ماهو أكبر كسب للتونسيين بعد الثورة؟؟ الأمن أم رغد العيش أم الصحة أم التعليم أم الحريّة أم الديمقراطيّة؟؟ قطعا ليس الأمن ولا رغد العيش ولا الصحّة ولا جودة التعليم… أما بالنسبة للديمقراطية فالأكيد أننا خطونا فيها خطوات مهمّة رغم ما تشوبها من عثرات البدايات. ولكن ماذا عن الحريّة؟
لقد حلّت تونس في المرتبة الأولى عربيا على مستوى مؤشر الحريّة في سنة 2018متقدّمة بذلك على جميع الدول العربية بحسب منظمة “فريدم هاوس” الأمريكية المختصة في البحوث حول الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان ( وقطعا سأجد من يجيب بأنّ الدول العربية ليست مقياسا ) هذا صحيح، ولكن يجب أن نقارن الأشياء بشبيهاتها فلا تستوي مقارنة تونس بأوروبا أو البلدان الاسكندنافيّة.
وفي هذا الترتيب، تصدرت تونس قائمة البلدان العربية بـ69 نقطة في سلّم من 100 نقطة على المستوى الدولي، وجاءت بذلك في ترتيب “الدول الحرّة” على غرار أعتى الديمقراطيات وأعرقها في العالم، في وقت صنف التقرير ذاته سوريا في آخر الترتيب العالمي من بين 210 دولة، وقبلها المملكة العربية السعودية في المرتبة قبل الأخيرة على المستوى العربي، في قائمة باسم “أسوأ الأسوأ”. واعتبر التقرير أن تونس هي البلد العربي الوحيد الذي يتمتع بمركز حر بعد 2011، مشددا على أن مؤشرا يقارب 70 بالمائة هي مرتبة متقدمة مقارنة بالدول العربية والأفريقية المجاورة.
وعلى هذا الأساس فإنّ تونس تحظى بمكانة مرموقة على المستوى الدولي والاقليمي، وذلك بفضل بوادر نجاح الانتقال الديمقراطي – على هناته – وتحسن مناخ الحريات، وبفضل التشريعات الملائمة لدستور 2014 الضامن للحقوق والحريات والمكرس للديمقراطية والتعددية في نظام جمهوري ديمقراطي كما أن نجاح الانتخابات البلدية، وبداية تفعيل السلطة المحلية ولامركزية القرار، إلى جانب إصدار عشرات القوانين الرائدة في المنطقة، على غرار قانون مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري وقانون مناهضة العنف ضد المراة ساهمت في التعريف بتجربة الحريّة في تونس.
ورغم هذه البوادرالجيّدة، وبحسب منظمة العفو الدولية فإنه ينبغي على السلطات التونسية أن تتوقف عن استغلال القوانين البالية إلى حد كبير، والمفرطة في عموميتها وقمعيتها لمقاضاة الأشخاص بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير سواء المباشر خلال المظاهرات (السلميّة بطبيعة الحال) أو على الإنترنات، وقد بيّنت “أمنيستي” أن ما لا يقل عن 40 مدوناً وناشطاً سياسياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان و”أدمينا” لصفحات على فيسبوك لديها عدد كبير من المتابعين، قد تعرضوا لملاحقات قضائية بين عامي 2018 و2020 لمجرد نشرهم على الإنترنت تدوينات انتقدت السلطة أو الشرطة أو غيرهم من الموظفين العموميين.
وتهدد هذه الملاحقات القضائية التقدم الذي أحرز في مجال حقوق الإنسان حتى الآن في تونس حيث يشكّل الحق في حرية التعبير مكسبا من مكاسب الثورة التي تحققت. ورغم أن معظم هذه الحالات لم تؤد إلى فرض عقوبة بالسجن، إلا أن الاستدعاءات للتحقيق والتهم التي تحمل في طياتها أحكاماً بالسجن ترتقي إلى مستوى المضايقة والترهيب للأشخاص الذين يعبّرون عن آراء مغايرة للسلط، ويتحتم في هذه الحالة على أعضاء مجلس نواب الشعب إعطاء الأولوية لإصلاح القوانين ومن ضمنها نصوص مجلة الاتصالات والمجلة الجزائية التي تُجرّم التعبير أو تقيده.
فالرجاء من جميع مسؤولي البلاد وخاصة الرؤساء الثلاثة والأحزاب والنوّاب أن يتركونا نُغنّي مع جوليا بطرس : أنا بتنفس حرية … ما تقطع عنّي الهوا .. ولا يباركلكم من فوق.