وهْجُ نار

اقرأ…اقرأ يا ساكن القصر… ولا تقل ما أنا بقارئ !

نشرت

في

يا ساكن القصر…

هل تريد من شعبك أن يصدّقك؟ فماذا أنت فاعل في من أفسدوا في الأرض…وهتكوا العرض…؟ ماذا أنت فاعل في من خرّبوا اقتصاد البلاد وجوّعوا العباد؟ ماذا أنت فاعل في تنامي الأحقاد…؟ ثم ماذا أنت فاعل في الكثير من الأوغاد…يا من يعتبرك بعضهم عنترة…أي نعم عنترة بن شدّاد…فهل أنت حقّا جئت لتصلح حال البلاد؟

يا ساكن القصر…

<strong>محمد الأطرش<strong>

ماذا فعلت منذ “انقلابك” على سكان بقية القصور الفاشلين؟ لا شيء غير البحث عن مقاطع “شعبوية”، ومواويل خطابية جميلة، يصفّق لها الشعب المزطول ويصرخ بأعلى صوته…”الشعب يريد …المزيد المزيد… فاضرب يا قيسون بيد من حديد” وهل جئت فقط من أجل الضرب …والعقاب والحساب…أيحتاج هذا البلد فقط إلى من يملأ المقابر والسجون…؟ أتدري يا ساكن القصر أننا ومنذ جلوسك على كرسي بورقيبة العظيم نسمع شيئًا …ونرى شيئًا آخر…ألم يحن الوقت لنرى ما نسمع…اسْجن من شئت من الفاسدين من العباد…وأطرد من شئت من الفاشلين من الأوغاد…واختر حولك من شئت من الاسياد…فلن تنجح في إصلاح حال البلاد… ما لم تقض على الأحقاد…

يا ساكن القصر…

أتدري سبب فشل وسقوط من “انقلبت” عليهم وأخرجتهم من الحكم …أتدري أنهم حكموا البلاد بعقلية الثأر والانتقام والأحقاد…فهل جئت بعدهم لتكبّل هذا الشعب بالأصفاد… أم جئت تنقذ البلاد والعباد…أتدري يا ساكن القصر، إننا لم نسمع لك ولمن هم حولك منذ “انقلابك” المحمود غير إعفاء… وإقالة… وايداع …وملاحقة…وإيقاف…وتحجير سفر… ورفع حصانة…ووضع تحت الإقامة الجبرية…وابعاد…فهل في كل هذا ما ينفع البلاد…وما يصلح حال العباد…؟؟

يا ساكن القصر…

أتدري…أن هذا الشعب يريد أن يسعد…وأن يشبع…وأن يطمئن…وأن يفاخر…وأن يرقص…وأن يغني…وأن يهنأ بأبنائه…ولأبنائه…وأن يشعر بأنه على قيد الحياة…فهل فعلت شيئا واحدا من كل هذا…لا شيء، يا ساكن القصر غير أنك غنيت مقطعا من أغنية لأم كلثوم فأطربت الجميع فصفقوا وطالبوا بإعادة المقطع…فأعدته…فصفقوا…وطالبوا بالإعادة…فأعدته فصفقوا وطالبوا بالإعادة…فأعدته…فصمتوا…فصمتّ…أتدري أنهم استفاقوا من سكرتهم…فماذا فعلت لهم…وبهم…

يا ساكن القصر…

أتدري …أن شعبك يريد أن يعرف من أغرق البلاد في ما هي فيه….ومن قتل الشهداء من لطفي نقض وصولا إلى آخر جندي وامني سقط على ساحة وغى حربنا على الإرهاب مرورا بالشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وغيرهما…إن فعلت فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد ان يعرف من أفرغ خزائن الدولة…ومن ورّط الدولة في الانتدابات التي فاقت كل معقول…ومن كان يلوى ذراع الدولة منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا…إن فعلت فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر …أن شعبك يريد معرفة من هذا الذي أغرق البلاد في الإضرابات وهو أعلم بحال خزائنها…ومن أغلق مواقع الإنتاج وهو أعلم بحالها …ومن تسبب في هروب المستثمرين وهو يدرك تبعات ذلك…إن أتيتهم باليقين فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك …ينتظر منك أن تكشف لهم من ورطنا في كل تلك الديون…ومن كان سببا في توتير مناخنا الاجتماعي…ومن ورطنا في كل تلك الزيادات في الأجور…أتدري يا ساكن القصر إن أتيتهم بما يقنعهم فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد أن تعاقب وتحاسب من تسبب في ما نحن فيه من وهن…ومن أفرغ المؤسسات من كفاءاتها…ومن أغرق المؤسسات في تسوية الوضعيات الخيالية…ومن أعاد إلى العمل كل من افسدوا في الأرض وعوقبوا سابقا وكأن شيئا لم يكن فتورطت الدولة في تبعات خلاصهم …أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد أن يعرف من أهلك قطاعنا الصحي…ومن خرّب قطاعنا التربوي…ومن أفسد قطاع النقل….ومن أفسد قطاعنا الرياضي….ومن أفسد قطاعنا الصناعي…ومن أفسد قطاعنا التجاري…إن كشفت لهم ذلك وحاسبت الفاعلين فقد يصدقونك…

يا ساكن القصر…

أتدري أن شعبك يريد فترة انتقالية، لا تحكمها الأحزاب، ولا المنظمات فهذه أفسدت في الأرض والأخرى أفسدت و خرّبت ودمّرت وهتكت العرض…فإن فعلت فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد قيادة موحدة لفترة لا تتجاوز السنة…تصلحون فيها جميع الأوضاع وتؤسسون لغد أفضل من خلال تشريعات وقوانين جديدة…إن أتيتم ذلك فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر…أن تونس لم تعش مرحلة بهذا السواد منذ وجودها…أتدري أن تونس لم تعش أبدا ما عاشته مع الحكام والمسؤولين الذين دمروا البلاد وعذّبوا شعبها منذ افتكاكهم للسلطة بمساهمة “كوكا كولا” ومن معها بعد خروج بن علي إلى مناسك الحج والعمرة…أتدري يا ساكن القصر أن جميع من حكموا البلاد قبلك خلال هذه العشرية حالكة السواد كانوا يعيشون في برج عاجي…برج من الأوهام وعدم الوعي بحال الأمة…لا يلتفتون إلى شعبهم، ولا يستمعون إلى معاناته…أتدري يا ساكن القصر إن جئت بغير ما جاؤوا به فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر أن الشعب ينتظر منك ابعاد من تسببوا في أوجاعه ولو لفترة…فالبناء لا يجوز بمن صنعوا الخراب…أتدري يا ساكن القصر أن من حكموا منذ عشر سنوات هم من خربوا البناء الذي كان…وهم من أغرقوا الدولة بالكذب والبهتان…أتدري يا ساكن القصر أنهم سبب كل هذا الخراب والدمار…فإن فعلت فقد يصدقونك…

أتدري يا ساكن القصر ماذا ينتظر منك شعبك…ينتظر منك أن تنزل إلى الأنهج الخلفية لا إلى الشوارع …وألا تنقل ما تفعله في شريط الأنباء …ينتظر منك أن تذهب إلى حيث يجوع المواطن…وحيث يهان المواطن…وحيث يعذّب المواطن…وحيث يحتاج المواطن…ويظلم المواطن…ويقهر المواطن…وحيث لا مصوّر ولا وسيلة إعلام تنقل غزوتك الإعلامية…

أتدري يا ساكن القصر ماذا يريد منك الشعب…يريد أن يطمئن على رزقه…وعلى أولاده…حين يقول لك إنه ليس معك…وإنه أيضا ليس ضدّك…وقد يكون ضدّك…يريد أن يأتمنك على نفسه، وعائلته، ورزقه، وموطن شغله حين يقول لك إنه ليس ملزما بأن ينظر في نفس الاتجاه معك…وإن بعض ما تأتيه يقبله، والبعض الآخر لا يقبله…يريد منك أن تقبل برحابة صدر أن يختلف عنك…وعن منهجك…فإن وافقته فقد يصدقك…

أتدري يا ساكن القصر ماذا يريد منك شعبك أيضا…يريد أن تؤسس لثقافة الاختلاف دون خلاف…يريد منك أن تبني منهجك على الحوار…واختلاف الآراء…وعلى الإنصات والتأمل…وعلى الاحتكام إلى الحجة والدليل…أتدري يا ساكن القصر أن شعبك ينتظر منك …أن تعترف بالخطأ إن أخطأت…وأن تعترف بالإخفاق إن أخفقت…فإن لكل هذا فعلت فقد يصدقك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد منك، أن تضمن له الاستقرار والأمن…وتضمن له الحرية وتمنع عنه التسلط…وألاّ تلزمه بسماع ما تريد أنت أن تسمع…ولا برؤية ما ترغب أنت رؤيته…أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يريد منك ألا تنزلق إلى مهالك الــسـيــاســة غـيــر الــنـظــيــفـة، وإلى الطغيـان والتسـلّط عند سماعك لتصفيق أتباعك وأنصارك…وأن تكتفي بولاية واحدة ليكون درسا لمن بعدك…

أتدري يا ساكن القصر أن شعبك يعلم أنك لست عمر الفاروق…ولن تكون…ولست عمر بن عبد العزيز ولن تكون…ولست المهاتما غاندي ولن تكون…ولست مانديلا ولن تكون…ولست بورقيبة ولن تكون…فأفعل ما يجعل شعبك يبكيك بحرقة يوم لا تكون…

في الأخير يا ساكن القصر أهديك مقطعا من قصيدة ” تقرير سري جداً من بلاد قمعستان” لنزار قباني رحمه الله…فاقرأ…يا ساكن القصر…ولا تقل ما أنا بقارئ…اقرأ…

هل تعرفون من أنا؟
مواطن يسكن في دولة (قمعستان)
مواطن…
يحلم في يوم من الايام أن يصبح في مرتبة الحيوان
مواطن يخاف أن يجلس في المقهى .. لكي
لا تطلع الدولة من غياهب الفنجان
مواطن أنا يخاف أن يقرب زوجته
قبيل أن تراقب المباحث المكان
مواطن أنا من شعب قمعستان
أخاف أن أدخل أي مسجد
كي لا يقال إني رجل يمارس الإيمان
كي لا يقول المخبر السري:
أني كنت أتلو سورة الرحمن
الله … يا زمان …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version