية والعلمية وصولا إلى العسكرية… فالذكاء الاصطناعي قد يتحكّم مستقبلا في الحروب وفي تطوير الأسلحة…كما قد يتحكّم في مصير الحكومات والدول والرؤساء والشعوب… ألم يساهم الذكاء الاصطناعي في حرب إبادة عشرات الآلاف من إخوتنا في القطاع… والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف سيتعامل العرب والمسلمون مع هذا التطور التكنولوجي… وهل أعدوا له ما يجب ومع أي طرف سيتعاملون مع الماما أم مع الصين… وهل سيستثمر العرب والمسلمون في الذكاء للخروج مما سقطوا فيه اليوم من غباء بعد مجد أسلافهم وما تركوه؟

ألم يكن منهم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعد من أشهر علماء العرب وأبرزهم في الفلك، ومن أوائل علماء الرياضيات، كما برع في علم الجغرافيا… ألم يكن منهم أيضا أبو يُوسُف يعقوب بن إسحاق الكندي، ويُعرف عند الغرب بـ “Alkindus” تميّز بكونه من أشهر العلماء العرب في الرياضيات، إلى جانب إلمامه بمختلف جوانب العلوم الأخرى… تميز في علم الفلك والفلسفة والبصريات والطب والكيمياء والموسيقى…ألم يكن منهم جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة والمعادن والفلسفة والطب والصيدلة… ألم يكن منهم أبو علي الحسين ابن سينا، عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات، ويُعد ابن سينا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال الطب في العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الوسطى، كانت كتبه وبحوثه تُدرّس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر… ألم يكن منهم أيضا أبو بكر محمد بن زكريا الرازي طبيب عربي مسلم وكيميائي وفيلسوف من أشهر علماء العرب وكان من أعظم وأهم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي، عاش حياته بين القراءة والتصنيف، وقيل إنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل… فهل أعددنا نحن العرب المسلمون العدّة لنتعامل مع الذكاء الاصطناعي تعاملا يفيد مستقبل اجيالنا القادمة ويخرجنا مما نحن فيه؟؟

في الغرب هناك، تسلل الذكاء الاصطناعي إلى كل شيء… تسلل إلى البيوت والمطابخ… واصبح يتحكّم في ذوقك وما تريد… يقترح عليك وصفات مخصصة، ويختار لك مكوناتها وكيف تستفيد منها صحيا…  يختار لك وعوضا عنك بعض المأكولات، يساعدك في اختيار ملابسك، ينجدك في ايجاد الحلول للعديد من المشاكل والمآزق… هناك في الغرب أصبح الذكاء الاصطناعي يراقب كل ما يقع على الأرض ويتدخل في كل ما يفعله الانسان ويخطط له… هناك قد يتنبأ بنتيجة مباراة في كرة القدم بين برشلونة والريال… وقد يقترح على المدرب والاطار الفني بعض الخطط التكتيكية أيضا… هناك اصبح وسيصبح الذكاء في قادم السنوات المتحكّم والآمر الناهي لكل ما يفعله الانسان… فلا غرابة إن تسلل حتى إلى غرفة نومك ليعرف من تعاشر وليقترح عليها احمر شفاه وعطرا يفقدك عقلك ويسحرك (يذهب شيرتك بلهجتنا)…  الذكاء الاصطناعي قد يعرف حتى مع من تنام وقد يوثق ذلك في ألبوم صور، وقد يقترح عليك وضعية ملائمة وطريقة مناسبة وموعد المعاشرة وتوقيتها أيضا إن كنت تبحث عن إنجاب صبي (يتربى في عزّك ان شاء الله) وقد يساعدك على اختيار اسمه ويساعدك على مراقبته ونموه وتعليمه ويراقب معك صحته ويقترح أكله ولباسه… هناك لست في حاجة إلى من يصاحب ويرافق ابنك إلى المدرسة فكل الشوارع مراقبة بالذكاء الاصطناعي… وأينما تأخذكم أرجلكم يعترضكم حراس الذكاء ويراقبونكم أعوانه ويعلمون عنكم وقد يسألونكم أين أنتم ذاهبون؟

نعم، هناك سيعلم الذكاء الاصطناعي عبر آلياته ووسائله وتقنياته المنتشرة في كل أرجاء المدن والقرى والأرض والسماء بكم وبما تفعلون وسيسجل كل تحركاتكم وما تأتون وما حتى تضمرون… ويكشفكم ونواياكم ويبلّغ عنكم إن علم أنكم تتآمرون… هناك أيضا يعيد الذكاء الاصطناعي كتابة تاريخ البعض كما يريدون، وكما كانوا يحلمون ويطمحون… هناك يكتب خطب الرؤساء والشيوخ والملوك… ويزيّف نتائج الانتخابات بالصندوق… وهناك أيضا يكتب مقالات تحليلية لكبريات الصحف وأقسام الاخبار التلفزيونية… هناك… نعم هناك، سيفقد الانسان مئات الآلاف من الوظائف وسيتحكّم الذكاء الاصطناعي في كل ما يدور على هذه الأرض… وسيجوع البعض… ويموت البعض… ويبقى من يختاره الذكاء… ويشقى من تميّز بالغباء….

أردت أن اختبر قدرة الذكاء الاصطناعي بنسختيه الصينية والأمريكية في مواجهة جهابذة الذكاء العربي، فطلبت من صديقين يجلسان على نفس طاولتي في المقهى اختبار ذكاء التشات جي بي تي والديب سيك… سأل أحدهما الـ”تشات جي بي تي” وقال له في إطار الصخب واللغط الذي تسببت فيه كلمة نكاح في عنوان أطروحة دكتوراه، والمقصود بذلك من صاحب الأطروحة (الزواج طبعا): “ما هو النكاح يا عمّ التشات؟؟” أجابه التشات جي بي تي ساخطا:” روح……….أمك يا طحـ…عيش خوي نقعدوا بالقدر”… صرخ صديقي بأعلى صوته فأدار رقاب كل من بالمقهى إلى حيث نجلس وقال:” بالحرام ما يطلع كان تونسي ولد الحرام هالتشات جي بي تي!”… ضحكنا ملء اشداقنا وطلبت من صديقي الثاني التوجه بسؤال إلى الديب سيك الصيني فقال له: “هل تعرف ما تعنيه كلمة “طحّان” وكان يقصد العامل بالمطحنة”… فأجابه ساخطا الديب سيك “ما طحّان كان انت…يا طحّان!”… وخرجنا من المقهى ونحن على يقين ان من أبدعوا الذكاء الاصطناعي هم من أبناء عمومتنا وإن أنكروا ذلك… قلت وأنا أجتاز باب المقهى: “اللي يغلبنا يجي يحاسبنا”… وأضاف صديقي: “حليل أم (سام ألتمان) مؤسس شركة “أوبن إيه آي”، وحليل أم (ليانغ ون فنغ)، مؤسس شركة  DeepSeek”… وضحكنا… ضحكنا… حدّ البكاء…

أكمل القراءة

صن نار