تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 60

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وحان يوم العودة النهائية الى تونس … كان من الصعب عليّ ان انتقل على سيارتي من باريس إلى مرسيليا بمفردي … فرخصة سياقتي يعود تاريخها الى سنة 73 بعد 11 ساعة فقط من التدرّب على السياقة ثمّ (امسح مات) بعدها … لم اضع يدي على ايّ مقود فكيف لي ان اغامر بسياقة سيارة ؟؟؟

عبد الكريم قطاطة

لم تطل حيرتي حيث اقترح عليّ احد الزملاء التونسيين الدارسين لهندسة الفيديو بنفس معهدي التكفّل بالمهمة، على ان أوفّر له مصاريف تنقّله ذهابا وايابا باريس تونس وتونس باريس عبر ميناء مرسيليا … وكان ذلك …تلك كانت المرّة الوحيدة طيلة حياتي التي اسافر فيها بحرا … مكرها لا بطل.. الم اقل لكم انّه بقدر عشقي الجنوني للبحر بقدر خوفي المرضي منه؟؟؟ وحتى اجمّد ذلك الخوف الرهيب بداخلي حرصت على اخذ اقراص منوّمة ممّا مكّنني من اغماض عينيّ، والاستسلام الى نوم ليس كالنّوم بميناء مرسيليا لم استفق بعده الاّ في ميناء حلق الوادي …

عند الوصول بدأت متاعبي المهولة مع السيارة …رفضت وبعناد كبير ان يشتغل محرّكها … رصاتلي ندزّ فيها انا وبعض المتطوعين وحشمتي على وجهي … الله الله عليك يا سي الطوالة جايب كرهبة من فرنسا ومن اوّل يوم تشمّر على سواعدك (غير المفتولة طبعا) وعرقك شرتلّة …_ غادرت الميناء صحبة زميلي المهندس الذي تولّى أيضا سياقة السيارة من تونس الى صفاقس وبالتحديد الى مقرّ سكناي بساقية الدائر حيث حوشنا الجميل .. ولكم ان تتخيّلوا المشهد …سيارة تلمع لمعانا تتبختر في ازقة رملية وتقبع ليلا امام حوش متداع للسقوط …كم هي سريالية تلك اللوحة … ولتقريب المشهد فقط تصوروا الاميرة ديانا في طمبكها قبل ان يفتك بها من رفض علاقتها بذلك العربي تصوروا ديانا (تحبك في الشعير في محبس) … او تغسل في دوارة العيد وخوفها الكبير من جهلها بفنون تنظيف الفحتة طلاّقة النساء …

فرح العائلة كان دون حدود ..الوالد كعادته كان مزهوّا بابنه (اللي في نظرو ولّى موش فقط راجل بل سيد الرجال اشبيكم راهو جاب كرهبة من فرانسا)… خاصّة وهي اوّل بل الوحيدة التي امتلكها واحد من سكّان الحوش .. لذلك كان يدعو الجميع لزيارتها والتبرّك بها في زهو ودلال دون حياء ..امّا عيّادة فكانت دوما من الفصيلة التي تشهق صمتا بفرحها …هل تفهمون جيّدا ما معنى ان يشهق الواحد منّا صمتا بالفرح … انّه الوجوم الجميل الذي لا حراك فيه ظاهريّا والذي تتشابك فيه كل الشرايين داخليّا في حركة مرور مزدحمة جدّا ..كلّ شريان فيها يريد ان تكون له الاسبقية والتمتّع بالسبق ليجنّح .. ليصرخ.. ليبكي بفرح … ليقول يا ربّاه … الا انّ انانية كلّ شريان للظفر ببطولة السباق للحصول على ذاك السبق الصحفي تسّد عليهم ابواب البوح من جراء ازدحامهم … فتبقى الشهقة حبيسة الصّدر …

في الغد صبّحنا والملك لله وكان عليّ ان اتعامل مع زمردتي بما اتذكّر من قواعد السياقة … شغّلت المحرّك وندهت .. ويعد 20 مترا وانا احاول ان اعكس المقود لآخذ منعرج الخروج من الجنان الى الزنقة الرئيسية وجدتني ادخل في الطابية … وكم هي كثيرة نعم الطوابي علينا …اذ باستثناء “استئجارها” من لدن سكان غير مرغوب فيهم تماما (العقارب) والتي تتعدد في حجمها واصنافها وتُعتبر من اقرب الجيران الينا خاصّة عندما تخرج ليلا تتمشّى وتتبختر بيننا اينما كنّا … العقارب في حوشنا من الفصيلة الجريئة جدا في تعاملها معنا ..اكاد اكون الوحيد الذي لم تسع يوما لتقبيله من نوادرها المؤلمة ان الوالد رحمه الله بعد ان ذهب الى بيت الراحة (يعمل بيشار، هكذا كانوا يقولون عن تعامل الفرد مع بيت الراحة …بيشار ؟؟؟ وفقط … لا اعرف لا معنى ولا سرّ اختيار هذه الكلمة والتي عُوّضت الان بـ “بيبي”)…

عند عودته بعد البيشار تمكّنت بيه صيفة عقرب … قنفود على حالها … وهرع الى الثوم يأكله كما لو كان يأكل قطعة فقّوس… عندما وصل الى المستوصف ساله الممرّض ماذا فعلت حتّى تنقذ نفسك من قبلة العقرب المسمومة اخبره بذلك الانتيبيوتيك الثومي …اثنى عليه وقال له …هاكة اللي جابك للصواب … من نوادر مؤنستنا دوما العقرب عافاكم الله انّه كانت لي ابنة عمّ تستعد لزواجها …الا انّ اهل عروسها لم يُوفوا بوعودهم في حكاية الشرط …والشرط انذاك اتفاق بين العائلتين المتصاهرتين حول الجواهر والملابس والمواسم التي يتكفّل بها العروس لعروسته … يومها كانت ابنة عمّي رحمها الله غاضبة جدا من اهل عروسها الذين اخلّوا ببعض تفاصيل الشرط ..فما كان منها الا ان انهالت عليهم بالدعاء وكانت آخر دعواها (يعطيهم عقرب) … ودعوتها طلعت دخان للسماء واجابتها العقرب لتوّها وعطاتها حسابها …

عودة لمزايا الطوابي التي هي حيّ النصر لآل عقرب وهو الاستثناء هي المعبد الهام والجميل لسلطان الغلّة ..انذاك كان سطل الهندي يُباع بخمسة مليمات ..ونبدا نقّرق بالشاري …واليوم اصبح الهندي ارفع ثمنا من الموز … اووووووووووووووووف من الدنيا وعمايلها … والحقيقة اووووووووف منّا ومن عمايلنا …. قضينا على كلّ الطوابي وتربّضت الغابات وغاب بريقها وانتفت رائحتها الى الابد …كم لا نُقدّر نعم الاشياء الا بعد فقدانها …

يوم سياقتي للسيارة بعد 6 سنوات صوما عن السياقة كان فضل الطابية عليّ كبيرا …داهمتها بجهل منّي في استعمال المقود فقابلت هجمتي بروح رياضية ولامست سيارتي بكل لطف وهي تهمس: (موش من ثمّة يا ولد موش من ثمّة)… هذه العبارة ذكرتني بحكاية واقعية لصديق ذهب لأوّل مرة في حياته الى دار خناء علني وكان ان وجد نفسه مع بائعة هوى مالطية… ولأنه لأوّل مرّة دخل فيها قعباجي… فما كان من تلك بائعة الهوى الا ان استغربت جهله وصاحت …موش من ثمّة موش من ثمّة … وما كان منه الا ان ردّ عليها موش مشكلة يا مدام البرّ الكلّ جايينو ..تقولشي فلاّح ماشي يميّل جنانو …

اعود بكم الى تلك الحادثة مع الطابية لاقول لكم انّها كانت المرّة الوحيدة في حياتي التي فقدت فيها السيطرة على المقود يعني ضربة الزلوع … عدّلت المقود وغادرت المكان ..في مرحلة اولى كان اللقاء بالاصدقاء في بيتنا الدائم حانوت الحلاق بو احمد ..وبجانبه سي المبروك الحمّاص رحمه الله وهو ينظر الى ابنه كُريّم بسيارته الجديدة بكل فخر واعتزاز… بعد ذلك كان التوجّه الى اذاعة صفاقس في محطّتي الثانية …في تلك الفترة لم اكن اعرف من الزملاء في اذاعة صفاقس سوى فئة قليلة… المدير قاسم المسدّي رحمه الله والزميل الهادي المزغني اللذين اعرفهما من فترة زمالة بالتلفزة التونسية عشناها معا منذ 1972 قبل نقلتهما الى صفاقس… والزميلين مختار اللواتي (زميل دراسة بالحي الزيتوني، 15 نوفمبر حاليا) والزميل عبدالمجيد شعبان الذي كان يدرس ويشتغل بشكل مواز في معهدي كقيّم ..وبعض الاسماء القليلة من الذين كانوا يعرفونني من خلال عملي بالتلفزة التونسية وظهور اسمي على الشاشة كمركّب افلام …

من ضمن هؤلاء كانت ابتسام الغطاسي انذاك …لقيتها اوّل مرة بمكتب الزميل الهادي المزغني ..انا اعرفها منذ كانت تلميذة وكانت ناشطة جدا ومغرمة بالمحاضرات والشعر … يوم التقينا قدّمني لها الهادي المزغنّي وكانت فرصة لتدعوني لمشاركتها كضيف في حصتها العاب وانغام مع ابتسام …كانت هنالك بيننا تقاطعات فكرية وفنّية متينة تحوّلت في ما بعد الى صداقة متينة جدا مع عائلتها وللقصّة بقايا في ورقات لاحقة ..دعوني اقل وبكلّ الم الدنيا وبايجاز ..كيف لاذاعة مثل اذاعة صفاقس ان تتخلّى عن واحدة من افضل المنشطات في البرامج الثقافية في الاعلام التونسي: ابتسام المكوّر ..؟؟ وكيف لاذاعة مثل اذاعة صفاقس ان تتخلّى عن واحد من افضل القامات العربية في الميدان الصحفي… زميلي الكبير جدا عبد المجيد شعبان ؟؟؟؟…..صدقا جريمة كبرى في حقّهما وفي حقّ اذاعة صفاقس …وللحديث حتما عودة …

مدّة اطلالتي لم تدم بصفاقس… اذ بعد ان زرت كلّ الاقارب وفي مقدمتهم عائلة خالي اي عائلة خطيبتي (ووين نحطّك يا طبق الورد) كان عليّ ايضا ان اعود الى العاصمة لترتيب بيتي بنهج كندا وللاستعداد لتسلّم مهامي الجديدة بمؤسستي التي غادرتها مركّب افلام وعدت اليها مخرجا … بداية قمت باحضار ملفّ كامل لهذه الوضعية المهنيّة الجديدة حتى تتمّ معادلة الديبلوم في وزارة التعليم العالي بما يتوافق مع ما يوازيه في الجامعة التونسيية … ديبلومي في المعهد الفرنسي هو مواز لست سنوات تعليم عال في الجامعة الفرنسية …الا انّ سيادة الجامعة التونسية استكثرت علينا هذه الدرجة المعترف بها دوليّا واشترت ديبلوماتنا بالصولد ولم تمكنّي انا وزملائي المهندسين الذين تخرّجوا في نفس دفعتي الا من اربع سنوات جامعية …

لكنّ الاغرب انّي وجدت نفسي مرسّما كمهندس لا كمخرج …اي وقع اعتباري كواحد من زملائي المهندسين ودزّ يخطف …. وبقدر ما اغتبط لي زملائي في اختصاصهم واعتبروا ذلك خطأ من نوع ربّ ضارة نافعة باعتبار انّ المهندس انذاك يتمتّع بامتيازات مادّية هامّة جدا مقارنة بسلك المخرجين… بقدر ما عادت اليّ طباعي العنيدة ورفضت رفضا قاطعا القرار ..اي ضحك على الذقون هذا … ايّة علاقة لي بسلك المهندسين وانا الذي لا اشمّ شيئا في ميدان انا اجهل الجاهلين فيه …ثمّ المشكلة اساسا بالنسبة لي مشكلة مبدأ… انا غادرت مؤسستي لاحرز على ديبلوم عال في المونتاج و في وسط الطريق ارتأت ادارة معهدي رسميا على إثر مذكّرة من اساتذتي أن احوّل وجهتي الى الاخراج فكيف لي ان اقبل باختصاص لا ابجدية لي فيه …وهل كان المال يوما محدّدا لاختياراتي ..؟؟؟

رفضت رفضا قطعيا الامر وطالبت عبر عشرات المراسلات باعادة النظر في وضعيتي وتمكيني من حقّي الذي لا نقاش فيه …المراسلة الاولى كانت في شهر افريل 1979 ولكن الاستجابة لم تتمّ إلا سنة 1990 .. 11 سنة من عمري وانا جاثم في النقطة الصفر معنويا وماديا …. عمر الشاقي باقي ومازال مازال …هنا وللامانة التاريخية عملية حصولي على حقّي كانت بتدخّل من صديقين لن انسى جميلهما في ذلك… اوّلهما الزميل والصديق صلاح معاوية والذي شغل في تلك الفترة منصب رئيس مدير عام الاذاعة والتلفزة التونسية.. علم بالامر فدعاني الى مكتبه ودعا الزميل مختار الرصاع الذي كان يحتلّ انذاك منصب مدير التلفزة واوصاه بالتعجيل في اصلاح الوضعية، معتذرا عن عدم رجعية مفعول العملية لأن ذلك ليس بمقدوره ….شكرا سي صلاح شكرا سي المختار …

عندما عدت الى مؤسستي بعد عطلة دامت شهرا كاملا … ارتأت الإدارة ان اشتغل بقسم شريط الانباء حيث تنتظر تونس احداثا هامة في الخريف لعلّ اهمّها انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري (وفاء وتقدم) في شهر سبتمبر… ومؤتمر القمة العربية في نوفمبر بعد انتقال الجامعة العربية لتونس اثر معاهدة كامب دافيد وانعقاد قمّة بغداد نوفمبر 78 وقرار القطيعة مع مصر السادات… الحدثان هامان جدا بالنسبة للدولة التونسية انذاك… اذ انه داخليا بدأت تتشكل داخل الحزب الاشتراكي لعبة التحالفات وخارجيا على تونس ان تحتضن الاشقاء العرب وهي المعروفة بوسطيتها وحكمتها ..ولهذا كان على جميع الاطراف ان تجنّد خيرة الطاقات لتامين هذه الاحداث المنتظرة ووجدتُني في قسم شريط الانباء مع ادارة جديدة للاخبار يرأسها السيد عبد الحميد سلامة ومع رئيس مدير عام جديد للمؤسسة السيد سالم بوميزة …

كنت بالنسبة لهم الرجل الثقة والرجل الكفاءة … وبدأت مرحلة هامّة في حياتي على قصرها …مرحلة تميّزت بالتّعرّف وعن قرب على ماكينة الحزب اعلاميا وعلى المناورات التي اودت برؤوس البعض واهانت البعض الاخر ومن حسن الحظ اعادت للبعض منهم الاعتبار … عالم وسخ قذر الى حد القرف …لعلّ اهمّ ما علّمني ان رجال السياسة وبيادق اعلامهم هم كالقردة في الغاب اذا تشاجروا افسدوا الزرع واذا تصالحوا اكلوا المحصول ويبقى الشعب المسكين الضحية …تذكّروا هذه القاعدة جيدا للمفكّر جورج اوريل حتّى نتاكّد معا انّ ما حدث في عهد بورقيبة من صراعات القردة لا يختلف في شيء عن صراعات الشامبانزي بعد 14 جانفي …اليست السياسة وكما قال انيس منصور هي فنّ السفالة الانيقة ..؟؟؟ قلت انّ المرحلة كانت هامة جدا لأنّ نهايتها شهدت منعرجا تاريخيا في حياتي الاعلامية ..منعرج الاقدار …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 102

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …

عبد الكريم قطاطة

منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …

وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:

وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …

وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟

سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..

سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…

اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…

صفاقس في 20 نوفمبر 2001

ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…

هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..

وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…

وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…

إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.

أكمل القراءة

جور نار

لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

يروى أنّ وردة جميلة نبتت في صحراء قاحلة وأخذت مكانا لها بين الرمال والأحجار. كانت هذه الوردة كثيرا ما تفاخر بنفسها وبجمالها إلى درجة الغرور، وكان وجود نبتة صبّار قبيحة بجانبها هو الأمر الوحيد الذي يزعجها… ويغضبها ويخرجها من هدوئها…

ودون أن تدرك تبعات تصرفها انهالت عليها بالشتم والسبّ، مرّة تعايرها ببشاعتها وأخرى بشكلها المخيف ومرّات برائحتها… لم تردّ نبتة الصبّار الفعل والتزمت الصمت والهدوء… وكانت وفية لطباعها فالصبّار معروف بتحمله صعوبة العيش في المناطق القاحلة وصبره الكبير على الجفاف وقلّة المياه وندرتها… تحركت بعض النباتات الأخرى المتواجدة قرب الوردة وحاولت تقديم النصح وإعادة الوردة إلى رشدها وصوابها وفضّ النزاع بينها وبين نبتة الصبّار لكنها فشلت في جميع محاولاتها… حاولت… وحاولت حتى ملّت فالصيف على الأبواب ولا يمكنها بذل مجهود كبير يجعلها عرضة للذبول وربما الموت…

اشتدّت الحرارة بحلول أولى أيام الصيف وبدأت الوردة تعاني من نقص الماء في جسدها وبدأت تظهر عليها علامات الذبول والجفاف على أوراقها… ومع اشتداد الحرارة فقدت الوردة ألوانها الزاهية التي كانت تفاخر بها امام من يجاورها من النباتات والاعشاب… التفتت يمنة ويسرة…  وشرقا وغربا… فلم تجد غير جارتها التي كثيرا ما اساءت إليها ونعتتها بأبشع النعوت وتآمرت عليها وحاولت ابعادها والتخلّص منها… فجأة رأت الوردة ما لفت انتباهها وما لم تعرفه سابقا ابدا… رأت طائرًا يدنو من نبتة الصبّار ويدسّ منقاره فيها ليشرب بعضًا من الماء الذي خزنته في جسدها وأوراقها وجذوعها المنتفخة بسبب تخزينها للماء…

 وعلى الرغم من خجلها الشديد من نفسها وخوفها من أن ترفض نبتة الصبّار طلبها ونجدتها ببعض من الماء، طلبت الوردة من نبتة الصبّار بعض الماء لتطفئ ظمأها… فوافقت نبتة الصبّار دون تردد ودون أي نقاش، وساعدت الوردة على الصمود والنجاة في طقس لن تتحمله الوردة ليوم آخر ابدا… هكذا أنقذت نبتة الصبّار الوردة التي كثيرا ما اساءت إليها، لكن ماذا عن الانسان الذي عاني من الانسان؟… ماذا عن الانسان الذي يقتل أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يظلم أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يقصي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يؤذي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يجوع بجانبه أخيه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يكره… ويحقد… ويشمت… ويضمر الشرّ لأخيه الانسان؟…

كل مخلوقات الله تصالحوا وتسامحوا وأمضوا ميثاق تعايش بينهم… ألم يصبح القطّ في زماننا هذا صديقا للكلاب؟ ألم يصبح الفأر في أيامنا هذه من أقرب الأصدقاء للقطط؟ ألم يصبح الذئب صديقا للكلاب يجالسها ويصاحبها ويتزاورون لا عداوة بينهم ولا هم يتحاربون… ألم يتصالح الجميع إلا الإنسان مع الإنسان… ألم يصبح الإنسان عدوا دائما للإنسان… ألم تصبح الكلاب أكثر منّا وفاءا لبعضها البعض… أسَمِع أحدكم يوما عن ذئب خان ذئبا… أليس الذئب أكثر بِرّا بوالديه من الانسان؟ لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟

أكمل القراءة

صن نار