تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 46

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

مشكلة العديد منّا، اثبات الذات… وهو ولئن يبدو امرا شرعيا بالنسبة لأي كائن بشري فانه يصبح ظاهرة مقيتة ومنفّرة لمن لا يُجيد الطرق المؤدّية اليها لأنها تتحوّل تدريجيا الى كابوس في علاقتنا بالاخر وتُوتّر العلاقات بشكل مُقرف …وافضلنا هو من يعرف متى وكيف والى ايّ حد يتدخّل في شؤون الاخر حتّى لا يُصبح عبئا ثقيلا عليه …

عبد الكريم قطاطة

هذا ما حدث لي مع قريب لي (ابن خالي رحمه الله) عندما سمع بخبر نجاحي واستعدادي للانتقال الى فرنسا لمواصلة دراستي العليا في العلوم السمعية البصرية …جاء هذا القريب يوما الى عيّادة وانطلاقا من حرصه على تحسيسها بخطورة ما قد ينجم عن تحوّلي الى عاصمة النور من مخاطر قال: “شوف يا عميمتي انا يلزمني ينبهّك ..راهو عبدالكريم اذا مشى لفرنسا امسح مات ..راهو ماعادش يرجعلك ..يخاذلك فرنساوية ويعرّس بيها ويستقرّ غاديكة ..انا قلتلك باش ما تلومش عليّ نهار اخر” … صمتت عيادة طويلا ولم تشأ حتى اخباري بذلك …الا انه ومع اقتراب موعد سفري بدأت عيناها تحكيان… كنت استمع من خلالهما الى شجنها العميق ..صدقا لم اتصوّر لحظة واحدة ان ابن الخال هذا وراء ذلك الشجن .. هكذا هو اراد ان يثبت ذاته بذلك التدخّل …

.وجاءت ليلة السفر الى تونس واذا بعيّادة تُلحّ ان تكون معي لتودّعني في مطار تونس قرطاج صحبة ابنة اخيها …. وشلّة الاصدقاء ..اندهشت للامر ..وقلت: الامر غريب هنالك شيء ما … ليلتها لم تنم عيّادة… كانت طوال الوقت تنظر الى طفلها الذي قد يغادر دون رجعة كما وشوش لها ابن اخيها ..كانت وكأنها تملأ عينيها بكل تفصيلة من ملامح طفلها …كانت وكأنها تتدخر تلك التفاصيل لغد مجهول …عندما صعدنا الى صالة المطار العليا وقبل الدخول الى الجمارك، كانت تبحث عن قارورة ماء صغيرة …تصوّرت انه عطش الفراق …الا انها لم تفتح القارورة ولم تشرب منها قطرة واحدة… كانت تخبئها لترُش ماءها على آثار قدميّ وانا اغادر للدخول الى قاعة الرحيل …

عادة رش الماء وراء حطوات المسافر تعني حتميّة عودته في اعرافها … فهمت ذلك وانا التفت لانظر اليها قبل المغادرة … وفجأة وجدتني اعود اليها وامسكها من كتفيها واقول: قللي يا عيادة احكيلي انتي بيك حاجة ومخبّيتها عليّ ؟؟ … اسبلت عينيها الى اسفل وهمهمت: ” ما ثمة شيء يا وليدي ربي يوصلك سالم ويجيبك سالم”… مسكتها من يدها وابتعدت بها عن الجميع من اهل واصدقاء وقلت: “مانيش مقدّم خطوة اخرى اللي ما تقللّي اشبيك”… مسكت يديّ بارتعاش وقالت: “قالولي انك وقت تمشي لفرنسا ماعادش ترجع” … اشكون قللك هالحديث ؟؟” همهمت: “ولد خالك” … وفارت دماء الدنيا في عروقي…

ما افظع ان تفور الدماء في عروقنا فنصبح جبارين قادرين على هدّ كل الجبال ..ما افظع ان نعيش لحظة في الحياة نريد ان ننفجر فيها ونُفجّر كلّ ما يحيط بنا … ما افظع ان نعيش لحظة الهزيمة لأننا غير قادرين على ابتلاع قول ما …كلمة ما ..شخص ما … وقتها عشت بعض الثواني على وقع تلك الحالة ثم استفقت للحظة واعدت مسك يديها بقوّة وقلت: ” انت جبت راجل والا طلطول ؟؟” … اجابت ولست ادري بوعي او دون وعي: “جبت راجل وسيد الرجال” … قبّلت جبينها وقلت: “اطمان يا عيادة يجي نهار ونثبتلك انّك جبت راجل وسيد الرجال” ..هي تعرف مدى صدقي وخاصة مدى تقبُّلي للتحدّيات ..وقدرتي على كسبها ..لذلك عانقتني طويلا وهي تُردّد: “يكبّ سعدهم دموعي وقت حاجتي بيهم ما نلقاهمش”… هي فعلا من الصنف الذي قلّما رايته يبكي … دمعتها عزيزة كما تقول… ولكن حتى الدموع لها من يفهمها سواء تدحرجت ام بقيت في مآقيها …

وصعدت الطائرة ..كنّا اربعة تونسيين من دار التلفزة، اثنان اختصاص هندسة صوت، واحد اختصاص تصوير تلفزي رحمه الله وانا اختصاص مونتاج … كان ذلك في 30 مارس 1976 … عندما دخلت الطائرة اجواء باريس العليا وهي تحوم في سماء اورلي، انتابتني قشعريرة رهيبة …باريس عاصمة النور.. ياااااااه …كان كل ما تحتي انوار برتقالية وكنت كابرة وسط محيط ..الانبهار والضياع …لن انسى ابدا ذلك الشعور ..كنت اردد بداخلي كيف ساجد نفسي وسط هذه الدنيا الغريبة ؟؟ صدقا كنت اشعر يعجز كامل عن تصوّر نفسي في اتون هذه الاضواء المنبعثة من كل زاوية رؤية …ورغم انّ مركز تكوين الطلاب الافارقة كان ينتظرنا بحافلته الصغيرة في بهو قاعة مطار اورلي… ليتكفّل بنقلنا الى المركز اولا لاعطائنا لوازمنا من بطاقة الاقامة الجاهزة مُسبقا ولتمكيننا من المنحة الاولى 130د، ثم لنقلتنا الى المبيت المخصص لنا بـ”روني سو بوا” في الضاحية الشرقية لباريس والقريب من معهدنا بـ_”بري سير مارن”…

رغم ان كل شيء كان مرتّبا مسبقا على احسن حال، فان هاجس العجز والضياع لم يفارقني خاصة وتلك السيارة تنهب الارض نهبا وتلك الانفاق الفوقية والتحتية تتقاطع فيها ومنها تلك الاضواء البرتقالية يمينا وشمالا وتحتا وفوقا ..كنت اشبه بذلك الذي انتقل الى عالم افتراضي لا حقيقة فيه … كنت احيانا اُغمض عينيّ لاعود الى طفولتي في الوادي الظهراوي الرابط بين ساقيتي الدائر والزيت، فأرى صور البغال والاحمرة الوانا واشكالا وقد انتظر احيانا ساعة كاملة لأرى سيارة بيجو 203 سلسلة رقم واحد ..نعم انا ممن عاصروا السلسلة رقم واحد للسيارات في تونس …وانا من عاصر البيجو 203 و 403 و404 وعندما تطلع علينا يوما سيارة من نوع جيفا 4 او دي اس .. ننبهر بها كمخلوق لا ينتمي الى كوكبنا …كنا نرى الترف في افلام جيمس بوند وكنا نرى باريس في اغاني جاك بريل او ايديت بياف وكنا نتصور باريس في فيكتور هيغو وبؤسائه او في لافونتين و”فابلواتو” …او موليير وبخيله …

ذكرت كل هذا وبشكل مُبالغ فيه ربما ولكن اردت فقط ان اعبّر لكم عن انبهاري وجزعي وخوفي وانا اطأ ارض باريس حتى اني كنت اردّد في داخلي كيف ساستطيع العيش في هذه الدنيا الرهيبة والمتشعبة …حينما وصلت الى مبيت روني سوبوا لم يكن همي اطلاقا لا المأكل ولا السكنى ..المهم كيف ساتمكّن من فكّ لغز الضياع …اتذكّر جيّدا ان احد الافارقة المقيمين بنفس المبيت اقترب منّي وكأنه احس بشحوب نظرتي وهلعها وسألني: “الاخ من اين ؟؟؟” … استملحت وجهه وابتسامته الناطقة من بياض اسنانه وقلت له: “من تونس” … مد يده مصافحا وقال انا فيليب من السنغال …احسست بحرارة صادقة في عينيه وفي تحيته اليدوية ..بادلته نفس الصدق وانا اقول تشرّفنا ..نظر اليّ وقال سنصبح اصدقاء ..قلت له وبكل ثقة نعم …جاءني احد الزملاء من تونس ونهرني بقوله: “رد بالك اشبيك هابط على ڨلاڨمك ؟؟”… قلت له علاش ..؟؟ قال يخخي تعرفو ..؟؟ لم اجبه لان هنالك احساسا بداخلي يقول انّ فيليب هذا انسان جميل …ولأني مدين لاحساسي في غالب علاقاتي بالاخر، فان هذا الاحساس اصبح حقيقة واصبح فيليب من اقرب الناس الى قلبي ومن افضل من عرفت في المعهد ..

ليلتها تناولت “عظمة” مقلية وطرف هريسة _ لأن رائحة المأكولات في مطعم المبيت ليس فقط لم ترق لي بل سدّت انفي وانفاسي ..وانا الذي عادة ما آكل بانفي قبل فمي (ياسر خوكم جعبار في الماكلة وماسط وكل الصفات فيه)… ارتميت على احد مقاعد صالة المبيت واخذت سيجارة المنته التي جلبت منها عشر علب من تونس وقطعة الحلوى وطفقت ادخّن … حكايتي مع السيجارة هي لم تكن يوما ولن تكون حكاية مدمن مع النيكوتين ..انا بيني وبين سيجارتي حكاية عشق وحياة …بل اصل احيانا الى حد السخرية ممن يكتبون على علبة السجائر (التدخين قاتل) … الحياة في نظري لا تقاس بعدد السنين التي نعيشها بل بعدد اللحظات التي نستمتع فيها بتلك الحياة ..من ثمة تفهمون ربما ما معنى عشقي لسيجارتي ..في لحظات تعاملي معها احس بأني اعانقها وتعانقني الثمها وتلثمني اُمتّعها وتمتّعني .اشكو لها وتشكو لي ..السيجارة هي الحياة بدبيب الحياة فيها وهي تبدأ لحظة اشتعالها.. بعد ان ركنت الى علبتها لست ادري كم من حياة الكهوف…. ثم بتوهجها شيئا فشيئا لتبلغ ذروة انتعاشها …ثم بانطفائها بعد قضاء رسالتها ..اليست تلك هي الصورة المصغّرة لحياتنا …فقط اسال ما قيمة السيجارة وهي في علبتها ..؟؟؟ وبالتالي ما قيمة حياتنا وهي في علبة الكهوف ..؟؟؟

كنت ادخّن سيجارتي وانفث دخانها وهو يتصاعد في حلقات لارى فيه ما خلّفته حولي من مشاهد صبيحة ذلك اليوم في مطار قرطاج الدُّولي …امُُّ تكاد تكون ثكلى لفراق وحيدها … خطيبة مازالت في الدرجات الاولى في علاقتها بخطيبها الذي لا تعرف عنه اشياء كثيرة باستثناء انه ابن عمّتها وانه مقبل على 3 سنوات دراسة في فرنسا … ومجموعة من شلّة نهج كندا الذين يُمنّون النفس بنشرات اخبارية مفصلة يرسلها لهم صديقهم حول حياته بباريس وحول العابه الاولمبية كما يسمونها وهو المقبل على فتوحات من كل الجنسيات .. مشاهد مختلفة حتما او بعبارة اخرى “كل واحد وهمّو” .. لم استفق الا وصديقي رؤوف بن مصلي رحمه الله يدعوني لـ”هبطة” لباريس …ماذا؟ نزول إلى باريس في الليل ..؟؟ لم اصدّق وانا الذي اسبح في عالم الجزع والخوف من باريس نهارا فكيف لي ان اُقامر ليلا …؟؟

لكزني رؤوف وقال لي اشبيك راني باريس نعرفها شكلة شكلة ..توة تشوف باريس اسهل من صفاقس متاعك ويستحيل انك تضيع فيها …تمالكت وقلت هبطنا ..وتصوروا عبدالكريم في باريس بكل انوارها ليلا ..”بدوي في العاصمة” يتذكره الذين عاصروني … هو لاباس عليه امام ما عشته ليلتها …كانت تجربة رائعة بكل المفاصل لعلّ اهم نتائجها اني طلّقت الخوف من المجهول نهائيا وفي كل آت في حياتي …والفضل في ذلك يعود الى رؤوف رحمه الله ….اوّل ما فعله معنا نحن قوم بني جهل الذي وجد نفسه في باريس ذات ليلة بتاريخ 30 مارس 1976 … فتح اعيننا على حقيقة بسيطة وعملية جدا ..الا وهي اذا تاهت بك السبل في باريس عليك وعلى اول حفرة ميترو ..ادخلها وهي كفيلة باعطائك لا فقط اين انت بل اي رقم ميترو يوصلك الى اي مكان تريده شرقا غربا شمالا جنوبا ..

نعم صدقت يا رؤوف .في تونس العاصمة او في اية مدينة تونسية قد نضيع ولكن ابدا ان يكون ذلك في باريس .. وعدت الى المبيت وصدري مُرتوٍ باوكسجين الانتصار … انتصرت ونهائيا على حاجز الخوف من الضياع في باريس… بل لم انتظر في الغد وبعد الترسيم بالمعهد لا رؤوف ولا عثمان ولا بو الزّور لاتنقل وحيدا في باريس …احسست يومها بأن رجليّ لا يتجاوز وزنهما بعض الغرامات ..كنت كفراشة مزهوّة وجدت ربيعها .. كخطاف عاد ليحلّق بحرّية في عاصمة النور والحرية ..كقرنفلة خرجت من غمدها بعد شتاء دام سنوات …بقيت اتجوّل في شوارع لا اعرف عنها شيئا لا اسمها ولا اسم عائلتها ولا اسم روادها ..كان كل همي ان اقول انا فيك يا باريس ..انا بين اضلعك يا باريس انا قادم اليك لاترشف منك … كان همّي ان اقول لها .لقد عانيت الامرين بل الامرّات لكي اصل اليك… وعندما وجدتك لن افوّت لحظة واحدة من عمري كي اعبّئ كل شراييني من نورك وعطرك ..ما امتع الاحساس في حياة الواحد منّا عندما يحطّ ببلد ما، بمدينة ما، فيقرأ في غدها النور والعمق والجمال …

في اول يوم من حياتي بباريس كانت كل هذه الاحاسيس تملؤني وكأنني شاهدتها يوما في حلمي وها انا جئت لتحقيقها على ارض الواقع …وانطلقت رحلتي مع فرنسا على امتداد سنوات ثلاث ..يااااااااااااااااااااااااااااه كم غيّرتني راسا على عقب وكم اكتشفت فيها وبعدها اني كنت ذلك العربي المتخلّف الى حد الجهلوت …ياااااااااااااااااااااااااه كم انا سعيد باقداري تلك …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

 ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…

إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…

وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…

ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act)  وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…

كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…

قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…

فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…

أكمل القراءة

جور نار

رحم الله كلبة نجيب الريحاني…

نشرت

في

محمد الأطرش:

وأنت تعبر من شارع إلى آخر…وأنت تقف في طابور تنتظر دورك للفوز بعلبة حليب… وانت تسأل عن ثمن كيلوغرام من لحم خروف لا تلتقيه إلا يوم عيد الأضحى… وأنت تجوب أروقة الفضاءات التجارية الكبرى تغني “اش جاب رجلي للمداين زحمة… واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”…

وأنت أيضا تتجول في شوارع وأنهج وأزقة فضاءات التواصل الاجتماعي… وأنت تركب الحافلة لتعود إلى منزلك محمّلا بما كسبته من الوقوف لساعات في طابور أطول من بعض قطاراتنا التي نسعد حين نراها لأنها تذكرنا بقطارات أفلام الوسترن والغرب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر… وأنت تدخل يدك جيبك لتبحث عمّا تبقّى من مرتبك الموؤود الذي لبّي داعي ربّه قبل أن يولد… وأنت تفعل كل هذا وأكثر من هذا تستغرب وتسأل نفسك أين أنا؟؟ أين نحن؟؟؟ اين اختفى التونسي الذي كان يعيش على هذه الأرض… التونسي المتسامح والمتصالح… التونسي الذي يحب جاره ويسأل عنه؟؟؟ أين رحل التونسي الضحوك دائم الابتسامة؟؟ اين نحن؟؟؟ اين أنا…أين أنت…أين أنتم…أين هم…أين بعضنا…أين ذهبنا…واين غرقنا؟؟؟ أين ما كنّا ننعم به من طيبة واخلاق؟؟؟

وتعيدها… اين… وأين… وأين… وقد تلعن… وتلعن… من أوصلنا إلى ما نحن فيه وما وصلنا إليه من حقد وكراهية وفتنة… وما أصبحنا نضمره لبعض البعض… جميعنا دون استثناء يخرج من منزله متأبطا شرّه خوفا على فتات الخير الذي لا يزال يعيش داخله… جميعنا يبحث عن نفسه التي أضاعها… عن أخلاقه التي باعها… جميعنا نبحث عن تاريخنا الانقى والأجمل من حاضر شوهناه دون أن نعي خطورة ما أتيناه… بعضنا يحقد على التاريخ لأنه لم يكن فيه ولا من بُناته… وبعضنا يلعن الحاضر لأنه  ليس منه ولأنه كشف للناس عوراته… وبعضنا يلعن الجميع وكل الأزمنة وكل الناس ويتهمهم بالفساد والخيانة والعمالة وهو الذي يسهر حتى ساعة متأخرة مع أصحاب السوء يضمرون شرّا للحاضر ويسيئون ويشيطنون الماضي ويعبثون ويتلاعبون بالمستقبل…

كلُنا نبحث عن كُلِنا… بعضنا لا يزال ينام في الماضي ولا يريد ان يغادره… وبعضنا يصفّق ويصرخ بأعلى صوته داعيا لـــ”مولاه” ومفاخرا بحاضره فقط لأنه انتقم له من ماض وتاريخ لم يكن فيه… والسؤال الذي وجب أن نلقيه على بعضنا البعض هل هذه أخلاقنا وما كنّا عليه وما ولدنا عليه ما عرفنا أهلنا عليه؟؟ سؤال لا يمكن أن تجد له إجابة وأنت تقرأ قصصا واقعية عن الكلاب تجعلك في حيرة من أمرك… لتسأل دون خجل: أين نحن من أخلاق الكلاب، كل الكلاب؟

 لعل بعضكم قرأ عن الكلب “هاشيكو” الذي توفي سنة 1935… هذا الكلب وهو من سلالة “أكيتا اينو” اليابانية كتب اسمه في التاريخ لأجيال قادمة من الحيوان والبشر… فهاشيكو هذا كان وفيّا لصاحبه ومشهورا بولائه غير العادي لسيده الأستاذ “هيديسابورو أينو”… وكان يرافق صاحبه يوميا إلى محطّة شيبويا في طوكيو ويبقى في انتظاره هناك حتى يعود… حتى بعد وفاة “أينو” المفاجئة سنة 1925 بقي هاشيكو لمدة تقارب العشر سنوات ينتظر في نفس المكان الذي كان ينتظره فيه… كان المسكين يظنّ ان سيّده سيعود، ولم يكن يعلم أن من يموت لا يعود… هاشيكو استمر على تلك الحال، يعود إلى نفس المكان حتى ساءت صحته ومات… فهل نحن بأخلاق ووفاء هذا الكلب ؟؟ لا… نحن كنّا بأخلاقه لكن اليوم لا… ونحن كنّا بوفائه واليوم لا وفاء لنا…

ولعل بعضكم أيضا يعرف قصّة كلبة نجيب الريحاني أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي… كان الريحاني يقيم في شقة بإحدى عمارات القاهرة… وكانت كلبته تصاب بنوبة جنون كلما رأت كلب إحدى جاراته، فتهجم عليه محاولة الفتك به وكان الريحاني يعاني كثيرا مع جارته من اجل فضّ الاشتباك وإنقاذ كلب جارته المسكين… وفي احدى الليالي دخل الريحاني رحمه الله المصعد ومعه كلبته، فوجد جارته هناك ومعها كلبها المسكين… وقف الريحاني وجارته في حالة تأهب قصوى للتدخل في صورة انقضاض الكلبة على الكلب فلم يحصل شيء مما كان الريحاني وجارته يخافانه… فالكلبة لم تحرّك ساكنا كما كانت تفعل دائما ولم تنبح ولم تحاول الانقضاض على كلب جارة الريحاني بل تقدمت نحوه في هدوء وأخذت تلحس شعره في حنوّ شديد ورقّة غير طبيعية…

 استغرب الريحاني الامر وسأل جارته ما الحكاية؟ فأجابته وهي لا تقلّ عنه استغرابا ودهشة وقالت: إن الكلاب أنبل من البشر أحيانا… لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام… وشعرت كلبتك بما حدث له فلم تشمت… ولم تنتهز الفرصة للهجوم على عدوها… بل تقدمت إليه حزينة لأجله ومتضامنة مع وجعه وما هو فيه كما ترى وها هى تحاول مواساته بلحس شعره… تجمّد الريحاني مكانه وأخذ يتأمل، ودخل شقّته… وأخذ يبكى… علما بأن كلبة الريحاني ماتت قبل وفاته بثلاثة أيام… أتدرون ماذا يمكن أن يقول احد ممن تحدثت عنهم لو أصاب أحد خصومه ضعف البصر فقط … سيقول متشفيا: “يعطيه عمى”!

ألاحظتم الفرق بين أخلاقنا وأخلاق كلبة الريحاني؟؟ فهل أخلاقنا اليوم كأخلاق هذه الكلاب التي ذكرت في ما رويت؟؟ نحن لم نعد نحن… نحن شعب يُذنب بين كل صلاتين ليطلب المغفرة آخر كل صلاة… نحن شعب يسعد لموت خصمه… ويشرب على نخب اعتقال جاره… ويظهر الشماتة في كل من يختلف معهم إن اصابتهم مصيبة… هكذا نحن اليوم… فأين نحن من أخلاق الكلب ابن الكلب… أم هل سلكنا الطريق التي قال عنها سيّد حجاب: (ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء… وواخدنا ليه في طريق مامنوش رجوع ؟؟)

 في الأخير… رحم الله كلبة نجيب الريحاني….

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 110

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

عندما عدت الى مصدح اذاعة صفاقس يوم 6 ماي 2011 بعد غياب دام عشر سنوات علّق على عودتي صديق عزيز على قلبي، الدكتور نوري الرباعي والذي تابعني منذ كان تلميذا في الدراسة الثانوية… علّق وبكلّ قلق واستغراب بالقول: لم اجد فيك عبدالكريم الذي اعرفه… لم اجد عبدالكريم الثائر وصاحب الصوت الذي كلّه هدير وثورة…

عبد الكريم قطاطة

وكان على حقّ في ملاحظاته… وفسرت له الامر كما يلي: نعم يا نوري انت على حق اسلوبي تغيّر لسببين… بعد جانفي 2011 اصبح الصوت الثائر موضة ولأنّي ارفض السير في قطيع الفوضى والثويريين عدّلت من المقام الذي اعزف عليه ولكن دون المسّ بالجوهر… وللامانة تعديل المقام الموسيقي الذي اصبحت اعزف عليه جاء نتيجة تجربتي الايمانية… لانّي اكتشفت في ما اكتشفت بعد ان استمعت للعديد من الذين جعجعوا الدنيا باصواتهم، انّ علوّ الصوت لا معنى له امام علوّ الحجّة… وهذه نعمة اخرى من نعم الله (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لا تُحصُوهَا ـ سورة النحل آية 18)… ومن نعم الله ان الهمني الله الى درب البحث ودون هوادة في امور ديني…

طفقت منذ مارس 2003 وحتى اكتوبر من نفس السنة في بحث دائم بالعقل هذه المرّة بعد ان اطمأنّ قلبي واكتشفت امورا عديدة لم اكن لاعرفها لولا حرصي وصبري على القراءة والاستماع لكلّ الانماط ولكلّ الايديولوجيات بشرقييها وغربييها بالمعتدلين فيها والمتطرّفين… وهذه الفئة الاخيرة لم تقرا ما جاء في كتاب الله (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ـ البقرة آية 143)… نعم قرأت عديد القصص .. لم اكن اعرف مثلا قصّة الرحّالة الشهير جاك إيف كوستو وهو عالم البحار عندما اكتشف انّ بعض البحار لا تختلط مياهها بتاتا وانّ بينها حاجزا لا مرئيا اخبره بحّار يمني انّ هذا الامر ورد منذ 14 قرن في القرآن بقوله عزّ وجلّ في سورة النمل آية 61 (وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)…

اسلم كوستو ولكنّ الغرب المتشدق بالديموقراطية وحرية التعبير اخفى اسلامه… وكذلك وقع نفس الامر مع الطبيب والباحث الالماني لوهار كاي الذي قرأ بالصدفة سورة الكهف واستوقفته آيتان الاولى المتعلقة بتقلب اصحاب الكهف ذات اليمين وذات الشمال… وهذا يعرفه لانّه وفي علاج بعض المرضى يحرص الطبيب على تقلّب جسد الانسان حتى لا يتقرّح علاوة على وجود الشمس للتهوئة دون ان تقع اشعتها على جسد المريض ودائما خوفا من التقرّج (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ـ سورة الكهف آية 18) …لكن ما لفت انتباهه في نفس الآية الحديث عن الكلب (بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ) لاحظ الطبيب الالماني انّ الصورة لا تتحدث عن تقلب الكلب حتى لا يتقرّح جسده… وامام ذلك قام بابحاثه الفيسيولوجية الطبية على الكلب فاكتشف انّ جسده يحتوي على غدد تحت جلده تمنع التقرّح… واعتنق مباشرة بعد ذلك الاسلام …

قد لا يؤمن البعض بهذه الروايات بل ويسخر منها ويعتبرها اساطير لا غير… هنا اعود الى المحطة الاولى في تجربتي الايمانية… عندما يمتلئ قلبك بالايمان امّا ان تصدّق القرآن كوحدة كاملة ودون نقصان، وبعد ذلك يميل القلب ثم العقل لا للتصديق فقط بل ولتثبيت الايمان… وامّا ان لاتؤمن، وذلك شأنك… في المقابل اكتشفت ايضا بعض الذين يتحدثون عن اشياء في الاسلام لا ترفّع من مقامه بل تشوهه احيانا… والامثلة عديدة في هذا الباب…

دعوني اذكر لكم بعضها: القبض والسدل اثناء الصلاة… هل هذه قضية يتجادل فيها البعض بل ويطول جدالهم ويكذّب بعضهم بعضا؟… عندما يقف الواحد منّا للصلاة اليس وضع يديه امرا لا يستوجب اطلاقا الجدال فيه…؟ هل هؤلاء فهموا معنى الصلاة بعمق؟… انا في تقديري المتواضع اعتبر الصلاة بقيامها وقعودها بركوعها وسجودها مواعيد يومية كي تجدّد صلتك بالله فتحمده وتستغفره وتسجد له شكرا وعرفانا… بقية التفاصيل هي تفاصيل لا غير … و في الاخير اذهب مع ما يريح قلبك دون جدل لا طائل من ورائه… وفي نفس محور الصلاة يقول بعض الدعاة والشيوخ انّ على الواحد منّا في الصلوات المفروضة ان لا يبدأ الفاتحة بالبسملة ؟؟ ايّ قول هذا ؟ هل عندما ابسمل اسبّ الله؟… انا ابسمل في الصلوات المفروضة وفي السنن…. وان عاقبني الله على ذلك فمرحبا بعقابه لانه العدل….

من اخطائنا كذلك عندما يقول البعض: الله ورسوله اعلم … لا لا يا سيدي، الله وحده اعلم… ونفس الامر عندما نقول الكمال لله ولرسوله … لا لا يا سيدي، الكمال لله وحده… الم يقل عزّ وجلّ في سورة اهل الكهف آية 110: (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ)… هنالك اسئلة قد تراود البعض: وماذا عن تفاصيل الصلاة التي لم تات في القرآن من حيث عدد الركعات والسجدات وما يقال فيها… خاصة وانت تحترز من كلّ ماهو سنّة والتي جاءتنا عن طريق رواة السنن؟ اوّلا اذكّر بانّي عندما تحدثت عن ناقلي احاديث الرسول لم انكرها كلّها وذهبت فقط مع ما ارتاح له قلبي… ثم انا وحتى خارج العبادات لم انقطع يوما عن مجتمعي فاتبعت محاسنه واجتنبت مساوئه… ومن هذه الزاوية وجدتني اصلّي كما يصلي الناس في مجتمعي… لكن، وهنا الاختلاف مع السائد، انا في ركوعي وسجودي اناجي الله باسلوبي وبما تجود به قريحتي من عبارات الشكر والامتنان… ولا اردّد ما يردده الاخرون… اريد ان يكون لي ابتهالي الخاص بي الذي يصدر من اعماقي فاُحسّ بانّي اقترب من الله اكثر حتى لا اسقط في الببغائية…

وهنا اشير لأمر هام ارجو من الله ان يغفر لي اجتهادي فيه… بعد 14 جانفي 2011 تحوّلت خطب جلّ المساجد في صلاة الجمعة الى خطب سياسية… واتخذ الائمة من الدين قنطرة لتسريب ايديولوجياتهم… بيوت الله لم تعد كما جاء في سورة النور آية 36 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)… بيوت الله اصبحت ابواق دعاية لاحزاب سياسية ولاسماء اخرى سواء بالمدح او بالقدح… ولم اطق ذلك فقررت ان اقاطع هؤلاء الائمة وأقاطع صلاة الجمعة التي اصبحت اصلّيها بمنزلي… نعم وليغفر لي الله ان اخطأت في هذا الامر ولكنه وحده يعلم انّي لم اتحمّل اهانة بيوته وهي تتحوّل الى حلبات صراع سياسي… ولكن وباشارة ورجاء من بعضهم عدت ومنذ اشهر الى صلاة الجمعة بالمسجد طمعا في غفران الله ورضائه…

مازالت مواقف كثيرة من البعض تدعو للشفقة… هل تصلكم دعوات من نوع اقرأ هذا الدعاء 7 مرات وسيأتيك خير عميم ؟ او ان لم تقرأه سيصيبك اذى ؟ هل هؤلاء فهموا انّهم اذنبوا في حقّ انفسهم وهم يقرؤون لنا الغيب والغيب لا يعلمه الا الله ؟… ثم وبشيء من السخرية والتهكم لماذا 7 مرات وليست 9؟ لماذا 7 وليست 77 ؟ .. هل تقرؤون مثلي تدوينات من نوع: زوجي خذ بيدي الى الجنة؟… علاش يخخي انت معاقة؟ واشكون قال اصلا ان زوجك ماشي يدخل للجنة؟ هل تقرؤون مثلي تدوينات من اعداء المرأة عن المرأة؟ هؤلاء لم يقرؤوا شيئا في القرآن عن المراة؟ عن حواء التي جعلها الله سكنا لنا وجعلنا سكنا لها (سورة الروم آية 21 … وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)…

هل تعلمون انّ بعض الرجال كانوا يسمّون بناتهم جحشة او نعيجة؟ اي نعم والله حصل ذلك… الم تقدّروا الله حقّ قدره وهو يخصّ النساء في قرآنه بسورتين باسمهنّ (النساء ومريم)؟ الم يقل فيهنّ رسول الله (ما اكرمهنّ الا كريم وما اهانهنّ الا لئيم) .. في الجاهلية كان الجاهل من الرجال يطلّق زوجته ان انجبت له طفلة… بل كان البعض منهم يقومون بوأدها وهي حية (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ _ سورة التكوير آية 8)… كان ذلك في الجاهلية ولكن وحتى بعد شروق نور اسلامنا العظيم والى يومنا هذا لم تنقرض عادة الوأد… هي لم تعد وأدا ماديا بل معنويا ولعديد النساء ولعلّ الوأد المعنوي اشدّ فظاعة من الموت…

اكيد لم اتحدث عن الاسلام السياسي بعد 14 جانفي 2011… لا تقلقوا سياتي في موعده عندما اصل بورقاتي لسنة 2011 ان بقي في العمر بقية… اطال الله عمركم ومتّعكم الله بالسلام الروحي… لانّ توازن الفرد في حياته لا يتمّ الا بالسلام الروحي… التقيكم في السنة الجديدة جانفي 2025*… جعلها سنة يُمن وخير وسلام روحي للجميع… دعوني استرح قليلا… في بالي ما قصرتش معاكم … حتّى هي 4 ورقات في اربعة ايام متتالية …اكاهو عاد، هاكة حدّ الجهيّد

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نُشر النص أول مرة في 26 ديسمبر 2024

أكمل القراءة

صن نار