نحن الممضيات و الممضين أسفله … و هم عادة يكتبونها “الممضون”، لا علينا … قلت نحن كذا و كذا، نعبر عن رفضنا لكيت و كيت، و ندين بشدة الشيء الفلاني و الحاجة الفلتانية … و يتوزع ذلك على نقاط تتراوح من ثلاثة إلى تسعة، احتراما لإحدى قواعد العدد و المعدود … و في الختام سلسلة من الأسماء أمام كل منها صفة أحيانا تكون جامعية أو أدبية أو فنية … و لكن غالبا ما تكون صفات “ناشطين” بجمعيات تسمع بها لأول مرة !
و لا يهمّ إن كانت أسماء الجمعيات على غرابة أو خواء أو تشابه يصل أحيانا إلى الاستنساخ … كأن تجد جمعية للتقارب بين ضفّتي البحر المتوسط، و جمعية ثانية للتوسط بين ضفّتي البحر المتقارب … كما لا يهمّ إن تكرر نفس اسم السيد الممضي في أول القائمة و في وسطها و في آخرها، أحيانا بنفس الصفة و أحيانا بصفات مختلفة … و أحيانا أخرى يأتي الاسم قبل اللقب، و بعد قليل تجده يقلب وضع اللقب قبل الاسم، و بعد خطوتين يعيد كتابة ما سبق و لكن بالفرنسية … و فيهم من يصف نفسه بـ “الأكاديمي” و لا تفهم إلى أية أكاديمية ينتسب: الفنون و الآداب، أم الأكاديمية العسكرية، أم أكاديمية الشرطة، أم إلى “ستاراك” … دون الحديث عمن تضع لقب زوجها في الأوّل، ثم لقب أبيها في الآخر … و قد تكون تطلّقت قبل الانتهاء من نشر العريضة …
لكن ما يلفت نظرك أكثر في هذه التحارير، هو تكرر نفس الممضين بنفس القائمة مهما كان النص و مهما كان موضوع الاحتجاج أو المطالبة أو التحذير أو صيحة الفزع كما تقول الأخرى … عن الاقتصاد، عن المناخ، عن المرأة، عن الطفولة، عن المسنين، عن 25 جويلية، عن 22 سبتمبر، عن 36 نوفمبر … اقرأ أي محتوى لأية عريضة ثم أغمض عينيك متكهنا بمن ستجدهم موقعين أسفله، و افتحهما بعد ذلك، تجد أنك أصبت بنسبة 90 بالمائة على الأقل … لن أسمّي أحدا منهم و منهنّ، و لكنه صار دارجا عندنا أن تصبح كل يوم على نص طويل عريض مذيّل بقائمة إمضاءات أطول و أعرض (ربما لهذا سميت تلك النصوص بالعرائض) مرتين … تختلف النصوص و لكن لا اختلاف في الموافقين عليها …
تقول أنت و ما دخلي في من صحح و لم يصحح، فكل و هوايته و قدراته … و لكن حين تروق لك بداية منشور مّا، و تقول لمَ لا أنضمّ بدوري إلى قافلة المتحمسين له و الممضين أدناه … حين يراودك هذا الفعل، تقوم أوّلا ـ و هذا طبيعي ـ بإتمام قراءة النص حتى آخره، و التمعّن في كلماته و مغازيه و مسؤولية ذلك الإمضاء الذي ستضعه تحته … و قد يأخذ ذلك منك وقتا تقطعه شؤونك اليومية و ما لديك من شغل و ما بعهدتك من خدمات تقدمها أو حاجات تقضيها لمواطنيك لا تنتظر … يمضي يوم و يومان و أكثر و أنت في كل مرة تعود للقراءة و تتوقف عند عبارة نشاز أو مطلب من المطالب لا يقنعك … مثل من يملي عليك جملة “الدفاع عن الأقليات الثقافية و اللونية و الجندرية و (الجنسية)” … الله الله … و يجبرك ذلك على التردد بما أن العريضة لا فصال فيها فإما تمضيها كاملة أو تتركها كاملة …
و هكذا و فيما أنت متردد و قلمك معلّق في الفضاء دون أن يخطّ توقيعك الكريم … في الوقت نفسه تكون تلك العريضة قد انتهى أجلها و صلوحيتها و موضوعها، و جاءت بعدها عريضة موالية عن موضوع آخر … و قد تمّت بعدُ كتابة ثم إمضاء أربعة أخماسها (من نفس الفيالق أعلاه) بسرعة الضوء … و تكاد تترك مكانها هي الأخرى لعريضة جديدة …
حقا، لدينا أبطال غفلت عنهم اللجنة الأولمبية … و لكن إذا كان محطمو الأرقام القياسية مصنفين ضمن الهواة، فإن جماعتنا من محترفي المستوى العالي، مع التفرّغ كامل الوقت … و العجيب أنك لم تسمع بأن أحدهم مات جوعا …