اعترضني وأنا في طريق عودتي إلى المنزل بعد جلسة نميمة و”تقطيع وترييش” بالمقهى مع ثلة من “الصعاليك” أصغرهم تجاوز عمره عمر الكلب وأكبرهم تجاوز الثمانين ببضعة أشهر…اقول اعترضني أحد اصدقاء الزمن المغفور له مترنحا يتمايل يمنة ويسرة وأحيانا إلى الوراء في حركة متناغمة وأنيقة تكشف نصف بطنه المتدلّي الذي يذكرني ببطن تحية كاريوكا رحمها الله وغفر لها هزّ بطنها واردافها في عز ايامها ومجدها في فرقة بديعة مصابني…خلته مريضا أو به عطب في مكابحه خاصة وأنه معروف لدى الجميع بعشرته الطويلة مع المسكرات من “بوخبزة” وصولا إلى “فودكا” بوتين المسكين…
اقتربت منه فكاد يغمى علي من الرائحة المنبعثة منه وكأنه خارج لتوّه من أحواض محطّة التطهير التي لا تبعد عن المكان أكثر من كيلومترين…أغلقت أنفي وسألته “شبيك يا كازي” أجاب “شبيك انت سي …..” ضحكت لأني أعرف أن صديقي أكثر بذاءة من كل شعراء الجاهلية حين يتأبط قارورة خمر…وأضفت “في النهار تسكر ما تحشمش يا….” وأعدت له نفس قيمة الورقة النقدية التي صفعني بها حين سألته اول مرّة ماله، مع بعض الملاليم الزائدة من موروثنا الشعبي من بذيء وسقط الكلام…ضحك ملء شدقيه وقال كيف تريدني ألا أشرب الخمر والحانوتي رفض ان يعطيني أكثر من رغيفين اثنين من حجم “الباقات” متعللا بحجم الكميّة التي توزعها عليهم المخابز، منذ نفاد مخزون “الفارينة” بالبلاد وفي انتظار وصول باخرة “العمّ سام” أطال الله عمر دولته وسطوته محمّلة بالقمح…كيف تريدني ألا أسكر وشركة توزيع المياه بدأت في برنامج تقسيط توزيع مياه الشرب…ثم أضاف صارخا “خبز وماء….ههههه قالك خبز وماء…جيناهاشي…لا خبز لا ماء…لا….الله يرحمك يا بن علي…”
ونظر إلي وقال ضاحكا “زعمة يقبلها مني ربّي وانا سكران كي قلت الله يرحمك…” وأطلق العنان لضحكة أظنّ ان سكان كل الحي والاحياء المجاورة لحلف الناتو سمعوها…مع إضافة بعض التوابل من موروثنا الوطني من الكلام البذيء…نظرت إليه قائلا “ما اسقطك يا…” وارتميت عليه وكأني الصادق ساسي عتوقة أيام عزّه ووضعت يدي على فمه لأسكته قبل أن يجتمع حولنا كل شباب الحي، فيذيقوننا ما لذّ وطاب من مصطلحات الشتم والسبّ المعترف بها من أعضاء مجمعنا اللغوي الخاص بالأنهج الخلفية بعد ليلة خمرية…مسكته من يده وقلت “تعال سأوصلك إلى منزلك” …قبل أن نصل إلى منزله قال”اتعلم أنني هكذا كل أيام العطل والأعياد ولست الوحيد أتذكر انتخابات 2019 الرئاسية ؟” قلت ” نعم وما بها؟” أجاب “ذهبت إلى مركز الانتخاب سكران انا وأغلب الأصدقاء بعد ليلة حمراء تحت حائط (خِربة) عمّ الطاهر الأعوج”…وضحك ضحكة اعوجَّ منها فمّه وتقيأ إثرها…نظر إلي بعد أن فعلها وقال ضاحكا مستهزئا “انتخاباتكم حرام…انتخبنا أنا والعصابة ونحن سكارى”…وانطلق في ضحكة كشفت لي حجم هوّة فمه الذي يذكرني بمضيق هرمز خلال الأزمة الإيرانية الامريكية…وأضاف “موش ربي قال لا تقربوها وأنتم سكارى…”…دولتكم حرام…في حرام…وانطلق مرّة أخرى في ضحكة هستيرية أسقطته ارضا…ضحكت من قوله ثم قلت “يا بهيم…الله عزّ وجلّ قال ” لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ”…فما دخل الانتخاب…؟؟”
أوصلته إلى منزله وأوصيت به زوجته المسكينة خيرا…واتجهت صوب منزلي وأنا أتمتم “زعمة قداه من واحد مشى سكران للانتخابات؟ زعمة…زعمة…تطلعشي الانتخابات الكلّ بالعتو…زعمة حلال انتخاباتنا؟؟؟ استغفر الله… استغفر الله… استغفر الله…” وقرأت المعوذتين وسورة الإخلاص وبعض قصار السور…ودخلت منزلي في حالة سكر…مما سمعته من المعتوه صديقي… وقلت في خاطري لماذا لا يقع سنّ قانون كذلك الذي يمنع “السياقة في حالة سكر” وخلاصته “ممنوع الانتخاب في حالة سكر…”.