جور نار
أربع علامات فارقة في طفولتي المدرسية
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriظننت يوما ومازلت أظن أن خير طريقة لكي يعالج المدرّس أداءه ويُجوّده هي أن يعود إلى نفسه طفلا وتلميذا بالذات، ليقيّم ما كان يُبهره في سلوك أستاذه وما كان يشدّه في علاقة معلمه به والوقوف خاصة على ما كان يحبّذه فلا يجده وما كان يكسره كسرا في سلوكات المربّين… ليكون مدرّس اليوم أفضل من بعض مدرّسي الأمس عطاءً وتواصلا وقدرة على المرافقة ومنهجا في التدريس. عشتُ شخصيا لحظات حاسمة في طفولتي المدرسية بحلوها ومرّها، هذا بعض منها :
أولا، دُبّ سي علي جدّي :
كان عمري لا يتجاوز الخمس سنوات عندما وطئت قدماي عالم الطباشير الملوّن والحبر البنفسجي الصبّة والصلصال والأعواد … وهذا الدخول المبكّر إلى المدرسة كان له مبرّر وحيد يتمثل في ضمان الترافق بيني وبين أخي الأكبر الذي كان يتجاوزني سنّا بعام أو عام ونصف يوفر لي حماية ونتساعد على مواجهة الكلاب العربية ذات النّباح العشوائي والذئاب الشاردة.
لم يكن يستهويني لعب الكجّة والخذروف أكثر من تعلّم بعض الحساب وتعريق الحروف.
كان معلّمنا الأنيق والطيب سي علي جدّي، جادّا ومُجديا في تدريسه وحريصا على تحفيزنا بشتى الطرق لنتعلّم ونتجاوز فقر مكتسباتنا القبْليّة، لا أذكر شيئا كبيرا من تلك السنة الابتدائية الأولى سوى بعض الصّور الصادمة مثل “هذا قرد راكب” و “هذا قرد قاعد” و “هذا جمل بارك” ( ولا أفهم إلى حدّ الآن حقيقة ما وراء هذه الكثافة في معاني القعود والبروك والركوب بدلا من معاني القفز والطيران والتحليق)… وأذكر خاصة أنه صادف أنني أجبت بطريقة صحيحة على سؤال ألقاه علينا سي علي فما كان منه إلا أن أهداني صورة دبّ قطبي على ورق مقوّى صغير. غمرتني فرحة لا توصف بتلك الصورة الجائزة … ورُحت أريها إلى كل أفراد عائلتي دليلا على إحراز نجاح نوعي غير مسبوق، بالرغم من أنني لم أكن متمثلا لهذا الحيوان الغريب الذي ليس هو بالكلب أو الخنزير أو الخروف لكنه يبدو وديعا ولطيفا رغم كبر حجمه. ومن يومها أصبحت أُقبل على دروس سي علي جدّي وكلّي أمل في نيل تتويجات أخرى.
الدّرس المستخلص: كان سي علي جدّي يمثل جيل معلّمين من عهد آخر متشبّعين فطريّا بنظريات آلان ليوري وفابيان فينويي في “الدافعيّة والنجاح المدرسي” (عنوان كتاب صدر بباريس سنة 1997)، ومن ناحية أخرى، كلمات بسيطة من قبيل “أحسنت” و “برافو” و “ممتاز” و “حقيقة…شكرا” الخ… لا تكلّف المدرّسين شيئا لكنها قادرة على توليد دافعيّة محرّكة للسّواكن وحافرة في المكامن.
ثانيا، الأستاذ الأصفر (إستعرت له هذا الإسم للنّأي به عن مربّع التشهير) :
كان ذلك في السنة السابعة أساسي (الأولى ثانوي نظام قديم)، وكنا ندرس الرياضيات التي أذكر أنها لم تلنْ لي منذ الوهلة الأولى لكن في ذات الوقت لم تكن نيرونات دماغي الصغير رافضة تماما لطلاسم هذه المادّة الصلبة. .. وكان سي لصفر نحيف القامة عبوسا ضروسا غير سعيد في حياته بالمرة على ما يبدو، لا يبتسم أبدا لأنه (ربما) كان يعتبر الرياضيات اختصاصا حربيا أو صنفا من أصناف الرياضات القتالية. بحث عن متطوع أو متطوعة لفك رموز تمرين حسابي على السبورة … لم يتطوع أحد … فأصدر قرار تسخير صعدتُ بموجبه إلى المصطبة التي بدت لي يمثابة المقصلة في تلك اللحظة، تظاهرت بمحاولة فك ألغاز التمرين ولمّا تأكّد أنني كنت بصدد إضاعة الوقت وتأجيل عملية القصاص أكثر ما يمكن، افتكّ مني قطعة الطباشير وطلب مني أن أقف في متناول يديه الحديديّتين وناولني صفعة قوية ألقتني أرضا في مشهد أقرب إلى ساحات المواجهة مع جيش تساهال الصهيوني منه إلى مربعات التربية والتعليم … أعتقد الآن بعد حوالي نصف قرن، أن ما ساءني ليس وجع الصفعة في حد ذاتها لأنه عابر بل وجع إهانة السقوط أرضا وكون “العقوبة” كانت غير متناسبة مع طبيعة الخطأ الذي لم يكن ناجما عن تقصير متعمّد أو سوء سلوك …
منذ تلك اللحظة، كرهت سي لصفر وكرهت الرياضيات واستسلمت إلى ملاحظات nul en mathématiques وما جاورها.
الدّرس المستخلص : “كفّ أمّك يقوّيك آما كفّ البرّاني يقتلك ويِفْنيك”. إضافة إلى أن نزعة التعويم القطاعي المقصود في شعارات “كاد المعلم أن يكون رسولا” وأن “المعلم شعلة قدسية تضيء العقول” لا يمكن إلا أن تؤبّد سلوكات منحرفة تدمّر أجيالا وتقصف أطفالا.
ثالثا، كيف تفعل لتكون الأوّل دائما ؟
في التاسعة أساسي (الثالثة ثانوي نظام قديم)، كانت تربطني صداقة ما بالتلميذ صاحب النتائج الأولى في قسمنا (لقبه الورغي) لكن لم أكن أجلس بجانبه. أتذكر ذات يوم بينما كنا ننتظر قدوم الأستاذ وكان المقعد إلى جانب الورغي شاغرا، انتهزت الفرصة لأجالسه قليلا وألقي عليه السؤال التالي (الذي كان يخامرني منذ مدة طويلة لكنني لم أجرؤ على مباشرته في الموضوع) : “صباح الخير، بالله عليك، قل لي كيف تفعل وكيف تراجع دروسك وماذا تصنع لتكون دائما الأول في الامتحانات ؟” . لا أذكر مفردات إجابته بالضبط، ولكن أن متأكد الآن أن إجابته كانت عائمة وغائمة وغير دقيقة، من قبيل “أراجع دائما” أو ” ليس أكثر من المراجعة المنتظمة”… لم يقنعني ولكني تظاهرت بالاقتناع.. هو نفسه لم يكن يملك إجابة أو وصفة سحرية للنجاح لأن الاشتغال على الذات صعب ولأن ما طلبته منه تعجز عن تفقّهه حتى ما يسمى بالعلوم العصبية المعرفية اليوم.
الدّرس المستخلص : دور المدرّسين هو هذا بالضبط، مساعدة الأطفال والشبان على تعليمهم كيف يتعلمون وجعلهم يُدركون كيف ينجحون. إلى جانب أنه بإمكانك أن تكون مسكونا بإرادة حقيقية في النجاح لكن تعوزك المفاتيح. تحاول معالجة جميع الأقفال الموصدة، تُطلّ من كوّة الباب لعلّ وراء الباب إرادة نيّرة تأخذ بيدك نحو الدروب المضيئة.
رابعا، السّابعة خاصة (الرابعة ثانوي نظام حالي) :
تابعت تعليما ثانويا قصيرا في شعبة “تقنيات اقتصادية للإدارة” TEA الذي يتوّج بشهادة التقني في نهاية السنة السادسة ثانوي (نظام قديم). كانت شعبة دراسية يأوي إليها “طالبو اللجوء المدرسي” كما شعبة الاقتصاد والتصرف في نظامنا التربوي الحالي، لكنها كانت شعبة جامعة درسنا فيها مبادئ الاقتصاد والحقوق واللغات الثلاث وبعض المواد التقنية في علاقة بالشؤون الإدارية مثل الاختزال والرقن وتقنيات التحرير الكتابي… وكانت شعبة غير موصدة الآفاق تماما حيث يُمكّن التلميذ الذي أحرز أفضل النتائج في امتحان الديبلوم من كل ولاية أن يتابع دراسته بالـ”سنة السابعة خاصة” بالعاصمة بمعهد العمران آنذاك (معهد الفنون بالعمران حاليا). وأقرّ أنني إلى حد الآن لم أفهم كيف تمكّنتُ من التفوق بذلك الشكل في جمهرة غير قليلة من اللاجئين، وخاصة كيف لم يتمّ التلاعب بالنتائج ليُسند ذلك الامتياز الثمين إلى تلميذ آخر من أبناء أصحاب السلطة والجاه في زمن لا شفافية فيه ولا مساءلة أو مكاشفة !
الدّرس المستخلص :
- يمكن أن يكون التلميذ متوسط النتائج في مراحل معينة من مسيرته الدراسية، ولكن يكفي أن يشتعل فتيل الرغبة والدافعية على نحو ما لتنطلق كل المحركات في الاشتغال بكل إمكانياتها وبلوغ السرعات المطلوبة… مع ضرورة توفّر قدرة ذاتية على “التجنّد” بمعنى أن يكون التلميذ “جنديّا” ينتعل جزمته الحربية كل صباح ويلبس بذلته العسكرية استعدادا لخوض معركته المقدّسة ضدّ ظلمة الكوابح والموانع والحتميّات.
- الرياضيّات مادّة دكتاتورية تقصم ظهر أجيال مدرسية بكاملها، والمشكل في اعتقادي ليس في طبيعة المادة في حدّ ذاتها بل في طريقة تدريسها وقيام أمثال سي لصفر على حظوظ تمكّن التلاميذ من ناصيتها.
- من الحلول الممكنة التي يستطيع من خلالها نظامنا التربوي تدارك بعض معضلاته: تنويع المسالك الدراسية أمام طالبيها وفتح معابر مرنة وثابتة ودائمة لعودة مَن ضَل الطريق في الشعب الطويلة نحو شعب أقل طموحا (لكنها ذات قدرة تمهينيّة قويّة) وعودة من تميّز في شعب “المتوسّطين” إلى التّحليق مجدّدا بأجنحة اشتدّ عودها في الأثناء.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 13 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 13 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 23 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟
تعليق واحد