جور نار

“أعوام” قرطاج السينمائية

نشرت

في

للمرة لا أدري كم، تنتظم ببلادنا أيام قرطاج السينمائية … و للمرة لا أدري كم، توزّع فيها جوائز خلال حفل رديء فوضويّ يرتكبه أناس يزعمون أنهم أبطال عالم في التنظيم … و للمرة لا أدري كم، أشاهد ـ ومعي قسط لا بأس به من الجمهور ـ فقط عرضين من عروض مهرجاننا الكثيرة: حفل الافتتاح، وحفل الاختتام !

<strong>عبد القادر المقري<strong>

طبعا أبالغ بشناعة حين أقول إنني لا أتفرج على ما تعرضه الأيام … فإلى وقت قريب كنت من روادها الجوّالين المنقّبين عن أية قاعة مظلمة زيّن مدخلها أفيش التظاهرة … غير أن طول الرحلة أتعب الساقين و الفؤاد معا، فما نحن بهواة سينما أية سينما، و لا أيضا من المغرمين بالتقاط الصور (اليوم صارت سلفيات) مع هذا النجم العربي أو ذاك … أكثر من هذا، لم يعد ينتابنا أي تشويق لمعرفة من سيفوز في نهاية السباق و من سيسقط و مِن ثمة يشكك في ذمم اللجان و ظروف اللعبة … هذا كله الآن صار حطام ذاكرة نأسف على سذاجتها، وعلى رواح معظم العمر في غمامة وهم …

أي نعم، وهم كبير هذا المهرجان و أوهم منه من يتراكضون لصيد شيء فيه … لحظة للتوضيح … أولا، لا تعنيني قشور حفل الافتتاح و أزياء الداخلين و الخارجات فتلك قياسات أخلاقوية لها أصحابها … تماما كالذين كانوا يرون في البرلمان المنحلّ مجرّد فضيحة معارك، لا ورشة شغّالة لبيع الذمم والبلاد  … و ثانيا، لست من عدميي الوطن و لا من كارهي أدنى بارقة ضوء فيه، بالعكس … فلأننا من هذا البلد نابتون فيه ثابتون منحازون، نقول عن أيام قرطاج السينمائية بأنها وهم و كذبة و بالمختصر، هدر فاضح للمال العام … هذا الكلام قلناه ماضيا حتى عندما كنا نواكب و نحتفل مع من يواكبون و يحتفلون … لا، بل قاله قبلنا و طويلا أهل المهنة أنفسهم و منذ متى؟ منذ أول دورة حضرتها طالب صحافة سنة 1978 و كانت برئاسة على ما أعتقد فتانا الراحل الأستاذ حمادي الصيد …

ففي تلك الدورة حصلت أول مقاطعة مهمّة للمهرجان، و المقاطعون لم يكونوا أي كلام: جمعية السينمائيين التونسيين، جمعية السينمائيين الهواة، جامعة نوادي السينما … ثلاث منظمات كانت تصنع المطر و الطقس الجميل، كما يقال في لغة فرنانديل … أما سبب المقاطعة فأذكر أنه كان “تقاعس الأيام عن إفادة السينما التونسية بأي شكل من الأشكال” … إذ أن قاعات السينما كانت تغلق تباعا و بسرعة، ومرّت من أكثر من مائة صالة إلى حوالي عشرين … ذلك منذ 44 سنة، و لا حديث عن الحالة اليوم … كما أن “الساتبيك” شركة الإنتاج الوطنية كانت مهددة بالغلق (و اليوم أغلقت تماما) و معها مختبر قمرت … و أيضا و خصوصا و خاصة فشل بلادنا في إرساء صناعة سينمائية وقتها و قبلها و بعدها و اليوم و بعد غد …

في تلك السنة لم يكن هناك مهرجان للسينما بمصر و لا سوريا و لا المغرب الأقصى و لا الجزائر و لا تركيا إلخ … و مع ذلك كانت هذه الدول (و مصر في مقدمتها) تملك الصناعة و السوق و النجوم و الأعمال الكثيرة الجيدة … أما نحن، فكنّا مجرد “عرس” استقبالات و ضيافات و صور مع المشاهير و تدبير دعوة لحضور مهرجان أجنبي، ثم توزيع جوائز، و صنع أسماء تتنكر لك عند أول التفاتة، و عليكم السلام …

كما أن المهرجان لم ينجح (و لم يهدف حتى) لجعل تونس قبلة سياحية أثناء انعقاده كما تفعل المهرجانات الأخرى … و هنا أذكر أنه منذ فترة غير طويلة، ذهب أحد وكلاء السياحة إلى مدير من مديري أيام قرطاج السينمائية، واقترح عليه تنظيم حملة دعائية عالمية لزيارة تونس بمناسبة المهرجان، و توظيف حضور كبار النجوم و كبار الأفلام لهذا الغرض … فما كان من السيد المدير إلا أن رفض الفكرة بأدب … طبعا، فالمهرجان دوره أن ينفق مال البلاد، لا أن يُدخل لها مالا …

 لهذا قاطعت منظمات السينما أيام قرطاج في تلك الدورة البعيدة، و لكن لم تعد بعد ذلك لمثل هذا الصنيع …

 و الأكيد الأكيد أنه تم إرضاؤها … بتحقيق تلك المطالب للسينما التونسية، و لتونس !

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version