جور نار
ورقات يتيم … الورقة 54
نشرت
قبل 7 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
كلّ من يعرفني عن قرب يعرف انّ باريس غيّرت فيّ اشياء هامّة جدا ونحتت شخصيّتي ايّما نحت وقلبت عديد القناعات رأسا على عقب .. لعلّ ابرزها والتي طبعت بقيّة حياتي، مراهقتي السياسيّة قبل دراستي بفرنسا …

في باريس عاشرت عديد التيارات من اقصى يمينها الى اقصى يسارها …كنت اُجيد الاستماع الى خطبهم والى تنظيراتهم السياسية … وفهمت انهم جميعا يشتركون في خاصّية مشتركة: الجعجعة السياسوية على مستوى القيادات وسلوك القطيع على مستوى القواعد … والنتيجة ان تتمتّع القيادات في جلّها بالكراسي وبالعيش الكريم من قصور وجواري وانهار خمر وان تواصل القواعد “نضالها الغبي” ومسيراتها واعتصاماتها وجوعها وعطشها والدمّار لا فقط الازرق بل بكل الالوان القاتمة… من اجل سادتها ومن اجل قصور اخرى وجواري اخريات وانهار من العسل المُصفّى الشيفازي الكنية (نسبة الى ارقى انواع الويسكي شيفاز) ..
لهذا السبب آليت على نفسي ان اقاطع نهائيا فكرة الانتماء الى ايّ فصيل سياسي طيلة حياتي و لا انضمّ إلا الى حزب الانسان المدافع عن الانسان ..احسست بأن الانسان الكوني هو الاجمل والارقى والاعمق بعيدا عن ايّة رغبة انتهازية …ترسخت لديّ قناعة بأن الدفاع عن الانسان كونيا هو الاقرب لمنطق الحياة بعيدا عن السياسة والسياسويين ..لأن الانسان اينما كان وبقطع النظر عن جنسه ولونه هو رغم انفي وانف الجميع اخي ..نعم السنا جميعا احفاد آدم وحوّاء ؟؟؟ … اختلف قطعا مع العديد من البشر في سلوكاتهم الحياتية وارى ذلك امرا طبيعيا تماما كما اختلف قابيل وهابيل …ولكن تعلمت ان لا اكره اي بشر على وجه الارض …قد لا اتوافق مع تصرفاته …قد اقف منددا بجانب الشرّ فيه مسلما كان او مسيحيا او يهوديا او بوذيا .. ولكن لنا جميعا رب هو الكفيل بمحاسبتنا … اذ كيف لي ان اخلع الله من كرسيّ عرشه واجلس مكانه لأكفّر زيدا او احكم على عمرو بالجنة وزيد بالنار ؟؟؟ ذلك عندي ليس فقط خطأ بل هو شرك خفيّ .. مثل هؤلاء الذين يُكفّرون ويعطون صكوك الجنّة ولم يدركوا انّهم بافعالهم تلك تقمّصوا جُبة الربوبية وجلسوا على العرش ليصدروا احكامهم ويعيثون في الارض فسادا …هم لم يقرؤوا يوما (لايُزكّي الا الله)…
في فرنسا ايضا تعلمت ان الانسان لا معنى له ان لم يُفصح عن قناعاته دون وجل او تردّد …لانه ان اصاب فيها سيواصل التشبّث بها وان لم يُصب جاء الرأي الاخر ليُصلح له خطّ مساره … في هذا الباب ساسرد عليكم حادثة هامة عشتها مع مدير الدورة في دراستي الاستاذ كلود اوتزن بيرجيه .. في نهاية الدراسة النظرية وبعد مجموعة من الاشرطة الوثائقية القصيرة التي انجزتها كدروس تطبيقية لما تعلمناه (لعلّ ابرزها شريط وثائقي حول مهرجان المسرح بأفينيون)، جاء موعد الاستعداد لديبلوم ختم الدروس …اخترت انا كموضوع لهذا المشروع انتاج شريط وثائقي حول صفاقس _ واسميته صفاقس حبّي Sfax mon amour ..
كان الهدف بالنسبة لي ان اقوم بانتاج واخراج فيلم وثائقي طويل حول الاوضاع في تونس بكل مفاصلها الساسية والاجتماعية والثقافية… واخترت صفاقس كمثال لمدينة من مدن تونس… لماذا صفاقس دون غيرها ؟؟؟ _ لأنو ما تخرج الصّدقة كان ما يشبعو امّاليها … حظي المشروع المقترح بالقبول من لدن مدير الدورة و ايضا من لدن مؤسستي (الاذاعة والتلفزة التونسية) والتي ساهمت بالجانب التقني من معدات تصوير صورة وصوتا، مرفوقة بمدير تصوير (الزميل عبدالله رتيمي) وبمصوّر (كاميرامان) هو الزميل الهادي ملاّك… دون نسيان مصاريف تنقلهم واقامتهم بصفاقس … وكان لي ذلك …
التصوير امتدّ على ثلاثة ايام رجعت بعدها الى معهدي بباريس لأقوم بنفسي بعملية المونتاج …تمّ انجاز الشريط والذي يمتدّ على 50 دق وجاء يوم مناقشة المشروع أمام لجنة الامتحان والتي يرأسها السيد اوتزن بيرجيه … كانت القاعة تغصّ بالطلبة وكان من بينهم تونسيون وجزائريون (طلاّب درجة ثانية) …الشريط كان ملتزما بالدفاع عن حقوق الغلابة والمساكين، عن الفئات الضعيفة والمسحوقة… واخترت له كنهاية شبّان النادي الصفاقسي في الكرة الطائرة انذاك صنف اواسط… القائمة كانت تضمّ افضل جيل عرفه النادي الصفاقسي والفريق الوطني عموما: غازي المهيري، عبدالعزيز بن عبدالله، صرصار، كسكاس، الحشيشة الخ .. اخترت هذه المجموعة وهم يسددون ضربات ساحقة (زماتشات) وبعد كل ضربة تنفجر الصورة ليخرج منها حرف باللغة الفرنسية “ف” كالفقر وياتي التعليق: (هؤلاء الشبان سيقضون يوما على “ف” كالفقر، “ظ” كالظلم، “ا” كاستغلال … وكانت كل ضربة زماتش مرفوقة بدويّ يتلاءم وانفجار الصّورة وآخر حرف وانا المعارض انذاك لسياسة بورقيبة، كان حرف “ب” وبزرت صورة الرئيس بورقيبة وهي تنفجر وبدوّي هائل لينتهي الشريط …
عذرا ايّها الزعيم والف عذر لأن من اتوا بعدك ورغم كل خطاياك لا يساوون ظفرا منك …هكذا ختمت الشريط وصفّقت ايادي التونسين والجزائرين وحتى الطلبة الافارقة بكل حماسة ونشوة … الموضة انذاك ان تكون معارضا حتى ولو كنت غبيّا في معارضتك… اثنت لجنة التحكيم والتي كانت في جلّها يسارية ايضا على قيمة المنتوج تصوّرا وتنفيذا … وجاء دور رئيس لجنة التحكيم ليعلن عن النتيجة رسميّا وعن العدد المرصود ..وقبل الاعلان ابدى رغبته في ملاحظة صغيرة على حد تعبيره… قال السيد كلود: “كريم انت واحد من الطلبة المجتهدين وكلّ اساتذتك فخورون بك وبالعمل الذي قدمته في رسالة ختم دروسك الا انّ هناك امرا حيّرني ولم استسغه منك انت بالذات كطالب له خبرة كبيرة في المونتاج .. عند عرضك لمقارنة بين الاحياء الفقيرة والاحياء الثريّة ورد خطأ منهجي في المونتاج لست ادري كيف لم تتفطّن اليه …القاعدة تقول انه في المونتاج المقارن علينا ان نختار مشاهد بنفس الحجم تصويرا بينما مشاهدك لم تكن كذلك اذ انّك اخترت مشاهد قريبة جدا في الاحياء الفقيرة ومشاهد بعيدة جدا في الاحياء الثريّة …اليس هذا خرقا لقاعدة علمية في المونتاج ؟ هل من تفسير لهذا الخطأ الفادح؟؟” …
وسكت الجميع لم ينزل على رأسهم الطير بل اسراب طيور ..كيف لعبدالكريم (الباع وذراع) في المونتاج ان يسهو على هذا الامر…؟؟؟ ابتسمت ابتسامة فيها (صدقا) شيء من المكر …وبكل هدوء اجبت: سيد كلود بقدر احترامي وتقديري وتثميني لمزاياكم العلمية علينا جميعا، بقدر استغرابي من انّكم احيانا وبشكل لا اشكّ لحظة في انّه لاشعوري تعودون لارتداء جلباب المستعمر في رؤيتكم للاشياء وتحليلكم لها …سيد كلود علّمتمونا فيما علّمتمونا ان الكاميرا هي عين المخرج وبالتالي عين البيئة التي يعيش فيها وان لا قيمة لعمل ينفصل عن واقعه وبيئته …سيد كلود .. انتم في فرنسا مسموح لكم ان تخترقوا عديد الابواب لتصوير ما تشاؤون بفضل حرية التعبير .. التصويرالتلفزي ..سيد كلود في مجتمعاتنا لم يصل لهذه المرتبة بعد …لذلك كان من السهل عليّ ان انزل بالكاميرا الى ممرات وازقة الاحياء الفقيرة لاصوّر ما اشاء .. ولكن في الضفة الاخرى لم يكن ممكنا بالنسبة لي… القصور عندنا محاطة بالكلاب الشرسة …فكيف لكاميرا ان تقتحمها …لذلك جاءت صور الاحياء الفقيرة من عمق اعماقها وجاءت صور الاحياء الراقية تكاد تكون ضبابية … نظرا إلى بعدها عن اعيننا ..ورغم ذلك ولتدارك الاختلال عدّلت الامر باستعمال مقطوعتين موسيقيتين تتزاوج كل واحدة منهما مع الفصيل الذي يناسبها” …
عجّت القاعة الكبرى بالتصفيق الحاد (مرسي الزناتي لم ينهزم يا رجّالة!)… سكت الجميع وانتظرت ردّ رئيس لجنة التحكيم السيد كلود وانا الذي وصفته بالاستعماري في ما ابداه من رأي …نظر اليّ الاستاذ الكبير وقال: “استسمحكم جميعا ايها الاساتذة في ان اقدّم اعتذاري لطالبي العزيز كريم …نحن جميعا ومهما كبرنا في ميداننا نتعلّم … وانني اعتبر ردّ طالبي كريم درسا لنا جميعا حتّى لا نخطئ في حق طلبتنا… نعم من حقهم بل من واجبهم ان يثعبّروا عن افكارهم ومنطلقهم في ذلك البيئة ولا شيء غيرها” …وخرج من مكانه واقبل عليّ قائلا: “نحن ليس من عاداتنا ان يُقبّل الرجل رجلا آخر ولكن تعلّمت منكم انتم انكم تُقبّلون بعضكم بعضا ..هل تسمح لي كريم بتقبيلك؟” …طبعا وبكل فخر وسعادة واعتزاز بك سيدي كلود ..وعجّت القاعة ثانية بالتصفيق وقُوبل مشروعي بملاحظة ممتاز جدا وبتهنئة خاصة من لجنة التحكيم …
في فرنسا تعلمت ايضا وبكل عمق ان المرأة كائن بشري كسائر الاخرين … في مجتمعاتنا العربية عموما هي للمخدع …متى اراد سي السيّد وعلى طريقة سي السيد وكيفما شاء سي السيّد … انذاك ايقنت سرّ تخلّفنا بل سرّ جهلنا لابسط قواعد الحياة معها ..نحن لا نعرف في جلنا المراة الا كأم اذا عرفناها هي ايضا… فلا الاخت لها مكانتها ولا الزوجة لها مكانتها ولا الصديقة ولا الزميلة وهذه الاخيرة يقول عنها البعض (لو كان عطاها ربّي شدّت دارها واتلهات بصغارها) … لهؤلاء اقول: (لو كان عطاكم ربّي راكم قريتو شوية وتنوّرتو وعرفتو ماذا فعلت المرأة في حياة الرسول الاكرم)…
في فرنسا ايقنت انّي كنت قبل لا اختلف كثيرا عن الحيوان في تعاملي مع المرأة .. في فرنسا …نعم في فرنسا …وانا ابن القرآن الذي تعلّم انّ آدم خلق له الله حواء لتكون سكنا له لا لتكون مخلوقة ذليلة درجة رابعة … محرومة من جل حقوقها ككائن بشري ليس فيها من البشر الا الاسم واحيانا يجرؤ البعض على تسميتها باسم الحيوان… وهذا موجود في بعض جهاتنا بتونس نعم والله موجود ..الم يقل محمد عبده ذهبت للغرب فوجدت اسلاما ولم اجد مسلمين ولمّا عدت للشرق وجدت مسلمين ولكن لم اجد اسلاما …؟؟؟
في فرنسا كذلك ايقنت اني على صواب عندما قررت ومنذ بداية وعيي بالاشياء ان لا اشرب ابدا الخمر …انا لم اذق الخمر يوما … ولكن وبباريس كنت وفي غياب الواعز الديني تماما انذاك اقوم اسبوعيا باعداد طاولة ابي نواس لكافة اصدقائي لسهرة نهاية الاسبوع… اعرف متطلبّات كل واحد منهم من مشروبات مُسكرة ومن _ (عدوها) اي ما يرافقها من مأكولات …كنت اعشق جدا تلك الاجواء وكان بداخلي رغبة جامحة لسبر اغوار السكارى لا لمعرفة اسرارهم ابدا بل لمعرفة حقيقة شخصياتهم… اذ انهم انذاك يتعرّون تماما ويصبحون في منتهى العفوية والبساطة …دون قناع ..يخرجون من كهوف الزيف الى صدق المشاعر والمواقف ..اتذكّر يوما كنّا اقمنا حفلا على شرف قدوم مجموعة من الطالبات الجزائريّات اللاّتي اتين لتدريب خاطف بالمعهد لمدة شهر ..ذلك الحفل حضرت فيه دون شك ولائم ابي نواس وانتحى كل واحد منّا مع صديقة جزائرية لم تمر على صحبتها بضعة ايام ليشكوا لبعض نوستالجيا البلدين… ولكن باسلوب عمر ابن ربيعة لا مكان للحب العذري فيه ..حيث يجد الطرفان تحقيق مآرب قد لا ترى النور ابدا في وهران او عنابة (حتى هي باريس يا سي)…
انتهى الحفل وذهب كل فارس الى فراشه بعد انتهاء الغزوة وما كدتُ امد جسدي في سريري حتى سمعتُ طرقا على الباب …نهضت وفتحت… فاذا به العربي ..”العربي” هذا طالب جزائري درجة ثانية بالمعهد تجمعني به صداقة حميمة جدا ..نظرت في وجهه فاذا به ليس العربي …وجه مكفهرّ تعلوه مسحة غضب رهيبة ..صامت … جامد كجلمود صخر …نظرت اليه وسألت: “لاباس عليك خويا العربي اشبيك ؟؟؟”… لم يُعر لسؤالي ايّة اهمية وواصل صمته ..اعدت النظر اليه وقلت: ” ادخل اشنوة ماشي تقعد واقف كي المسمار قُدّام الباب؟ ..البيت بيتك” … انذاك ارتمي في احضاني وهو المزطول خمرا وطفق في بكاء كالاطفال ..ادخلته واجلسته على سريري وقلت له خوذ راحتك ..ووقت ما تحب تحكي نسمعك …ابتعدت عنه قليلا لالمح سكّينا سقط منه بجانب السرير ..حملته بكل دهشة ..تاملته ..واشرتُ للعربي …هذا متاعك ؟؟؟ لم يجب وزاد بكاؤه …لم افهم البتة الامر …وانتظرته يُنهي مواويل البكاء …مسح عينيه ومسح انفه ونظر اليّ مليّا ثم انزل وجهه الى الارض وبكل خجل قال: “تعرف يلخو احنا الجزائريين دمّنا يفوّر فوران …اليوم شفتك وانت معنكش في بنت بلادي ما حملتش ..الله غالب احنا شعراويين وجيت توة باش ندغرك بهاكي الموس ..ما نجمتش وقت غزرت لعينيك .السكرة تعمل يا كريم …يرحم والديك سامحني راك موش صاحبي انت …انت خويا راك” …وعاد لبكائه الشديد …طبطبت على كتفه وقلت:”ولا يهمّك ياالعربي …هاكة الشراب موش انت ولا يهمّك ..انت خويا آمس واليوم وغدوة ..انا عندي اثنين منّك ؟؟” …
هذه الحادثة علّمتني ان الخمرة قد تصل بي الى مثل تلك المواقف خاصّة وانا من الذين ان هُم عشقوا يعشقون بعمق ..انا لست من الذين يسيرون على شواطئ العشق انا اعشق الغرق في بحوره …ما العشق ان لم يكن جنونا لا يعترف بالنمطية … هكذا عشت حياتي مع العشق ..عشق الفن.. عشق المصدح ..عشق السي اس اس… عشق الجمال …عشق الانسان …لذلك كنت اخاف من الخطوة الاولى في دروب الخمر ولعلّ اهمّ تجربة عشتها في حياتي اكّدت اني كنت على حق عندما لم اقم بمعاشرة ابنة العنب حفظكم الله هي تلك التي عشتها ذات يوم بامستردام بهولاندا …
اوووووووووووووووووووووووف تجربة رهيبة جدا …ولأني اخاف عليكم من الرهبة سارويها لكم في الورقة القادمة ان كُتب لي ذلك… خاتمة بليدة تقولون؟؟؟ … فرصة لكم كي تكتشفوا عيبا آخر من عيوبي ..
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا
جور نار
هل يذهب جيسي جيمس، باحثا عن الذهب… إلى غزّة؟؟
نشرت
قبل 18 ساعةفي
9 فبراير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
جميعنا عاش خروج ترامب المسكين من البيت الأبيض سنة 2020 وجميعنا يعلم كيف عصفت حينها أزمة سياسية غير مسبوقة بالمشهد السياسي في بلاد العمّ سام… لكن لا أحد من المتابعين للحياة السياسية في أمريكا والعالم، كان يعلم ان ترامب كان يريد ويفكّر جدّيا في العودة إلى البيت الأبيض كلفه ذلك ما كلفه…

ما نعيشه اليوم لم يأت صدفة بل كان مخططا له من ترامب وجماعته… فهذا الأخير زرع بذور عودته إلى البيت الأبيض منذ خروجه منه… وترامب لم يترك المشهد الإعلامي الأمريكي والعالمي طيلة فترة غيابه عن البيت الأبيض وعاد وكأنه لم يغب أبدا عن مكتبه في البيت الأبيض… عاد بصلاحيات أكبر وأوسع كيف لا وهو يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب ويسكن البيت الأبيض بفوز ساحق جدا… ترامب عاد من جديد رافعا شعار ” أمريكا أعظم من أي وقت مضى”… عاد من جديد بعد أن نجا من محاولة اغتيال… عاد من جديد ليصبح في نظر الشعب الأمريكي المنقذ والايقونة… عاد من جديد يريد ترك بصمة في تاريخ بلاده والعالم فهل حقّا يريد الخير لكل العالم… أم فقط يريده لشعب الماما… وأحفاد “بيفالو بيل” و”ويلد بيل هيكوك”؟؟
بعد أقل من شهر من تنصيبه بدأ ترامب يكشف عن حقيقة نواياه وما يريده للعالم خلال سنوات حكمه الأربع القادمة… فترامب معجب بثروات كندا ويحلم بها ويريد ضمّ كندا لتصبح ولاية من ولايات بلاد العمّ سام… وقد أكد رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، إن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تحويل كندا إلى ولاية أمريكية “أمر حقيقي ويرتبط بالموارد الطبيعية الغنية في البلاد”.
وأضاف ترودو: “في ما يتعلق بتحويل كندا إلى ولاية أمريكية، السيد ترامب يضع في اعتباره أن أسهل طريقة للقيام بذلك هي الاستحواذ على بلادنا وهو أمر حقيقي، في محادثاتي معه” وحسب بعض المصادر الإعلامية فإن ترودو يؤكّد على أن الأمريكان يعلمون وعلى دراية تامة بموارد كندا الطبيعية وثرواتها الباطنية لذلك هم يبحثون عن طريقة تمكّنهم من الاستفادة منها…
وكما يريد ما تحت أرض كندا تعهّد ترامب بـ”استعادة” قناة بنما، محذرا بنما من التواجد المريب للصين قرب الممرّ المائي الحيوي… ملمّحا أن الصين قد تكون تدير قناة بنما التي لم تُمنح للصين، بل أهديت لبنما بحماقة، لكنهم لم يحترموا الاتفاق وقد نفكّر في استعادتها إن لزم الأمر …
ماذا يريد حقّا ترامب بعد ما جاءنا مهددا متوعدا فماذا بعد كندا وبنما وغرينلاند وفرض الضرائب على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إذا لم تستجب هذه الدول لشروطه في إبرام اتفاقيات تخدم الولايات المتحدة؟؟… هل سنعيش إعادة التاريخ لنفسه في شخص دونالد بعد أن عاش العالم خلال القرن الماضي مع أدولف وأطماعه وما فعله بكل العالم… فالتشابه كبير بين وصول ترامب إلى الحكم أو لنقل عودته إلى البيت الأبيض، ووصول أدولف إلى حكم ألمانيا… كلاهما وصل بانتخابات شرعية وكلاهما وصل إلى الحكم وسط أزمة اقتصادية تعصف ببلديهما… فأدولف أذاق العالم كل ويلات الحروب وجحيمها… ودونالد قد يتسبب ما يلوّح ويتهدّد به في كل ويلات الحروب وجحيمها أيضا… أدولف جاء الحكم على صهوة خطابه الشعبوي وسط أزمة اقتصادية خانقة رافعا شعار “الثأر للكرامة الألمانية”… ودونالد جاء أيضا متأبطا شرّا على صهوة جواده في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الداخل الأمريكي، رافعا شعار “أمريكا أولا”…
كل ما سبق من تهديدات وصراخ من دونالد أو “جيسي جيمس” هذا القرن قد لا يهمّ العرب كثيرا، لكن تهديده أو كشفه لمخططه المجنون والغريب لتولي شؤون غزّة وتهجير سكانها الأصليين لبناء “ريفييرا الشرق الأوسط” حسب زعمه، سيدخل العرب في دوامة من المشاكل هم في غنى عنها في وقت عصيب كهذا الذي يعيشونه… ورغم أن اقتراح دونالد ترامب أو جيسي جيمس هذا القرن قوبل بعدم التصديق والسخرية والمعارضة والتندر من أغلب دول العالم تقريبا، فإنه أثار ويثير تساؤلا جادا وخطيرا وحقيقيا “هل فكرنا في كيف وأين سيعيش مليونان من المدنيين المغلوبين على أمرهم حين يعودون إلى ديارهم ولا يجدون لها أثرا؟؟”… فهل كان ترامب جادا في ما يخطط له؟ هل يريد حقّا تهجير سكان غزّة خلال فترة إعادة إعمارها فقط أم هو يريد تولي أمر غزّة نهائيا وتهجير أهلها نهائيا خدمة لتل أبيب؟؟
عديدة هي الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم بعد ما صرّح به دونالد ترامب… فهل ستقبل مصر وكذلك الأردن وربما بعض الدول العربية الأخرى بما يريده دونالد؟؟ ومن سيضمن عودة سكان غزّة الأصليين غدا إلى بلادهم بعد الانتهاء من إعادة بناء ما خربته آلة الحرب؟؟ والسؤال الأهمّ والأخطر هل ستقبل “الحركة” التي بدأت الطوفان بما يخطط له ترامب… وهل من البساطة بأن يقع تحييد “الحركة” عن كل ما سيقع بغزّة وهي التي قد تكون حجر عثرة قبل حتى التفكير في من سيستضيف سكان غزّة على أرضه بشكل قد يكون دائما وإلى الأبد… ومن هي الدولة العربية التي قد تهدي جزءا من أراضيها إلى سكان غزّة ليبنوا عليها وطنا بعد أن أطردوا من وطنهم الأمّ؟؟؟ والسؤال الهامّ الآخر والمؤلم حقّا: هل يمكن ان يعيش كل من خربت ديارهم في العراء أو في الخيام أثناء إعادة إعمارها… ومن يضمن لهم أنهم سيعودون حقّا إلى ديارهم؟؟؟
نعود للحركة التي أشعلت فتيل الطوفان هل ستقبل بالأمر وتدفن أسلحتها أم أنها ستعود لحملها وهذه المرّة ضدّ رجال جيسي جيمس وأقصد دونالد ترامب؟؟ فترامب نفسه لا يمكن أن يملك جوابا عن سؤال “كيف ستخرج الحركة ورجالها من غزّة وهم من قاوموا غزوها؟؟” والسؤال الآخر الذي قد يشغل دول النفط والغاز في المنطقة من سيدفع ثمن إعادة إعمار غزّة، فهل يقبل العرب دفع ثمن إعادة إعمار قطاع لن تطأه اقدام أصحابه من الفلسطينيين إلى الأبد رغم أن الإدارة الأمريكية عادت لتقول بعد كل ما أثاره مخطط ترامب بأن نقل أو تهجير سكان غزّة سيكون وقتيا؟؟ والسؤال الذي سيدور في أذهان الدول التي ستقبل استضافة مليونين من سكان غزّة من سيدفع لهم ثمن الاستضافة وكم ستدوم مدّة الاستضافة يا ترى؟؟؟
خلاصة الأمر لن تخرج لا مصر ولا الأردن من ضجيج هذا المخطط سواء نفّذ أم لم ينفّذ دون جروح وكدمات وأوجاع… فالأردن نصف سكانه هم من أرض فلسطين وقبول المزيد منهم سيدمّر اقتصاد المملكة ويرهقها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقد يكون سببا في نهاية الحكم الهاشمي في عمان… وقد لا تنفع مساعدات العمّ سام أو جيسي جيمس، التي سيغنمها من دول الخليج كافية لدرء الأسوأ عن المملكة الأردنية… أما مصر فالسيسي لن يقبل بالأمر لسبب هام وهام جدا بالنسبة له فهو انقلب على الإسلام السياسي في مصر ويكنّ عداء كبيرا للإخوان… لكنه في نفس الوقت في حاجة إلى مساعدات مالية هامة وهامة جدا للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها بلاده وقد تتسبب له في أوجاع في خاصرة الحكم قد تصل إلى تغيير المشهد السياسي برمّته في القاهرة… فهل ينجح جيسي جيمس في ما يخطط له ويريده ويركب صهوة جواده قاصدا غزّة باحثا عن الذهب واشياء أخرى، أم يخرج عليه صلاح الدين … في زمن خراب الدين؟؟


عبد الكريم قطاطة:
وحان وقت الجلسة التي رتّب لها السيد كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية انذاك رحمه الله… المكان كان بمكتب المدير…

عندما دخلت المكتب وجدت به ضيفين لم اكن انتظر وجودهما وهما السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية جلبه معه السيد عبدالقادر عقير من اذاعة المنستير وذلك بعد خروج الزميل الصادق السماوي اطال الله عمره للتقاعد… رغم انّ الاسم المنتظر لخلافة الزميل السماوي كان الزميل محمود المصمودي… لكن يبدو انّ المقرّبين اولى بالمعروف… الضيف الثاني كان الزميل زهير بن حمد المدير الفرعي للبرامج… عندما رايتهما ابتسمت ابتسامة سخرية لان الاشكال كان بيني وبين السيد عبدالقادر عقير فقط… اذن فهمت انّ وجودهما كان من اجل دعم مديري في مواقفه… اي وبعبارة الكوارجية هما لاعبان لتحصين الدفاع وان لزم لتعزيز الهجوم… اي الخطة كانت 3 ضدّ واحد…
اخذت مكاني امام الجميع متحدّيا فريقهم وبكثير من النرجسية والغرور… بدأ السيد كمال عمران الجلسة وطلب منّي ابداء رأيي في الاشكال بيني وبين مديري… اعتذرت للسيد كمال عمران بالقول (لا يُعقل ان ابدي ايّ رأي قبل مديري… لانّه ومهما كان الاشكال يبقى مديري والاولويّة له)… طلب السيد كمال عمران من السيد عبدالقادر عقير طرح الاشكال… السيد عبد القادر عقير عبّر عن قلقه من عبدالكريم الذي لا يمتثل لقراراته ويضرب بها عرض الحائط، متخذا من نجوميته سندا له مما ادّى به الى عدم الانضباط في توقيت عمله والى مواقف مشينة ومسيئة لمديره كلما نبهه لذلك… اثر ذلك طلب منّي السيد كمال عمران الردّ على ما قاله مديري فعلّقت بالقول سأرد على الجميع عندما استمع اليهم…
بعد ذلك اخذ الكلمة السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية وكما توقعت ساند المدير في مواقفه رغم اني لم افهم الكثير مما قاله لانّه كان على مستوى الفصاحة والوضوح… صدقا وبعيدا عن الاساءة (ما يجمعش).. وعندما انتهى من مداخلته طلبت الكلمة من السيد كمال عمران وباسلوب ساخر قلت للسيد كمال عمران: (انت فهمت اش قال سي المنصف ؟ اذا فهمت فهّمني . انا نعرف روحي خايب في بعض المواقف ولكن ما يشفع لي اني اردّ الفعل ولا افعل)…ابتسم سي كمال واعطى الكلمة لزميلي زهير بن حمد… زهير كما عرفته كان رصينا وهادئا في مواقفه… اي نعم يومها كان كذلك وبعبارة اوضح حاول ان يكون محايدا حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي… وللامانة تالّمت يومها لحياده لكن وبعد مرور سنوات تناقشت معه في موقفه لذلك اليوم واقنعني انه في ذلك الظرف بالذات ماكان له ان يكون موقفه غير ذلك الموقف..
وللامانة كنت ومازلت عند قناعتي بزهير كقيمة فكرية ومهنية رفيعة… وهذا ما جعلني يوم تاسيس فرع جمعية المتقاعدين بصفاقس ارشّحه لرئاسة الفرع كما رشحته سنة 1998 ليشغل منصب المدير الفرعي للبرامج… وهاهو اليوم في نشاطه بفرع جمعية المتقاعدين بصفاقس كرئيس لها يمثّل الموتور لهذا الفرع… بعد ان اتمّ زميلي زهير بن حمد مداخلته القصيرة طلب منّي السيد كمال عمران تعليقي على كل ما استمعت اليه… وكان موقفي مقتضبا وصادما… قلت في جملة واحدة: (موقفي هو اقتناعي بانّ السيد عبدالقادر عقير انتهت صلوحيته كمدير لاذاعة صفاقس وعليه المغادرة)… وعلا الطير رؤوس الجميع… نظر السيد كمال عمران اليّ وقال (سنرى ذلك سنرى).. انتفض السيد عبدالقادر عقير وقال بحنق: (لا لا .. انا مدير الاذاعة ولن اقبل بايّ منصب اخر)… وانفضّ الاجتماع…
كنت مدركا انّ موقفي هو اعلان حرب من جانبي على المدير … وكنت ادرك انّه لن يبقى مكتوف اليدين… وكنت مدركا انّي على استعداد لخوض تلك الحرب مهما كانت نتائجها… والسبب في مثل هذه المواقف انّي عملت منذ 1998 تاريخ تسميتي على رأس مصلحة البرمجة بكلّ اخلاص وكدّ وتعب من اجل مصلحة الاذاعة … نعم قد اكون اخطأت في حقّ البعض الذين لم اكن وقتها مقتنعا بكفاءتهم… ولكن يشهد الله انّ اخطائي كانت تقديرية لا غير واني واقسم بالله لم اتعامل مع ايّ زميل من مواقف ذاتية، بل كانت عندي قناعات وثوابت شخصية نفذتها …
وجاءت ردود افعال المدير متنوعة تجاهي… بدءا بتقليص العدد المهني من 100 على 100 الى 80 على 100… والعدد المهني هام في مسيرة ايّ موظف اذ هو يساعده على كسب خطوات هامة اما في ترقيته او في تاخير تلك الترقية … لكن من جهتي كنت اضرب عرض الحائط بكل الترقيات والحوافز ما دمت مقتنعا بمواقفي… كما وصل الامر بمديري الى عدم دعوتي لاجتماعات البرمجة مع مواصلة ارسال استجوابات كتابية حول تأخّر وصولي لعملي او مبارحتي له قبل التوقيت الاداري… الى رفض ايّ طلب تقدمت به لتمكيني حتى من يوم عطلة واحد… وكانت سنة 2002 سنة كبيسة في حياتي المهنية… كانت سنة وضع عبدالكريم في الفريڨو كما تعرفون تلك العبارة المتداولة في الادارة التونسية … وليته كان فريڨو باردا بل كان فريڨو من نوع (ڨاتلك ڨاتلك)…
وحلت سنة 2003… تلك السنة شهدت تحوّلين في حياتي المهنية والشخصية… في بداية تلك السنة هاتفني السيد كمال عمران طالبا مني ان اتحوّل لمقابلته بمكتبه بداية الاسبوع… كان ذلك في شهر مارس 2003… يومها وما ان ولجت مكتبه وبعد التحية خاطبني بالقول (ثمّة واحد في القصر يحبّك برشة …وراهو جاء لسي ابراهيم الرئيس المدير العام بالذمة على خاطرك ودافع عليك ووصّى الرئيس المدير العام بالتدخل وعدم ظلمك) …قلت له شكرا ..فاضاف: ما تحبش تعرفو ؟ قلتلو: انا نعرف واحد برك في القصر … كنا زملاء في الدراسة في التعليم الثانوي وكنا اصدقاء جدا… سالني اشكونو ؟ اجبته انه خويا وزميلي الصادق شعبان… ابتسم سي كمال وقال: نعم انه السيد الصادق شعبان…
وليعلم الجميع انّ خويا الصادق شعبان لم يتحدث معي في الموضوع بتاتا لحدّ اليوم… وربما لا يعرف انني اعرف… اثر ذلك قال لي السيد كمال عمران: سي ابراهيم يريد ان يتحدث اليك انه في مكتبه الان ينتظرك… وكنت بعد دقائق بمكتب الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية السيد ابراهيم الفريضي… استقبلني بحفاوة ولطف ودخل مباشرة في الموضوع قائلا: (نحب نعمل حاجة في موضوعك انت وسي عبدالقادر… نحب نبعّدكم على بعضكم اش قولك؟) قلت له يا ريت واش خص.. قال لي: (انت تعرف انو السيد محمود بن جماعة _ رحمه الله _ المكلف بادارة وحدة الانتاج التلفزي انذاك، خرج الى التقاعد… وانت ولد التلفزة قبل ما تكون ولد الاذاعة… اشنوة رايك تولّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي؟ من جهة تبعد على سي عبدالقادر وعلى مشاكلك معاه في الاذاعة ومن جهة تبعث دماء جديدة في وحدة الانتاج التلفزي ؟)
طبعا رحبت بالفكرة رغم اني اعرف ان وحدة الانتاج التلفزي هي ايضا تابعة اداريا لمدير اذاعة صفاقس… لكن قلت ربما تبديل السروج فيه راحة.. لكن طلبت من رئيس المؤسسة رجاء ان كان بامكانه تلبيته… قال لي تفضّل ..قلت له انّ مؤسسة الاذاعة والتلفزة هي اداريا تابعة للوزارة الاولى فهل بالامكان ان تكون التسمية من الوزارة الاولى وليست تسمية داخلية؟ قال لي طبعا ممكن هل لديك طلب اخر ..؟ قلت له هو رجاء وليس طلبا قال لي تفضّل… قلت له هل بامكانك ان تبقي امر نقلتي من مصلحة البرمجة بالاذاعة الى رئاسة مصلحة الانتاج بالتلفزة سرّا حتى تنزل التسمية من الوزارة الاولى .؟ ابتسم وقال اعدك بذلك ..
وجاء يوم 19 مارس 2003 لتنزل التسمية بمكتب مدير اذاعة صفاقس… وبُهت الذي كفر … مديري انذاك كان ينتظر عقابا لي من نوع اقالة من مسؤوليات ففاجأه القرار… لا وزيد مُمضى من الوزارة الاولى… يومها نقل لي بعض شهود العيان عند وصول الفاكس، انّه اقسم باغلظ الايمان انه سيخرجني من اذاعة صفاقس قبل وصولي لسنّ التقاعد… ونسي الاية الكريمة (وما تشاؤون الا ان يشاء الله ربّ العالمين )… سبق ان قلت لكم في بداية الورقة اني عشت حدثين هامين في حياتي… الاول مهني وها انا تحدثت عنه والثاني شخصي وهو على درجة قصوى من الاهمية… نعم والف نعم… وهو محتوى الورقة 106 ان شاء الله…
ـ يتبع ـ

جور نار
حين يصرخ الـ”تشات جي بي تي” قائلا: “عيش خويا نقعدوا بالقدر”!
نشرت
قبل 6 أيامفي
4 فبراير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
بعد أن أتحفتنا بلاد العمّ سام بالتشات جي بي تي خرجت علينا الصين بالديب سيك، لم تعد الحرب اليوم بالصواريخ والطائرات فقط… الحرب أصبحت حرب عقول وحرب ذكاء فهل استعد العالم لما قد سيحدث غدا، أم ستقودنا بلاد العام سام في حربها التكنولوجية مع الصين إلى حيث لا نعلم ولا نحلم حتى؟؟

للذكاء الاصطناعي تطبيقات هامة ومفيدة في التعليم، والصناعة، والصحة، والنقل، وكل القطاعات الفكرية والأدبية والثقافية والرياضية والعلمية وصولا إلى العسكرية… فالذكاء الاصطناعي قد يتحكّم مستقبلا في الحروب وفي تطوير الأسلحة…كما قد يتحكّم في مصير الحكومات والدول والرؤساء والشعوب… ألم يساهم الذكاء الاصطناعي في حرب إبادة عشرات الآلاف من إخوتنا في القطاع… والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف سيتعامل العرب والمسلمون مع هذا التطور التكنولوجي… وهل أعدوا له ما يجب ومع أي طرف سيتعاملون مع الماما أم مع الصين… وهل سيستثمر العرب والمسلمون في الذكاء للخروج مما سقطوا فيه اليوم من غباء بعد مجد أسلافهم وما تركوه؟
ألم يكن منهم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعد من أشهر علماء العرب وأبرزهم في الفلك، ومن أوائل علماء الرياضيات، كما برع في علم الجغرافيا… ألم يكن منهم أيضا أبو يُوسُف يعقوب بن إسحاق الكندي، ويُعرف عند الغرب بـ “Alkindus” تميّز بكونه من أشهر العلماء العرب في الرياضيات، إلى جانب إلمامه بمختلف جوانب العلوم الأخرى… تميز في علم الفلك والفلسفة والبصريات والطب والكيمياء والموسيقى…ألم يكن منهم جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة والمعادن والفلسفة والطب والصيدلة… ألم يكن منهم أبو علي الحسين ابن سينا، عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات، ويُعد ابن سينا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال الطب في العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الوسطى، كانت كتبه وبحوثه تُدرّس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر… ألم يكن منهم أيضا أبو بكر محمد بن زكريا الرازي طبيب عربي مسلم وكيميائي وفيلسوف من أشهر علماء العرب وكان من أعظم وأهم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي، عاش حياته بين القراءة والتصنيف، وقيل إنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل… فهل أعددنا نحن العرب المسلمون العدّة لنتعامل مع الذكاء الاصطناعي تعاملا يفيد مستقبل اجيالنا القادمة ويخرجنا مما نحن فيه؟؟
في الغرب هناك، تسلل الذكاء الاصطناعي إلى كل شيء… تسلل إلى البيوت والمطابخ… واصبح يتحكّم في ذوقك وما تريد… يقترح عليك وصفات مخصصة، ويختار لك مكوناتها وكيف تستفيد منها صحيا… يختار لك وعوضا عنك بعض المأكولات، يساعدك في اختيار ملابسك، ينجدك في ايجاد الحلول للعديد من المشاكل والمآزق… هناك في الغرب أصبح الذكاء الاصطناعي يراقب كل ما يقع على الأرض ويتدخل في كل ما يفعله الانسان ويخطط له… هناك قد يتنبأ بنتيجة مباراة في كرة القدم بين برشلونة والريال… وقد يقترح على المدرب والاطار الفني بعض الخطط التكتيكية أيضا… هناك اصبح وسيصبح الذكاء في قادم السنوات المتحكّم والآمر الناهي لكل ما يفعله الانسان… فلا غرابة إن تسلل حتى إلى غرفة نومك ليعرف من تعاشر وليقترح عليها احمر شفاه وعطرا يفقدك عقلك ويسحرك (يذهب شيرتك بلهجتنا)… الذكاء الاصطناعي قد يعرف حتى مع من تنام وقد يوثق ذلك في ألبوم صور، وقد يقترح عليك وضعية ملائمة وطريقة مناسبة وموعد المعاشرة وتوقيتها أيضا إن كنت تبحث عن إنجاب صبي (يتربى في عزّك ان شاء الله) وقد يساعدك على اختيار اسمه ويساعدك على مراقبته ونموه وتعليمه ويراقب معك صحته ويقترح أكله ولباسه… هناك لست في حاجة إلى من يصاحب ويرافق ابنك إلى المدرسة فكل الشوارع مراقبة بالذكاء الاصطناعي… وأينما تأخذكم أرجلكم يعترضكم حراس الذكاء ويراقبونكم أعوانه ويعلمون عنكم وقد يسألونكم أين أنتم ذاهبون؟
نعم، هناك سيعلم الذكاء الاصطناعي عبر آلياته ووسائله وتقنياته المنتشرة في كل أرجاء المدن والقرى والأرض والسماء بكم وبما تفعلون وسيسجل كل تحركاتكم وما تأتون وما حتى تضمرون… ويكشفكم ونواياكم ويبلّغ عنكم إن علم أنكم تتآمرون… هناك أيضا يعيد الذكاء الاصطناعي كتابة تاريخ البعض كما يريدون، وكما كانوا يحلمون ويطمحون… هناك يكتب خطب الرؤساء والشيوخ والملوك… ويزيّف نتائج الانتخابات بالصندوق… وهناك أيضا يكتب مقالات تحليلية لكبريات الصحف وأقسام الاخبار التلفزيونية… هناك… نعم هناك، سيفقد الانسان مئات الآلاف من الوظائف وسيتحكّم الذكاء الاصطناعي في كل ما يدور على هذه الأرض… وسيجوع البعض… ويموت البعض… ويبقى من يختاره الذكاء… ويشقى من تميّز بالغباء….
أردت أن اختبر قدرة الذكاء الاصطناعي بنسختيه الصينية والأمريكية في مواجهة جهابذة الذكاء العربي، فطلبت من صديقين يجلسان على نفس طاولتي في المقهى اختبار ذكاء التشات جي بي تي والديب سيك… سأل أحدهما الـ”تشات جي بي تي” وقال له في إطار الصخب واللغط الذي تسببت فيه كلمة نكاح في عنوان أطروحة دكتوراه، والمقصود بذلك من صاحب الأطروحة (الزواج طبعا): “ما هو النكاح يا عمّ التشات؟؟” أجابه التشات جي بي تي ساخطا:” روح……….أمك يا طحـ…عيش خوي نقعدوا بالقدر”… صرخ صديقي بأعلى صوته فأدار رقاب كل من بالمقهى إلى حيث نجلس وقال:” بالحرام ما يطلع كان تونسي ولد الحرام هالتشات جي بي تي!”… ضحكنا ملء اشداقنا وطلبت من صديقي الثاني التوجه بسؤال إلى الديب سيك الصيني فقال له: “هل تعرف ما تعنيه كلمة “طحّان” وكان يقصد العامل بالمطحنة”… فأجابه ساخطا الديب سيك “ما طحّان كان انت…يا طحّان!”… وخرجنا من المقهى ونحن على يقين ان من أبدعوا الذكاء الاصطناعي هم من أبناء عمومتنا وإن أنكروا ذلك… قلت وأنا أجتاز باب المقهى: “اللي يغلبنا يجي يحاسبنا”… وأضاف صديقي: “حليل أم (سام ألتمان) مؤسس شركة “أوبن إيه آي”، وحليل أم (ليانغ ون فنغ)، مؤسس شركة DeepSeek”… وضحكنا… ضحكنا… حدّ البكاء…


هل يذهب جيسي جيمس، باحثا عن الذهب… إلى غزّة؟؟

بن يحيى ومولدية الجزائر يفوزان بكأس السوبر

هل يستفيد الصينيون من غلق وكالة المساعدات الأمريكية؟

الضفة الغربية… الاحتلال يطرد السكّان، ويحوّل منازلهم إلى ثكنات

تضامنا مع صديقه نتنياهو… ترامب يفرض عقوبات على الجنائية الدولية
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 18 ساعة
هل يذهب جيسي جيمس، باحثا عن الذهب… إلى غزّة؟؟
- رياضياقبل 24 ساعة
بن يحيى ومولدية الجزائر يفوزان بكأس السوبر
- صن نارقبل يومين
هل يستفيد الصينيون من غلق وكالة المساعدات الأمريكية؟
- صن نارقبل يومين
الضفة الغربية… الاحتلال يطرد السكّان، ويحوّل منازلهم إلى ثكنات
- صن نارقبل يومين
تضامنا مع صديقه نتنياهو… ترامب يفرض عقوبات على الجنائية الدولية
- جور نارقبل 4 أيام
ورقات يتيم… الورقة 105
- ثقافياقبل 4 أيام
حي الزهور… مهرجان ربيع الطفل بداية من الغد
- صن نارقبل 4 أيام
حتى مستشاروه لم يكونوا على علم بها… خطة ترامب للاستيلاء الكامل على فلسطين