جور نار

استفتاء على الدستور … أم إعلان بيعة وولاء لساكن قرطاج؟

نشرت

في

بماذا جاءنا “دستور مولانا”؟ هل أتانا بما يوحّد الناس؟ لا…هل أتانا بما ينفع الناس؟ لا…إذن بماذا جاءنا “الدستور” الذي كتبه ساكن القصر لنفسه؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

من كتب فصول “الدستور” وتوطئته الرديئة يا ترى؟ من هندس مستقبل أجيالنا القادمة؟ أهي اللجنة التي كلفها ساكن قرطاج، أم تلك اللجنة كانت صورية للتغطية عن “دستور” جاهز منذ أشهر وربما سنوات؟ دستورنا الجديد كُتب من مجهول خلسة في غرفة لا أحد يعرف عنوانها، كتلك التي يتحدّث عنها مولانا صارخا في خطبه الناسفة منذ استحواذه على مفاصل الحكم والدولة، فما سمعناه عن محتوى “الدستور” ممن كلفهم ساكن القصر بصياغته لم نر له أثرا في النسخة التي أطلت علينا دون أن نعرف صاحبها…وأظنّ أن من كلفهم كان يريدهم مجرّد “واجهة” لنصّ تمّت صياغته على المقاس منذ سنوات، لذلك لم يقع توسيع دائرة من يزعمون أنهم قرؤوا النسخة التي سلمت لمولانا يوم الخامس والعشرين من شهر جوان المسكين…كما أظنّ أنهم تعرّضوا لــ”مقلب” دستوري…عفوا سياسي لن ينسوه بسهولة، وقد يرافقهم مدى الحياة…

يقول حمورابي في مقدّمة تشريعه “أنا حمورابي، الأمير النبيل …الذي يشيد العدالة ويقضي على الظلم والأشرار ولا يجيز للأقوياء ان يعتدوا على الضعفاء…إني أتيت كي انشر العدالة بين الناس كما تنشر الشمس ضياءها على الأرض…جئت لأحكم بين الناس واحمي الأرض، ولذلك وضعت القوانين ونشرت العدالة بينهم وهيأت لهم الخير والسعادة، لا يجوز للقوي ان يعتدي على الضعيف كما انه يجب حماية الأرامل والأيتام، ليتقدم مني المظلوم لأنصفه، وليقل ما هو مكتوب على مثلي ويتفهمه ويعرف حقوقه ويشعر بالسعادة. ليقل كل مظلوم ان حمورابي سيد وأب لعموم رعيته” …فهل في “دستور” ساكن قرطاج بعض ما جاء في مقدمة تشريع حمورابي؟ لا…لا شيء من فصول الدستور يشبه ما جاء في ما كتبه حمورابي…

فمولانا منح لنفسه حصانة تحميه من تبعات ما أتاه وما أخطأ فيه وما فشل فيه وهو جالس على كرسي الملك عفوا كرسي قرطاج…وتوفّر له الحماية أيضا بعد ما ينزل من الكرسي عن كل ما أتاه وفشل فيه وهو جالس عليه…فهل هذا يشبه قول حمورابي؟ فمولانا سيشبه “الربّ” في حصانته فالربّ هو الوحيد الذي لا يؤاخذ ولا يعاقب لأنه صاحب الملك، لأنه الربّ؟ مولانا لن يكون الربّ، سيكون فقط الملك ، سيكون السلطان، الحاكم بأمره لأمره…هو السيّد الحقيقي والوحيد للدولة…هو من يحدّد سياساتها… ويقرر خياراتها…وهو أيضا من يحدّد سياساتها الديبلوماسية ويعيّن السفراء ويعتمد لديه سفراء الدول الشقيقة والصديقة…مولانا يعيّن رئيس الحكومة ويختار لها أعضاءها …وهو أيضا من ينهي مهامها ومهام أحد أعضائها متى أراد…مولانا له أيضا السلطة الحصرية لتقديم مشاريع القوانين…وله كذلك الحق في مبادرة اقتراح مراجعة الدستور شأنه في ذلك شأن ثلث أعضاء مجلس النواب والغرفة النيابية الجديدة…كما يمكن لمولانا إحالة أي قانون لقراءة ثانية…ويمكنه أيضا عرض أي مشروع نصّ تشريعي أو دستوري على الاستفتاء مباشرة دون وسيط من مجلس النواب…

هذا القليل القليل من صلاحيات مولانا…فمولانا لم يترك شيئا لغيره فهو الحاكم بأمره…فهل سيكون حقّا هذا الاستفتاء على “دستور مولانا” أم هو إعلان بيعة وولاء لمولانا؟ أظنّ أننا مقدمون على يوم تاريخي في ذكرى يوم تاريخي…فذكرى عيد الجمهورية هي ذكرى انقلاب الزعيم بورقيبة على حكم البايات وإعلان الجمهورية…واليوم سيكون ذلك التاريخ موعدا لإعادة “البايات” أو من شابههم في الصلاحيات دون عرش ودون ولي وعهد ولا حرملك ربما فقط ببعض الآغاوات…فهل نحن مقدمون حقّا على جلوس مولانا على العرش دون أن يكون صاحب العرش؟ فللجمهوريات أيضا ملوكها…

فهل سيقبل الشعب بهذا الدستور؟ فالقبول به يعني إعلان البيعة ضمنيا لمولانا وإضافة الشرعية لانقلابه على من كانوا شركاء له في الحكم…وهل سيقبل الفقير…والمهمّش …والعاطل المؤبّد…والمظلوم…والمشرّد…والجائع بإعلان البيعة والولاء لمولانا…؟ شخصيا لا أظنّ أن هذا الشعب الجائع والمعطّل والمهمّش سيعلن البيعة والولاء لغير رغيف وكيس قمح ومورد رزق وُعد به منذ أكثر من احدى عشرة سنة…

لكن هل سيقبل مولانا بهزيمة في أول امتحان يضع نفسه فيه…فهو من قرره وهو من اختار موعده…لا أظنّ أنه لم يقرأ حسابا لذلك…فالفصل 139 يكشف أن مولانا لم يضع في حساباته الهزيمة حتى وإن انهزم وقال الشعب لا…مولانا كتب في ذلك الفصل ما يلي “يدخل الدستور حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” وكأني بمولانا يعلم بنتيجة الاستفتاء مسبقا، فهل يعني هذا أن مولانا على يقين بأن الاستفتاء سيكون في صالحه حتى إن لم يكن في صالحه، وحتى وإن قالت أغلبية الشعب “لا”؟

خلاصة الأمر…قد يكسب مولانا أو يفتكّ غصبا نتيجة معركة البيعة والولاء ويفرض على الشعب دستوره فالمعركة ستكون دون var…والحكم عيّنه مولانا…والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل سيعمّر هذا الدستور طويلا أم ستنتهي صلاحياته مع خروج صاحبه من القصر…فماذا لو خرج الشعب مطالبا بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها…فهل سيضمن حينها مولانا الفوز بولاية أخرى له ولدستوره وهو الذي استعدى أكثر من نصف الشعب؟ أم يخسر معركته الأهمّ ليصبح دستوره أقصر دساتير الدنيا عمرا…وماذا سنقول عن دستور مولانا في قادم السنوات يا ترى “يا طويل العمر” أم “يا قصير العمر”؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version