وقامت الدنيا ولم تجلس على استقالة بنت عُكاشة …لكأنّي بالبحار نشفت من مياهها وبالنجوم ما عادت في مداراتها وبالشمس كسفت والقمر في اكتئاب خسوفي رهيب … لكأنّي باسراب العصافير أضربت عن الطيران وقامت بتكليف نقابتها (الغربان والبوم ) لتمثيلها في الحدث الجلل بنعيقها وشؤمها ..
استقالت او اُقيلت ابنة عُكاشة ..أين المشكل ؟ … هل سيكون الإفلاس بعدها ؟ هل ستنهار الدولة أكثر مما انهارت ؟ هل سيضرب القصر وأهله عن الطعام ويلتحقون بمواطنين ضدّ الانقلاب ..؟ ويا فرحة ولد الحزقي وشلّته بيهم …طبعا هم يحلمون بذلك بعد أن التحق مستشار سابق لولد سعيّد بهم … اندهشت ممن أولوا هذا الحادث العرضي كلّ تلك الأهمية ..بل وأذهب أكثر من ذلك ..لن أندهش من أيّة استقالة في قبيلة قرطاج ..بمعنى لن يهمني ذلك ..ما يهمني هو استقالة المئات الذين جاؤوا بعد 14 جانفي 2011 ..
أسماء ووجوه أثبتت أمرين لا ثالث لهما .. امّا خداعهم وكذبهم على من رشحوهم ليكونوا فاعلين سياسيين، ووعدوهم بقصور الملك سليمان وبثروة قارون … ووعدهم لم يكن مجانبا للحقيقة لانهم ما إن حازوا على تلك الثروات حتى لخّصوا من انتخبهم في محيطهم “والصدقة ما تخرج كان ما يشبعوا امّاليها” .. ولكن “امّاليها” هذه المرّة لا يشبعون … أليس في ذلك خيانة لجزء هام من الشعب ؟..
الأمر الثاني إن لم يكونوا خونة ولصوصا فهو فشلهم في إدارة أمور البلاد ومهما كانت الأسباب … هم فاشلون حتى وإن تذرّعوا بـ “الدولة العميقة” و “أعداء الثورة” و الأزلام وأعداء الديموقراطية وبقية الإسطوانة، بتعلّة أنّ هذه الزمر والأقوام لم يتركوهم يعملون ..
أن ينتصر عليك خصومك فمعنى ذلك أنك فاشل في ادارة المعركة … هؤلاء هم من يهمني جدا في باحة الاستقالة … هؤلاء عليهم ـ لو مازالت عندهم قطرة من الحياء والكرامة ـ بأن يستقيلوا من الظهور والجعجعة ودزّان البيدق .. نسبة هامة من الشعب الكريم عافتهم ..كرهتهم .. سبّتهم .. أفهمتهم انهم اصبحوا غير مرغوب فيهم ..وبكلّ رقعة صحيحة هوما موش هنا ..ويعرفو كل ذلك وموش هنا … و “صحة ليهم”، مادام إعلام الرأي والرأي الآخر زعمة زعمة، مازال يفسح المجال لهم ..
الإعلام الوطني في تقديري عليه أن يحرّم ظهور خونة الشعب والفاشلين منهم ..لأنّ تكلفة الخيانة والفشل كانت باهظة الثمن _ الحصيلة كانت دمارا ودماء وحُرقة على وطن لم يعد وطنا … هؤلاء هم من قال فيهم محمود درويش {أيّها المارّون بين الكلمات العابرة ..آن أن تنصرفوا . وتقيموا أينما شئتم . ولكن لا تُقيموا بيننا . فلنا في أرضنا ما نعمل . ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأوّل .ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل .ولنا الدنيا هنا و الآخرة .فاخرجوا من أرضنا من برّنا من بحرنا .من قمحنا من ملحنا من جرحنا .من كلّ شيء من ذكريات الذاكرة . أيّها المارون بين الكلمات العابرة}
…وحتى ان لم تستقيلوا سيقيلكم الشعب ذات سنة ذات شهر ذات يوم ..وليس مهما أن يكون اليوم في 14 أو في 17 أو في 25 .. المهمّ ستُقالون ..هكذا وعدنا أبو القاسم الشابي _ إذا الشعب يوما أراد الحياة _ وهكذا كنّا عند وعده في مناسبات سابقة وسنكون أو سيكون أبناؤنا وأحفادنا في أخرى لاحقة