منذ جانفي 2011 جاد علينا الغيث غير النافع بعديد الاسماء على الساحة السياسية وانبهرنا للامانة بالبعض منها وحسبنا انّ تونس والتونسيين سينعمون فعلا “بالشغل والحرية والكرامة الوطنية” واستفاق العديد منّا بعد بضعة اشهر على الحقائق الفاجعة …
استفقنا على نباتات من نوع الخروع (تشرب الماء وتضيّق على الشجر) واصبح العديد يتهامس في البداية ويقولها جهرا بعضهم من خلال موروث امثالنا الشعبي (عاد الله يرحمك يا راجل امّي الاوّل) والبعض الآخر على لسان امّ كلثوم (يا فؤادي لا تسل اين الهوى .. كان صرحا من خيال فهوى .. اسقني واشرب على اطلاله .. وارْوِ عنّي طالما الدمع روى .. كيف ذاك الحبّ امسى خبرا .. وحديثا من احاديث الجوى)…وتعالت صيحات الوافدين على مسرح السياسة مندّدين بالازلام وبالدولة العميقة وباعداء الثورة ..
ولأنّ الشعب التونسي في معظمه طيّب “بلع السكّينة بدمها” وانتظر القوم علّهم يحسّون بمواجعه وعلّهم يتداركون امورهم من اجل “الشغل والحرية والكرامة الوطنية ” … ومرت الايام والاشهر والسنوات “والنافع ربّي”فكانت الاعتصامات وكان الغضب و كانت الاغتيالات و كان التسفير وزاد غلاء المعيشة من حدّة التوتّرات وكان الوفاق سنة 2014 …ومرّة اخرى هدأ الشعب التونسي الطيّب في انتظار غد افضل ..وكانت فاجعة الوفاق النفاق وتعالت من جديد الاصوات على لسان الستّ (ما تصبّرنيش بوعود .. وكلام معسول وعهود .. انا ياما صبرت زمان.. علي نار وعذاب وهوان .. وأهي غلطة .. وموش حتعود ..وآهي غلطة) …
وتفاقمت من جديد الاوضاع وكلّما مرّ زمن، اكتشف الشعب الطيّب انّه في واد وطبقة السياسيين في واد آخر اذ الحرّية اصبحت مرادفا لقلّة الحياء والعنترية واذا بمعضلة الشغل اصبحت تكاثرا للبطالة والبطالين واذ بالكرامة الوطنية احالتنا الى واقع أليم مدمّر .. الكرامة اذلّوها واذلّونا معها .. وكأنّ جهابذة السياسة والذين يصحّ فيهم القول “عُمْي صمّ فهم لا يفقهون” لم يلجظوا .ازديادا لعدد المتجوّلين الباحثين عن سدّ الرمق في حاوية القمامات طمعا في العثور على “راس بصل نصف معلول” عفوا عن راس سي البصل اعزّه الله … واذ الانسان ابخس من راس بصل وابخس ما في السوق التونسية .. تونس الجديدة …تونس ما بعد 2011 ..
وجاءت طفرة و انتخابات 2019 وحتى انحدار البورصة في حسابات بعض الاحزاب عدديا لم يكن كافيا لمنظّري تلك الاحزاب للبحث عن اسباب تراجعهم جماهيريا وكاّنهم لم يستمعوا يوما الى الستّ تنبّههم بقولها (اسأل روحك .. اسأل قلبك .. قبل ما تسأل ايه غيّرني .. انا غيّرني عذابي في حبّك .. بعد ما كان املي مصبّرني .. وغدرك بيّ .. اثّر فيّ .. واتغيّرت شويّة شويّة .. وبديت اطوي حنيني اليك .. واكره ضعفي وصبري عليك ..شوف شوف شوف القسوة بتعمل ايه )
وواصلت الطبقة السياسية بنفس الموّال وهي تخاطب شعبها الطيب ..ديموقراطيتنا ناشئة واعداء الثورة ما خلاواناش نخدمو ..وهذا في كلّ الحالات هو اقرار بالفشل ..لانّ خصومكم اذا وقفوا حائلا ضدّ نضالكم ونجحوا في ذلك كما تزعمون، هو دليل على انكم انتم غير اكفاء في ربح معركتكم معهم ..
وكان 25 جويلية 2021 …كان الذي يجب ان يكون _ وانا هنا اتحدّث دائما عن 25 جويلية نهارا … لانّ 25 جويلية ليلا ذاك موّال آخر …الشعب الكريم قالها يومها ودائما على لسان الستّ (حسيبك للزمن .. لا عتاب ولا شجن .. تقاسي من الندم .. وتعرف الالم .. تشكي موش حسأل عليك .. تبكي موش حارحم عينيك .. يا اللّي ما رحمتش عينيّ .. لمّا كان قلبي بيديك .. دارت الايام عليك) ..
وتقولشي هاكي الطبقة السياسية فهمت ؟؟ النافع ربّي …ثمّ ماذا بعد 25 جويلية نهارا ..؟؟…. قد نختلف في التقييمات .. وقد نتفق ..ولكن ودائما على لسان الشعب الطيب ممثّلا في الستّ ويقولها للجميع دون استثناء (انا في انتظارك خلّيت .. ناري في ضلوعي وحطّيت .. ايدي على خدّي وعدّيت .. بالثانية غيابك ولا جيت) …
غياب ماذا ؟؟ ومجيء ماذا ؟؟….الشغل والحرية والكرامة الوطنية ..نعم الشعب الكريم _ ينتظر ذلك اليوم … ويومها لا ينفع سياسة ولا سياسيون، الاّ من اتى شعبه بقلب واع واضح شفاف وطني سليم يعيد للشعب التونسي مكانته واستحقاقاته وللدولة هيبتها وللعدالة الحقيقية موقعها … وللعمل قيمته الحضارية ولتونس تونسها الابية الشامخة اللاّغربية واللاشرقية … تونس المتوسطية العربية الافريقية المتفتحة على الآخر دون التموقع في خانة المحاور ..