تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 94

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

اواسط التسعينات وحتى بداية الالفية الثانية شهدت زخما من الاحداث في حياتي المهنية… تجربة قناديل كمخرج تلفزي تحدثت عنها في ورقة سابقة وتجارب اذاعية اخرى بعناوين اخرى…

عبد الكريم قطاطة

دعوني اعد بكم الى برنامج كوكتيل من البريد الى الاثير الذي كان اوّل برنامج انتجته في اذاعة صفاقس منذ اواخر السبعينات ولمدة تجاوزت الخمسة أعوام… البرنامج وهذا ما يعلمه الجميع لقي نجاحا هائلا… واصبح تعلّق المستمع به خرافيّا… و صدقا دافع عنه هذا المستمع كلّما حاول بعض الجزارين ذبحه ..ودفاعهم عنه سنة 85 كان وراء عودته للمصدح… ولكن يوما ما اكتشفت انّ تواصله سيكون ضدّ قناعاتي فاوقفته بل قتلته للأبد ودون ايّ ندم… اتذكّر جيّدا انّ زميلي صالح جغام رحمه الله هاتفني عندما سمع بقرار وأد الكوكتيل هائجا مائجا كما تعرفونه وبدأ حواره معي بالقولك (يخخي اشبيك هبلت توقّف برنامجك؟؟ تي انت بعقلك والا خرفت؟؟ برنامجك ضارب وقالب الدنيا تجي سيادتك وتوقفوا ؟؟ ايّا هات اقنعني بأسباب و مغزى قرارك يا ولد قطاطة)…

وهاكم اجابتي له ولكم حول قرار إنهاء الكوكتيل… لو تفطنتم للوصف الذي ذكرته حول تعلّق المستمع به لادركتم انّي استعملت عبارة خرافيّ… اي نعم هنالك يكمن سرّ قراري بايقافه… انا كنت احثّ مستمعيّ في ما احثّهم، على عدم تغييب العقل في ادارة شؤوننا في الحياة، وعلى الابتعاد عن كلّ ماهو خرافات واساطير… نعم تلك هي قناعاتي التي مازالت لحدّ يوم الناس هذا… وهنا وبعد اذنكم افتح قوسين في هذا المجال اي مجال تغليب الفكر على اعتناق الخرافات والاساطير…

انا ومنذ سنة 2002 اعدت النظر في العديد من امور كلّ ماهو ايمان ودين… وحرصت بدرجة اولى ان اقرأ القرآن ليكون نبراسي وانغمست في قراءات متأنية ولم اعلن ذلك يوما للاخرين… بل واسخر ممن يعلنون انجازهم للختمة رقم كذا… تي اشنوة تحسبوها مع ربي وزيد تتفاخرو ؟؟ يخخي ما قريتوش في ختمة من الختمات، الاية (انّ الله لا يحب كل مختال فخور)؟؟… لا والعديد منهم يزيد يبعثلك حديث او اية ويقلك اذا ما بتعثهمش لـ 11 صديق راهو يصيرلك كذا وكذا ..اوّلا علاش 11 وموش 15 وعلاش 15 وموش 5555 ,..؟؟ ثم نفس هالطائفة الكلبة ما قراتش في القرآن (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) ..؟؟….توة هذوما ما يصحش الواحد يقول عليهم (لكم دينكم ولي دين) ..؟؟…

في تلك الفترة قرأت القرآن كمتامّل وباحث عن الحقيقة والتي هي الايمان والامان… وامتلأت بما جاء فيه من درر وجواهر لم اجدها يوما في ايّ مؤلّف (بفتح اللام) آخر… وتاكدت انّه لا يمكن ان يكون كلاما لمخلوق بل هو تجسيد لعظمة الخالق… وانشرح صدري ووحدت نفسي في واحة من النور والسلام النفسي وذاك هو الايمان عندي… بعد ذلك وطمعا منّي في مزيد المعرفة معرفة ديني ودنياي واخرتي… ذهبت لما يقوله اهل الفقه وما يفتونه ويحلّون ويحرّمون معتمدين في ذلك على قال فلان عن فلان عن فلان، انّ رسول الله قال… واكتشفت انهم في جلهم ان لم يكونوا كلّهم، يكذبون على رسول الله… لانّ محمد ابن عبدالله ارقى من تاويلاتهم وخرافاتهم واساطيرهم …

لذلك اعملت عقلي ورفضت اولئك المفسرين والفقهاء واعتنقت القرآن كمصدر وحيد في حياتي ضاربا بعرض الحائط المصادر الاخرى، خاصة وهي كُتبت بعد وفاة الرسول بقرنين… وجاءت عديد الاحداث لتؤكد ان تلك الفئة تمثّل الفتنة… وانهم حتى في علاقاتهم ببعضهم البعض هم يكذّبون بعضهم البعض ويكفّرون بعضهم البعض ويقيمون الحدّ على بعضهم البعض ويقاتل ويقتل ويغتال بعضهم البعض… اذن اخرجتهم من دائرة اهتمامي وللابد… وانا سارضى بحسابي مع ربي سواء اثابني او عاقبني عن صنيعي هذا، لانه هو العدل…

هل فهمتم اني ومنذ نشاتي وحتى قبل ان هداني الله الى الحق والنور كنت ارفض كلّ ما هو خرافة واسطورة ؟؟ وعليّ ان ابدا بكنس بيتي الاذاعي من الخرافة والاسطورة ..والكوكتيل تحوّل الى اسطورة… اذن وتوافقا مع قناعاتي عليّ قتله …لتلك الاسباب وضعت حدّا نهائيا لحياة الكوكتيل وكان في داخلي شبه يقين انه لو كان الكوكتيل فقط هو مصدر نجاحي اذاعيا فسافشل حتما عند انتاجي لعناوين اخرى… فكان برنامج مساء السبت، وكان برنامج مواعيد مع زميلي عبدالجليل، وكان برنامج اصدقاء الليل، وكان مطلع حتى مطلع الفجر، وكانت البرامج الخاصة باعياد ميلاد اذاعة صفاقس وبالاعياد الدينية… نعم الدينية دون سواها… ثم وفي اخر محطة اذاعية باذاعة صفاقس كان برنامج اذاعة بالالوان … والحمد لله اني اثبتّ اوّلا انّ المنشط هو من يصنع الفترة وليست فترة الضحى او المساء او الليل من تصنع المنشط… وانّ المنشط الناجح هو الذي يخرج من جلباب برنامج ما الى برنامج اخر فيحافظ على نفس التوهج وعلى نفس الالتفاف الجماهيري… .والسبب بسيط قد يتغيّر الشكل ولكن تبقى الثوابت والقناعات هي نفسها..

في اواخر سنة 95… اقدمت اذاعة صفاقس على تجربة اعتبرها متميّزة جدا بل وفريدة انذاك في الفضاء الاذاعي تونسيا… تجربة هدفها تعويد الفرد على النقد البناء وبكلّ حرّية مسؤولة… هنا احكي عن المستمع وهي ايضا متميزة من زاوية علاقة المنتج الاذاعي بنقد المستمع… انها تجربة برنامج الراي الاخر …كنت المكلّف بهذا البرنامج وهو من اقتراحي… وبقدر ما تفهّم البعض جدوى ان نضع انفسنا امام المرآة لنكتشف نقاط قوتنا وخاصة نقاط ضعفنا…(وهنا لابدّ من تحية الزميل الحبيب الهدار رئيس مصلحة الاخبار انذاك الذي طلب منّي ان يضع البرامج الاخبارية ونشراتها ومواجيزها في عدد خاص من الراي الاخر وكان له ذلك)… بقدر ما اعتبر بعض صغار العقول الراي الاخر برنامج تصفية حسابات مع الزملاء… والله وحده شاهد اني كنت صادقا مع كل ما ياتيني في بريد المستمعين وناقلا امينا لنقدهم…

في نهاية سنة 95 عشت كذلك تجربة من اجمل تجارب عمري مهنيا امام دهشة البعض من صانعي القرار في ادارة اذاعة صفاقس وكان يديرها انذاك المرحوم النوري العفاس وممن اسميهم دوما (الملأ)… اي الشلّة التي تحيط بالمسؤول الاول في كل قطاع… هؤلاء همزا او لمزا ما يطيقوش يسمعوا اسمي.. اي نعم ..سامحهم الله ورحم العديد منهم وغفر له … اذن و امام دهشتهم جميعا، مؤسسة الاذاعة والتلفزة عينتني الوحيد من مخرجي التلفزة التونسية للسفر الى سوريا للقيام بتدرّب تكويني في البرامج الرياضية وبمركز دمشق لاتحاد الاذاعات والتلفزيون العربي…

كان صوتهم الداخلي (اعني الملأ) يقول: تي يخّي هذا قطّوس بسبع ارواح ؟؟ وين ما ياكل الضرب ونقولوا امورو وفات يخرجلنا كيف الجان الارقط ؟؟ واقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اسمع بتلك الدورة بتاتا ولم استعمل صداقاتي حتى اؤثّر على اصحاب القرار في المؤسسة المركزية … ومرة اخرى وفي كلّ محطات حياتي المهنية لم اقم يوما بمثل تلك الوساطات ابدا… عزة نفسي وقناعاتي تأبى ذلك وبشكل قطعي… والقرار كان مفاجئا وسريعا… الطائرة ستقلع يوم الاحد صباحا من ذلك الاسبوع الى دمشق من مطار تونس قرطاج وانا يقع اعلامي يومين قبل المغادرة… اي يوم الجمعة…ويا للهول! اعددت كل شيء وتفطنت يوم الجمعة ليلا الى ان جواز سفري لم يعد صالحا للسفر… وكانت صبيحة السبت صبيحة الجري ومحاولة الانقاذ …وبارك الله في صديقي وجاري يوسف البهلول الذي كان يشتغل باقليم صفاقس للامن، وفي مدير الاقليم اللذين تدخّلا وفي اطار القانون وساهما باحضار جواز سفري عاجلا حيث تسلمته يوم السبت على الساعة الواحدة ظهرا…

وكان الامر كذلك وامتطيت الطائرة يوم الاحد ووصلت الى دمشق لاجد سيارة المركز التابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون في انتظاري لايصالي حتى الفندق الذي يتعاملون معه… دعوني اقل لكم اوّلا انّ لي عشقا كبيرا ومنذ شبابي الاوّل لسوريا والسوريين… ربما تاريخهم العظيم ومنذ الدولة الاموية ورغم اني كنت وما زلت اعتبره تاريخا افسد الاسلام والمسلمين… ويكفي هنا ان اذكر عبد الملك بن مروان وتابعه الحجاج… لكن وفي المقابل كنت ومازلت اعتبر انّ افضل فترة عاشها الاسلام والمسلمون بعد وفاة الرسول هي فترة عمر ابن عبدالعزيز… فترة الرخاء والعدل… واذا اجتمع الرخاء والعدل فتلك هي اسمى معاني الحرية والديموقراطية والعيش الكريم… اه يا عمر قم وانظر ما يفعله دعاة الاسلام من جهة ودعاة الثقفوت من جهة اخرى الذين لم يهمهم يوما رخاء الجماهير ..المهم والاهم والاوحد حقوق الانسان والحرية والديموقراطية …البقية تفاصيل ..هككة ؟؟؟ وقت رب عائلة ما يلقاش عشاء صغارو “تفاصيل” …؟؟.. انتوما وقتها تعشيووه حرية تعبير وديموقراطية …؟؟

ووجدتموني في دمشق الفيحاء… ولانّ دمشق وسوريا ضاربان في عمق التاريخ ارى لزما عليّ ان تكون لهما ورقة خاصة بهما … يااااااه ساحدثكم عنهما ماضيا وحاضرا وعن الواحد وعشرين يوما التي قضيتها هنالك… مهبول اللي يحكي على سوريا وما مشالهاش… تقولشي واحد يحكي على خبز ومرقة وموبيلات زرقة وهو عمرو لا نهار جاء لصفاقس واكتشفها على حقيقتها… ويل للمنظّرين في كلّ شيء… تي على الاقلّ تواضعوا شوية وافهموا ولو للحظة في حياتكم انو لا احد منا يملك الحقيقة…

اكاهو… دمشق وما عشته فيها، سيكون محتوى الورقة 95 ..التقيكم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

نشرت

في

محمد الأطرش:

اليوم هو ذكرى شرارة الثورة الوطنية الحقّ… الثورة التي أهدتنا الاستقلال: ثورة الثامن عشر من جانفي 1952…

تلك الثورة التي نسيناها في زحمة موجة الحقد والكراهية التي طغت على أغلب سكان هذا البلد وجعلتهم يبحثون عن مسح كل ما صنعه أجدادنا وأهلنا من أجلنا… لا أحد يمكنه أن ينكر على من قدموا أنفسهم فداء للوطن لنعيش بعدهم أحرارا في وطننا، تضحياتهم ووطنيتهم… أقول لا أحد يمكنه أن ينكر على آبائنا وأجدادنا ما فعلوه من اجل هذا الشعب، وحده الحاقد على كل شيء قديم والذي يرى أن كل شيء دونه لا شيء… ينكر ذلك ويرفض الاعتراف به… لذلك علينا أن نشكر كل جيل وكل عهد ومرحلة عاشها شعب هذه البلاد فلكل مرحلة دروسها ولكل مرحلة فشلها ونجاحاتها وزلاتها وذكراها وبانيها وصانعها وظالمها ومظلومها وسجانها وجلادها ومستبدها وعادلها وفاسدها وحاميها و”حراميها”…

علينا جميعا نحن من لا نزال نذكر ما عاشته هذه البلاد أن نراجع أنفسنا… ونراجع بعض احكامنا… وأقوالنا وشهاداتنا… فلسنا من الملائكة ولا أحد منّا معصوم من الخطأ… فجميعنا أخطأ في حق جميعنا أو بعضنا… وجميعنا ظلم بعضنا أو بعض بعضنا… وجميعنا استبد على الآخر… وجميعنا سرق عرق ومجهود الآخر… وجميعنا رفض الحقّ للآخر… وجميعنا رفض الآخر وأقصى بعض الآخر… وعلينا اليوم قبل ان نغرق في موروث صنعناه بأحقادنا وسنتركه فتنة غدا لأبنائنا، أن نقتنع أن المراجعات والاعتراف بالخطأ ليست ضعفا ولا يمكن اعتبارها هزيمة بل هي في خلاصة القول عودة إلى العقل… وصحوة ضمير… فجميعنا شئنا أم أبينا أخطأنا من بورقيبة ورفاقه، وصولا إلى لحظتنا هذه من ساعتنا هذه من يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا… لا احد معصوم من الخطأ ولا أحد كتب اسمه في قائمة الملائكة ولا أحد يمكنه أن يفاخر بأنه أجدر واقدر واشرف من غيره…

أربعة عشر سنة مرّت منذ أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك خالها بعضنا ورودا من ربيع سيُنْسي العرب كل العرب صيفهم الحار وشتاءهم القارس وخريفهم الذي تساقطت فيه كل أوراق اشجارهم… نعم أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك جرحت أيادينا حين احتضنّاها فرحا وطعنتنا بخناجر أشواكها من قرطاج إلى دمشق مرورا بطرابلس والقاهرة وصنعاء حين ائتمنّاها على أنفسنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا… باقة أشواك خلناها فرحا فأوجعتنا وأيقظت قابيل الذي يسكننا وأبكت مرّة أخرى هابيل الذي لا يزال بعضنا يلاحقه ليقتله مرّة ومرّات… ومنذ ذلك اليوم ونحن نقرأ الدرس تلو الآخر… ونعيش الوجع تلو الوجع…

بعضهم قرأ الدرس جيدا… وبعضنا يرفض ولا يريد ان يقرأ عمق الأشياء وخلاصة الدرس ومعانيه… وبعضنا قفز على اللحظة وخرج علينا فاتحا شاهرا سيفه صارخا مولولا “أنا ربكم الأعلى ودوني أنتم الأخسرون”… وإلى يومنا هذا يواصل بعضنا ايهامنا أنهم أقدر ممن سبقهم… وأنهم أشرف ممن حكم قبلهم… وانهم أجدر ممن ينافسهم…وأن الجميع أهل فساد وأنهم “الواحد الأحد” الذي لا يمكن ان يضاهيه احد ولا أن ينافسه احد… هكذا نحن… وهكذا غرقنا في بئر تعنتنا ورفضنا لبعضنا البعض… وعدم اعترافنا بأننا لسنا من الملائكة وأن خصومنا ومنافسينا والآخر ليسوا أعداء لنا وليسوا حتما من الشياطين…

لذلك أقول إنه حان الوقت لنعلن على الملأ وامام الجميع وعلى مسمعهم جميعا أن هذه المرحلة تتطلب منّا جميعا واعي ما أقول جميعا، ولا استثني أحدا… أقول وأكرّر، تتطلّب منّا مراجعة كاملة لما عشناه وما أخطأنا فيها وما فعلناه… علينا ان نعترف جميعا بما اتيناه من خير… ونعترف جميعا بما فعلناه من سوء… فمن نحن حتى لا نقول أننا أخطأنا في أمر ما؟… أخطأنا في قراءة الدرس… وفي قراءة التاريخ… اخطأنا في حق بعضنا البعض… اخطأنا في تاريخ البعض… أخطأنا في حكم البلاد…

من نحن حتى لا نعترف بأننا ظلمنا… وبأننا أقصينا بعضنا البعض… وأننا رفضنا الآخر وبعض الآخر… من نحن حتى لا نقول ونعترف بأن ما اتيناه يمكن اعتباره استبدادا… وظلما… وانتقاما… علينا ان نترك “الجبن” جانبا… فمن الشجاعة أن نراجع ما أخطأنا فيه… ومن الشجاعة أن نعترف بحق البعض علينا… ونعترف باننا أسأنا قراءة التاريخ وما يعنيه… والأحداث وما تستدعيه… ومن حقّ الوطن علينا، والشعب والأجيال القادمة أن نراجع بعض ما أخطأنا فيه … وما اسأنا فيه… كما وجب أيضا أن نفاخر بما نجحنا فيه… وما تميزنا فيه… وما يمكن ان نكبر به…

لذلك وأكثر من ذلك علينا ولأول مرّة شكر هذه المرحلة من يوم تلقينا باقة أشواك العمّ سام التي طعنتنا من قرطاج إلى دمشق… إلى يومنا هذا وجراحنا تنزف حقدا وكراهية وسوء تسيير وضعف تدبير… فأنا اليوم اقولها عاليا شكرا للعمّ سام فلولاه لما عرفنا حجمنا الحقيقي ولما عرفنا حجم العملاء والخونة في هذه الأمة… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما كشفنا وجوهنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض… فجميعنا طعن جميعنا وجميعنا ظلم جميعنا وجميعنا يحقد على جميعنا وجميعنا يحسد جميعنا وجميعنا يتآمر على جميعنا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أن بعض هذا الشعب مريض ولا يحتاج إلى أسباب ليحقد ويكره بعضه الآخر…

شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا حجم الفساد الذي يعيشه العرب من المحيط إلى الخليج مرورا بالخاصرة وأفخاذ العرب ومؤخرتهم ايضا… شكرا للعمّ سام ولباقة اشواكه التي أيقظتنا من سباتنا فعرفنا من الظالم ومن المظلوم… من الوطني ومن الخائن… من المستبد ومن العادل والديمقراطي… شكرا للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاه لما عرفنا أن العرب كل العرب يبدعون في صناعة جلاديهم ويعشقون الضرب على قفاهم… شكر للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاها لما عرفنا أن بعضنا لا يمكن ان يعترف بك ويحبك ولا يقبل بك أبدا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أننا شعوب أصابها الجهل في مقتل… واننا شعوب تفكّر بنصفها الأسفل… وأننا أشدّاء على بعضنا رحماء على الآخرين…

أخيرا أقول… شكرا للعمّ سام وعائلته وأصهاره ومن يخدمونه من الخونة والعملاء وباعة الأوطان… فلولا باقة أشواكه لما أيقنت أن الحقّ وإن طال سباته لا بدّ أن يستيقظ يوما على أنين حَمَلَتهِ، وأنّ الإنسان مهما عاش على ظهر الأرض فمصيره في بطنها… وكفاك حقدا وكرها وقتلا يا قابيل … فنحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 102

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …

عبد الكريم قطاطة

منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …

وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:

وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …

وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟

سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..

سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…

اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…

صفاقس في 20 نوفمبر 2001

ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…

هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..

وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…

وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…

إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.

أكمل القراءة

صن نار