تاريخنا الحديث كعرب حافل بالهزائم واسباب هذه الهزائم يلعب فيها العدوّ الخارجي ادوارا مهمّة بالتاكيد .. لكننا نحن ايضا نلعب ادوارا لا تقلّ اهميّة …
وبعيدا عن العمالة باشكالها المختلفة هنالك ايضا اسباب سوسيولوجية ورثناها منذ صغرنا …ومن ضمنها شخصية “الباندي” او “الباربو” التي لا فقط عايشناها بل تشبثنا بها فيجلّنا …ودرجة وعينا في مرحلة لاحقة هي التي جعلت الفارق بين من تخلّى عنها ومن مازالت تعيش في سلوكياته بما في ذلك السياسيّة شخصية الباندي تبدأ في الطفولة مع “صحيّح” الحومة ..
هو الحاكم بامر الحومة هو رئيس دولتها يهابه الكبير والصغير بل يصبح محلّ افتخار واعتزاز وتباه بين حومة واخرى وتتواصل هذه المرحلة السنّية الى عمر متقدّم خاصّة لدى المنقطعين عن الدراسة نظرا إلى توقف مسار الوعي والادراك عندهم ولعلّ ابرز واشهر مثال على ذلك “شورّب” ولكلّ حومة في كلّ اصقاع تونس شورّبها …
هذه الشخصية الصدامية تترسّخ في اذهاننا عند اكتشافنا لعالم السنما ..كنّا كمراهقين نتفاعل بانبهار واحيانا بتماه مع شخصيات من نوع هيركول وماسيست ثمّ تدريجيا مع جيمس بوند وماك غايفر … ابطال لا تقهر، اي بانديّة …
هذا غربيّا امّا عربيا فمن منّا لم يتحمس لفريد شوقي وهو يصارع خصمه الازلي محمود المليجي بل ويصيح وهو في قاعة السينما محذّرا فريد شوقي من المليجي، المتربص به في زاوية ما: “رد بالك اوكة قفا العرصة ” ظنا منّا انّ فريد شوقي يستمع الينا !!
وتقدّم بنا العمر وبدأ وعينا السياسي ينمو نموّا جنينيا بداخلنا فمنّا من اختار الباندي بورقيبة (او الباربو بورقيبة) وللتبوريب اشكال وانماط لانّ بورقيبة كباندي كان مختلفا عن الباندي التقليدي ..لم يكن ذلك الصائح الهائج كثور بل كان بارعا جدا في بيداغوجية التواصل والاتصال ..نعم كان بانديّا بامتياز في اسلوبه …وتأثّر به العديد واحيانا دون اعمال فكر نقدي تحليلي لسياسته …
جانب أخر منّا ذهب الى منحى آخر ..الى عبد الناصر الذي صفّق له المنبهرون به كباندي العرب وهو يعد برمي اسرائيل في البحر .. آخرون رأوا في الغرب ملاذهم ..كخروتشوف الذي خبّط برجله على الطاولة في مجلس الامن وهو يتحدّى امريكا … وامثلة البانديّة عديدة غربا وشرقا: تشي غيفارا .. القذافي .. وحديثا الحاج بوتين ومهبول كوريا الشمالية …
في الكرة ايضا لكلّ فريق الباندي متاعو ويحظى بالمساندة الدائمة من قبل المشجعين … والباندي في الكورة عادة ما يكون من المدافعين وهم في جلّهم يمتهنون مهنة الجزّار مع مهاجمي الفريق المنافس لا رحمة ولا شفقة ..فللترجي عبدالقادر المزاودي وللصفاقسي المرحوم الياس بن صالح الذي جزّر في مقابلة مّا لاعبا من الترجي ونزع المريول وغادر دون انتظار الورقة الحمراء للحكم (عرف مصيرو) وللافريقي المحايصي وللنجم الوحشي ومن منّا لا يتذكّر تلك الانشودة الساحلية “يا وحشي اعطيه” وللبنزرتي شلّوفها ..
ولكلّ الفرق دون استثناء المدافع المطرقة وحتّى بعض الممرنين انساقوا في منظومة تشجيع اللاعب على ان يكون باندي ولعلّ اشهرهم التليلي الذي كان يوصي مدافعي فريقه باهزوجته الشهيرة “الكورة والا هو، الزوز لا” اي لا تسمح للاعب بالمرور فإمّا ان تفتكّ الكورة او “تفتك” باللاعب!
وجاء 14 جانفي 2011 وعشّشت منظومة البانديّة فينا … وهنا اتحدّث عن باربوات السياسة لا باربوات الشوارع الذين ظهروا تماما كما يظهر الحلزون بعد هطول المطر … و”عد تغلط” … البطل سياسيا عند جلّنا هو من يصيح اكثر من غيره ومن يهدّد اكثر من غيره وعاد الشعب التونسي في جلّه لذلك المراهق في الستينات الذي يصفّق وبشدّة الى هؤلاء الباندية …ولعلّ تلك اللوحات التي عشناها مع مجلس النوائب خير دليل …ونزل الخطاب احيانا الى درجة مُقرفة من التبوريب و كان عندك ريح ذرّي عشرة… كافدح واوضح واقبح مثال على شورّب الساسة 2021 …
ويبقى الاشكال ليس في هؤلاء الباندية فهم موجودون عبر اروقة التاريخ _ الم يمت المتنبي ببيت شعري قاله في شخصه بكلّ تبوريب ؟؟ و الباندية ايضا سيوجدون عبر القادم من التاريخ ..الإشكال فينا نحن او لنقل في الكثير منّا .. وكي ننسّب وجودهم عدديا علينا ان نسال انفسنا …متى نفهم ونعي بانّ التبوريب وعلى مرّالتاريخ سياسة مآلها الفشل والفناء ….ومتى نفهم ان لا تقديس ولا تهليل لايّ باندي اذا لم تكن قوّة حجّته اقوى من قوّة عضلاته وعضلات لسانه؟؟
وقتها ستستقيم امورنا عندما نتّبع علوّ الحجّة لا علوّ الصوت ..متى خاصّة يفهم القطعان المنبهرون ببانديتهم ذلك؟؟؟ …