جلـ ... منار

إرادة الحياة أقوى

نشرت

في

200+ écureuil Roux Stock Illustrations, graphiques vectoriels libre de  droits et Clip Art - iStock | Lapin, Renard roux, Renard

حضرت مرّة ندوة لمحاضر ممن يُطلق عليهم في أمريكا Motivational Speakers ،أي المحاضر الذي يشحذ الهمم ويحقن النفس بروح المثابرة.وهو عادة مفكر أو عالم نفس أو كاتب معروف، أو مختص في مجال ما!

<strong>وفاء سلطان<strong>

أثناء المحاضرة طلب من الحاضرين أن يأتي إلى المنصة من عاش تجربة ما غيّرت حياته نحو الأفضل، وراح ينتظر أحدا…خرج شاب في أواخر العشرينات من عمره،

مسك الميكرفون ثم بدأ بسرد تجربته:

في الثانوية العامة وبينما كنت أحد الأيام في طريقي من المدرسة إلى البيت،تشاحنت مع أحد رفاق صفي وكان بيني وبينه عداوة. كان ضخم الجسم قوي العضلات، وكان الطلاب يعتبرونه “هرقل” المدرسة، فما كان منه إلا أن هجم علي، وانهال ضربا مبرحا حتى صار الدم يخرج من كل جزء من جسدي، وساعده بعض الطلاب في اعتدائه هذا.

نُقلت إلى المستشفى وبقيت عدة أيام تحت العلاج.

المهم، جاء البوليس وأجرى تحقيقا كان كافيا لينال ذلك الطالب كل العقوبات القانونية من سجن ودفع تعويضات، وطُرد على أثرها من المدرسة!

لكن الحدث دمّر أو كاد يدمّر حياتي.. لم أستطع أن أتجاوز آلامه النفسية، ففشلت على صعيد الدراسة وتركت الجامعة في السنة الأولى، وانزويت وأصبحت شخصا كئيبا ليس لديه أية رغبة في أن يعيش الحياة، رغم كل محاولات أهلي والمرشد النفسي لإنقاذي من آلامي!

أحد الأيام وفي الصباح الباكر اشتريت علبة من الـ Donuts (نوع من الكعك يتناوله الأمريكان مع قهوة الصباح)وتوجهت إلى إحدى الحدائق القريبة. جلست على مقعد تحت شجرة وارفة الظلال وبدأت برشف قهوتي. وإذ بسنجاب يقفز من أحد الأغصان المتدلية فوقي إلى المقعد، ويبدأ بالاقتراب من علبة الكعك.حركت يدي بسرعة فخاف وركض إلى الخلف، لكنه عاد محاولا أن يقترب أكثر من العلبة،فحركت يدي بطريقة أقوى، هرب لدقائق ثم عاد يكرر محاولته.كان بجانبي كتاب ـ من الوزن الثقيل ـ وكنت أتصفحه، فمسكت به وخبطت السنجاب بكل قوتي.كدت أسمع طقطقة عظامه تحت هول الصدمة. صرخ بصوت يشق الصخر، وراح يئن تحت وجع الضربة.استلقى على قفاه لدرجة خلت عندها أنه فارق الحياة، ورحت أراقبه بشيء من الانشراح.

أحسست أنني انتصرت للمرة الأولى في حياتي.. أحسست أنني أقوى من كائن ما، واعطاني هذا الإحساس إحساسا آخر بالنشوة!

لكن لم يمض سوى دقائق حتى بدأ السنجاب يتململ، فجمع قوته وحاول الوقوف مرة أخرى، ثم قفز على المقعد وراح يقترب من العلبة. في تلك اللحظة استيقظ شيء ما في داخلي، فتجمدت في مكاني وصمتُ صمت الموت. مدّ السنجاب يديه والتقط كعكة وعاد أدراجه بكل ثقة. جلس قريبا مني وراح يستمتع بقضم كعكته.

ذرفت دمعة حارة حرقت خدي، وتساءلت: عشر سنوات مضت وأنا رهينة ذاك الحدث التافه، أما هذا المخلوق الضعيف فلقد تجاوز محنة كادت توشك بحياته، وعاد يمارس شغفه بالحياة.

نهضت من على المقعد رجلا آخر.

….

كان أول اتصال لي مع إدارة الجامعة سائلا كيف ومتى أستطيع التسجيل.

……

تابع الشاب يقول: الأغرب من ذلك ما قد لا يصدقه أحد منكم!بعد حوالي اسبوع من حادثة السنجاب دخلت مطعما، وبينما كنت أتناول وجبتي التقت عيناي بعيني شخص يجلس على الطاولة التي بجانبي، فأدرت نظري عنه بسرعة البرق!

صدقوا أو لا تصدقوا كان الطالب الذي اعتدى علي في ذلك اليوم المشؤوم، وإذ به يترك طاولته ويقترب من طاولتي قائلا:هل أستطيع أن أصافحك؟ علني أستطيع أن أستعيد حياتي التي فقدتها منذ تلك المشاجرة.

مددت يدي وتعانقنا وبكى كل منا، فاكتشفت أنه كان أسير ذلك الحدث كما كنت.

……

ثمّ تابع متسائلا: شيء واحد لم أفهمه، لماذا لم يجمعني الزمن به إلا بعد حادثة السنجاب؟؟؟ هل يراقبنا الكون؟؟؟

فرّد المحاضر: ليس لديّ أدنى شك من أن هناك قوى كونيّة تدفعنا باتجاه أهدافنا، شرط أن نحدّدها أولا ثم نصوّب باتجاهها! لا بدّ أنك كنت أنت وغريمك تتمنيان في أعماقكما أن يأتي يوم وتتحرران به من هذا الكابوس،فرأيتما ذلك اليوم!

لا تسمحوا لأنفسكم أن تقعوا أسرى الأحداث المؤلمة في حياتكم، بل كونوا كالسناجب التي تستمد من ضعفها قوة كي تمارس شغفها بالحياة

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version