إلى أوجاع الوطن الثلاثة… وجع قرطاج، و وجع باردو، و وجع القصبة…
نشرت
قبل 3 سنوات
في
في تونس اليوم…وليس ككل يوم يشعر بعضنا أنهم غرباء في وطنهم…الغربة التي أقصد لا تعني أن تكون فقط بعيدا عن موطنك وأرضك…بل تعني أيضا أن تكون غريبا وأنت بين أحضان هذا الوطن…فبعضهم يحتضنه الوطن حبّا…وبعضهم الآخر يحتضنه الوطن ليكسر أضلعه…وعن أولئك اكتب إليكم يا من يسمونكم الرؤساء الثلاثة…
شبابنا اليوم يا سادة غرباء في وطن غابت عنهم ملامحه…فوطننا الذي يعرفونه كان أنظف رغم أكاذيب البعض…كان أرقى رغم تخاريف البعض…كان أكثر دفئا رغم حقد البعض…كان أكثر عطفا رغم نكران البعض…وطننا كان ألطف مع شبابه رغم قلّة ذات اليد…وطننا كان أرحم رغم ضيق الحال…وطننا يا سادة كان أرحب رغم ضيق البال ونقص المال… أسألكم يا سادة هل تعرفون أنتم لماذا أصبح هؤلاء الشباب غرباء في وطنهم؟؟ أسألكم ..هل فكرتم في مصير من هربوا بحرا خوفا من الوطن ومن أحقاد الوطن…هل فكرتم في أمهاتهم وآبائهم ..هل حاولتم يوما السؤال فقط عنهم وعن أحوالهم…هل فكرتم يوما عن السبب الذي جعل البعض منهم يختار البحر… ليموت…
فالبحر موت…والضفة التي تقابله موت آخر…في وطن آخر…هم هربوا من موت… ليسقطوا في فخ موت آخر…فبعضهم تجاوز عقده الرابع…فماذا سينتظر منكم…هل تريدون منه أن ينتظر أكثر ليموت براتب شيخوخة لن يكفيه ثمن سيجارة ملوثة…وحتى وان أوجدتم له شغلا…فبالله عليكم كيف سيعيش بقية أيامه بعد تسريحه للتقاعد وهو لم يعمل بما يكفي لحفظ كرامته يوم تقولون له…شكرا على ما أتيت…لذلك أعيد قولي …هل فكرتم وتفكرون فعلا في أول وأنبل وأقدس مهماتكم…كيف تبعدون اليأس عن أكثر من نصف مليون عاطل عن العمل يموتون يوميا انتظارا…ويأسا…واحباطا…
تصرخون كثيرا وطويلا بأن عهدكم هو عهد الحريات…وعهد الديمقراطية… كيف يمكن أن تنشأ الديموقراطيّة في مناخ لا يقيم وزناً لحرية الفرد…ولحرية رأي الفرد… ويرفض الآخر المختلف…نبذا…أو تكفيرا …أو قتلا…أتدرون سادتي أن الديمقراطية هي أيضا…أن توفروا الشغل للعاطل…وأن توفروا الطبيب للمريض…وأن توفروا العدل للمظلوم…وأن توفروا السجن للظالم…وأن توفروا الثقافة لكل الناس…وأن توفروا التعليم لكل أبناء الوطن…فالديمقراطية لا تكون أبدا على المقاس …الديمقراطية تعدل بين كل الناس…
بالأمس يا سادة وعدتم بمحاربة الفساد…صدقناكم …ودعمناكم…لأنكم وعدتم…ووعد الحر دين…فهل فعلتم يوم حكمتم…هل عدلتم…هل حاربتم الفساد…هل عرفتم من أوصل البلاد إلى ما هي فيه…هل عاقبتم من نهبوا…ومن أفسدوا في الأرض…مكنّاكم من الحكم…وأجلسناكم على كراسيه…فماذا فعلتم…ماذا أتيتم…هل ملأتم صناديقنا الاجتماعية التي أفرغتموها…ألم تقولوا لمن أفرغوها اذهبوا فأنتم الطلقاء…وجعلتم منهم شركاء…هل عاقبتم من خان…ومن خرّب…ومن أغلق مواقع الإنتاج…لا لم تفعلوا بل قلتم لهم جميعا عفى الله عمّا سلف…والتففتم على الشعب المسحوق وطالبتموه بملء الصناديق من جيبه…وصرختم في وجهه… أنت من سيملأ الصناديق من جديد بقانون خصم وتمديد…هكذا فعلتم وخططتم لابتزاز المواطن المسكين…ابتزاز الموظّف البسيط…وهكذا اليوم تفعلون….ولإنقاذ أنفسكم تخططون…وجيوب أبناء الشعب تفرغون…
سادتي الرؤساء… اتقوا الله في هذا الوطن…وفي شباب هذا الوطن…وفي ماضي هذا الوطن…وفي من خدموا هذا الوطن…ومن صنعوا مجد هذا الوطن…فأنا ومن هم في مثل سني لا يخشون على أنفسهم في هذا الوطن…بل يخشون على أبنائهم …غدا…في هذا الوطن…فلا تجعلوهم غرباء في وطنهم…فيموت الوطن فيهم…وكونوا رؤساء ثلاثة ولا تكونوا أوجاعا ثلاثة…فإلى ساعتنا هذه لم نر منكم غير الوجع والألم …