“لكننا ننعم بحرية يكاد يحسدنا عليها العالم وانه لمكسب عظيم من مكاسب ثورة الكرامة” …هذه الجملة حفظناها عن ظهر قلب فقد كرروها مليون مرة ورغم اننا مللنا من تكرارها او حتى من مجرد سماعها فان مردديها لا يجدون كلما سئلوا عن سر الوضع الكئيب الدي انحدرت اليه البلاد سوى هذا الجواب الكالح.
ومع ان المقايضة بين الحرية وكرامة العيش بمقوماتها الاخرى لا تستقيم فان الاقرار باننا نعيش في فردوس من الحرية يبقى مجرد اقرار ممن له مصلحة في التعتيم على الكوارث التي اتاها حكام ما بعد 2011 . كلام جدير بان يناقش بعيدا عن الغوغائية والرجم بالطلامس. فحينما تتباهون علينا باحترامهم للحرية من منطلق انه بوسعنا ان نقول ما نشاء لكنهم ومن موقعهم كحكام منتخبين ان يفعلوا ما يشاؤون تحت عنوان الشرعية التي مكنهم منها الشعب فان ذلك يدخل في باب المغالطة والتزوير .
ومثل هذا الكلام الدي يبدو في ظاهره صحيحا فاننا وبقليل من التدقيق فيه سنكتشف انه اقرب الى الخدعة والسفسطة الركيكة لانه لا يحمل في مضمونه سوى دكتاتورية مقنعة واشدا اضرارا من الديكتاتورية الصريحة . فمن حيث الشرعية التي تلبس وتشبث بتلابيبها رموز النهضة على امتداد عشرية كاملة لا نجد ما يبرر كل هذا النزوع للهيمنة على القرار في مختلف القضايا المطروحة في شتى المجالات .
فعندما يقولون نحن نمثل اكبر حزب في البلاد واننا في سدة الحكم بفعل الارادة الشعبية فهم يتغافلون عن حقائق كثيرة من شانها ان تسقط هذا الوهم وهذه التعلة . فما نعرفه وما يعرفه القاصي والداني وجماعة النهضة انفسهم ان حزبهم لم يفز على قاعدة النسبية المطلقة اي خمسين زائد واحد لكي يطرحوا انفسهم على الناس بصفتهم حائزين على شرعية الصندوق ..هم يتغافلون عن حقيقة ان الصندوق لم يمكنهم الا من صفة اكبر الاقليات .ولو عدنا الى نتائج انتخابات 2014 و2019 لتبين لنا ان حصة النهضة من الاصوات المصرح بها لا تتجاوز الثلث من مجمل الذين شاركوا في التصويت ولا تتجاوز الخمس عشرة بالمائة من عموم المسجلين.
هذا من حيث النسب والارقام اما من حيث استثمار هذا التفوق النسبي فقد علمتنا النهضة ان استحوادها على الهامش المفقود يمر حتما عبر استمالة واغراء الكتلة المزاحمة لها لضمان الاغلبية البرلمانية حتى وان كانت هذه الكتلة من ألدّ خصومها واشدها شراسة ضدها ولنا في حزب قلب تونس اقوى دليل على هذا الزعم . وليس يخفى ان هذا الحزب وقبله احزاب اخرى انخرطت في هده المناورة السياسية وهي تدرك تماما ان ما ستمنحه اياها النهضة له كلفة باهظة وعلى الحليف ان يتحملها والا فان مآله التفكك بعد ان خسر رصيد ثقة الناخبين الدين بوؤوه هده المكانة .
لكن اكثر ما يهمنا في لعبة التحالفات انها تتم في قالب صفقة تعقد على حساب المبادئ والثوابت بما في ذلك ما تضمنه الدستور من مكاسب جوهرية . وفي هذه النقطة تحديدا راينا كيف ان انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية قد تعطل اكثر من مرة بسبب اصرار النهضة على فرض اسماء تكفل لها الولاء وانها ما ان تعجز في تحقيق هذه الغاية حتى تعيد الملف برمته الى رفوف النسيان. وراينا كيف ان النهضة تستعين بطوعية الحلفاء لتكريس هيمنة على المجلس وتحويله الى علبة لخدمة مصالحها الحزبية وتمرير مشاريعها مع توفير التغطية وما يشبه الحماية لمن يوالونها حتى لدى ارتكاب افعال مخزية ومخالفة لكل النواميس والمواثيق .
وبصرف النظر عن كل هذا الكلام اريد ان اسال من يرددون علينا وبكل فخر ان الشعب سعيد لانه صار حرا هل نزلتم من ابراجكم لتستمعوا الى ما يقوله الناس في كل مكان ؟ اليس عندكم من يبلغكم ان تمجيد مكسب الحرية قد ارتقى الى مرتبة الكفر ؟ فاية حرية هذه التي تجعلك تخشى مغادرة بيتك في معظم ساعات النهار ؟ واية حرية هذه التي تجعلك كمن يصرخ في الوادي عندما تحتاج الى نجدة الدولة ؟نعم يا سادة لقد حولتم شعار الحرية الى اصل تجاري للتعمية على قشلكم الذريع والمريع في ادارة الشان العام….واذا لم تعلموا فان الشعب صار يعلم انكم قد استوليتم على الجمل بما حمل ولم تتركوا للناس الا حق النباح…
لكن الويل كل الويل لمن لم يتعظ من دروس التاريخ ويبدو انكم من هذا الصنف