ألا يجدر بنا الاعتذار من بن علي… ونحن نعيش الخراب؟
نشرت
قبل 3 سنوات
في
تعود بنا الذاكرة إلى عهد الرئيس بن علي رحمه الله كلّما شعرنا بأننا نغرق في وطن يائس بائس أعرج، يئن ممن هم بين أحضانه، وممن يحكمونه وحكموه بعده…لم أكتب يوما عن الرئيس السابق ولم أمدحه كما لم أقل عنه سوءا وهو يحكم ويسكن قرطاج…واليوم يحقّ لي كما يحقّ لغيري أن ننصف الرجل ولو برسالة اعتذار…فالرجل لم يكن كمن حكموا بعده ويحكمون…فلم يفعل ما فعلوه…ولم يأت ما أتوه…
بن علي رحمه الله لم يحارب خصومه كما هم يفعلون…ولم ينعت خصومه بما هم ينعتون…كانوا يقولون عنه كلاما…وكانوا يسردون عنه روايات…وكانوا يروجون عنه ما لا يمكن ذكره…التقيته ثلاث مرات في إطار عملي ولم أجلس إليه وحيدا أبدا…ولم أغنم منه دينارا واحدا…أو ما يضاهيه…
أعود لأقول، نعود لذكر الرجل كلما شعرنا بالوجع مما نعيشه ويعيشه الوطن…فمن جاؤوا بعده ليحكموا البلاد وعدونا بأشياء لم نر منها شيئا…وعدونا بالعدالة فلم نر العدالة…وعدونا برفع المظالم فرفعوا من عددها ومن حجمها…وعدونا بالقضاء على الفقر فتوسّعت رقعة الفقر إلى أكثر من نصف سكان البلاد…وعدونا بالحدّ من البطالة فأحالوا كل الشعب على البطالة…وعدونا بالقضاء على التهميش فهمّشوا البلاد من جنوبها إلى شمالها…وعدونا بترسيخ حقوق الانسان فحافظوا على حقوق الحيوان وتنكروا لحقوقنا…وعدونا بتجميد الاسعار فتجمّدت جيوبنا من حجم ارتفاعها…وعدونا بإفراغ السجون فاهتموا بتوسيعها وبالرفع من قدرة استيعابها…وعدونا باحترام الاختلاف فعمّقوا خلافاتنا…وعدونا بحرية التعبير والرأي فكمّموا أفواهنا وهدّدونا بالويل والثبور…وعدونا باستقلال القضاء فجعلوه تحت سلطتهم …وعدونا بإصلاح التعليم فأحالوا مليون تلميذ على الجهالة والأميّة…وعدونا بصحّة للجميع فنفد مخزوننا من الدواء وهرب أكفأ أطبائنا إلى شمال المتوسط وهرب أعوان التبنيج لمستشفيات أوروبا فأصبحنا نشعر بوجع الوطن دون تبنيج…وعدونا بتعصير وتحديث صناعتنا فهاجر عشرات الآلاف من المهندسين إلى حيث وجدوا ضالتهم…وعدونا برفع حجم ميزانية الاستثمار فاستثمروا في غلق المؤسسات الصغرى وإحالة مئات الآلاف على البطالة…
هم وعدوا وأخلفوا وعدهم من يوم دخلوا إلى يوم الناس هذا من شهر فيفري من سنة 2022…جميعهم فشلوا في إنجاز وعد واحد ينسينا بن علي رحمه الله…لا شيء يطربهم أكثر من شيطنة من حكموا قبلهم… ثم يخرجون علينا دون خجل يستنكرون ما نقوله عن بن علي وإنجازات بن علي ووصل بهم الأمر إلى المطالبة بتجريم من يمدح منظومة بن علي رحمه الله…لم نقل يوما أن بن علي كان ملاكا…فلا ملاك في الأرض…ولا ملاك بين البشر…فالملائكة لا يترشحون للرئاسة ولا لمجلس النواب…ولا يعملون في دواوين الوزراء…ولا يدرسون القانون في الجامعات…ولا هم بيننا يعيشون…لا أحد من حكام العالم ومنذ آلاف السنين حكم بالعدل غير من نعرفهم من الخلفاء الراشدين وبعض من ذكرهم التاريخ وهم يُعدُّون على أصابع اليد الواحدة…
من حكمونا بعد بن علي رحمه الله روّجوا للديمقراطية فأخفقوا في تكريس معانيها الحقيقية…وبن علي كان يؤمن بالإنسان فنجح حيث أخفقوا وإن أخطأ…وخدم الناس وإن ظلم بعضهم…ونجح حيث هم فشلوا وإن حاد في بعض ما أقدم عليه…وخدم البلاد بكفاءات البلاد وإن ظلم بعضها ونسى بعضها الآخر…وهم ماذا فعلوا؟ هم أفرغوا الإدارة ومؤسسات الدولة ممن صنعوا مجدها… وظلموا أغلب رجالات الدولة وحرموا بعضهم من حقوقهم، وحاكموهم دون ذنب اقترفوه غير عملهم في منظومة هم يكرهونها… وأخطؤوا في تقييم المرحلة…ولم يعترفوا بما فعلوه…ولن يعترفوا…
لم نعد نشعر بالأمان الذي كنّا نعيشه…ولم نعد نشعر بالاطمئنان على مستقبل أطفالنا وأجيالنا القادمة مع هؤلاء ولا استثني أحدا إلى يومنا هذا…فكل الثورات العربية التي يفاخر بها هؤلاء ويقولون أنهم أنتجوها هي مجرّد حراك وفوضى امتلأت بالغوغاء…عاث فيها الطلقاء واللصوص والأغبياء والانتهازيون فسادا كما يريدون ويشتهون…هم يقولون ‘ن كل الأنظمة التي انقلبوا عليها كانت أنظمة فساد واستبداد …وأقول إن كل من حكموا البلاد العربية المنكوبة بعد “ربيعهم العربي المزعوم” جلبوا الشرّ والموت والدمار لشعوبهم، وأنتجوا طبقة سياسية أخرى تعيش جهلا سياسيا فظيعا انقلبت عليهم وحوّلت وجهة البلاد إلى ما لا ينفع العباد…ففي عهودهم تضاعف حجم الفساد…وحجم المحسوبية…وحجم الخراب والدمار…وحجم اليأس والإحباط …
ألا يجدر بنا اليوم أن نعتذر ممن أخطأنا في حقّه، وجلسنا أمام شاشات تلفزاتنا نشاهده وهو يرحل دون رجعة، وسط هتاف وصراخ الأغبياء الذين رفعوا عقيرتهم اليوم بالصراخ خوفا على البلاد وما يقع فيها…ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن اختاره الله أن يموت هناك ويدفن في أرض الصحابة، ألا يجدر بنا اليوم أن نقول لبن علي رحمه الله، أن من حكموا بعدك أخفقوا…فشلوا…كذبوا…خرّبوا…قتلوا…شرّدوا…حقدوا…استبدوا…ألم يأكل المتوسط أكثر من ألف تونسي هربوا من جحيم من كذبوا عليهم، ووعدوهم بجنّة لم يجدوا من أنهارها غير بحر ابتلعهم ولفظهم، وبطن حوت احتضن فتات أجسادهم وبقايا أصابعهم…ألم يمت المئات كمدا وحسرة على ما عانوه ممن حكموا البلاد بعقلية الثأر وتصفية الحساب وإبادة من سبقوهم في الحكم؟ ألم يهرب من أرضنا كل من كانوا يصنعون مجدها خوفا على حياتهم وحياة فلذات أكبادهم مما تعيشه البلاد من سقوط وفوضى وأحقاد…؟
ألا يجدر بنا اليوم ونحن نعيش عملية استحواذ غريبة على كل مفاصل الدولة ممن كانوا يعدون الشعب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟ أين نحن من كل ما وعدونا به…أليست البلاد اليوم على حافة الهاوية والإفلاس…ألسنا قاب قوسين أو أدنى من فتنة قد تأتي على بقايا وطن فقد كل أمل في الخروج مما أوصلوه إليه؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن كذبوا عليه وألبسوه لباس الاستبداد فاستبدوا…ومن البسوه لباس الطغيان فطغوا…والبسوه لباس الخيانة فخانوا…وألبسوه لباس الغدر فغدروا…وألبسوه لباس الجهل فجهلوا…وألبسوه لباس الحقد فحقدوا…وألبسوه لباس الكذب فكذبوا…
ألا يجدر بنا أن نعتذر لمن كنا نشعر بالأمان خلال سنوات حكمه ونحن نعيش اليوم مشهدا سياسيا مضحكا…مقرفا…مُبك حالنا فوق كل تصوّر…شعبنا يعيش حالة من الابتزاز…خزائن الدولة تعيش جفافا في انتظار غيث المنظمات المانحة الذي قد يأتي وقد لا يأتي…شعبنا يعيش بالشعارات والأماني وخطب من يحكمه…وتصفيق عشاق لعق أحذية اسيادهم…
ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن صدّقنا بعض ما قالوه عنه وفيه، وما أتاه ولم يأته؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر ونحن نعيش مأزقا قد لا نخرج منه أبدا…؟ كيف نخرج مما نحن فيه وإعلامنا باع نفسه لمن يدفع أكثر…ولمن يضمن له المكانة الأكبر …والرزق الأوفر…كيف نخرج من وضعنا الميؤوس وسفالة بعض إعلاميينا وصلت إلى أسفل…فبعضهم يكذب…ثم يكذب…ويواصل الكذب حتى يصدّق نفسه…وبعضهم الآخر يكتبون مقالات على مقاس أسيادهم، أسطرها عرجاء…كلماتها لا طعم فيها…معانيها مجرّد مرهم “يدلكون به بدن” من يدفع لهم أكثر…
ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن ابتلعنا ألسنتنا وهم يلوكون سيرته ويشوهون عهدته بأكاذيبهم؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر ونحن نعيش انحطاطا سياسيا وصل إلى درجة التضليل والخداع وتبرير غريب عجيب لفشل رهيب مريب…؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر والبلاد تعيش أزمة انتماء وطني، وأزمة نضج سياسي كشفتا عن تدني قيمي لبعض من ائتمناهم على مصيرنا، ألا يجدر بنا أن نعتذر من بن علي ونحن لم نعش في عهده ما نعيشه اليوم من تجن وتهجم وتجريح لبعضنا البعض…؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن كذّبناه وصدّقنا ثورة لم تكن حقّا ثورة؟ ثورة حمقاء…جاهلة عمياء…
ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن كنّا أفضل معه…وكانت البلاد أجمل في عهده؟ ألا يجدر بنا أن نعتذر ممن أضمر له من حكمونا منذ رحيله وكذَبُوا علينا الضغائن والحقد والكراهية والازدراء، ومن اكتفوا بإعمار جيوبهم ونسوا إعمار جيوب الشعب المسكين…فأفرغوها…فهل هذه هي ديمقراطيتهم الموعودة…وهل ستنتهي بنا ديمقراطيتهم إلى ما خَلُص له أفلاطون، إلى أن كل تطرّف مضاد قد يذهب بنا إلى الاستبداد، فالحرية المفرطة تجعل من الديمقراطية فوضى، وهذه الفوضى لها قابلية كبيرة للتحوّل إلى استبداد … فماذا ينتظرنا يا ترى في قادم الأيام أو الأشهر أو حتى الساعات؟ فهل سننشد ما جادت به قريحة أحمد مطر ونبكي حالنا وحال البلاد؟