جور نار

أبناء الكلبة، أما آن لكم أن توقفوا استعراضكم للقوّة ؟

استمرّوا وستولد أجيال أشرس من هذه ألف مرّة !

نشرت

في

يأْتي صهيلُ الأَرضِ
مطبعةٌ تدورْ
الأُمَّ تطبَعُ طفلهَا
والأرضُ تطبعُ ظلَّهَا
والبحرُ يطبعُ موجَهُ
والشّمسُ من جُرحٍ إلى جُرْحٍ
توزّعُ حِبْرًها وحليبَها
والشّمسُ إمرأةٌ على أشلاء متراسٍ
تَلِدْ *

<strong>منصف الخميري<strong>

ليست شجاعة أن تقتل طفلا بريئا بل ذلك جُبنٌ ووضاعة، وليست بطولة أن تُدمّر مسكنا على ساكنيه بل خوفٌ ونذالة، وليست بسالة أن تُنكّل بالنساء والشيوخ وتحجب الدواء والماء والهواء ووجه السماء بل هلعٌ وخوفٌ ينمّان عن انتقاميّة ورثتموها عن جلاّديكم الآريين الذين صنعوا لكم محارق في داخاو وبوخنفالد وفلوسنبورغ وموتهوسن … نحن في حِلّ منها لم نؤيّدها ولم نشترك فيها بل ونعترف لضحاياها بحقهم في الذاكرة وإدانة مرتكبيها.

تحت سياط وجع مشاهدة من هم موجوعون أكثر منا ألف مرة وأمام انتقاميّتهم التي لم تعرف لها الإنسانية شبيها في التاريخ، أقول لهم :

أطفالكم ليسوا أكثر براءة ولا أقرب منا إلى الله لينعموا بالتعلّم واللعب وأحضان أمّهاتهم وحنان آبائهم ولُعبهم وألعابهم وملابس يوم العيد، بينما يعيش أطفالنا على وقع قنابلكم كل لحظة ويستلذّون جرعة حليب استرقوها بين غارتين ويشتاقون قطرة ماء عذب بين قصفيْن لا يستقدمونها من البحر الذي تسمّمه زوارقكم العسكرية ويشتهون رغيفا ساخنا ككل أطفال الدنيا… فيُغذّون نحوكم ومن سيرثونكم على أرضهم كُرهًا لا يمكنكم توقّع مداه وحقدا وطنيا ستغرقون يوما في أوحاله وشوكه وحِباله.

ونساؤكم ليس على رؤوسهنّ ريش النعام لتنعمن بالتجوال والترحال والملبس والأكل (الغدّاد !) في حين تهيمُ نساؤنا  بين رُكام منازلهنّ بحثا عن قلادة فضيّة أو عملة معدنية كانت تعتلي رؤوسهنّ الطاهرة توارثنها جيلا وراء جيل لتظل طي صدورهنّ كقرينة للهوية وشهادة ميلاد على أرض سيَعُدن إليها يوما ولو كره الغاصبون.

وأمّهاتكم لسن من طين مُقدّس كي يتمّ الاحتفاء بهن وقيادتهن إلى المنتجعات والمنتزهات وتوفير كل أشكال العناية والإحاطة بهن بينما تغرق أمهاتنا في إعداد الأكفان ومستلزمات الأحزان … بل إن أمهاتنا أجدر بالحياة لأن مسيرتهنّ تشبه مسيرة القدّيسات والراهبات اللواتي نذرن حياتهن لخدمة قضايا كبرى والذود عن موروث أكبر.

وآباؤكم لم يتمّ تنزيلهم رأسا من السماء لتحترموهم وتُجلّوهم وتعتبروهم “حماة وطن” ليس لكم، مُقابل آباء لنا خذلتهم السماء والخطابات العربية “السمحاء” فظلوا مُمسكين بمفاتيح بيوتهم المتداعية ومعتنين ببعض شجيرات الزيتون ختما وعنوانا لا يلين…بل إن آباءنا هم من ستُخلّدهم سجلاّت التاريخ كشهود عيان أحياء على أحطّ درجة يمكن أن تبلغها الإنسانية في مجال التنكيل والتقتيل، وكأساطير بشرية حيّة استطاعت بصبر خرافي أن تبقى على قيد الحياة تحت أنقاض تستمر منذ عقود من الزمن، وكقلوب إنسانية لم يعرف التاريخ مثيلا لها في التراحم والتلاحم لأنهم قدّموا كل التنازلات التي طلبها منهم العالم، بما في ذلك التخلي عن الجزء الأكبر من ممتلكاتهم التاريخية لفائدة لاجئين قادمين من مذابح التاريخ ومحتشداته ورغم ذلك مازالوا يطلبون منهم مزيد الخروج من جلودهم ومن أسمائهم ومن وهج التاريخ في دمائهم.

ومعابدُكم ليست أطهر من مساجدنا وكنائسنا لتُتلى فيها تعاويذكم المكيّفة جيدا لتنسجم مع المشروع الأكبر الذي شيّدها هناك… بل حصل أن رُفع آذان صلاة المسلمين في كنائس القدس للتعبير عن قيم تعايش وتعاطف وتحابب لا تدركون كنهها لأن “الوجود” في قواميسكم لا يستوي إلا على قاعدة “القلع”، و”البناء” لا يستقيم إلا على مبدإ “الخلع”.

وكُتّابكم وشعراؤكم ومُبدعوكم (إن كان ثمة كتّاب وشعراء ومُبدعون لديكم لأنني لا أعرف كُتّابا ومبدعين يُنتجون أثرا ما تحت أشعّة شمس لا تعرفهم وعلى وقع نسائم أليفة لا تعرف لهم جذورا أو بذورا)، اسأل بأي حقّ يتمتعون بهدوء الشواطئ وشبق المواطئ ليُحبّروا ويؤلّفوا ويُخنفسوا ويُدنفسوا مستغلّين صمت أقلامنا التي نفد حبرُها تحت وطأة القصف والعسف والحال أننا ورثة قامات في الرواية والقصة والشعر والسينما لا تضاهيها قامات في العالم بأسره. أليست هذه الأرض هي من أنجبت درويش وحبيبي وكنفاني وزياد وبسيسو والقاسم وطوقان وأبو حنا والمناصرة ودحبور والبرغوثي… ومئات الأسماء البهيّة الأخرى.  

اعلموا أن لديكم فقط طلقة واحدة في مخزن ذخيرتكم هي سلاح القوة وقوة السلاح وليس لديكم إلا رصيد واحد أوحد لدى الإنسانية جمعاء هو الرعاية الفاحشة التي تتوفّر لكم كثكنة عسكرية متقدّمة، أما نحن، ففي جِرابنا أكثر من طلقة وفي رصيدنا أكثر من صديق لأننا لم نعتدِ على أحد (على الأقل في الحالة الفل.س. طينية الراهنة). واعلموا أيضا أن أطفال اليوم تحصّنوا أكثر من آبائهم واقتنعوا بأن المُفاوضة لا تحتضنها كبرى العواصم بقدر ما تتشكل شروطها في ساحات المعارك والملاحم وأننا لسنا أحنّ عليكم من التاريخ الموضوعي العابر للمشاعر ومآسي البشر، والذي يُقرّ بأن الحقيقة لا تقبل القسمة وأن الطبيعة تستعيد دائما جميع حقوقها مهما بلغ صلف البشر وعنجهيتهم وأن الأنهار تعود دائما إلى مجاريها والنّمور إلى مآويها.

لو كانت والدتي على قيد الحياة، لاختصرت كل هذا القول في كلمة واحدة : الله لا تباركلهم اولاد الكلب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من قصيدة “سفر سفر” للشاعر معين بسيسو

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version