لمْسُ نار

استفتاء ، و بعد …

نشرت

في

الآن و قد مرّ حوالي أسبوع على الاستفتاء لن أتوسع كثيرا في استعمال لغة الأرقام خاصة و أغلبنا قد حفظ النتائج عن ظهر قلب و تابع ما ثار حولها من جدل و ما خلفته هيئة الانتخابات بخصوماتها وأخطائها من لغط ..

<strong>عبير عميش<strong>

الأهم اليوم هو التركيز على القادم و الرُّنوُّ إلى المستقبل و تلافي كل الانقسامات و الصراعات التي خلفتها عملية الاستفتاء كاملة و إن كان هناك من قدوة فلابدّ أن يكون رئيس الجمهورية و هو بحكم دستور 2014 ودستور 2022 رئيس كل التونسيين لا رئيس أنصاره و المصوتين له فقط … رئيس الجمهورية دوره اليوم أن يكون موحدا لا مفرقا ، مجمعا لا مشتتا و أن يخاطب الخصوم قبل المناصرين بخطاب خال من التشنج و أن يدرك أنّ من لم يصوتوا لفائدته و من قاطعوا استفتاءه مثلهم مثل من كانوا معه كلهم أبناء تونس …

هؤلاء ليسوا جميعا خونة أو فاسدين بل لهم رؤية مغايرة لتونس و مستقبلها و من حقهم عليه و من واجبه نحوهم أن يستمع إليهم و يتفهم هواجسهم و خوفهم و ريبتهم و يحاول جذبهم إليه لا مزيد تنفيرهم من مشروعه و من أنصاره الذين أقذعوا في القول و انهالوا على البقية بكل عبارات التشكيك و التشويه والتخوين …

رئيسنا المفوّض عليك اليوم أن تكون جامعا و أن تكفّ عن لغة التخوين و التقسيم التي لم نجنِ منها طيلة سنة من حكمك الفردي و سنتين قبلها منذ انتخابك في 2019 غير الانقسام و التشنج و التوتر .. إن البلاد في حاجة إلى مناخ من السلم و الاستقرار و إلى مشروع وطنيّ مشترك و إلى توحيد الجهود من أجل الخروج من الأزمات و ليست في حاجة إلى مزيد التشرذم و التفتت …

إن الملفّين الاجتماعي و الاقتصادي هما أهم ما يجب الاهتمام به و التركيز عليه في الفترة الحالية و نجاحك ونجاح حكومتك فيهما سيرفع من نسب الثقة فيك مستقبلا بتعزيزها لدى الأنصار و اكتسابها لدى الخصوم ممن لا تهمهم إلا تونس و مصلحتها فحتى و إن عارضوا مسارك فإنهم يتمنون نجاحك فيه ففي نجاحك نجاح البلاد و هم لا يكرهون لها الخير و سيشكرون من يحقق لها الرقي و الازدهار مهما كان اسمه و انتماؤه.

اليوم نعلم جميعا أن التصويت بنعم كان انتقاما من الماضي فالأكيد أن نسبة كبيرة ممن صوتوا بنعم لم يقرؤوا الدستور و لم يطلعوا على فصوله – و هذا باعترافهم هم قبل غيرهم – و لم يقصدوا مراكز الاقتراع إلا من أجل إعادة تفويضك من جديد … و لكن عليك و عليهم أن لا تنسوا أن نسبتهم لم تتجاوز 23% من الشعب و أن تعوا خاصّة أنّ الدول لا تُساس بعقلية التشفي و أنّ بناء الأوطان لا يكون بعقلية الانتقام ..

لقد طلب الرئيس من خلال اللجوء إلى الشعب في الاستفتاء أن يؤكد مشروعيته و شرعيته و أن يمسك بكل السلط ليحقق الإصلاحات اللازمة و ليستطيع مواجهة المخربين و المتآمرين – كما يقول- و ها قد حصل على التفويض الشعبي اللازم لذلك فليس عليه اليوم سوى أن يثبت قدرته على القيادة و جدارته بهذا التفويض و أن يقوم بإصدار التشريعات الملائمة لتحسين أوضاع المواطنين و الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بإخراجهم من بوتقة الفقر و اليأس و التفكير في الهجرة و ركوب المجهول … بعيدا عن إملاءات صندوق النقد الدولي و توجهاته المؤلمة التي تبشر الشعب بفقر فوق فقره و بخسران فوق خسرانه …

و في المقابل فإن عديد الوجوه ممن احتلت الفضاء العام و ساهمت في تأزيم المناخ السياسي في البلاد عليها أن تخجل من أدائها و تحاسب نفسها و تراجع مواقفها و لا بد أن تعرف أن استمرار ظهورها و طبيعة خطابها الذي تتوجه به خاصة إلى الخارج صار يوتر الأجواء هو أيضا و هو الذي دفع بصورة أو بأخرى بالكثير من المواطنين للذهاب إلى مراكز الاقتراع للتصويت بنعم حتى دون اقتناع بما جاء في الدستور ، و حتى دون اقتناع بأداء سعيّد أو بنجاحه في إدارة شؤون البلاد بمفرده طيلة السنة الماضية …

من تسببوا في أزمات البلاد طيلة السنوات الأخيرة عليهم أن يختفوا من المشهد .. من يستقوون بالأجانب عليهم أن يخجلوا من أنفسهم .. من لم يحرزوا على نتائج تذكر في انتخابات 2019 عليهم أن يحترموا إرادة الشعب .. من شاركوا في الحكومات السابقة عليهم أن يلزموا الصمت .. وجودهم في الواجهة هو الذي أضعف معارضة سعيد و جعله و جعل أنصاره يتمادون في عنجهيتهم و صلفهم …

إنّ البلاد اليوم في حاجة إلى ظهور طبقة سياسية جديدة قريبة من الشعب و من انتظاراته ، قادرة على ملامسة همومه و إيجاد حلول قصيرة الأمد لمشاكله و خلق تصورات مستقبلية لشواغله .. طبقة سياسية و معارضة بناءة تخاطب أفراد الشعب بلغتهم و تتوجه إليهم حيث ما كانوا و تحسن التعامل مع كلّ شرائحهم .. معارضة لديها حلول حقيقية تنبني على الفعل لا على مجرد الجغجغة الكلامية التي سئمها الشعب و لم تعد تنطلي عليه مفرداتها …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version