تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 99

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

هذه الورقة تروي ما حدث لي مع حلول سنة 1998… وهي سنة هامة جدا في حياتي المهنية وفي اذاعة صفاقس… سنة 98 تكون اذاعة صفاقس قد عاشت سنتين تحت عهدة المرحوم عبد القادر عقير كمدير لها…

عبد الكريم قطاطة

وللامانة وكما اسلفت الحديث في هذا الامر كان الرجل حركيا جدا وحاول استقطاب عديد الكفاءات الثقافية في الجهة ونجح ايما نجاح في ذلك… وللامانة ايضا كان يعتبرني عضده الاوّل كمستشار له في تسيير شؤون الاذاعة، ومثل هذه الاوضاع تسعد بعض الزملاء وتشقي آخرين… مع حلول سنة 98، ارتأت مؤسسة الاذاعة والتلفزة تحديث تشريعاتها ومن بين ما قامت به سن قوانين جديدة في اسناد الخطط لموظفيها… والتي كان من ضمنها احداث خطة مدير عام للقنوات الاذاعية.. وكان اوّل من ترأسها زميل سابق عرفته عندما كان يشغل خطة رئيس تحرير شريط الانباء التلفزي باللغة العربية… السيد عبد الله عمامي…

علاقتي به كانت مهنية بحتة… كنت كسائر تقنيي قسم المونتاج اقوم مرّة واحدة في الاسبوع ودوريا، بتركيب فيلم شريط الانباء لنشاط رئيس الدولة واعضاده… وهي مهمة تتطلب انتباها جيد لكلّ ما يمدنا به زملاؤنا في قسم التصوير… وخاصة اعطاء الحجم والقيمة لنشاط رئيس الدولة والوزراء… لذلك يحرص كل مركّب منّا على التمحيص وبانتباه شديد للصور واختيار افضلها جودة… نوعية اختصاصنا تجعل كل رئيس تحرير يحرص على مدّنا بتوجيهاته التي يتلقاها بدوره من الرئيس المدير العام… اذ نحذف احيانا وبامر من رئيس التحرير بعض المشاهد او نضيف في مدة مشاهد اخرى… تلك كانت نوعية علاقتي بالسيد عبدالله عمامي وهي علاقة ولّدت بمرور الزمن ثقته فيّ وفي جودة عملي…

عندما كُلّف السيّد عمامي بخطّة مدير عام للقنوات الاذاعية، تنقّل نحو كلّ الاذاعات الجهوية ليطّلع على واقعها ومشاغلها… وجاء دور اذاعة صفاقس ليحلّ ضيفا عليها… وكان استقباله لي حارّا اذ اننا لم نلتق منذ سنة 1976 عندما غادرت المؤسسة لاتمام دراستي بفرنسا… يوم مقدمه لصفاقس اجتمع السيد عبدالله عمامي بالمسؤولين في اذاعتها ليتطارح معهم ومع السيد عبدالقادر عقير احوال اذاعة صفاقس… وكنت من ضمن المدعويين لحضور ذلك الاجتماع… واخذت الكلمة كسائر زملائي وطرحت نقطة اعتبرتها انذاك في منتهى الاهمية و الغرابة… اذ كيف يُعقل لاذاعة عمرها 37 سنة وليس فيها من الخطط الوظيفية الا ثلاثا… فيما بقية المسؤولين على المصالح والاقسام لم يدرجوا يوما ضمن خطة وظيفية …اي انهم لم يعيّنوا يوما بشكل رسمي ضمن خططهم…

وكانت دهشة السيد عبدالله عمامي كبيرة… ووعد بانّ اوّل عملية اصلاح سيقوم بها هي تدارك هذه الوضعية غير العادلة والتي استمرّت أربعة عقود… وانتهى الاجتماع وطلب منّي السيّد عبدالله عمامي ان ارافقه لاجتماع ثلاثي يجمع بيننا وبين السيد عبدالقادر عقير مدير الاذاعة… وكان لنا ذلك وهو اجتماع تاريخي بكلّ المقاييس وهاكم التفاصيل…

بدأ السيد عبدالله عمامي بالاشادة بالنقطة التي اثرتها والمتعلقة بالخطط الوظيفية وهو ما يحتم منذ اليوم على انجاز الـ”اورغانيغرام” (التنظيم الهيكلي) لاذاعة صفاقس… وهذا يعني اقتراح مجموعة من الخطط الوظيفية وفي كل درجاته اي من مدير فرعي الى رئيس قسم مرورا برؤساء المصالح… واضاف متوجها بكلامه الى السيد عبدالقادر عقير: (مهمة انجاز التنظيم الهيكلي ساكلّف بها سي عبدالكريم واريدها اسمية لانه يعرف جيّدا زملاءه الذين عاصرهم منذ نهاية السبعينات ومؤكّد اكثر من ايّ كان، وانا كلّي ثقة فيه ولا اتصورك اقلّ ثقة منّي)… وللامانة رحّب المدير وعن طواعية بالمقترح…

وانتهى الاجتماع الثلاثي وعكفت على انجاز الاورغانيغرام واخترت اسماء زملاء يشهد الله اني وضعت كفاءتهم فقط كفيصل في الاختيار… واطلعت عليها السيد عبدالقادر عقير ودون ايّ جدال وافق عليها واضاف بعض الخطط التي نسيتها… وارسل الاورغانيغرام عن طريق الفاكس للسيد عبدالله عمامي… وماهي دقائق حتى وجدت السيد عبدالله يطلبني على هاتفي… بادرني اوّلا بالشكر على الانجاز السريع واضاف: (فقط لي ملاحظتان، الاولى تتعلق بتسمية الزميل زهير بن احمد كمدير فرعي للبرامج… حيث ابدى لي احترازه من هذا الاسم… وعندما طلبت منه السبب قال لي بكل ايجاز ووضوح: زميلك زهير محسوب على اليسار هل تدري ذلك ؟ قلت له لا ..قال لي: رسالة ختم دروسه بمعهد الصحافة، كانت حول صحف المعارضة في تونس!

ولانّي عرفت زميلي زهير بن احمد بما فيه الكفاية اسرعت بالردّ: واين الاشكال ؟؟ فأسرع هو ايضا بالرد: (خويا عبدالكريم، مدير فرعي للبرامج موش شوية راهي)… ولم اتركه يتمّ حديثه اذ قلت: (انت عندك ثقة فيّ، سي عبدالله ؟) اجاب طبعا ..فقلت له: (زهير هو الاجدر بهذا المنصب وانا اتحمل مسؤولية ما اقول)… اكتفى سي عبدالله بالقول: (دبّر راسك اما اتحمّل مسؤوليتك)… ثم جاءني للملاحظة الثانية وقال: ( إي انت وينك سي عبدالكريم في الاورغانيغرام ؟)… وكنت فعلا لم اسند ايّة خطة وظيفية لشخصي… قلت له: (انت تعرف جيدا ماذا يعني المصدح بالنسبة لي… هو أهم عندي من ايّة خطة وظيفية)… قفز السيد عبدالله على العبارة وقال: (يخخي انا قلتلك ابعد عن المصدح ؟ اما في نفس الوقت ولاني اعرفك واعرف حكايتك بكل تفاصيلها مع المصدح ومع اذاعة صفاقس، لا ارى احدا غيرك يستحقّ مصلحة البرمجة في اذاعتكم… واضيف بكل رجاء اقبلها من اجلي ومن اجل الاذاعة مع مواصلة علاقتك بالمصدح)… قلت له ساناقش الموضوع مع سي عبدالقادر… ردّ عليّ: انه في انتظارك وسيكون سعيدا بقبولك لتلك الخطة…

وما ان انهيت المكالمة حتى هاتفني سي عبدالقادر للحضور بمكتبه… دخلت عليه فوجدته في قمة الانشراح وبدأ بالقول: (شنوة الكيلو يطيّح الرطل ؟؟)… وقتها عرفت انّ خطة رئيس مصلحة البرمجة وهي المصلحة الاهم في كل اذاعة تحادث فيها السيد عبدالله عمامي والسيد عبدالقادر عقير واتفقا على ان اكون انا من يشغلها… وبدأت مسيرتي المهنية تاخذ ابعادا اخرى… عبدالكريم لم يعد كما كان مستشارا للمدير بل اصبح رسميا عضوا في (حكومة) اذاعة صفاقس… وكما اسلفت القول، بقدر ما استبشر العديد بهذه التسمية بقدر ما اغاظت البعض… اي نعم هؤلاء..كانوا دوما وفي كل معركة ينتظرون هزيمتي بالضربة القاضية فاذا بهم يجدونني في وضعية ارقى…

هي ليست حالة خاصة بي بل هي حالة منتشرة في كل الادارات دون استثناء… حرب ضروس كلما خفّت حرائقها فترة، اشتعلت من جديد وربما باكثر ضراوة… انها طبيعة البشر منذ أول الخلق… فاذا كان الانبياء اولى ضحايا اقوامهم فمن نكون نحن حتى لا نعيش نفس الاوضاع؟… وحده الله يعلم من منّا قابيل ومن منّا هابيل وعند الله تجتمع الخصوم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

إنه الشتاء يا حبيبتي

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…

لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..

عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…

تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 98

نشرت

في

ملاحظة مبدئية … هذه الورقة ساخصصها لفترة هامة جدا في مسيرة اذاعة صفاقس… فترة تولّى فيها المرحوم عبدالقادر عقير ادارة اذاعة صفاقس، وامتدت من سنة 1996 حتى 2004 …

عبد الكريم قطاطة

واحتراما لروحه سامرّ على بعض الاحداث دون ذكر تفاصيلها السيئة… نعم احتراما لروحه دعوني في البداية اقسّم فترة ادارته لاذاعة صفاقس على ثلاث مراحل… الاولى من 96 الى 98 والثانية من 98 الى 2002 والثالثة من 2002 الى 2004… هذا التقسيم مأتاه ما عايشته في المراحل الثلاث من احداث مختلفة جدا… كما اسلفت سابقا ومنذ قدوم الرجل سنة 96 وبطلب منه نشأت بيننا علاقة متينة للغاية… كنت بالنسبة له مستشاره الاول في كلّ ما ينوي القيام به وكان كثير النشاط متعدّد الرؤى لتطوير العمل الاذاعي… وحتّى في علاقاته مع زملائي في الاذاعة كان يستشيرني كلما حدث حادث وكان شديد الثقة بي…

ودعوني هنا اقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اغتنم طيلة وجودي معه تصفية ايّ حساب مع ايّ كان لكن في المقابل كنت لا اخفي تماما قناعاتي تجاه ايّ زميل ايجابيا او سلبيا… وكانت مواقفي تنبع دائما من حبّي لاذاعتي وحرصي ومن خلال تجربتي ان اقول له الحقيقة عارية… هنا ساذكر بعض الامثلة…

في احدى المرات دعاني على عجل وعبّر لي عن غضبه الشديد لعدم كفاءة احد منظوريه مهنيا… كان في قمة الغضب واخبرني انه يريد ان يضع حدّا لوجود ذلك الشخص في الاذاعة… وكان موقفي ان تريّث يا سي عبدالقادر وسنجد الحلّ ونزلت من مكتبه بحثا عن ذلك الزميل لاعرف لبّ الاشكال ..وجدته في حالة مزرية ..كان يبكي كطفل صغير بعد ان توعّده سي عبدالقادر بالطرد ..هدّأت من روعه ووعدته بالتدخل ايجابيا لفائدته لانّ قناعتي لم تقبل بطرده والقضاء على مورد رزقه ..وللتوّ عدت الى مكتب المدير عارضا عليه الحلّ الامثل ..قلت له مساعد ذلك الذي تريد طرده على غاية من الكفاءة… اذن دع ذلك السيد وشأنه وليكن من الان مخاطبك هو مساعده …وللامانة قال لي اللي تحكم انت مبروك وفعلا كان الامر كذلك …

المثال الثاني حدث مع ثنائي من الزملاء لاحظت انهما اصبحا كثيري التردّد على مكتبه ثم اكتشفت انّ احدهما اصبح ملازما اسبوعيا لهداياه لمنزله (اشي لحوم ..اشي سمك ..اشي غلال ..) فما كان منّي الا ان فاتحته في الامر وحذرته منهما لاني اعرف جيّدا معدنهما… وقلت له بالحرف الواحد ان حدثت لك يوما مشاكل في اذاعة صفاقس، وقتها ستدرك انهما وراء ذلك… وفعلا كانا وراء العديد من مشاكله مع الزملاء …

المثال الثالث حدث مع منشطتين كانتا شاركتا في كاستينغ لتطعيم اذاعة صفاقس باسماء شابة لضخّ دماء جديدة واخذ المشعل عنّا يوما .. وحرصت في هذا الكاستينغ على تكوين لجان حتى لا يكون القرار فرديا… نعم كنت رئيس تلك اللجان ولكنّ القرار كان جماعيا والله .. احداهما نجحت باجماع الجميع على اهليّتها لتكون ضمن من ساتكفّل بتكوينهم وتاطيرهم ..والثانية لم تحظ بايّ صوت في الكاستينغ ..سي عبدالقادر انذاك (جا راسو) على التي نجحت وحاول بكل الوسائل اقناعي بالتخلّي عنها ولكنه فشل تماما ..ونجحت في اصراري ونجحت هي في دورتها وبامتياز ..اليس كذلك حنان التريشيلي .. ؟؟ الثانية والتي لم تنجح في الكاسنينغ وبالاجماع وساتحاشى ذكر اسمها حتى لا احرجها، حكايتها تتلخّص في الآتي:

دعاني يوما سي عبدالقادر الى مكتبه ورجاني اخذا بخاطره ان اقبل بها كمنشطة اقوم بتاطيرها لانّ والدها وهو صديق له احرجه وطلب منه ذلك … موقفي كان الرفض التام لانّه وهذا يعرفه كلّ من تتلمذ عنّي، ليس لي قلب في الامور المهنية .. ابنتي كرامة مثلا ارادت ان تشارك في احدى دورات الكاستينغ .. لم ار مانعا في تمكينها من ذلك الحق لكن كان شرطي ان اقوم انا فقط بالكاسيتينغ… لاني كنت مدركا انّ من سيحضر معي لتقييمها سيراها كابنة لعبدالكريم ولن يكون موضوعيا مائة بالمائة ..وفعلا وكغيرها اجريت لها التجربة الصوتية واكتفيت بذلك… وعندما خرجت كرامة من الاستوديو لاستطلاع رأيي فيها قلت لها في جملة واحدة ..انت لست للميكرو .. ولانها تعرفني وتعرف قناعاتي، ودّعتني وذهبت وكأنّ شيئا لم يكن…

وهذا ما اعنيه وانا اقول دائما المصدح يُفتكّ ولا يُعطى، وسي عبدالقادر يعرف قسوتي وصلابتي وعنادي وكسوحية راسي في مثل هذه الحالات… فقال لي زايد انلحّ عليك وسآخذها على عاتقي وعلى مسؤوليّتي… قلت له ذلك شأنك ..نعم وأخذها على مسؤوليته ولم امكّنها من حضور الدورة التكوينية لانها بالنسبة لي لا تصلح للعمل الاذاعي بتاتا… وهي على فكرة الان مرسمة وتشتغل … ليس ذلك فقط بل تعتبر نفسها وخاصة بعد 14 جانفي نجمة النجوم …رغم انّ نوعيّة ما تقدّمه لا يختلف كثيرا عن احاديث النسوة في حمّام او احاديث بعض الرجال في لعبة البازقة… كلّ ذلك لن يمنعني من القول انّ الفترات الذهبية التي عاصرتها كانت ثلاثا…

اذ انّي لم اعاصر فترتي المؤسس الباعث عبدالعزيز عشيش رحمه الله ولا التوفيق الحشيشة اطال الله عمره… لذلك كانت الاولى التي عاصرتها مع المرحوم قاسم المسدّي، والثانية مع المرحوم محمد عبدالكافي، والثالثة مع المرحوم عبدالقادر عقير .. القاسم المشترك بينهم، نشاط حثيث لا يكلّ ..كانوا ما شاء الله قادرين على العمل طيلة 16 ساعة دون انقطاع… ثم كانت لهم رغبة جامحة في تطوير العمل الاذاعي كل من زاوية رؤيته الخاصة به ..لذلك وهذا عايشته معهم، كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في تجميع الكفاءات الثقافية بالجهة لدعمها وللارتفاع بمستوى المنتوج .. وكذلك للاخذ بيد الطاقات الشابة وتشجيعه. . وللامانة نجحوا في ذلك ايما نجاح … اليس كذلك احمد الشايب ؟؟ اتفهّم عرفانك له بالجميل… ولكن هنالك اشياء لا تقلّ اهميّة تطبع مسيرة ايّ مسؤول بايجابياتها نعم، ولكن بسلبياتها ايضا ..

وهذه في تفاصيلها يعرفها فقط من عاشر السيد عقير وعاضده عن قرب .. وسادوّن العديد منها في الورقتين 99 و100 ..كموثّق لما عشته معه ..اذ انّ مبدأ هذه الورقات منذ عددها الاوّل: التوثيق لكلّ ما عشته وعاشه معي جيلي والله وحده يعلم صدقي وامانتي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار