تخرجت أنجيلا من جامعة Pepperdine University دبلوم صحافة بدرجة امتياز.بعد تخرجها بشهور اكتشفتْ أنها لم تُخلق لممارسة هذه المهنة، فصعقتنا ذات يوم بقرارها: ماما بابا سأدرس الطب.
حصلت على علوم ما قبل الطب من جامعةUCLAبامتياز، فتلقت قبولا من جامعة Tulane university لدراسة الطب، وتخرجت بدرجة امتياز أهلتها للقبول في جامعة UC San Francisco لمتابعة الاختصاص. أربع جامعات يحلم بها الأمريكي الذي ولد جده العاشر في أمريكا، ومن هنا جاءت عظمة هذا البلد، فالإنسان المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن أصله وفصله.
……….
رغم كل هذه الانجازات لم أصل إلى مرحلة النيرفانا كي أرى أنجيلا الحقيقية إلا بعد أن راقبتها في موقفين اثنين حدثا هذا اليوم
……….
ليزا هي صديقة أنجيلا منذ الطفولة، ورغم أن تجارب الحياة قد باعدت بينهما، لكنها لم تباعد بين قلبيهما. ستحتفل ليزا بزواجها في 25 آب القادم.فوجئنا بأنها اختارت أنجيلا لتكون maid of honor،(لا أعرف الترجمة) في العرس. فضلتها عن أختيها نيكول وميشال.
وبناء على التقاليد الأمريكية أنجيلا ملزمة أن تستضيف حفلة تدعى bridal shower لتكريم ليزا وأصدقاءها وذلك قبل العرس، وعليها دفع التكاليف!
بدأت أنجيلا تخطط للحفلة بعد أن قررت أن تقيمها في حديقة بيتنا.اتفقت مع سيدة تملك شركة لتأجير الطاولات والكراسي على ان تأتي الساعة التاسعة صباح يوم الحفلة.
صارت الساعة 11 ولم تأتِ السيدة وأنجيلا تغلي وتفور ونحن نهدئ من روعها، فالحفلة ستبدأ في الثانية.
اتصلتْ بالسيدة، واستمعتُ اليها وهي تلقنها وبخشونة درسا في أخلاق البزنس، وكيف على الإنسان أن يلتزم بها لينجح في أي عمل يقوم به.
المهم، وقفت شاحنة أمام البيت، على حد قول ستي أم علي (لا أحد يشتريها في زمن الغلاء بخمسة قروش) مهرهرة، وأظن أنّ السائق قد ربط المحرّك ببعض الحبال… وترجلت منها شابة في منتصف العشرينات تحمل رضيعا لم يتجاوز الشهرين ومعها زوجها الذي لا يتكلم كلمة واحدة انكليزي.
في تلك اللحظة تغيّرت ملامح وجه أنجيلا من غضب شرس إلى ملامح ملائكيّة هادئة وطيبة!
لم تسمح للشابة بأن تترك طفلها في كرسي الشاحنة وأجبرتها على أن تبقى معه، ثم راحت بجسمها الرياضي وعضلاتها القويّة تساعد الزوج في إنزال الكراسي والطاولات وبسرعة البرق.
عندما ناولت الشابة المبلغ المتفق عليه،رفضت الشابة أن تأخذ البخشيش، وراحت تردد وهي مذهولة: مبلغ كبير وأنا لا أستحقه! عانقتها أنجيلا وهي تقول: بل تستحقينه. أنا فخورة بشابة مثلك تحاول وزوجها رغم كل الصعوبات أن تبني لطفلها حياة كريمة، أنا آسفة لأنني زعقت في وجهك، لم أكن أعرف ظروفك.
في المساء وبعد أن انفضّ الضيوف، عانقتُ أنجيلا وقلت: لقد راقبتك في الموقفين، كنتِ صلبة وخشنة عندما تطلب الأمر كذلك، وطيبة ورحيمة عندما تطلب الأمر كذلك. اليوم أعرف أنني منحت الكون روحا جميلة تملك من الحكمة ما يؤهلها لتعرف متى تكون صلبة ومتى تكون رحيمة.
ردّت: أنت مثلي الأعلى يا أماه !
قلت والدموع تنهمر من عينيّ: الله يعطيكِ حتى يرضيكِ.
وأنا أعلم أنها غارقة في عطاءاته، وإنها مسربلة بالرضى عن نفسها وعن انجازاتها. تلك الإنجازات التي لا قيمة لها، نعم لا قيمة لها، ما لم تصنع من الإنسان إنسانا بالمعنى الحقيقي للكلمة