تعلّمنا فيما تعلّمنا ولم نتعلّم الا القليل مقولة (الاختلاف لا يفسد للودّ قضيّة) والتي اصبحت مثلا شائعا وهي لصاحبها المفكّر والصحفي المصري والمحامي ومدير الجامعة المصرية ورئيس حزب الوفد “احمد لطفي السيّد” وهو الملقّب باستاذ الجيل والذي قال عنه عباس محمود العقاد افلاطون العرب ..
ولعلّ ما قاله هذا المفكّر المصري وعند التأمّل في مقولته يؤكّد امرين هامّين ..اوّلا، هي سنّة الله في خلقه وحتميّة الاختلاف وهو يقول في سورة يونس آية 99 (وَلوْ شاءَ ربُّكَ لَآمَنَ مَنْ في الأرضِ كُلِّهِمْ جَميعُا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حتّى يَكُونوا مُؤْمِنين) … تصوّروا الرحمان وهو يكلّم رسوله الكريم ليقول له: الاختلاف حتّى في الايمان بي ذاك شأني ولا دخل لك فيه .. انت تبلّغ رسالتي وتكتفي بذلك .. ثمّ يأتيك جاهل مغفّل ليكفّر ويجزّر ويغتال بدعوى الجهاد ..في حين انّ الجهاد له مفاهيم خاصة جدا .به حسب رايي المتواضع .. ثمّ يواصل الرحمان في تنبيهنا لمزيّة الاختلاف في سورة الحجرات وفي الآية 13 بقوله (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُم شُعُوبًا وَقَبائلَ لِتَعارَفُوا إنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتقاكُمْ) … لتعارفووووووووا ..وليس لتقاتلوا او لتناحروا …
لنأت الان الى واقعنا وخطورة عدم الايمان بالاختلاف .. اليس ذلك هو سبب مآسي البشر منذ الخلق ؟؟ ابليس لم يؤمن بالاختلاف ولم يسجد لآدم .. قابيل لم يؤمن بالاختلاف فقتل اخاه هابيل .. معاوية لم يقبل بعلي فتقاتلا .. والامثلة عديدة ومستمرّة ليومنا هذا …نعم نحن في جلّنا لا نؤمن بالاختلاف ..والاخطر انّ كلّ واحد فينا يعتقد انهّ هو الذي على حقّ وهو من يمتلك الحقيقة، في حين انّنا جميعا ودون استئذان لا نملك من الحقيقة الا بعضها ….
لنأخذ مثالا ما عشناه في 25 جويلية سنة 2021 …ونحن الان بعد سنتين من الحدث …وفي رصد للمواقف مما حدث يمكن تقسيم المهتمّين بالشأن العام الى اصناف ..الصنف الاوّل فئة من التونسيين اعتبرت ومازالت تعتبر ما حدث انقلابا على الدستور وعلى الديموقراطية ..وهي نظريّا محقّة في ذلك .. الفئة الثانية اعتبرت ما حدث نعمة ربانيّة بطلها قيس سعيّد بوضعه حدّا للسنوات العجاف وهي محقّة في ذلك ايضا … الفئة الثالثة وهي المختلفة ذلك الاختلاف المرضي والتي لو حكمنا عمر بن عبدالعزيز او غاندي او مانديلا لوجدت او اوجدت فيهم الف عيب .. هي هكذا خلقت لتقول للاخرين (قداشكم اغبياء وما تفهموا شيء في الدنيا) ..وتنصّب نفسها عباقرة الفكر والمواقف وتحليل المواقف هم لم يعرفوا يوما الآية القرأنية (وَما اُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلاّ قَلِيلا) … وإن وًجد في هذه الفئة من لا علاقة لهم تماما بالقرآن هم في المقابل يعرفون ونحن نعرف انهم يعرفون وهم يعرفون اننا نعرف مقولة سقراط ابي الفلسفة في اواخر عمره (علمت انني لا اعلم شيئا) …
وللامانة الواحد منّا يبتغي ومنذ الصغر ان يكون متميّزا مختلفا .. لكن المعقّدين فقط من يجمحون بهذه الرغبة المشروعة الى سلوك متطرّف … الى الاستهزاء بالاخرين ممن يحملون رأيا مخالفا ..والى وضع انفسهم في خانة امّا النخبوية المريضة او العناد المريض ..هم من فئة معيز ولو طاروا او من فئة ڨاتلك ڨاتلك . هؤلاء لن يتورّعوا وبعد انتصار ولدنا الحفناوي وفوزه ببطولة العالم في سباحة 800 متر سباحة حرّة لن يتورّعوا في القول (ايه شوف هاكي الحاجة الكبيرة) ويرجع يحكيلك على ندرة السميد والفارينة والسكّر … يعني في الاخير وبكلّ غباء هم محرومون من عيش الفرح ويستكثرون على الاخرين الفرح بل يضحكون عليهم ..ولم يفهموا يوما انهم هم اقرب لقردة يضحكون عليها في جنينة حيوانات .. دون نسيان الطائفة الاخرى التي تنزعج من علمنا الاحمر والابيض وهو يرفرف ويمنّي النفس الامّارة بالسوء بتعويضه يوما ما بالعلم الاسود سواد قلوبهم وعقولهم ..
هنا يصبح الاختلاف في الراي يفسد كلّ الودّ وكلّ القضايا …25 جويلية في تقديري المتواضع جاء لينهي مرحلة في تاريخ تونس وعلى جماعة ما قبل 25 جويلية ان يعتذروا للشعب عن تلك العشرية السوداء حتّى لو فرضنا جدلا انهم لم يرتكبوا لا مجازر ولا اغتيالات الم يفشلوا ؟؟ ولا حجّة لهم في تبرير فشلهم بالقول (ما خلاوناش نخدمو) … هل في تاريخ ايّ صراع تجد خصما لطيفا نفس مومنة ويترك لك المجال لتنجح ..هل رايتم ملاكما يبقى في ركنه دون ان يوجّه لكمات لخصمه ..اذا فشلت فذلك يعني انك كنت عاجزا على مواجهة خصومك ..ودعك من خرافة الازلام والقوى الخارجية..انت ايضا لك نصيب من الازلام ولك قواك الخارجية واجنداتك .. من الافضل لهؤلاء ولنا ان ينسحبوا بعد فشلهم ليتركوا المكان لطليعة وطنية جديدة ..
اما عن ما بعد 25 جويلية ومع اعترافي بأنّ التركة التي ورثها قيس سعيّد ثقيلة جدّا فانّه ومنذ الاشهر الاولى بعد 25 جويلية 2021 ابدى سعيّد قدرات محدودة فكرا وسلوكا ليكون المنقذ الذي انتظره وينتظره الشعب .. هذا رايي الذي قد يحتمل قسطا بسيطا من الصواب ومرحبا بكلّ راي مخالف شريطة ان لا يكون من القطعان اي التبّع … او من النخبة المريضة والتي لم تتخلّص من عقدها ومن ابراجها العاجية، والتي لا علاقة لها لا بواقع البلاد ولا بالتحوّلات التي يشهدها العالم والتي انصحها وانصح نفسي ان نعيد جميعا رؤيتنا لتلك النظريات والايديولوجيات التي اصبحت بالية ولم تعد صالحة لزمننا هذا ..وقتها لن يفسد الاختلاف للودّ قضيّة