(سيفُُ فليُشهر في الدنيا … ولتصدع ابواق تصدع … الآن الآن وليس غدا … اجراس العودة فلتُقرع)… هكذا صدح سعيد عقل يوما وهكذا انشدت يمامة لبنان فيروز لفلسطين الحبيبة …..صخب هذه الكلمات وصدقها تجاه القضية الامّ ربّما لم يغيّرا شيئا في مسار القضية ..ولكن قدر الفنان عموما ان يحمل بقلمه او بلسانه هموم الانسان …حتى ولو تأجّل الحسم …
اليوم واجراس العودة تدقّ لعودة براعمنا الى محاضن العلم والنور اعود لأوشّح صدور المربّين باعظم آيات العرفان … وبعيدا عن المنظومة التربوية المهترئة ..بعيدا عن كلّ العراقيل والتجاوزات من داخل المنظومة ومن خارجها، يبقى ايماني راسخا بأنّ الفاعلين الرئيسيين ومهما كانت ظروفهم ومعاناتهم هم المربّون ..قلت المربّين ولم اقل المعلمين او الاساتذة ..لانّ الخلل الرئيسي في المنظومة التربوية ان يفقد المدرّس قيمته كمربّ ليصبح موظّفا شهّارا ….يوما ما في زمن ما كانت الوزارة المعنية بشؤون التعليم تُسمّى وزارة التعليم والتربية ..وعندما فقدت الوزارة صفة التربية بدأ عهد الانحطاط التدريسي …
المدرّس معلّما كان او استاذا او محاضرا جامعيّا هو ابُُ لطلاّبه او لا يكون ..هو صاحب رسالة سامية ومهما كانت ظروفه او لا يكون ..حاشى للمربّي ان يكون سمسارا في سوق نخاسة الدروس الخصوصية ..هذا هو ارهاب التعليم ..حاشى للمربّي ان يتعلّل بـ “السانية مكرية وكراها ثابت وهي تجيب والا لاجعلها جابت” … حاشى للمربّي ان يكتفي فقط بشهرية الحاكم ويعتبرها (مسمار في حيط) ليس هنالك ايّ عذر ..ايّ تبرير ..ايّة مراوغة وسفسطة لمثل هؤلاء .. جميعنا واعون وجدّا بمعاناة اهل هذا القطاع وبمشاغلهم ومشاكلهم التي لا تنتهي ..ولكن هل يُلام الجندي على ظروف قتاله ؟ ..
المدرّس هو تماما كالجندي والمُربّي وحده من لا يُلقي السلاح رغم هول المعارك …المُدرّس هو صانع اجيال ..هذه القيمة فهمتها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية فاعطت للمربّي قيمته الحقيقية …نعم في اليابان يتمتّع المعلّم في المدارس الابتدائية باعلى مرتّب في الدولة بعد الامبراطور ..نعم قبل الوزير والطبيب والمهندس …وتعليلها في ذلك: أليس المعلّم هو من يصنع الوزير والطبيب والمهندس .؟؟… هذه دولة فهمت القطاع واعطته ما يستحق من رعاية معنوية ومادية …فمتى يفهم اولو الامر عندنا ما يستحقّه القطاع من قيمة معنوية على الاقلّ ؟ …
المعلّم والمدرّس عموما اصبح في بلدنا اذلّ من كناتري ..واصبح كالقارب الفقير الذي تتقاذفه امواج وامواج ..ووصل به الوضع لينضمّ لقافلة (الناس اللي تعاني ونساتهم الاغاني) هذا واقع لا جدال فيه ..ولكن ومرة اخرى المُربّي الحقيقي هو من يكابد من اجل جيل الغد من اجل وطن اجمل …الغد لن يكون لا لقيس سعيّد ولا للغنوشي ولا لبقية الجوقة ..الغد وبفضل المربّي سيكون لاجيال قادمة ..لذلك نريده غدا لامثال غاندي ومانديلا ..نريده غدا لوطنين صادقين يبنون بسواعدهم وعقولهم تونس جديدة ..تونس الانس والحرية والكرامة ..تونس الشموخ وتونس العلم و النور وهذا الغد مكفول بدرجة اولى للمربّين ..
كنّا في زمن مّا، نرى في المربّي رسولا ..وعاشرناه طيلة مراحلنا كأب في البداية ونحن اطفال ..ثمّ كنبراس علم وكأخ اكبر وحتى كصديق عندما كبرنا واشتدّ عودنا ووعينا ..ولعلّ في حياة كلّ منّا مدرّسين لن تمّحي ذكراهم وذكرى عطائهم لنا … وابدا ان ننسى اسم ولقب واحد منهم من استاذ الرياضة الى استاذ الرياضيات .. الان بالكاد يتذكّر الطالب اسم اثنين او ثلاثة من مُدرّسيه ..كنّا نحفظ عن ظهر قلب وبفخر “قم للمعلّم وفّه التبجيلا، كاد المعلّم ان يكون رسولا” واليوم في عصر الانحطاط التربوي تحوّل ذلك البيت الشعري لدى جيل اليوم الهجين والضحية الى “قم للمعلّم وفّه دقديقا ..كاد المعلّم ان يكون بليدا” !
ايّها المربّون الافاضل ..دقوا اجراس العودة بكلّ روح البذل والعطاء والبناء .. واسمحوا لي وعن تجربة عشتها لمدة 14 سنة تدريسا في الجامعة اشدّ على اياديكم واقول باختصار : احبّوا تلاميذكم رغم كلّ ما فيهم من رذالة ـ ومرة اخرى هم ضحايا ـ وتأكدوا انهم سيحبّونكم ..واذا احبوكم فلا مفرّ من نجاحكم ونجاحهم وكلّ سنة وانتم مُربّون.