يخرج علينا أحيانا وخاصة في هذه الأيام البعض من جماعة “الله واحد الله واحد وسيدي اليوم ما كيفو حدّ” ليلوموا ويرجموا بما لذّ وطاب من كلام بعضهم “المسموم” كل من يفاخر بالزمن الجميل والتاريخ الأفضل ألف مرّة ومرّة من الحاضر رغم ما فيه من تضييق على الحريات وخنق للراي المخالف…ويسألونك ما الذي حققتموه وماذا كسبتم من كل الذين حكموا قبل مجيئنا ويقصدون طبعا انفسهم…؟؟
فهم اليوم من يمسكون بكل دواليب الحكم ونحن اليوم من يجب أن نتمتّع بما حققوه…وحسب ما يزعمون فنحن اليوم نعيش أجمل أيام حياتنا واسعدها…يا سلام كم أنت كريم يا الله…شخصيا كنت ولا زلت أكثر من يتمنى النجاح لكل من يحكم البلاد فهذه البلاد بلادي وعلى أرضها ولدت وولد أولادي وإليهاسيعود غدا بإذن الله أحفادي…لكن كنت ولا زلت وأزال أقول واصرخ أن البلاد لا تُحكم بالأحقاد…وكنت أول من كتب رسالة للرئيس نشرتها على حسابي قلت له فيها “أحكم البلاد بالحبّ وصالح بين أهلها لتكسب ودّ أهلها وأهل أهلها…وحتى من يعارضك من أهلها”…
شخصيا أفاخر وفاخرت بما عشناه قبل حلول ربيع التتار إلى أرضنا ليس لأني كنت محظوظا بخطة وظيفية او بجاه أو بسلطة تسمح لي بان افعل ما اريد كما اريد فأنا لم أحظ بشيء من كل هذا…وأنا لم اسعد بوصولات البنزين كما استمتع بعض الذين يلوموننا اليوم وهم من أكلوا من كل الصحون…كما لم أحظ بكاس من النبيذ في سفارة العم سام أطال الله عمره في عيد “الماما” الوطني…لكن حظيت بالعيش الكريم والعيش الآمن والاستقرار النفسي وحظيت بالأمل في أن يكون غدا أفضل…لم أعش الخوف الذي أعيشه اليوم من وعن مستقبل البلاد والعباد…ولم اعش رعب أن أعيش بعيدا عن الأولاد والأحفاد، وها أنا اليوم أعيش ذلك الرعب…وهنا اسأل من يستغربون تفاخرنا بالزمن الجميل ماذا حققتم حتى ننسى الماضي وما عشناه؟ تريدون منّا ان نحمد الربّ عمّا نعيشه معكم ونراه، عليكم بإتيان أجمل مما “ماضينا الجميل” أتاه… فهل أنتم فاعلون؟؟
لا أظنّ ذلك ما لم تنجحوا في مصالحة الماضي والحاضر ضمانا لمستقبل أجمل وأفضل للبلاد والعباد…مشكلتنا اليوم هي اننا نخجل من كلمة مصالحة…ونتهم كل من حكموا البلاد قبلنا بما قيل عنهم وفيهم وما ليس فيهم…هم حكموا وذهبوا…وحوسب بعضهم وعوقب بعضهم الآخر…فماذا فعلتم أنتم بعد ما ذهبوا؟؟ هل اصلحتم ما أفسدوه إن حقّا أفسدوه؟ هل غيرتم ما تركوه إن تركوه كما تركوه وكما تقولون ويزعم بعضكم وبعض من حكموا قبلكم؟؟ وهنا وجب أن أسأل بماذا سيستفيد العباد والبلاد من الانتقام من الماضي؟ هل سترتفع نسب النمو وتنخفض نسب العجز ونخرج مما نحن فيه؟ فعندما يواصل عاطل الأمس ممارسة مهنة البطالة فأعلم أن الماضي كان أرحم بكثير من الحاضر…وعندما يمنع المصدح من النقد والعتاب والقلم من الانتصاب حرا يكتب ما يريد متى يريد دون هتك عرض والإساءة لأحد فأعلم ان معاناة الحاضر أسوأ من معاناة الأمس …وعندما يصبح سعر لتر واحد من الزيت أغلى من عشر لترات من البنزين فأعلم أنك لن تذوق أبدا طعم الزيت…
وعندما يصبح لحم الخروف أغلى من راتب يوم عمل فأعلم أنك ستطلق لحم الخروف وأم الخروف وخالته إن لزم الأمر بالثلاثة…وعندما يصبح ثمن التفاحة الواحدة أغلى عشر مرّات مما كانت عليه قبل 14 جانفي فأعلم أنك مفارقها إلى يوم يبعثون…وعندما تصبح فاتورة استهلاك الكهرباء أغلى من الأجر الأدنى فأعلم أنك ستعيش في الظلام لأشهر قبل السداد…وعندما تصبح فاتورة استهلاك الماء الصالح للاستحمام وغسل الصحون فقط أغلى من فواتير سنة كاملة قبل وصول تتار الرابع عشر من جانفي فأعلم انك لن تستحم لأشهر قادمة…وعندما تقف لساعات في الصفّ من أجل رغيف فأعلم أنك لن تأكله يومها…وعندما تحلم ليلا بانك نجحت في الحصول على علبة حليب فاعلم ان الحقيقة غير ذلك…وعندما يصبح كيلوغرام من السكر من المفقودات فأعلم أنهم يريدونك فقط أن تعرف طعم “مرارة العيش الكريم”…
الأغرب من كل هذا أن من يلوموننا عن ذكرنا “ماضينا الجميل” بخير، هم من الذين أكلوا من كل الموائد وعاشوا أجمل ايامهم في ماضينا الجميل…وتلونوا كل الألوان…فسبحان مغيّر الألوان والاحوال…أما عن حال البلاد… فسبحان من لم يغيّر الحال والاحوال لأفضل حال وأحوال…وكما قال محمود درويش رحمه الله أنا أيضا “لا شيء يعجبني”…