جور نار
البارحة زارني البوعزيزي باكيا…
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashشعرت البارحة بقلق شديد جعلني أكره كل ما هو حولي…خرجت لأتجول في الأنهج المجاورة، ثم خيّرتُ العودة بعد بضع مئات من الأمتار…
وكالعادة قبل أن أصل المنزل اعترضني أحد أصدقاء الحيّ محتضنا عمود الكهرباء متمتما أغنية للهادي الجويني تقول “اللي تعدّى وفات زعمة يرجع…والاَّ نعيش بعلّتي نتوجعْ”…ارتمى صديقي أمامي قائلا “يا عشيري…خذ نفسا أو أكثر” أجبته “لا لا أدخّن” غضب…وتحرّك يمنة ويسرة وكأنه يعدّ لعدوان ثلاثي على شخصي…وصاح “خذ نفسا…وأدخل الجنة…وسترى ما تتمنى”…قلت في خاطري…أخذته قبل أيام، فدخلت جهنّم، لنجرّبْ فقد يتغيّر وضع البلاد ونخرج مما نحن فيه من سقوط هذه المرّة…”هات نفسا “…
ولثمت السيجارة التي انتحلت في تلك اللحظة، صفة شفاه امرأة فاقت عتبة الأربعين فالتصقت بفمي ودحرجتني معها إلى عالم رائع لا أعرف نهايته…لم أشعر بشيء ولم أر شيئا لكني سمعت طرقا على الباب فأسرعت…رأيت …ويا هول ما رأيت…لم أصدّق ما رأيت أغلقت الباب وعدت من حيث أتيت…عاد صوت الطرق على الباب بأكثر شدّة…رجعت بسرعة وأنا أتمتم…أظنّ أنني صعدت إلى الفردوس الأعلى…فتحت الباب وقررت أن أرحّب بالطارق حتى وإن كان والدي الذي توفي منذ قرابة العقدين…
ضحك الطارق ونظر إلي محدّقا … ألم تعرفني؟ أنا محمد البوعزيزي…أنا الذي أحرق نفسه ألا تذكر؟ أجبته…مرتعشا وأحسست في ذات الوقت بتدفّق وتسرّب مائي ينزل من بين فخذي ليملأ حذائي…أعرف… ومن أين أتيت؟ ألم تمُت؟ ألم يحترق جسدك؟ ولماذا جئت إلي منزلي؟ اخترتك أنت…قالها وهو ينظر إلى حذائي الذي تسربت منه مياه تصريفي ووصل سيلانها إلى أصابعَ قدمه اليمنى…فقد كان منتعلا “شلاكة”…
تمتمت في خاطري “حتى في الجنة هناك “الشلايك بلاستيك” يا دين الزكش”، أدخلت الشهيد إلى قاعة الجلوس وأثار “بَوْلي” تتابع خطواته فقد “ترنّخت” أصابع قدميه بمياه تصريفي التي ملأت حذائي وتسربت لتصل بين أصابعه…استأذنت منه أن أنظّف المكان وأعود إليه…صاح في وجهي “لا يهمّك” أجلس أريدك في أمر هام…جلست محدّقا في وجه الشهيد، بعد أن بدأت ألملم بعض شجاعة ورثتها عن والدي وأنا أتمتم “دبرتها يا هذا واسطة للجنّة…جوّ…انسى روحك ..” وقلت له هذا شرف أن يزورني شهيد البلاد والثورة…
ضحك ساخطا…أنا اليوم هنا لأعتذر لك وللشعب كافة عما سببته لكم من مصائب ونكبة…فلو سكتّ ولم أحرق جسدي لما جاءت معارضة بن علي رحمه الله لتحكمكم، ولما جاء هؤلاء الجهلة يخربون البلاد ويجوعون العباد…ولما جاء هؤلاء الذين لا يفقهون شيئا من مفهوم الدولة والحكم والتسيير ليغرقوكم في الهمّ والغمّ…هؤلاء هم سبب كل اللعنات التي أصابتني وأنا في القبر…
استغربت قوله…وسألته كيف ذلك يا شهيد هل ضربوك في القبر أم شيطنوك أم ماذا هل تعرّضت للهرسلة هناك ممن وكيف أيعقل ذلك يا شهيد هل منعوك من السفر هناك أم وضعوك في الإقامة الجبرية أم صادروا عربتك كما فعلوا هنا؟…لا، ليس كما تتصور وكما ذكرت لكن وأنا هناك سمعت لعناتكم جميعا ومع كل لعنة …أُحرَقُ من جديد…لذلك أزورك اليوم لتُبلغ اعتذاراتي لأهلي بسيدي بوزيد وكل البلاد ليسامحوني عمّا اقترفته من خطأ تسبّب في دخول التتار والوندال وجنكيز خان إلى تونس…
سألته مستغربا “ولماذا اخترتني أنا بالذات؟” ضحك وقال: أقرأ كل ما تكتبه في “جلنار” وعلى حسابك بالفايسبوك وأعترف أنك عقلاني ومنطقي، فجئت لأعتذر من خلالك لأنك تعرف كيف تنشر اعتذاري بالطريقة التي تريد…وقفت مرتعشا وأنا أقول: وهل لكم فايسبوك هناك وهل سرعة التدفق رديئة كما التي نعانيها أم أنتم في حال أفضل؟ هدّأ من روعي وأضاف قائلا “نعم لنا فايسبوك وتويتر ونتخاطب مع سكان الضفتين جهنم والجنة وما بينهما، وقد قرأت كل ما تكتبه وكل ما يكتب عنّي…على فكرة “يا عشيري” (عشيري من اين جاء بهذه الكلمة وانا لم ألتقه يوما في حياتي ما هذا…؟؟؟) الجميع يقرأ لك هناك وهم مغرمون بأسلوبك…
شعرت ببعض العرق في بعض مناطق الظلّ في جسدي وتمتمت…”تهردت” الجماعة عاجبهم اسلوبي…ترصيليش نخدم كرونيكار في “جهنم نيوز” أو في “رنديفو في الجنة” أو حتى ناطق رسمي لإحدى وزارات جهنم العليا أو الديمقراطية…” حرّكت جسدي يمينا ثم شمالا عساني أترك منفذا للعرق الذي تكاثر في مناطق ظلّي المهمّشة من الرعب الذي اعانيه وأنا أتحدث مع عائد من تحت الارض…تفطّن البوعزيزي لقلقي ورعبي من وجوده فأضاف: لا يهمّك سأخرج فقط أردت أن يعرف الجميع أننا هناك نشعر بالندم عمّا أتيناه وما تسبّبنا فيه للبلاد …كما عرفنا من أحد معارضي بن علي ممن التحقوا بنا في حي التضامن “الجهنمي” أن أوضاع البلاد ساءت كثيرا وأنها تسوء يوميا وقد تعاني البلاد المجاعة في قادم الاشهر…
سألته : وما الذي أتى بمعارض بن علي إلى حيّكم ألا تعيشون في الجنة أنتم؟…ضحك وحرّك قدمه اليمنى حتى اعتصر البول الذي تسرّب إليها من حذائي محدثا صوتا “إباحيا” مريبا كذلك الذي يحدث اثناء الجماع …لا يا “عشيري” نحن في جهنّم…تألمت وأنا أقول في خاطري…”رمز ثورتنا في جهنّم… ثورة الكازي هذه”…ثم أضاف لا تقلقوا فهذه الأيام كثر عدد الوافدين علينا ممن حكموا بعد بن علي رحمه الله وحتى من جماعة بن علي الذين غدروا به و”غلطوه”…وهذا يؤكد أنهم ليسوا على حقّ…لا تقلقوا …قالها باكيا…متمتما “اش لزني نجبدلها في “ضرعها” على لساني” …معتذرا عمّا فعله مع فادية عون التراتيب !
ووقف متثاقلا يريد توديعي…لمحت دمعة نزلت تتدحرج على خده الأيسر…وقلت له هل تريد شيئا هل أنت جائع هل تشرب عصيرا؟…انتظر لأملأ لك قفّة من الغلال تأخذها معك…أتريد “ستيكة دخان لوريس متاع دزاير”؟ نظر إلي ضاحكا…” لا يا “عشيري”…ظاهرة التهريب مستفحلة هناك وكل أصدقائي لا يبخلون علي بغلال الجنّة… أخيرا وصلتني قارورة ويسكي من صديق شهيد عراقي وجدها في أدباش قتيل من المارينز”…ضحكت وقلت دون أن يسمعني البوعزيزي…”ملّا عيّاق حتى في جهنّم يهرّبوا في السلع والدخان وربما حتى الزطلة”…شهداء…شهداء “الكازي”…
خرجت مودّعا الشهيد سابقا، قائلا له ” وأين أنت ذاهب الآن؟” أجابني ضاحكا “سأذهب لأزور بن علي رحمه الله في الجنة إن نجحت في الحصول على ترخيص من اللجنة العليا للزيارات بين الأموات التي يرأسها سي الباجي “الله يرحمو” فقد علمت أنه زارني وأنا في المستشفى قبل أن أرحل إلى حيث أنا الآن”…استغربت قوله وسألته “ولماذا تزوره؟”…أجاب ضاحكا” لأقول له “غلطـــــوني”…وأقبّل ليلى فهي تعجبني فنحن هناك يمنع علينا مخالطة النساء”…قلت في خاطري “ملاّ عايق لتوه ما تابش…”
فجأة شعرت بصفعة قويّة نزلت على خدّي الأيسر…وسمعت صديقي الذي ارغمني على اخذ نفس من سيجارته المحشوة “زطلة” يصرخ…”فيق يا سخطة… فيق سي السما…شبيك راقد البرّة”…نظرت من حولي فلعنت “الزطلة “ومن أدخلها البلاد…وتأكدت أن “الزطلة” هي وسيلة النقل الأسرع التي توصلك جهنّم والجنّة في لحظات…ودخلت منزلي مستغفرا الله عن الذنوب التي ارتكبتها وأنا في جهنّم…ومتسائلا ..”هل من “زطلة” تدخلني الجنة…لأبقى هناك؟”
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 23 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 24 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟