تحدثت في الجزء الثالث من هذا السلسلة عمّا آلت اليه الاذاعات الخاصة بعد جانفي 2011 … فلا مضمونها ارتقى الى اعلام وطني هادف في جلّها ولا اوضاعها المادّية كانت مريحة.
لذلك لجأت في معظمها الى اعلام البوز طمعا في جلب اكبر عدد من الحرفاء ـ اي المتلقين ، ومن ورائهم اغراء المستثمرين في تعاطيهم وجلبهم مادّيا مع مالكي تلك الاذاعات ..والنتيجة ان لااعلام البوز حقّق اهدافهم مع المتلقّين الذين قد تقنعهم لفترة ما ولكن ابدا ان يقتنعوا دوما بهذا الاسلوب المتخلّف …لان المتلقي ليس على درجة من الغباء حتى لا يستفيق من غفوة البوز ويرمي بك وباذاعتك الى الزبالة ..ومن جهة اخرى فللمستثمر ايضا ادواته للتحقيق والتمحيص جيّدا في مسيرة ايّة قناة وفي نجاحها …
الان آتي الى ظاهرة اخرى انتشرت منذ جانفي 2011 وهي اذاعات الويب …انتشرت هذه الاذاعات كالفقاعات في خارطة الاعلام …ربّما كانت نتيجة لحرية التعبير التي عاشتها تونس في تلك الفترة …فاصبح كلّ من هبّ ودبّ وبفضل التطور التكنولوجي بامكانه ان تكون له اذاعته …وان يحقّق احلاما يكون فيها فارس المصدح …رغم انّه لم يدرك يوما انّ الجانب المعرفي في دنيا الاعلام هام جدّا لتكون الاحلام شرعية وحتّى لا تصبح اوهاما وسرابا … ان تحلم بان تكون طيّارا هذا شرعي لكن ان تقودطائرة فذلك يحتاج الى علم وتخصّص وهذا ما انتفى عند اغلب اصحاب اذاعات الويب …
و جاءني يوما ما احد الاصدقاء ليعرض عليّ فكرة الاشراف على اذاعة ويب تاطيرا وتكوينا . وقرارا ….تحاورت معه في رؤيتي للمشروع واكدت له على امرين هامين …اوّلهما وهو يطلب رايي في المقابل المادّي الذي ساتقاضاه اعلمته بانّني ساعمل في هذا المشروع دون مقابل مادّي ايمانا منّي بانّي اعتبر المشروع حلما من احلامي ولا اريد جزاء على حلمي. وثانيهما انّ ايّ قرار في هذا المشروع سيكون لي وحدي باعتبار اختصاصي ..واضفت: انا عنيد جدّ افي كل ما يتعلّق بثوابتي وقناعاتي وفي مقدّمتها العمل على اعلام بديل يقطع مع السائد ..لانّ السائد رديء ومتخلّف ولابدّ من مقاومته وعدم السير في تياره ..
وجوبهت شروطي بالموافقة التامة …وانطلقت تجربتي مع راديو الواب ـ راديو اللمة ـ حرصت في البداية على القيام بكاستينغ مرة كلّ 6 اشهر لاكتشاف اصوات جديدة قادرة على الالتزام بثوابتي في راديو اللمة .. في ماهية الاعلام البديل وفي الحرص اوّلا وثانيا وعاشرا على الالتزام باذاعة بديلة من اهمّ ثوابتها القطع مع البوز والدفاع عن رسالة سامية كانت وما تزال من ثوابتي ـ اعلام وطني لا حياد فيه مع الوطن والقطع كلّيا مع من يريد ان نكون صوته مهما كان لونه السياسي ..سنكون صوت الشعب شكلا ومضمونا …وطبعا كانت احلامنا جميعا بعد ان اصبح هذا الحلم هاجس الجميع الانتقال يوما ما الى اذاعة على الـ “اف ام” ..
كان في تقديري يوم الاعلان الرسمي عن مولد الاذاعة بقاعة الافراح الكبرى بصفاقس انّ فترة الانتقال الى الـ “اف ام” لن تكون قبل سنتين ..وواصلت عمليّة احتضاني لعصافيري في راديو اللمة بكلّ جدّية وقساوة احيانا ولكن بكلّ حبّ ايضا ..وكنت اردّد دوما على مسامعهم اريدكم ان تكونوا اجمل وارقى من السائد …وهذا هو هدفي من اذاعة راديو اللمة …وانطلقت معهم في عمل كم هو مضن ..كنت اخصّص يوميا لاحاطتي بعصافيري براديو اللمة اكثر من 14 ساعة …كنت الاستاذ والصديق والاب والحبيب لهم ..وكانوا في جلّهم مشتركين معي في الحلم قولا وفعلا …وبعد انقضاء السنتين بدأت بعض الاصوات تنادي بـ “ايّة وقتاش الأف ام ؟” _
وكنت موقنا في داخلي بانّ وقت “الأف ام” لم يحن بعد لسببين اوّلهما انّ الاخبار التي تصلني من بعض الاصدقاء من الهايكا تقول ان لا نيّة للهايكا في اعطاء رخص البث لاذاعات على الأف ام وثانيهما انّ ما وصلت اليه من تكوين لجيل جديد لا يفي كمّا بالعدد المطلوب لاذاعة يتطلب بثها ساعات على امتداد اليوم الواحد، والحال انذاك انّ عدد المنشطين الاكفّاء الذين يمكن التعويل عليهم لا يتجاوز الستة او السبعة افراد ….وللتذكير فقط نحن في راديو اللمة كنا متطوعين باتمّ ما في الكلمة من معاني بل ومن اجل المصاريف الشهرية كالانترنيت والكهرباء كان كلّ واحد منّا يقوم بدفع ما بين 10 و 20 د شهريا كمساهمة منه في هذه المصاريف ..
وكان بعض مستمعينا يساهمون هم ايضا كلّ واحد منهم بما يستطيع ..فالصديق غازي المهيري تطوّع بتمكيننا من مقرّ للاذاعة بقلب مدينة صفاقس دون مقابل بعد ان بدأ المسؤولون عن دار الشباب بالشيحية وهو مقرّنا الاول بمحاولة التدخل في محتوى برامجنا …شكرا غازي المهيري ايقونة كرة الطائرة التونسية ..والبعض الاخر مكّننا باهدائنا مصادح للراديو …وليس لفلان او لفلانة كما ادّعى البعض …اليس كذلك يا فطوم ؟؟؟ ..شكرا مرة اخرى لفطوم من غرونوبل …..وكان نتيجة هذه الجهود المبذولة من لدن الجميع ان حقّق راديو اللمة في ظرف سنتين نتائج باهرة حيث وفي فترة بثه استطعنا لا فقط مزاحمة كلّ الاذاعات التي كان يصل صوتها الى مدينة صفاقس بل تغلّبنا عليها في نسبة الاستماع …وهذا حدث في راديو واب اسمه راديو اللمة …
بداية من السنة الثالثة في عمر راديو اللمة بدات بعض الاصوات تعبّر عن قلقها من وضع راديو اللمة الذي لم ينتقل الى راديو اف ام واصوات اخرى تتذمّر من عبدالكريم الذي وحسب رايهم لم يتطوّر في رؤيته للعمل الاذاعي ..وهو دائما حريص على ثوابته منذ القرن الماضي . وانّه عليه ان يساير الاذاعات الاخرى … حاولت التحاور معهم وتذكيرهم بانّي ومنذ البداية اعلنت عن موقفي من الاعلام السائد واني لن اسير في تياره بل ساقاوم ذلك التيار وبكل اقتناع …وذكرتهم اني ومعهم جميعا ودون استثناء كنت اردّد دوما لا اريد ان اسمع منكم _ علاش ما نعملوش كيف الاذاعات الاخرى _ فكيف لي ان اقبل بقدوة من اذاعات اخرى هي لم ولن تكون يوما ما قدوة ..انا لا ولن اقبل بدعوة اشباه الفنانين واشباه المثقفين واشباه السياسيين في برامج راديو اللمة …هذه في نظري خيانة لرسالتي وخيانة لبلدي ..لانّ في ذلك تبليدا للفكر ونشرا لثقافة التدجين والتهميش ..
هذا كان في بداية اختلافي مع البعض ثمّ اكتشفت في مراحل متقدمة ان هنالك اشياء تُحاك من ورائي …اي اعرفها عندما تقع ..وهذا كان عكس اتفاقي المبدئي الاوّلي مع صاحب الفكرة …ويوم تفطنت للامر وما حيك من ورائي تحاورت معه في الموضوع لم ينكر هذا واعتبر انّ ما قام به مع البعض من جماعة راديو اللمة اصبح شرعيّا بعد 3 سنوات من تجربته معي وانّه اصبح مؤهلا لاخذ بعض القرارات …انذاك ايقنت انّ عقدي المعنوي مع راديو اللمة عليّ بانهائه ..وانهيت تلك التجربة الحزينة .وانسحبت نهائيا .اقول حزينة لانّي اتألّم فقط لاغلبية من شاطروني حلمي وكانت تلك النهاية التعيسة …
واسأل الان اين راديو اللمة ؟ منذ البداية وهنا تظهر النوايا الخبيثة للبعض قرروا تغيير الاسم …دون ان ينتبهوا الى الخطأ الغبي الا وهو التفريط في اسم اصبح “فون دي كومارس” اصلا تجاريا هام ا…واسأل ايضا هل الراديو الذي اخذ مكانه اصبح اف ام ؟؟ راديو الويب الان عموما وللاسف اصبح نوعا من انواع الاحتيال على فئة كبيرة من الحالمين …يعمل اصحاب هذه الراديوات فترة محددة مع اولئك الحالمين ودون مقابل واعدينهم بالترسيم ثمّ وبعد اشهر معيّنة يتخلّون عنهم بحجّة عدم نجاحهم ويجلبون فئة اخرى للعمل وبنفس الوعود وبنفس الكذب وهكذا تسير الامور في جلّ اذاعات الويب …
ويبقى السؤال الاهم ..مالكو هذا الراديوات الويب من وراءهم ؟؟من يضمن لهم المصاريف الشهرية وتكاليف اجهزتهم ؟ القاعدة تقول انّ ايّ مستثمر لا يعطي لوجه الله … اذن من وراء من يقوم يضخ تلك الاموال ؟ وما هي اهدافه من وراء ذلك ؟؟ …و وبكلّ فخر اقول في راديو اللمة لم يكن لدينا مستثمرون كنا نتكفل جميعا بمصاريف الراديو ..وللامانة ايضا اقول انّ هنالك من عبّر عن رغبته في الاستثمار معنا وكنت شاكرا لفضلهم ووعدتهم بانّ ذلك سيكون عند تحوّل راديو اللمة من الويب الى الآف ام …..