جور نار

أطال الله عمرك … يا جيورجيا ميلوني !

نشرت

في

سيدي الرئيس، صراحة لو كنت أعرف رقم هاتف صاحبة الشعر الأصفر “شقراء” روما جيورجيا ميلوني لهاتفتها لأشكرها…نعم لأشكرها سيدي الرئيس… وأقبّل يدها إن سمحت لي حتى وإن كنت على وضوء… (أتمنى ألا يتهمني أنصار الرئيس بالتحرّش بضيفته فوالله لا أريد شيئا غير شكرها) …

<strong>محمد الأطرش<strong>

أقول، أتدري لماذا سيدي الرئيس؟ لأنها نجحت وفي اول لقاء بينكما في أن تضحكك…نعم نجحت حيث اخفقنا جميعا…أي نعم ضحكت سيدي الرئيس…ضحكت للحلوة جيورجيا في أول لقاء بينكما على أرض تونس الجميلة، نعم ضحكت وتسمّرنا جميعا أمام هواتفنا وتلفزاتنا وكل ما امتلكت ايادينا من وسائل إعلامية مستغربين الأمر…نعم مستغربين الأمر، لم نكن نعلم من طول انتظارنا لابتسامتك أو ضحكتك الأولى أنك مثلنا تضحك وتبتسم وتسعد…كنّا نقول لعلها هموم الوطن أبعدت عن رئيسنا الابتسامة…ولعلها الأزمة التي طالت جعلت رئيسنا رافضا للضحك…أو ربما صندوق النكد الدولي هو من أربك مزاج رئيسنا وأقضّ مضجعه فغابت عنه الابتسامة “يكب سعدك يا كريستالينا غورغييفا على زوز صوردي شردتينا”…

لكنك ضحكتَ سيدي الرئيس، نعم ضحكت أمام “جيورجيا” وردّت حلوة روما الضحكة والابتسامة بأحسن منها…أي نعم ضحكتَ لابنة “فرانسيسكو ميلوني” و”آنا باراتوري” وزعيمة “إخوة إيطاليا” ولم تضحك لنا نحن إخوة الأرض والوطن والوجع والمعاناة والصبر الطويل…لم تضحك لشعبك الذي انتظر طويلا ابتسامة أو ضحكة منك تبشرنا بخروجنا مما نحن وهذا البلد فيه…أتدري سيدي اننا حقّا اشتقنا إلى ضحكة منك لم نرها منذ وصولك قرطاج…ضحكة طال انتظارها ولم تأت من أجل عيون شعبك بل جاءت لعيون جيورجيا أطال الله عمرها وانفاسها وأظافرها…

أي نعم سيدي، ضحكت كثيرا و”كبيرا” ولا أحد منّا نحن الشعب يعلم لماذا؟ أتدري أن شعبك أصبح اليوم قليل الضحك ونادر الابتسامة، فحتى جيري لويس “رحمه الله وغفر له” لن ينجح في إضحاك هذا الشعب لو عاد حيّا…؟ وحتى “شوفلي حلّ” ما عاد يضحكنا ولم يجد حلاّ لكآبتنا… أتعلم لماذا سيدي الرئيس؟ أظنّك تعلم بكل ما يجعل شعبك قليل الضحك…قليل الابتسامة… طبعا لا أقصد كل شعبك فبعضه وهم قلّة يضحكون…كل الوقت…ويسعدون بما تفعل…كيف لا وهم يشاهدون خصومهم يتساقطون الواحد تلو الآخر…خصومهم الذين لم ينجحوا “ديمقراطيا” أو ما شابهه في ابعادهم عن طريقهم وافتكاك الحكم منهم عبر الصناديق…

ولم لا يسعدون…ولا يبتسمون…ولا يضحكون ملء اشداقهم وهم يشاهدونك وأنت تحقّق لهم ما عجزوا عنه منذ 14 جانفي من سنة النكسة والخديعة…وأنت تفسح لهم المجال ليحكموا غدا يوم يقولون لك “شكرا أكملت ما عليك”…فهم سيقبلون بكل ما تأتيه اليوم حتى وإن كان مخالفا لمبادئهم وفلسفاتهم السياسية وشعاراتهم التي يرفعونها منذ عرفناهم…فقط هم يريدونك ان تخدمهم خدمة لن ينسوها أو لنقل أنا على يقين أنهم سينكرون جميلك يوم يجلسون مكانك…إن جلسوا…هم يريدون فقط أن تقضي على كل من يمكنه الوقوف أمامهم غدا حين يحين موعد دخول مكاتب الاقتراع…إن حان طبعا…حينها ستعرف حقيقة ما قدمت لهم من خدمة لم ولن يحلموا بها لو لم تكن أنت جالسا على كرسي قرطاج…

وكأني بك لم تتفطّن لما يريدون وما يضمرون…هؤلاء الذين يضحكون ويسعدون لما تفعله لا يبالون بما تعيشه البلاد ولا يهمهم إن ساءت علاقتك بمن انتخبك وبالشعب…ولا يهمّهم إن توسعت الهوّة بينك وبين ناخبيك قبل الموعد الانتخابي القادم…ولا يهمّهم غدا إن قال لك الشعب “ماذا قدمت لنا في خمس سنوات؟” ولا يهمهم إن رفع الشعب صوته قائلا “اين وعودك؟ وأين انجازاتك؟” ولا يهمهم إن “حاسبك” الشعب غدا عبر الصناديق وقال لك “لم تفعل شيئا يستحق الذكر، فلن نختارك أنت رئيسا”…هم حوّلوا وجهتك إلى ما يريدونه منك حتى لا تلتفت إلى ما يهمّ الشعب فتنال رضاه …هم لم يساندوك في كل ما أتيته يوم 25 جويلية حبّا فيك أو دعما لمسارك بل هم يريدون أن تخلصهم من كل من افسد عليهم مخططاتهم وما يتمنون…

أعجبتهم لعبة تجفيف المنابع فصفقوا لك ورفعوا عقيرتهم بالصراخ “اضرب ما زال يتنفس”…وسيقولون يوم لا تكون جالسا في قرطاج عن دستورك ما لم يقله مالك في “السلتيا” (رحم الله سي حمادي بوصبيع)…وسيصفون عهدتك بالاستبداد والانفراد بالحكم…وسيعدون الشعب بإصلاح حاله والأوضاع…كيف لا وأنت أبعدت كل من كان يعترض طريقهم نحو الحكم من مطبات حزبية وسياسية…كيف لا وأنت خلصتهم ممن لم ينجحوا في تجاوزه عبر الصناديق…قد لا نتفق مع من أبعدتهم عن المشهد السياسي وقد لا نلتقي في أي من أفكارهم ومشاريعهم السياسية، لكن لا أحد منّا يقبل ان يقطع الطريق أمام خصومه دون تنافس نزيه لا تشوبه شائبة ليصل الحكم…

أتدري سيدي الرئيس أنهم سيُغرقون مسامعك بالتبجيل والتأليه والشكر والثناء والتصفيق والزغاريد وقد يرقصون إن لزم الامر (على وحدة ونصّ طبعا) … لن يتركوا لك لحظة واحدة تجالس فيها نفسك على انفراد وتفكّر فيها في وعن مآلات عهدتك التي شارفت على الانتهاء…عهدة حكمت أكثر من نصفها منفردا تفعل ما تريد متى تريد وكيف تريد…الآمر الناهي والحاكم بأمره…لا أحد يغامر بأن يقول لك أخطأت ليس خوفا من سطوتك لكن خوفا من سطوة من هم حولك…أتدري سيدي الرئيس لماذا لا يقولون لك: لا؟ لأنهم لا يريدونك أن تتفطّن لتبعات الوجهة التي حولوا دفّتك إليها…يريدون منك ان تنهي ما بدأته وتخلصهم من كل خصومهم بالإبعاد أو الاضعاف قبل موعد انتهاء عهدتك…

أتدري ماذا فعلت لصالح الشعب خلال عهدتك سيدي؟ لا شيء يذكر يهمّ الشعب، في حياته، ومعيشته، وتعليمه، وصحته، فقط حققت كل مطالب من ساندوك ودعموك دون أن تتفطّن بأنهم يخدعونك، ولم تلتفت لما ينفع الناس ويرفع عنهم البأس وينزع من طريقهم اليأس…عهدة ضاعفت فيها عدد معارضيك إلى أضعاف اضعاف من توحدوا بجميع الوانهم وقطعوا الطريق أمام خصمك وانتخبوك…عهدة أعلنت فيها الحرب على كل خصومك وخصوم من حوّلوا وجهتك مستأنسا بمزاج شعبي غير ثابت صنعته الازمات المتلاحقة بالبلاد منذ 14جانفي، وأجج ناره فشل كل من حكموا قبلك في إدارة شؤون البلاد واصطدامهم بواقع حكم كانوا يتصورونه “لعبة” أو “فسحة” سيصلحون خلالها حال البلاد والعباد دون عناء وفي أسرع وقت…ونسوا أن إدارة شؤون البلاد ليست فقط كرسيا تجلس عليه وتأمر لهذا بألف درهم وناقة وبعير…وتنهى الآخر وتأمر بسجنه وجلده مائة جلدة على قفاه…الحكم في زمن كالذي نعيش له واقعيته وحقيقته وأوجاعه وألمه ومشاكله التي لا يعلمها من لم يصارع أمواجه ويخرج منه سالما بأخفّ الاضرار…

أتدري سيدي الرئيس، هُمْ وأقصد من حوّلوا وجهتك نحو أهدافهم نجحوا في توسيع الهوّة بينك وبين معارضيك…وقالوا لك فيهم ما لم يقله تشرشل في “الفوهرر” أتعلم أشهر ما قاله تشرشل في السياسة…قال “ليس في السياسة عدو دائم، ولا صديق دائم، بل مصالح دائمة”…أتدري سيدي الرئيس أن من حاموا حولك ويحومون أوعزوا لك ضمنيا من خلال ما يروجونه عن معارضيك، ودون أن يتورطوا في ذلك علنا بتجفيف منابع معارضتك دون ان تدري بما كانوا يخططون ويريدون…ويضمرون…أتدري سيدي الرئيس ان عدوك الحقيقي هو من لا ينبهك لأخطائك…ومن لا يهتمّ لمآلات ما تأتيه وتقرره… عدوك الحقيقي هو ذلك الذي يصفق لك حين تأتي شيئا يوسّع الهوّة بينك وبين ناخبيك…عدوّك الحقيقي هو ذلك الذي ينصحك بمقابل…ويصفق لك بمقابل…وحين يغيب المقابل…يتحوّل إلى داعم ومساند لخصمك المقابل…عدوك الحقيقي هو ذلك الذي يزّين لك السيء من أعمالك، ويشوّه لك الجميل من أفعالك…

لذلك اسمح لي بأن أقول، علينا ان لا نغضب من ضجيج وصخب المعارضة وهرجها ومرجها، إن كنّا حقّا نريد من ينبّهنا لأخطائنا…فالاعتراف بالخطأ من اهمّ مكونات الفعل الديمقراطي…فلم نخاف المعارضة ونحن أصحاب رأي سديد وقوي وعاقل…فالرأي السديد العاقل لا يخاف الديمقراطية ولا تزعجه الحرية ولا الرأي المخالف…علينا أن نعترف أيضا ان اغلب المشاكل التي تعانيها دول العالم الثالث سببها الرئيسي غياب الديمقراطية…وان الفقر والخصاصة سببه أيضا غياب الديمقراطية…وان البطالة وتفشي الجريمة وانتشار المخدرات وتدني مستوى التعليم سببهم جميعا غياب الديمقراطية… ما حدث بعد 14 جانفي يعطينا درسًا ألا نظلم رجالنا سواء كانوا منا أو من معارضينا…فالاختلاف في الرأي ومعارضة مخططاتنا وبرامجنا وأولوياتنا لا يعنيان بالأساس ان من يأتي ذلك ليس وطنيا ويضمر بنا وبالوطن سوءا…وكما نحترم من يساندنا علينا ان نحترم من يعارضنا…فمن يساندنا قد يغفل عن أخطائنا ويزينها لنا تقرّبا منا وطمعا في غنيمة أو مقابل، ومن يعارضنا لن يغفل عن ذكر أخطائنا وسيساعدنا من خلال ذلك في إصلاح ما أخطأنا في تقديره…

ختاما سيدي الرئيس وأنت الذي ضحكت مع جيورجيا (أطال الله ضحكتها) كما لم تضحك سابقا معنا وأمامنا ابدا… أتدري متى نضحك نحن حقّا…متى نخرج من أزمتنا ونصلح حال البلاد والعباد…نضحك متى شعرنا بأننا في بلد ديمقراطي حقّا يسمح لنا فيه بأن نعبّر عن راينا بحرية دون خوف من الوشاة وامثالهم…نضحك متى نشعر بأننا نستطيع بأن نقول بصوت مرتفع ما كنّا نهمس به ونخنقه في حناجرنا…نضحك متى لا نُظلم ممن هم أقوى منّا ومن هم أقرب منّا للحاكم والسلطان…نضحك متى خرج علينا حاكمنا ليكشف لنا حقيقة أوضاعنا وإن كانت موجعة وإن كان وجعها سيزيد فالحقيقة هي ما نريد…نضحك متى جمعنا حاكمنا حول وطن واحد وإن اختلفنا في الرأي وفي التفكير…نضحك متى سمح للكاتب والمفكّر بأن يقول رأيه وإن كان موجعا دون أن يعتقل قلمه ويمنع من الكتابة…

نضحك متى استطاع كل واحد منّا أن ينتقد ويعارض السلطان دون ان يتعرّض للطرد من عمله وللعقاب…نضحك متى يختفي النفاق والحقد والكذب من مشهدنا السياسي…نضحك متى يعطى لقيصر ما لقيصر…نضحك متى عاد الشعب إلى العمل كما كان وأكثر…نضحك متى نفرغ السجون ممن نختلف معهم في الرأي والفكر…نضحك متى لا تغيب ضروريات الحياة من أسواقنا…نضحك متى يجلس الرجل المناسب في المكان المناسب…نضحك متى تغيب المحسوبية والانتهازية من حياتنا…نضحك متى قضينا على البطالة والتهميش …نضحك متى توحدنا في الحرب على الفقر والخصاصة …نضحك متى اعترفنا بأن أخطاء الماضي هي دروس للمستقبل ولسنا هنا لنحاكم الماضي بل لنجعله عبرة لنا حاضرا ومستقبلا… نضحك متى أدركنا جميعا أنه ليس من حق أحد أن يحتكر الماضي لنفسه…كما ليس من حقّ أحد أن يحتكر الحاضر لنفسه…فالحاضر لنا والماضي لأهلنا…والمستقبل لأبنائنا…

سيدي الرئيس، أتعلم أنا…اي نعم، أنا… متى اضحك؟ اضحك حين يصل كلامي هذا إلى من أعنيه بما جاء فيه، دون أن يخرج بعضهم ما جاء فيه من السياق الذي أبتغيه وأعنيه… فتعال نضحك جميعا، أنت، وأنا وكل الشعب ونثبت للعالم ونقول “الدنيا ما زال فيها الخير”…ألسنا أقرب إليك من جيورجيا ميلوني سيدي الرئيس !

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version