جور نار

إعلام يصنع أوثانا، و يتحجّر مثلها … وتحتها

نشرت

في

في محاولة تقويم للأعمال المنتجة عندنا في رمضان، قال المسرحي فتحي العكاري إن أمله خاب في الممثل فتحي الهداوي … و ما أن نطق بهذه الكلمة، حتى انطلقت من فم مقدم البرنامج علامة تعجب في حجم قبة سيدي محرز، بل قبة نجران حسب رواة العرب البائدة …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

مع العلم هنا … بأن فتحي العكاري أستاذ مسرح من الطبقة الأولى، و أحد رواد المعهد العالي، و من بين أساتذة الهداوي و حتى الجيل الذي قبله، و مؤسس فرقة (و ربما فرق) مسرحية طليعية، و مثقف تتعلم منه و تستزيد، و قد كان لي شرف ذلك أثناء دراستي الوجيزة بذلك المعهد … لذا فرأي الأستاذ كان خاليا من أية عاطفة أو اندفاع في هذا الاتجاه أو غيره كما يحصل مع عموم أدعياء النقد الفني عندنا من مغتصبي منصات الإعلام … كانت له معايير موضوعية في حكم سلبي كهذا، كما كانت له ذات المعايير عندما أشاد بنفس الممثل سابقا أكثر من مرة …

ما يدهشك هو اندهاش المذيع الصغير، و إعادته السؤال مرة و مرتين حتى يسمع الجواب الصادم مرة و مرتين أيضا … و قد ذكّرني هذا الموقف بتقويمات مشابهة قرأناها في القديم عن أداء الممثل المصري الراحل أحمد مظهر في الفيلم الأسطورة “الناصر صلاح الدين” … و كيف سخر منه النقاد و هو ينزل بالأيوبي إلى مرتبة “التمرجي” (أي عامل التمريض) الذي يسري متنكرا لمعالجة ملك بريطانيا و هو الذي كان في حرب معه على أبواب القدس … أو انتقادات أخرى طالت ممثلين كبارا من هوليوود على غرار “كاري غرانت” و “دين مارتن” و “أل باتشينو” و خاصة نجمي المفضل “مارلون براندو” … و يبدو أن الهداوي حاول تقليد هذا الأخير في مقاربة صريحة بين “العرّاب 1” و مسلسل أولاد الغول، و لله في خلقة شؤون !

في تونس هناك أسماء لا يمكنك الاقتراب منها أو قول نصف كلمة سوء في أدائها و لو كان ذلك حقا، و لو كان نصيحة، و لو كان استغاثة … يكفي أن يضيف أحدهم في بطاقته مرورا و لو عابرا بإحدى العواصم العربية ، أو يقرن اسمه بعنوان لامع عالميا، أو يزعم شهادة شكر في حقه قالها كبير من الكبراء، حتى يتحول سيدنا إلى ما يشبه الطوطم المعبود … حتى لو كانت هذه الأوسمة من خشب، و حتى لو كان الظهور شكليا، و حتى لو كانت المسلسلات السورية تشركنا خطفا من باب التضامن العربي، أو أخذا بخاطر مخرجنا الفقيد شوقي الماجري، و حتى لو كانت الأفلام الأجنبية تسند لبعض نجومنا أدوار كومبارس ضغطا على المصاريف عند تصويرها في أراضينا …

لست في باب تقويم ما صدر على شاشاتنا هذا الرمضان من مسلسلات محلية، أولاد الغول أو سواه، و لكن الأكيد أن بعض الأسماء ـ و بخاصة الهداوي ـ دخلت مرحلة الاطمئنان أو الرفاه و لم يعد لها ما تعطيه كما قال العكاري … نعم … هي وجوه و أسماء صارت ثابتة مكرورة مترسّمة كعمّال المناولة بعد 2011 … ربما كانت في السابق تتعب و تكدّ و تطمح و تسهر الليالي لتقديم دور يقنع و يمتع، و لكن بعد أن أصبح حضورها مضمونا مهما فعلت و  مهما هزلت، صار ذلك الحضور غاية في الضعف و الثقل …

لا في التمثيل فحسب … و إذا كان الهداوي يشعرك أن ممثلي تونس كلهم ماتوا و لم يبق سواه، و أنه يأتي قبلهم في تتر المسلسل حتى لو كانوا أكبر منه و أسبق، و يقبلون بذلك متنازلين متصاغرين مهينين لتاريخهم كما فعل رؤوف بن عمر و كمال التواتي أكثر من مرة … إذا كان هذا الاحتكار يضرب الساحة التمثيلية، فالساحة الغنائية لها أيضا محتكروها و المطبقون على أنفاسها … فهل يعقل أن تقال ابتهالات رمضان مثلا بأصوات منير المهدي أو الزين الحداد أو الشيخ جلمام … هل يعقل هذا و لطفي بوشناق لكم بالمرصاد في أي محضر يحضر و له في كل واد عصا؟ … و قد كدت أكره أسماء الله الحسنى ـ أستغفر الله العظيم ـ  و هو يصبّها فوقنا كل مغرب بأداء يشبه التجشؤ … قبل أن تجود علينا قناة أخرى بـ “كيف شبحت خيالك” أو “نخاف م الغول و الطهّار” …

حقا إنه بلد أغوال و أهوال … و خاصة أصنام هبل و اللات و العزّى التي أزالها سيدنا عمر، و لكن أعادها إلينا قرشيو العصور الحديثة و ما بعد الحديثة …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version