من مآثر الادب العالمي رواية البؤساء للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هيغو …درسنا الكتاب في مادّة الفرنسية زمن دراستنا الثانوية وشاهدناه فيلما اُنتج سنة 1958 ابهرنا فيه الممثّل الفرنسي جان غابان في دور جان فالجان ..
الرواية كما الفيلم يعرضان طبيعة الخير والشرّ والقانون والاخلاق والفلسفة والعدالة والدين وطبيعة الحبّ والرومنسية والعائلة …و فيكتور هيغو يقدّم كتابه سنة 1862 وبعد سقوط نابوليون وفشل الثورة بقوله (تخلق العادات والتقاليد في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من الجحيم الاجتماعي)… والان وبعد عقود من الزمن اقول مع الاعتذار المسبق للكبير فيكتور هيغو .. بؤساؤك هُم حتما بؤساء ولكن ما رايك في بؤساء من صنف آخر نعايشه ويعايشنا ؟؟ يا استاذي هيغو ما رايك في من عمره بلا شباب وحياته بلا ربيع ….؟؟
ولكأنّي اسمع هيغو يبتسم ابتسامة لا اعرف ماهيّتها ويهمس لي .. هات مثالا على ماذكرت ايّها الصغير … واُسعد جدا لردّ فعله وخاصّة وهو ينعتني بالصغير .. نعم فانا صغير جدّا امام عمالقة الادب والفكر … اتنحنح واجمع كلّ قواي واجيب .. سيّدي الكريم … ما رأيك في مجانين السياسة وهم يلهثون وراء سراب الكرسيّ ويتوهّمون انّهم سادة البشر ومالكو امورهم ؟؟ اي انصاف آلهة … وهُم اوّلا واخيرا عبيد ولكنهم لا يشعرون ..نعم تعلّمت في القليل الذي تعلّمته انّ العبد هو من فقد حرّيته ليكون مسودا لا سيّدا .. اليس كذلك ؟؟ ولكن ما رايك فيمن فقد حرّيته وهي اغلى ما يملك الانسان فلا هو طليق كطيف النسيم ولا هو بحُرّ كنور السماء في ضحاه …
هات لي سيّد فيكتور رجل سياسة يتمشّى في شارع ما او نهج ما او زنقة ما دون حراسة .. هات لي سياسيا واحدا قرّر ان يذهب لسيدي بوسعيد او سيدي بوزيد او سيدي بولبابة او سيدي منصور او سيدي محرز دون ان تسمع صراخ منبّهات خافرات الشرطة والحرس .. هات لي سياسيّا واحدا قرّر يوما ما ان يذهب لمارشي سيدي البحري او مارشي لافايات او مارشي بوشويشة لتفحّص كعبة دلّاع او كعيبات بطاطا او شويّة فلفل بقلوطي …وعيونه حريصة على البائع الذي قد يغافله ويدسّ له بعض الخضر ..البالي منها والمعلول والمعاق في خلقته …
هات لي سياسيّا واحدا يقرّر في الويكاند ان يستمتع بغطسة راسو راس البحر في الكرم او المرسى او بوجعفر او في فستقية القيروان او في سيدي منصور بصفاقس (عفوا هذا الشاطئ الاخير غير صالح للسباحة …بل الادهى والامرّ انّ صفاقس وهي المدينة التي تحتوي على اطول شريط ساحلي في تونس لا تملك بحرا صالحا للسباحة) .. هل سمعت سياسيّا واحدا خرج على الفيسبوك وكتب توحّشت امّي الله يرحمها .. اليس كتمان مشاعر الواحد منّا تجاه والديه نوعا من العقوق ؟؟
هل سمعت سياسيا واحدا يخرج مع مشجّعي فريقه الرياضي ليحتفل في سيارته مع اطفاله بنيل لقب ما .. حتّى و لو كان من نوع (تونس بكلّها تعرف) ..؟؟…. هل سمعت سياسيّا واحدا يلعن جدّ والدين بو جلّ التلافز والاذاعات وهي تؤسّس للابتذال والميوعة والريق البارد ؟؟ وعندما تطلق صيحة فزع يقولولك فيق على روحك يا قديم انت … فعلا انا قديم ولكن لا اشرّع للجريمة تجاه جيلنا القادم …هل سمعت سياسيّة واحدة تخرج على الفيسبوك المحنون وتكتب كما تكتب عديد النساء الغبيات (زوجي خذ بيدي الى الجنة) تقولشي راجلها يخدم حمّال بالبرويطة عند المولى عزّ وجلّ ؟؟ … تزيد خويا هيغو ..؟؟..
سي فيكتور هيغو ما جاوبنيش ..شنية الحكاية زعمة … زعمة خذاتو عينو ؟؟… زعمة قال بينو وبين روحو اش قاعد يخرّف هذا الطفل ؟؟ سانتظره ولو كلّفني الانتظار اسبوعا .كاملا .. بالي واسع يا شيخ فيكتور .. انذاك ساواصل بقيّة حكاية البؤساء الحقيقين الخميس المقبل …